بعد مناقشةٍ هادئةٍ ومُعمّقة لمخاوف شعبنا السوري، لا سيما عائلات ضحايا نظام الأسد البائد، وذلك خلال الاجتماع المنعقد يوم السبت تاريخ 14 حزيران عام 2025م، فإن المنبر السوري الديمقراطي المكون من العديد من الأحزاب والتجمعات والتيارات السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني، يؤكد بدايةً أن العدالة الانتقالية إنما تشكّل حجر الزاوية في بناء السلم الأهلي وتحقيق المصالحة الوطنية في سورية المستقبل، فلا يمكن تصور استقرار دائم أو دولة قانون دون عدالة حقيقية تعالج آثار النزاعات والانتهاكات التي طالت السوريين من جميع الأطراف، وفي مقدمتها نظام الأسد الذي ارتكب المجازر بحق المدنيين وعمّق الجراح الوطنية.
إن الانتقال من حالة الحرب والانقسام إلى حالة السلم والمواطنة يتطلب عدالة تضع الأسس الأخلاقية والقانونية للمحاسبة، وجبر الضرر، والاعتراف بالضحايا، مع التأكيد أن هذه العدالة لا ينبغي أن تكون أداة للثأر أو تصفية الحسابات، بل وسيلة لقطع الطريق على التكرار، ولبناء ثقة مجتمعية في مؤسسات دولة ما بعد الصراع.
ومن هذا المنطلق، فإن المنبر السوري الديمقراطي يدعو إلى ما يلي:
- تأسيس لجان قضائية وحقوقية متخصصة في ملف العدالة الانتقالية، تكون مستقلة مهنيًا ومحمية من التسييس أو تضارب المصالح، وتتمتع بشرعية دستورية وشعبية.
- التمييز الواضح بين الحق العام والحق الشخصي في المعالجات القضائية، مع ضمان حقوق أولياء الدم في المساءلة والإنصاف وعدم طمس الجرائم الفردية أو الجماعية.
- تبني مبدأ جبر الضرر بكل أبعاده (المادية والمعنوية والنفسية)، مع توسيع دوائر الاعتراف الرسمي بالضحايا كمدخل للمصالحة الحقيقية.
- تشكيل لجان "الحقيقة والإنصاف" في كل محافظة ومدينة، تكون مهمتها جمع الشهادات وتوثيق الانتهاكات وتقديم رواية وطنية جامعة تحفظ الذاكرة وتحمي المستقبل.
- إعطاء الوقت الكافي لنضوج الرؤية المجتمعية للعدالة الانتقالية، بعيدًا عن التسرع الذي يفرغ المفهوم من مضمونه، أو المماطلة التي تميّع المطالب الشعبية بالحق والإنصاف.
- التأكيد أن المساءلة حق وطني لا يسقط بالتقادم، وأن العدالة لا يمكن أن تتحقق بإرادة دولية فقط، بل من خلال إرادة وطنية حرة تعبّر عن صوت الشعب السوري في مختلف مناطقه.
وفي هذا السياق، نطرح سؤالاً محورياً أمام كل الأطراف الفاعلة في الإدارة السياسية الحالية في سورية:
هل فعلاً نملك الإرادة الصادقة لإنجاز مصالحة وطنية حقيقية تُبنى على عدالة عادلة وشاملة؟
أم أن المطلوب هو إغلاق هذا الملف تحت مسمى "العفو" أو "المسامحة" دون مساءلة أو مكاشفة؟
لقد أثبتت تجارب عدة – ومنها تجربة النرويج وبعض دول أمريكا اللاتينية – أن المصالحة الوطنية لا تُبنى على النسيان، بل على الحقيقة والعدالة، وإن الخوف المشروع الذي يبديه السوريون – لا سيما أهالي الضحايا وأولياء الدم – من محاولات تمييع الملف أو تجاوزه، هو خوف يجب احترامه، لا تهميشه.
كما نؤكد أنه على السلطة التشريعية في سورية المستقبل أن تكون العمود الفقري لهذا المشروع، بوصفها المؤسسة القادرة على وضع الإطار القانوني والضمانات الدستورية لعملية العدالة الانتقالية.
ختامًا، فإن المنبر السوري الديمقراطي يضع هذا البيان أمام الرأي العام السوري، وأمام القوى الوطنية والدولية، كموقف مبدئي وثابت نابع من قناعتنا أنه لا دولة دون عدالة، ولا مصالحة دون مساءلة، ولا استقرار دون صوت للضحايا في وجه آلة الإفلات من العقاب.
المنبر السوري الديمقراطي
19 حزيران 2025