تداعيات ما يجري بمناطق الساحل على مشروع بناء “الدولة”

مقدمة:
بعيداً عن التبرير والمواقف الرغبوية، يمكن اعتبار ما جرى بالساحل السوري منذ 06/03/2025 جرائم حرب خطيرة، قام بها طرفان:
الطرف الأول، مجموعة درع الساحل، التي استغلت الجانب الطائفي وتحشييد العلويين، وهجمت على حواجز لقوات الشرطة والمخافر والمشافي، وقتلت مدنيين من محافظات سنية، كما قتلت علويين رفضوا مبايعة المجموعة، بالاضافة لشد عصب العلويين بعمل جرائم بلباس الأمن العام ضد أهالي مقاتلين علويين منسحبين من القتال.
الطرف الثاني، هم المجموعات الشعبية التي تجمعت من كل المحافظات السورية وانتقلت للساحل السوري للثأر من مجموعة درع الساحل، سواء كانت تلك المجموعات مجاميع مستقلة أو عائلات أو عشائر أو فصائل صغيرة لم تنضم للقوات الرسمية، هذه المجموعات هي من قامت بالانتهاكات ضد العلويين لاعتبارها أن كل شاب علوي هو بالضرورة مشارك بقتل أهل السنة.
يمكن اعتبار الطرف العسكري الوحيد الذي لم يُشكل خطرا على المدنيين واكتفى بالقتال المنضبط العسكري، هو قوات الدولة السورية أو ما يُعرف بـ “الأمن العام”.
في هذا المقال التحليلي، نحاول قراءة تأثيرات ماجرى بالساحل على الدولة السورية، مع افتراض أنها غير مسؤولة مباشرة عن أي انتهاك لقوانين حقوق الانسان وقوانين الحرب.
تحديد الموضوع:
تُعرف “جرائم الحرب” بأنها انتهاكات جسيمة للقوانين والأعراف الدولية التي تنظم النزاعات المسلحة.
كما وتُعرّف جرائم الحرب عادةً بأنها أعمال عنف ترتكب ضد الأفراد غير المشاركين في القتال، مثل المدنيين، أو ضد الممتلكات المدنية.
ومن الأمثلة لجرائم الحرب:
- القتل العمد، بمعنى قتل الأفراد غير المشاركين في القتال بدون مبرر عسكري.
- التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، تعذيب أو إساءة معاملة الأسرى أو المعتقلين (الضرب وطلب التعوية ربما تُعتبر انتهاكا).
- الاعتداء على المدنيين، وهو غير القتل العمد، بل هو بمعنى الهجوم المباشر أو العشوائي على المناطق المدنية أو الأفراد المدنيين.
- الاعتداء على الممتلكات المدنية بدون مبرر عسكري.
- التشريد القسري، بمعنى نقل السكان المدنيين بالقوة من منازلهم.
- استخدام الأسلحة المحرمة، التي تسبب ضررًا غير مبرر أو معاناة زائدة، مثل الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية.
- الاحتجاز غير القانوني للأفراد بدون محاكمة عادلة أو بدون أسباب قانونية.
هذا، وتعد جرائم الحرب من الجرائم الدولية الخطيرة التي يُمكن محاكمة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC).
سؤال المسؤولية:
ينطلق المقال من فرضية عدم مسؤولية القوات الرسمية للأفعال والانتهاكات ضد المدنيين، والتي تم توثيقها لدى المنظمات الحقوقية، وعلى رأسها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ومن نافل القول أن القوات الرسمية غير مسؤولة عن جرائم ما أسمتهم “فلول النظام”.
ولكن السؤال الموضوعي هو هل تتحمل الدولة أو القوات الرسمية مسؤولية الانتهاكات للقوات غير المنضبطة التي تم تحشييدها وزجها من المحافظات بالساحل؟
إنه وبموجب القانون الدولي، يمكن أن تتم محاكمة دولة خلال زمن الحرب بسبب تجاوزات عناصر موالية لها بجرائم حرب، حتى إذا كانت الدولة تعلن رفضها لتلك الجرائم وتظهر للإعلام أنها تسعى للمحاسبة، إذ تُعتبر الدولة مسؤولة عن تصرفات الأفراد والعناصر التابعة لها، بما في ذلك القوات المسلحة والميليشيات الموالية لها، وهنا يمكن الحديث عن ثلاثة مسارات:
- المسؤولية الدولية: يمكن تحميل الدولة مسؤولية قانونية إذا ثبت أن هذه العناصر ارتكبت جرائم حرب بتوجيهات أو بموافقة الدولة، أو إذا كانت الدولة تعلم أو كان يجب أن تعلم بتلك الجرائم وفشلت في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعها أو محاسبة مرتكبيها.
- محكمة الجنائية الدولية (ICC) : يمكن أن يتم تقديم الأفراد والمسؤولين في الدولة للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في حالة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحميل الدولة نفسها المسؤولية إذا كانت تلك الجرائم جزءاً من سياسة الدولة أو نُفذت بتوجيه منها.
- المعايير القانونية: تعد محاكمة الدول والأفراد بتهم جرائم الحرب عملية معقدة تتطلب أدلة وإجراءات قانونية صارمة، وقد يتم ذلك عبر المحاكم الوطنية أو الدولية، ومن خلال التحقيقات المستقلة والمنظمات الحقوقية الدولية.
لذا، يجب على الدول التأكيد على التزامها بالقانون الدولي واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمنع وقوع الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، لأنه حتى في حالة استخدام القوات الرديفة التي ليست جزءًا رسميًا من القوات المسلحة للدولة، يمكن تحميل الدولة المسؤولية عن جرائم الحرب التي ترتكبها تلك القوات.
ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:
أولا، المسؤولية القانونية للدولة: بمعنى إذا كانت الدولة تمارس إشرافًا أو تحكمًا فعليًا على القوات الرديفة وتوجهها في العمليات العسكرية، فإنها قد تُحمل المسؤولية عن أي انتهاكات ترتكبها تلك القوات.
ثانيا، المسؤولية عن الفشل في المحاسبة: فالدول ملزمة بمنع جرائم الحرب من خلال اتخاذ التدابير الضرورية للتأكد من أن جميع العناصر الموالية لها تتصرف وفقًا للقانون الدولي الإنساني، وإذا فشلت الدولة في اتخاذ هذه التدابير، قد تُحمل المسؤولية.
إضافة إلى أنه حتى إذا كانت الدولة تُعلن رفضها للجرائم وتسعى للمحاسبة، فإنها قد تُحمل المسؤولية إذا لم تتخذ إجراءات فعالة لمحاسبة مرتكبي الجرائم والتحقيق فيها بشكل جدي.
ثالثا، المسؤولية حسب القانون الدولي: كما تقدم من مثال محكمة الجنائية الدولية (ICC)، إذ يمكن للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة الأفراد والمسؤولين في الدولة عن جرائم الحرب، حتى إذا كانوا أعضاءً في القوات الرديفة، وهذا يمكن أن يشمل محاكمة القادة العسكريين والسياسيين إذا ثبت أنهم كانوا يعلمون أو كان يجب أن يعلموا بالجرائم التي ترتكب ولم يتخذوا التدابير اللازمة لمنعها.
رابعا، التطبيق العملي: في الحالات الواقعية، قد يكون من الصعب تحميل الدولة المسؤولية بشكل كامل إذا كانت تحاول بصدق محاسبة المتورطين في الجرائم.
ومع ذلك، يبقى المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية متيقظين لمراقبة تصرفات الدول وضمان التزامها بالقوانين الدولية، ولكن يمكن استغلال هذه الانتهاكات للتضييق على السلطة.
كيف ذلك؟
يمكن استغلال جرائم الحرب للتضييق على الدولة حتى لو كانت تسعى لمحاسبة المنتهكين للقانون زمن الحرب، إذ في القانون الدولي، المسؤولية لا تقتصر فقط على الأفراد الذين يرتكبون الجرائم، بل يمكن تحميل الدولة نفسها المسؤولية إذا لم تتخذ الإجراءات الكافية لمنع هذه الجرائم أو محاسبة مرتكبيها بفعالية.
هذا من جانب، من جانب آخر، حتى إذا كانت الدولة تعلن رفضها للجرائم وتسعى للمحاسبة، يمكن أن تواجه ضغوطًا دولية من قبل الدول الأخرى خصوصا المعادية، والمنظمات الحقوقية التي قد تُشكك في جدية هذه الجهود أو تعتبرها غير كافية، إذ يمكن أن تؤدي هذه الضغوط إلى فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية، أو إلى تقديم المسؤولين للمحاكمة أمام المحاكم الدولية.
خاتمة:
بحسب ما سبق، سيكون من المهم أن تكون الدولة شفافة في جهودها لمحاسبة المنتهكين، وأن تتعاون مع المجتمع الدولي لضمان تحقيق العدالة ومنع استغلال هذه الجرائم للتضييق عليها.
وانطلاقاً من حرصنا على مسار إنجاح مشروع الدولة في سورية، ورؤيتنا أن فشل الدولة سندفع ضريبته جميعنا، ولقناعتنا أن المسؤولية الوطنية تقع على قادة درع الساحل، والفلول التي تحاول منع إعادة بناء النسيج السوري وفتح صفحة (لا ثأرية) حملت لوائها الدولة الجديدة منذ الأيام الأولى لها.
ولكل ذلك وغيره، فإننا في المكتب السياسي لـِ تيار المستقبل السوري نُقدم التوصيات الآتية، والتي يمكن للدولة اتباعها على المستويات القانونية، السياسية، الدبلوماسية، وغيرها، لضمان عدم تأثير جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الرديفة عليها:
أولا، التوصيات القانونية:
- محاسبة جميع المتورطين في ارتكاب جرائم الحرب من خلال تحقيقات شفافة ومستقلة وتقديمهم للمحاكمة العادلة.
- وضع وتحديث القوانين الوطنية لتتوافق مع القانون الدولي الإنساني وضمان محاسبة جميع الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات، ولو بشكل استثنائي.
- التعاون الكامل مع المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في التحقيقات والملاحقات القضائية المتعلقة بجرائم الحرب.
ثانياً، التوصيات السياسية:
- التأكيد على أهمية سيادة القانون، وعدم التسامح مع أي انتهاكات لحقوق الإنسان من أي جهة كانت.
- تعزيز التواصل مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لتأكيد التزام الدولة بحماية حقوق الإنسان.
- ضمان الشفافية في جميع العمليات المتعلقة بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب ونشر نتائج التحقيقات بشكل دوري.
٤. مشاركة العلويين بالسلطة من خلال فتح المجال لمعارضي الأسد منهم ولأصحاب السمعة الحسنة من العناصر السابقة، ليكونوا في مناصب سياسية تسحب ذريعة فلول النظام بتهميش العلويين.
ثالثا، التوصيات الدبلوماسية:
- التواصل مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية لتوضيح الموقف الرسمي للدولة والإجراءات التي تتخذها لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب.
- طلب دعم المجتمع الدولي في تعزيز الجهود الوطنية لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وتقديم المساعدة الفنية والقانونية اللازمة.
- التأكيد على التزام الدولة بجميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
رابعا، توصيات عامة:
- تنظيم حملات توعية وتدريب للقوات العسكرية والقوات الرديفة حول القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان لضمان عدم وقوع انتهاكات في المستقبل.
- نشر الوعي بين المواطنين حول أهمية حقوق الإنسان والمحاسبة والتأكيد على دورهم في مراقبة وتقديم الشكاوى ضد الانتهاكات.
- العمل على تعزيز الوحدة الوطنية والتأكيد على أن حماية حقوق الإنسان هي مسؤولية الجميع، وذلك من خلال جهود مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية.
إننا نرى أن اتباع هذه التوصيات، يمكن للدولة معها تقليل تأثير جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الرديفة بالخصوص، وتعزيز صورتها في المجتمع الدولي والداخلي، وحماية مكتسبات النصر والتحرير.
المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري