المكتب السياسيالمكتب العلميبحوثجمعة محمد لهيبقسم البحوث و الدراسات

8 أعوام على التدخل الروسي في سورية, مالموقف؟

تيار المستقبل السوري
المكتب السياسي
قسم البحوث والدراسات
بحث رقم (01-10-23)


مقدمة

مع فجر 30 سبتمبر 2015م، بدأت صواريخ الروس رسمياً تدك رأس المعارضة السورية قبل ثماني سنوات، تغيرت الخارطة السورية نحو انزياح المعارضة عن النصر العسكري وتفوق النظام السوري باكتساحه الأراضي المحررة من جديد، حتى تم خلال سنة واحدة فقط استعادة النظام السوري لمدينة تدمر الأثرية وأجزاء مهمة من ريف اللاذقية، وكلها كانت خاضعة للمعارضة السورية آنذاك، بالإضافة إلى مناطق من القلمون بفضل الدعم الروسي[1], ليتم بعدها سلسلة الانسحابات من مناطق استراتيجية للمعارضة السورية، وليتم اغتيال زهران علوش في الشهر الأخير لعام 2015، مما أسس بداية توقيع إتفاقية الانسحاب من الغوطة عام 2018م [2].

المعارضة السورية قبل التدخل الروسي

حاول المجلس الوطني السوري برئاسة السيد برهان غليون محاولة اختراق بطرق الباب الروسي ولكنها فشلت [3], ، إلا أن العائق لم يكن بالمعارضة السورية يومها رغم تحمّلها بعض المسؤولية [4], بل كان بالغرب! الغرب الذي رفض أن تكون المعارضة السورية سبباً في إعطاء الروس شرف المفاوضات معهم[5], ويمكن القول أن المعارضة السورية لم يكن لها موقف معادي ضد روسيا رغم استخدامهم للفيتو، وإظهار مكانتها الدولية في مجلس الأمن كضامن للنظام السوري باعتباره ورقة بيدها.

فالنظام السوري قبل الثورة السورية كان ذا هوى غربي، وكان مُقدِّراً لحال الروس البائس أمام الغرب المتفوق، لهذا رفض عدة عروض من بوتين بالزيارة، وتفعيل العلاقات بشكل استراتيجي معها.

ومما يقال بأن الأسد أهمل الروس وقتها، مما سبب حالة خيبةٍ أمام بوتين أضمرها بنفسه، وأظهرها لبندر بن سلطان[6].

أسباب التدخل الروسي المباشر في سورية

هناك أسباب كثيرة يمكن ذكرها والتي دعت بوتين للتدخل في سورية, ولكن أهمها:

1- تقليم أظافر الدول الاقليمية “تركيا والسعودية” في تمددهما في سورية[7].

2- الفراغ الذي ولّده الإعراض الغربي عن سورية “أمريكياً وأوربياً”.

3- رد بوتين للعزل الديبلوماسي والسياسي من قبل الغرب على روسيا.

4- استخدام دعم النظام السوري كـ “وسيلة إثبات الذات والتقدم خطوةً أخرى للقيام بدور دولة عظمى عالمياً، وهذه المرة من الشرق الأوسط”[8].

5- عقد اتفاقيات طويلة الأمد مع النظام[9].

6- تشعر روسيا بأن تمدد ايران في سورية سيجعل ايران تستحوذ على كعكة النظام كلها, مما اضطرها للدخول وتقليم أظافر ايران واستغلال الخوف الاسرائيلي من التمدد جنوباً لميليشات ايران؛ للتدخل العسكري الروسي, لهذا يمكن اعتبار أن أحد أهم الأسباب للتدخل الروسي “يتركز على إيران وتهميش دورها السياسي في سوريا “[10].

المعارضة بعد التدخل الروسي

من المعروف عن الروس طولة بالهم وبطئهم الشديد في اتخاذ القرارت, ولكن التدخل العسكري في سورية كان عملياً في تموز 2015م, حيث بدأت روسيا باستقدام سفن الإمداد العسكرية الروسية وطائرات النقل العملاقة من طراز “إليوشن” و “أنتونوف” إلى موانئ ومطارات سورية, لتقيم قاعدة “حميميم” التي تبعد نحو 20 كلم إلى الجنوب من اللاذقية, وباستكمال تجهيز القاعدة وانتهاء اجتماع بوتين مع باراك أوباما في اجتماعات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في نيويورك, باشرت روسيا في 30 أيلول 2025م تدخلها العلني والمباشر.

لهذا يمكن اعتبار التدخل الروسي مفاجأة للجميع, حيث أن روسيا كانت توحي بالمرونة في الملف السوري وقبولها خروج الأسد من السلطة, بل كانت موسكو تروج لعقد لقاء سوري سوري على أرضها ليكون مرحلة قبلية لمؤتمر جنيف3 .

ومن الملفت للنظر في هذه المرحلة استمرار وجود أصوات من المعارضة ترى موسكو دولة راعية للحل السياسي السوري[11].

لم تتوانى المعارضة السورية من استغلال الخلاف الدائر في الدولة الروسية حول النظام السوري, فالدفاع والمخابرات الروسية كانتا ضد بقاء الأسد, وحاولت المعارضة السورية جاهدة التنسيق مع الروس على ابعاد الأسد ورعاية الروس لمؤتمر وطني عام يعطيها مكاسباً أمتن على شريط البحر المتوسط بعد قصقصة أذرعها في لبيبا.

اليوم..

بعد الحرب الأوكرانية وتغوُّل الروس وتهديدهم للمصالح الغربية عبر قطع إمدادات الغاز، وخلخلة الحدود لدول الأطراف، وتهديد الناتو، يمكن القول أن الروس أصبحوا في واد مختلف عن السابق، وفيما خص الشأن السوري تظهر العلاقة المتينة واضحة بين الروس والأتراك بعد الانقلاب الفاشل في تركيا وإعادة التموضع التركي الاستراتيجي في الاقتراب قليلاً من الروس لموازنة كفتها الجيوسياسية، هذه العلاقة التي أسست لمؤتمر سوتشي وخفض التّصعيد، وغيرها من تحركات سياسية آخرها الإجتماع الرباعي بين الروس والأتراك والايرانيين والنظام السوري، هذه التركيبة الجديدة تُحيل إلى مايلي:

1- العلاقة المتوترة بين الروس والغرب تجعل الاقتراب من الروس خطراً, وداعية للاصطفاف الدولي بين الفيلة فيما لا قِبل للمعارضة المتنوعة وللفصائل المتعددة في بلد صغير كسورية السير معها!, حيث أن سورية قد أصبحت مجرد ورقة على طاولة بوكر دولية متشابكة.

2- العلاقة التركية الروسية تجعل العداء مع الروس من قبل المعارضة مهدداً للعلاقة مع تركيا, الأمر الذي لا تستطيعه المعارضة بسبب وضع بيضها في السلة التركية أولاً, ولأن اللاعب التركي أصبح اللاعب الوحيد الداعم للمناطق خارج سيطرة النظام ثانياً.

3- انتهاء الخلاف في مجلس الأمن الروسي بخصوص بشار الأسد والاتفاق على ضرورة وجوده حاليا ودعمه[12].

خاتمة وتوصية

يمكن القول أن “مكانة روسيا وطموحاتها باستعادة دورها في المنطقة أصبحت على المحك, فسقوط النظام السوري سيؤدي بالتأكيد إلى تقدم الولايات المتحدة الأمريكية إلى دوائر قريبة تعتبرها روسياً تهديداً لأمنها القومي وهذا مايعني إضعاف دورها”[13], خصوصاً بعد الحرب المشتعلة في أوكرانيا, واعلان طريق الهند أوربا التي تُخرج روسيا منه, الأمر الذي دفعها للطلب من الصين بإعادة تحريك وتفعيل خط الحرير ودعوة الأسد للصين كرسالة على عدم السماح بتجاوز الروس, ومن هنا زادت هذه الحاجة لدى الروس بالحفاظ على الأسد ونظامه على الأقل حالياً.

ولكل ماسبق, فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بمايلي:

– تجميد أي تحرك نحو روسيا والتوجه نحو الغرب, خصوصا أمريكا وبريطانية, والاتحاد الأوربي في مرحلة ثانية, فروسيا حالياً لن تسمح بأي علاقة صحية مع المعارضة, خصوصاً وأنها ترى علاقتها مع تركيا كافية.

– العمل على استقرار المناطق خارج سيطرة النظام وإعادة إعمارها, إما بحسب مقترح “الأرض الحرام”[14] والذي يستمد من تجربة توحيد ألمانيا الغربية[15], وإما ببقاء الكيانات على حالها وإعادة تصحيحها ودمقرطتها والعمل على حوكمتها, لتكون نواة تأسيس لسورية المتبقية المزدهرة, وترك الروس ليغرقوا بمستنقع الكبتاغون والميليشيات الإيرانية وليدفعوا ثمن دعمهم للأسد أمام المجتمع الدولي وليس أمام السوريين.

جمعة محمد لهيب

باحث في قسم البحوث والدراسات

تيار المستقبل السوري


[1] عام على التدخل الروسي: حصيلة ثقيلة وتصعيد غير مسبوق | سياسة واقتصاد | تحليلات معمقة بمنظور أوسع من DW | DW | 30.09.2016

[2] “التوصل إلى اتفاق” على خروج “جيش الإسلام” من الغوطة في سوريا – BBC News عربي

[3] غليون يدعو روسيا إلى الاعتراف بالمجلس الوطني ويتمسك بدورها في تحقيق التوازن والاستقرار – RT Arabic

[4] رغم خروج مظاهرات منددة بالموقف الروسي, وتم تسمية يوم باسم “ثلاثاء الغضب من روسيا” في 13 – 9 – 2011م,

[5] صرح بذلك برهان غليون في لقاء افتراضي لمناقشة كتابه “عطب الذات”, واللقاء غير مسجل حضره الكاتب في ندوة نقاشية بعد التدخل الروسي.

[6] ينقل بندر بن سلطان حديث بوتين له وقوله: ” أنتم من كبّر رأس الأسد وذهبتم به إلى باريس ورتبتم له زيارة مع شيراك ثم إلى لندن، هل تعلم أنني دعوته أكثر من مرة لزيارة موسكو ولم يأتِ. لكن أنا باق هنا، وستأتي اللحظة التي يأتي فيها بيديه وقدميه حبواً إلينا، وفي تلك اللحظة سنرى”. انظر: رئيس استخبارات السعودية الأسبق: بوتين قال لي أنتم من كبّر رأس بشار الأسد وسيأتيني حبوا – CNN Arabic

[7] حمزة مصطفى, ندوة “التدخل العسكري الروسي في سورية” الدوافع والأهداف والتداعيات, ضمن مجلة “سياسات عربية”, العدد 17, تشرين الثاني 2015م, 190.

[8] عزمي بشارة, روسيا: الجيوستراتيجيا فوق األيديولوجيا وفوق كل شيء, ضمن مجلة “سياسات عربية” العدد 17, تشرين الثاني, 2015م, 8.

[9] انظر الاتفاقيات: الياس الخوري, “الأسباب والدوافع”.. لماذا تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا؟, 10- 5- 2021م, في (“الأسباب والدوافع”.. لماذا تدخلت روسيا عسكرياً في سوريا؟ | شبكة بلدي الإعلامية (baladi-news.com))

[10] الأهداف الخفية للتدخل الروسي في سوريا | كتاب عمون | وكالة عمون الاخبارية (ammonnews.net)

[11] ومنها انبثقت منصة أستانا برئاسة “رندا قسيس” بعد التدخل الروسي 2015م.

[12] بحسب “رندا قسيس” في لقاء دردشة افترضية معها.

[13] معالي لطفي سالم, التدخل الروسي في سورية الدوافع والمآلات, كلية الاقتصاد جامعة القاهرة, د.ط, 2022م, 518.

[14] مبادرة أطلقتها غلوبال جستس والتحالف العربي الديمقراطي, لاستنساخ تجربة ألماني الغربية بتوحيد المناطق الخاضعة للولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإعادة إعمارها.

[15] انظر كتاب: أسامة قاضي، “سيناريوهات إعادة الإعمار في سوريا.. ألمانيا الغربية أو فيتنام أم الشيشان”.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى