المكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالاتمكتب شؤون الأسرةوهيبة المصري

نفسية الأطفال، ما بين الحروب الطويلة والقصيرة.

تتوالى الأبحاث الأكاديمية حول الطفولة والحرب وتأثير التعرض للعنف في مرحلة الطفولة على الصحة النفسية، ويمكن القول أن هناك شبه إجماع لدى الباحثين والدارسين على أن التعرض للعنف في مرحلة الطفولة يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات الصحة العقلية الأخرى في مرحلة البلوغ.

وكلما كان التعرض للعنف أكثر حدة أو مدة، زاد خطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية، كما أن تأثير العنف على الصحة العقلية أقوى لدى الفتيات منه لدى الذكور.
وتشير النتائج أيضاً إلى أهمية الوقاية من العنف ضد الأطفال والتدخل المبكر لمساعدة الأطفال المتضررين، حيث يُعد التعرض للعنف في مرحلة الطفولة عامل خطر كبير للإصابة بمشاكل الصحة العقلية في مرحلة البلوغ، لهذا فإنه من المهم الوقاية من العنف ضد الأطفال وتوفير الدعم للأطفال المتضررين، وهذا ما نحاول القيام به في تيار المستقبل السوري من خلال مقراتنا في الشمال السوري ومدارس تواد التعليمية ولنسلط الضوء في حول حياة الطفل السوري.

تأثير الحرب الطويلة على الأطفال نفسياً:
تُعدّ الحرب من أكثر التجارب قسوةً التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال، ولها آثار نفسية عميقة ودائمة على صحتهم ونموهم، حيث تشمل بعض الآثار النفسية للحرب على الأطفال، ومن الضروري التنبه لها جيدا، ولعلنا نذكر أهم هذه الآثار النفسية التي خلصت لها الدراسات النفسية العالمية:

  • اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وهو اضطراب نفسي شائع لدى الأشخاص الذين تعرضوا لأحداث صادمة مثل الحرب، ويمكن أن تشمل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة إعادة العيش، والكوابيس، والقلق، والاكتئاب، وصعوبة التركيز، وتجنب المواقف التي تذكرهم بالحرب.
  • الاكتئاب، هو شعور بالحزن المستمر وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة في السابق، ومن أهم ما يؤثر عليه الاكتئاب أنه يؤدي إلى مشاكل في النوم والشهية والتركيز، نهاية للانتحار.
  • اضطرابات السلوك، إذ قد يصبح الأطفال الذين تعرضوا للحرب أكثر عدوانية، أو متمردين، أو متهورين، وقد يعانون أيضًا من صعوبة الالتزام بالقواعد واتباع التعليمات.
  • كثير من الأطفال الذين تعرضوا للحرب يعانون من صعوبة التركيز والانتباه في المدرسة، وقد يعانون أيضًا من صعوبة تذكر المعلومات والتعلم من مواد جديدة.
  • كما يعاني الأطفال الذين تعرضوا للحرب من صعوبة تكوين والحفاظ على علاقات صحية مع الآخرين وقد يصبحوا منعزلين أو سريعي الغضب أو متنمرين على الآخرين.
    بالإضافة إلى هذه الآثار النفسية، يمكن أن تُؤثّر الحرب الطويلة على الصحة الجسدية للأطفال أيضًا، وقد يعاني الأطفال الذين تعرضوا للحرب من سوء التغذية، وضعف جهاز المناعة، ومشاكل في النمو.
    ومن المهم ملاحظة أنه لا يوجد تأثر لجميع الأطفال بالحرب بنفس الطريقة، بل يعتمد التأثير على عدة عوامل، مثل عمر الطفل، إذ الصغار أكثر عرضة للإصابة بالمشاكل النفسية من الأطفال الأكبر سنًا، إضافة إلى مدة التعرض للحرب، فكلما تعرض الطفل للحرب لفترة أطول، زاد احتمال إصابته بمشاكل نفسية، إضافة إلى شدة التعرض للحرب، ويمكن أيضا ذكر الدعم الاجتماعي الذي يساعد وجوده كشبكة قوية مثل العائلة والأصدقاء، الأطفال على التكيف مع تجارب الحرب.

عوامل مُساعدة نفسياً:
هناك عوامل كثيرة يمكن تقديمها للطفل ليس للتخلص من تبعات الحروب الطويلة بل لتخفيف تداعياتها، فالانسان وحده من يملك القدرة على مجابهة مخاوفه ومشاكله مهما كان عمره وظرفه، وتبقى العوامل مساعدة لخيارات الإنسان، لهذا فإن العلماء ينصحون الشخص طفلا أو كبيرا أن يعتمد على خياراته بالتخلص من تبعات كل الظروف السلبية، ومن هذه الملحوظة يمكن ذكر العوامل التي تخفف من تبعات الحرب الطويلة على صحة الأطفال نفسياً:

  • تلقي الأطفال الذين تعرضوا للحرب رعاية نفسية من متخصصين مؤهلين.
  • توفير التعليم تعليمًا مناسبًا لاحتياجاتهم، وهذا مانحاول أن نقوم به في مدارس تواد التعليمية بالداخل السوري.
  • ويجب أن يتلقى الأطفال الذين تعرضوا للحرب دعمًا اجتماعيًا من عائلاتهم ومجتمعاتهم، فهذا مفيد بشكل كبير لتجاوز تأثيرات الحرب الطويلة.
  • وأخيراً، بناء بيئة آمنة ومستقرة وإنهاء الحرب، وهذا غاية ومقصد وحل ووقاية.
    مع الدعم المناسب، يمكن للأطفال المتأثرين بالحرب أن يتعافوا من تجاربهم ويصبحوا أفرادًا منتجين في مجتمعهم.
    وفي دراسة بعنوان: “آثار الحرب على الصحة العقلية للأطفال في سوريا” (2023)، وجدت أن الأطفال الذين يعيشون في مناطق الحرب في سورية يعانون من معدلات عالية من اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب.
    ومن المفيد ذكره هنا أنه لا توجد أي عوامل إيجابية نفسية للحروب على الأطفال.
    فالحرب تجربة قاسية ومدمرة للصغار والكبار، وتُسبب لهم العديد من المشاكل النفسية، ولا يمكن لأي تجربة إيجابية أن تُعوض الضرر الذي تُلحقه الحرب بالأطفال.

وأما معالجة أطفال الحرب نفسياً فإنها تُعدّ مهمةً شاقةً ومعقدةً، بالاضافة للعوامل المساعدة السابق ذكرها، لكن المعالجة ضرورية لضمان حصولهم على فرصة للتعافي من تجاربهم القاسية وبناء مستقبل أفضل، ولعل أهم طرق المعالجة النفسية للأطفال والتي يحسن التنبيه إليها مايلي:

  1. العلاج النفسي من خلال:
  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، حيث يُعدّ علاجًا فعالًا للأطفال الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والقلق والاكتئاب.
  • العلاج باللعب، والذي يُعدّ أيضا طريقة فعالة لمساعدة الأطفال الصغار على التعبير عن مشاعرهم ومعالجتها.
  • العلاج الأسري، فهو يُساعد العائلات على التعامل مع الصدمات وتطوير مهارات التأقلم.
  1. الدعم الاجتماعي ويكون من خلال:
  • توفير بيئة آمنة ومستقرة، حيث يعتبر الشعور بالأمان ضروريًا لتعافي الأطفال من الصدمات.
  • بناء علاقات إيجابية مع البالغين، إذ يُساعد وجود أشخاص داعمين وموثوق بهم في حياة الأطفال على شعورهم بالأمان والاستقرار مما يمنحهم علاجا من الآثار النفسية للحرب الطويلة.
  • المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتي تُساعد على شعور الأطفال بالانتماء والدعم، وهذا مانحاول في مدارس تواد بتيار المستقبل السوري القيام به.
  1. التعليم من خلال:
  • توفير تعليم مناسب لاحتياجات الأطفال حيث يُساعد على شعور الأطفال بالاستقرار والعودة إلى الحياة الطبيعية.
  • برامج الدعم النفسي في المدارس حيث تُقدم خدمات إرشادية ودعمًا نفسيًا للأطفال المتضررين من الحرب.
  1. الرعاية الصحية ويكون عبر:
  • توفير رعاية صحية شاملة للأطفال: تشمل الرعاية الصحية الجسدية والنفسية.
  • التغذية الجيدة وهي ضرورية لصحة الأطفال الجسدية والنفسية، ولا يعنى بها التعذية التي تحتاج أموالا، بل يكفي أن يتحرى الأهل عن الطعام الصحي وتنتشر ثقافته، ولعلنا في مكتب شؤون الأسرة نفتح هذا المجال للتوعية بأهميته.

من المهم ملاحظة أنّه لا توجد مقاربة واحدة تناسب الجميع لمعالجة أطفال الحرب نفسياً.
يجب تكييف خطة العلاج مع احتياجات كل طفل على حدة.
مع الرعاية والدعم المناسبين، يمكن لأطفال الحرب أن يتعافوا من تجاربهم القاسية ويصبحوا أفرادًا منتجين في مجتمعهم.

أخيراً، فإننا مكتب شؤون الأسرة نعمل ما نستطيعه بحسب الظروف المتاحة لنا في مساعدة أطفالنا بالداخل الذين يعانون من طول الحرب وتبعاتها وتأثيراتها، ونمد أيدينا لكل من يتفق معنا بهذا الهدف، كما ونوصي بمزيد اهتمام بالعيادات النفسية خاصة للأطفال، فهم لبنات مستقبلنا السوري.

وهيبة المصري
مكتب شؤون الأسرة
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى