المكتب السياسيالمكتب العلميدراساتدراسات سياسيةقسم البحوث و الدراسات

الإعلان الدستوري في مراحل الانتقال السياسي: دراسة حالة سورية في سياق بناء الدولة الجديدة

المقدمة:

في أعقاب الصراعات السياسية أو العسكرية، تُعدُّ الوثيقة الدستورية المؤقتة (الإعلان الدستوري) حجر الزاوية في عملية الانتقال من حالة الفوضى إلى الاستقرار. وفي سورية، التي شهدت منذ 2011 صراعاً دامياً، يبرز الإعلان الدستوري كآلية حاسمة لإعادة تشكيل العقد الاجتماعي وتجنب انهيار الدولة بعد سقوط نظام بشار الأسد.

تهدف هذه الدراسة المُركزة إلى تحليل أهمية الإعلان الدستوري في سياق انتقالي، وأسباب الحاجة إليه، ودوره في بناء الدولة الجديدة، مع الإشارة إلى التحديات والعوامل الخارجية.

أهمية الإعلان الدستوري في المراحل الانتقالية:

في غياب دستور دائم، يَمنح الإعلان الدستوري شرعيةً مؤقتة للسلطات الانتقالية، حيث يرى “ناثان براون” أن الوثائق الدستورية المؤقتة تُرسي إطاراً لسلطة مقبولة دولياً، حتى في غياب انتخابات ديمقراطية، وفي التجربة السورية، قد يُخفف الإعلان الدستوري من فراغ السلطة الناجم عن انهيار النظام القديم، ويُحدد صلاحيات الهيئات الحاكمة المؤقتة.

وبخصوص معالجة إرث الاستبداد، يُمثل الإعلان الدستوري فرصةً لكسر حلقة الاستبداد عبر تقييد السلطات التنفيذية وضمان الفصل بين السلطات.

ومن هنا تشير “فيكي جاكسون” إلى أن الدساتير الانتقالية غالباً ما تُدرج آليات لمحاسبة الماضي، مثل محاكمات الفساد، مما يعزز الثقة بين المواطنين.

وفي إطار حقوق الأقليات والتعددية، خصوصاً في مجتمع متعدد الطوائف كسورية، يُمكن للإعلان الدستوري أن يُعزز التعايش عبر ضمان تمثيل الأقليات وحماية حقوقها، وهو ما انتبه إليه “آرند ليبهارت” حيث دلل إلى أن النماذج التوافقية (Consociationalism) في الدساتير المؤقتة تقلل من خطر الانقسامات الطائفية.

سبب الحاجة إلى الإعلان الدستوري:

لعل الحاجة الكبرى هي تجنب الفراغ الدستوري، إذ بدون وثيقة دستورية، تتعرض الدول لخطر الصراع على السلطة، كما حدث في ليبيا بعد 2011. ولعل “جون إلستر” أصاب حينما رأى أن الدساتير المؤقتة تُجنب “الفوضى القانونية” عبر توفير قواعد واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية.

كما يُمهد الاعلان الدستوري الطريقَ لدستور دائم، إذ يُشكل الإعلان منصةً للحوار الوطني حول القيم الدستورية الأساسية. فمثلاً في تجربة تونس 2011م، ساهم “مرسوم السلطات” المؤقت في تسهيل حوار وطني أفضى إلى دستور 2014.

كما أن الاعلان الدستوري يساهم باستيعاب المطالب الدولية والإقليمية، حيث نرى أنه في سياق سورية، قد يُستخدم الإعلان كأداة لتلبية شروط المانحين الدوليين أو الجهات الضامنة للسلام، مما يُسهل الحصول على الدعم السياسي والمالي.

موقع الإعلان الدستوري في بناء الدولة الجديدة:

يُجمع علماء السياسة على أن الإعلان الدستوري يُسهم في صياغة هوية وطنية جامعة عبر التأكيد على مبادئ المواطنة المتساوية، بدلاً من الهويات الفرعية، خصوصاً في الحالة السورية، حيث لاحظ “روجرز بروبيكر” أن الصراع السوري أعاد إنتاج الهويات الطائفية، مما يتطلب وثيقةً تُعيد تركيز الانتماء على الدولة
وبجانب إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية، غالباً ما يتضمن الإعلان نصوصاً لإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، كشرط لتحقيق الديمقراطية.
وبرأي “تيموثي سيسكينز” فأن إصلاح القطاع الأمني في مرحلة ما بعد الصراع يعتمد على إطار دستوري يضمن خضوعه للسلطة المدنية.
وعن تعزيز المشاركة السياسية، قد يُنص الإعلان على آليات لإشراك المجتمع المدني والنساء في العملية السياسية، كإنشاء مجالس استشارية أو حصص تمثيلية، مما يُعزز الشرعية الشعبية.

تحديات تواجه الإعلان الدستوري في السياق السوري:

في العديد من التجارب، كالعراق بعد 2003، سيطرت النخب المرتبطة بالنظام السابق على عملية صياغة الدستور.
لهذا يُحذر “توم غينسبورغ” من أن غياب التمثيل العادل يُعيد إنتاج أنماط الحكم الاستبدادي.
وقد تفرض القوى الدولية، بنوداً تخدم مصالحها، مما يُضعف استقلالية الوثيقة. وترى “إيفا بيلين” أن الدساتير المُصممة خارجياً غالباً ما تفشل في تحقيق الاستقرار.
وأيضا هناك تحدي صعوبة تحقيق التوازن بين العدالة والمصالحة، فقد تتعارض نصوص محاسبة النظام السابق مع ضرورة دمج عناصره في العملية السياسية لضمان الاستقرار.

الخاتمة:

يُعتبر الإعلان الدستوري في سورية أداةً لا غنى عنها لتحقيق الانتقال السياسي، شرط أن يكون نتاج حوار وطني شامل، ويُوازن بين مطالب العدالة والاستقرار.
ومع ذلك، فإننا في المكتب السياسي لـِ تيار المستقبل السوري، إذ نبارك خطوة إصدار الرئيس “أحمد الشرع”، قراره تشكيل لجنة خبراء لصياغة مسودة الإعلان الدستوري، بهدف سد الفراغ الدستوري في البلاد، فإننا نرى أن نجاحه يعتمد على تجنب الاستقطاب الطائفي والضغوط الخارجية، مما يتطلب دعم مؤسسات المجتمع المدني وضمان شفافية الصياغة.

المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:

  1. Brown, N. (2002). Constitutions in a Nonconstitutional World: Arab Basic Laws and the Prospects for Accountable Government. State University of New York Press.
  2. Elster, J. (1995). Forces and Mechanisms in the Constitution-Making Process. Duke Law Journal.
  3. Lijphart, A. (2004). Constitutional Design for Divided Societies. Journal of Democracy.
  4. Ginsburg, T. (2016). How to Save a Constitutional Democracy. University of Chicago Press.
  5. Brubaker, R. (2017). National Minorities, Nationalizing States, and External National Homelands in the New Europe. Daedalus.
  6. Sisk, T. (2013). Statebuilding: Consolidating Peace after Civil War. Polity Press.
  7. Bellin, E. (2012). Reconsidering the Robustness of Authoritarianism in the Middle East: Lessons from the Arab Spring. Comparative Politics.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى