المكتب الإعلاميرئيس التيارمقالات رأيمقالات رأي رئيس التيارمكتب الرئاسة

اللقاء السوري الديمقراطي (2)

تحدثنا في المقال السابق عن ماهية اللقاء، وسياقاته، وكيفية بداية مساره، وفي هذا المقال المُختصر سنُفرد بعض النقاط التي نراها في تيار المستقبل السوري ضرورية قبل انعقاد اللقاء في برلين يومي الجمعة والسبت الواقعين في 20 – 21 من هذا الشهر، وقد يكون لنا موقف نبني على الأمر مقتضاه بعد اللقاء.
في هذا المقال سنُبين موقفنا بفكرة اللقاء السوري الديمقراطي عبر ثلاثة محددات:
المحدد الأول:

  • تآكلت صورة الشعب السوري المتحضر والمتمدن بسبب عنجهية النظام واستخدامه للقبضة الأمنية، ما أسفر عن بروز جماعات متطرفة قومية، أو دينية، لتتحور العقلية السورية نحو واقع مأساوي متخلف، قوامه أمراء الحرب والمافيا، وتهجير السوريين وقتلهم واعتقالهم، والعودة بسورية وبشعبها نحو العصور المظلمة في التاريخ البشري، لهذا كان اللقاء السوري الديمقراطي الشعلة التي تُعيد لهذا الشعب ألقه وحقيقته التي سعى النظام السوري بكل وسائله لطمسها.
  • لا شك أن أي ممارسة ديمقراطية تحتاج لخبرة، ومع فقدان أي تواصل ديمقراطي تنظيمي أو تنظيري يُقارب الواقع ويتفاعل معه؛ يفقد السوريون يوماً بعد يوم هذا الاحتكاك بين بعضهم لتبادل الخبرات بشكل ديمقراطي، قوامه حرية التعبير والرأي، وليخوض السوريون مراناً واقعياً على تقبل التعددية السورية بكل أنواعها، لذا فإن نجاح اللقاء السوري الديمقراطي يُعطي مساحة للسوريين بخلق هذه الخبرة بين بعضهم، وبالتالي الانتقال بشكل تراكمي نحو ترسيخ مبدئي العمل والفكر الديمقراطي السوري.
  • يمكن اعتبار فكرة الاتفاق والتفاهم على الأوراق الأساسية للقاء قبل الاجتماع، وجعل هذا الاجتماع في برلين مجرد اعلان واشهار فقط، خطوة جيدة في منع إفشال اللقاء باعتبار أن غالب اجتماعات السوريين يكون أول يوم فيها هو يومها الأخير نتيجةً للخلافات غير المنظمة فيها! لذا فقد قامت اللجان المتعددة في اللقاء بعمل مشكور بجمع الأوراق الأساسية عبر استبيانات، وتقديم طعون وغيرها من وسائل منهجية ترأب الصدع منذ البداية.
  • في سنة 1961، ضمن واحد من مقالات «بصراحة» التي اعتاد نشرها في «الأهرام» المصرية، روى محمد حسنين هيكل أنّ شكري القوتلي (1891 ــ 1967)، الرئيس السوري يومذاك، وجّه إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر العبارة التالية، تعليقاً على توقيع اتفاقية الوحدة بين البلدين في شباط (فبراير) 1958: “أنت لا تعرف ماذا أخذت ياسيادة الرئيس! أنت أخذت شعباً يعتقد كلّ من فيه أنه سياسي، ويعتقد خمسون في المائة من ناسه أنهم زعماء، ويعتقد 25 في المائة منهم أنهم أنبياء، بينما يعتقد عشرة فى المائة على الأقل أنهم آلهة”.
    رغم هذا التصوير المبالغ به للشعب السوري، لكنه بقي في مخيال السوريين، وهذه الصفة وإن كانت جيدة، لكنها ولا شك موغلة بالتقوقع والشوفينية وادعاء الصوابية في القرارات! لذا يأتي اللقاء السوري الديمقراطي ليكون وسيلة لجعل هذه الصفة إيجابية عبر اجتماع السوريين المؤمنين بالديمقراطية، والحوار المتبادل الحقيقي فيما بينهم، للتعرف على وجهات نظر بعضهم المختلفة، والتكاتف بينهم فيما تم الاتفاق عليه، وتلمّس الاعذار فيما قد يُختلف فيه، ولعله لو لم يكن للقاء السوريين في برلين إلا هذه الايجابية لكفته.

المحدد الثاني:
هناك سلبيات وقع بها مشوار اللقاء السوري الديمقراطي يجب التنبه إليه وتجاوزه، فالخطأ وارد بأي عمل بشري، ولكن التنبيه عليه مهم، ويمكن الاكتفاء بثلاث نقاط سببت لغطاً، والقصد من سردها هو ضرورة الإلتفات إليها:

  • إغلاق الغرفة الحوارية الرسمية للقاء، حيث كان من المفترض أن يستمر الحوار رغم كل الظروف، وبقاء الغرفة الرسمية للقاء مضبوطة دون حوار، وتكون القرارات والتفاعلات الرسمية من خلالها، ولكنّ إغلاق مُتنفّس الغرفة الحوارية قبل اللقاء كان داعية لتخبئة الأفكار المتعددة المتباينة دون نشرها، والاشتباك معها، ونحتها وصياغتها.
  • وجود شخصيات تابعة للهيئات التي اتفق المؤسسون والداخلون في اللقاء على تحييدها؛ وشخصيات لديها مواقف سياسية تضر بالثورة والشعب السوري ولا تمثله إطلاقاً.
  • وضع كوتا للنساء وأخرى للشباب دون تفصيل دقيق قد سبب بعض الانتقادات المحقة ربما، والتي تحتاج إلى إعادة تقييم أيضاً.

المحدد الثالث:
يمكن التنبيه إلى صعوبات تعترض وقد تعترض لاحقاً نجاح اللقاء السوري الديمقراطي، والتي يلزم مراعاة تأثيرها السلبي والعمل على معالجتها، من ذلك:

  • دخول كيانات وشخصيات كثيرة تزعم تأييد المشروع واللقاء، ولكنها تضمر نوايا مخابراتية أو تشغيبٌ وتفتيت لأي عمل ديمقراطي حقيقي.
  • البحث عن آلية تمويل ذاتية تملك صفة الديمومة حتى لا يقع اللقاء في ضائقة قد تضطره للتوقف، أو البحث عن تمويل خارجي قد يؤثر على استقلالية قراراته المستقبلية.
  • هناك شخصيات تظن أن “الديمقراطية” فرض رؤيتها، وعدم احترام مواقف وآراء غيرها، وبالتالي قد تستعمل صيغة الإكراه المعنوي أو التشغيب في غرف اللقاء، وهؤلاء يجب تنبيههم وتحجيمهم.
  • أن يكون اللقاء غير معبر عن كل السوريين أو حتى الديمقراطيين فأمر جيد، ولكن البقاء في حالة ضبابية غير واضحة ولا متماسكة قد يجعله عبارة عن مُرشد ديمقراطي، أو بالحد الأعلى إن تفائلنا سيكون اجتماعاً لتبادل وجهات النظر دون قوننة وتفاعل واقعي.

أخيراً..
تيار المستقبل السوري يرى بهذا اللقاء خطوة بالاتجاه الصحيح، وأنه يؤسس لثقافة ديمقراطية، ويُساهم في نشرها شعبياً وسياسياً، ولعله ينجح بأن يكون فاعلاً مؤثراً في صنع كيان الدولة السورية الجديدة، وإفشال كل المشاريع الفئوية والتمزيقية والطائفية والقومية التي تحمل حلولاً موهومة مُدغدغة للعواطف بالعلن، وتحمل في عمقها معول هدم للدولة والمجتمع والشعب السوري.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى