قراءة موضوعية حول سيناريو الاستبداد على سورية بعد الأسد
مقدمة:
في ظل سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع قيادة المرحلة الانتقالية، مع اشتمال هذه المرحلة على كثير من الفرص والتوقعات والرغبويات، إلا أن البحث الموضوعي يدعونا للتفكير بجميع السيناريوهات المحتملة، وكلما كان السيناريو قريبا من الواقعية، كلما كانت دراسته ذات قيمة مستقبلية، حتى إذا حصل كنا على استعداد له.
بعيداً عن مفارقة الخيار والتي أوضح “باري شفارتز” أن مرحلة وفرة الخيارات قد لا تزيد من قدرتنا على اتخاذ القرار السليم، بل تزيدنا قلقاً، فإن ما تمر به سورية اليوم من وفرة بالخيارات قد يجعلها فرصة ربما لا يعيش لها جيلنا مرة أخرى، مما يعني أن القلق شيء بسيط أمام قولبة حياتنا ووطننا بمجرد اختيار أحد الخيارات المطروحة اليوم.
وسورية أمام خيارات متعددة، ليس أكثرها مثالية أن نصبح دولة ديمقراطية متقدمة (نرويج الشرق) أو دولة صاعدة كمثال سنغافورة، ولكن هل فكرنا بما هو أكثرها سوداوية؟.
ربما لا يمكن إعادة تجربة حكم الأسد، والشيء الإيجابي أنه لم يعد هناك ظلم لأغلبية وتسلط لأقلية وحكم إجرامي، ولكن هل نحن مستعدون لاكثر السيناريوهات سوء؟.
إرهاصات:
لنحاول إذاً توقع سيناريو يتجه فيه أحمد الشرع نحو الاستبداد بالحكم! على الرغم من التصريحات العلنية التي تؤكد على التعددية والديمقراطية، لكن تبقى عدة عوامل تُرجح هذا السيناريو:
- التحكم في القوات المسلحة، خصوصاً بعد التعيينات والترفيعات الأخيرة التي حُصرت بجماعته، وبالتالي إذا تمكن الشرع من السيطرة الكاملة على الجيش وقوات الأمن، فقد يستخدم هذه القوة لقمع أي صورةٍ من صور المعارضة، وضمان بقاءه في السلطة (ولنا في مثال حُكم إدلب وإدارتها من الجولاني أكبر دليلٍ وبرهان)، وبذلك تكون سيطرته على الجيش خطوةً استباقيةً تضمن قمع معارضيه بالمستقبل، والحجج هذه الأيام متوفرة بكثرة.
- تأجيل الانتخابات، مع أن المدة التي طرحها بلقاءه على قناة العربية طويلة جداً (٤ سنوات)، إلا أنه قد يستخدم حججًا تتعلق بالأمن والاستقرار لتأجيل الانتخابات لفترات أطول، ما يمنحه الوقت لترسيخ سلطته.
- التعيينات الحكومية، والتي إذا استمر بها في تعيين أفراد موالين له في المناصب الحكومية الرئيسية، وبحجج خلق فريق منسجم (كما ذَكر)، فذلك قد يؤدي إلى إنشاء نظام حكم مركزي موالٍ وذا ولاءٍ للفرد، فنخسر التوازن وينجو من المساءلة.
- قمع المعارضة، على الرغم من تأكيد الشرع على حق التظاهر، قد يتم قمع أي معارضة فعلية تحت ذريعة الحفاظ على الأمن والاستقرار، ويمكن أن يشمل اعتقالات تعسفية أو استخدام القوة ضد المتظاهرين، خصوصا أن حجة الفلول والشبيحة والمكوِّعين يمكن أن تخلق أرضية لذلك.
- السيطرة على الإعلام، وهذا يمكن أن يشمل فرض رقابة على الأخبار والمعلومات التي يتم نشرها، ويمكن أن نستشفه من حالة التأخر بانطلاق الإعلام الرسمي.
- التحالفات الدولية، والتي نراها تُركز على جعل الشرع رئيسا شرعيا أو قائدا حاكماً مسيطراً، رغم أن قوات ردع العدوان لم تكن مَن دخل دمشق!. لهذا يمكن أن يسعى الشرع إلى بناء تحالفات مع دول تدعمه في مقابل تقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية، مما يعزز من موقفه الداخلي.
على أن هذه الإرهاصات ولو حملت في طياتها نوعاً من الفاعلية بترسيخ سيناريو الاستبداد، إلا أن هناك دوافع موضوعية قد تجعل هذا السيناريو هو المرشح بالمستقبل.
دوافع سيناريو الاستبداد:
أحمد الشرع، المعروف أيضًا بأبو محمد الجولاني، يأتي من خلفية سلفية جهادية، وقد قاد هيئة تحرير الشام لفترة طويلة قبل أن يتولى قيادة المرحلة الانتقالية في سورية، ولعل أهم الدوافع نحو سيناريو الاستبداد هو الدافع الفكري، والذي بدوره ينقسم لعوامل خمسة:
- التركيز على الاستقرار والأمن، فالشرع قد يرى أن الاستقرار والأمن هما الأولوية القصوى في مرحلة ما بعد الصراع، مما قد يدفعه إلى اتخاذ إجراءات استبدادية لضمان عدم عودة الفوضى.، وهذا يمكن أن يشمل قمع المعارضة وتقييد الحريات لضمان السيطرة الكاملة.
- التأثيرات الأيديولوجية، على الرغم من التحولات التي شهدتها هيئة تحرير الشام تحت قيادته، فإن الخلفية السلفية الجهادية قد تؤثر على توجهاته السياسية، إذ يمكن أن يرى الشرع أن الحكم المركزي القوي هو السبيل الوحيد للحفاظ على النظام الإسلامي الذي يؤمن به.
- التجارب السابقة، يمكن لتجربة محافظة ادلب وما عايشه من تجاربه السابقة في قيادة الجماعات المسلحة، حيث كانت السيطرة المركزية والقوة الحازمة ضرورية للبقاء على قيد الحياة في بيئة مليئة بالصراعات، مما تدفع هذه التجارب لتشكيل رؤيته للحكم وتدفعه نحو الاستبداد.
- التحالفات الدولية مع دول تدعمه في مقابل تقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية، خصوصا تركيا من جهة، واسرائيل من جهة ثانية، وأمريكا من جهة ثالثة، مما يعزز من موقفه الداخلي. حيث سيكون لهذه التحالفات ضرورة اتخاذ مواقف استبدادية لضمان الدعم الدولي.
- التحديات الداخلية، لاشك أن الشرع يواجه تحديات كبيرة في إعادة بناء سورية ورأب الصدع المجتمعي، لهذا قد يكون خيار الحكم المركزي القوي السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف في ظل الانقسامات العميقة بين المكونات السورية.
الدوافع الداخلية:
في ظل سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع قيادة المرحلة الانتقالية، يمكن تحليل الدوافع السياسية الداخلية وحجم التأزم لدى القوى العسكرية والسياسية التي قد تدفع نحو سيناريو الاستبداد بسبب عوامل ستة:
- التنافس على السلطة، فالقوى السياسية والعسكرية المختلفة في سورية تسعى إلى تعزيز نفوذها وضمان مصالحها، مما يعني أن هذا التنافس قد يؤدي إلى صراعات داخلية، والذي قد يدفع الشرع إلى تبني سياسات استبدادية لضمان السيطرة والاستقرار.
- الانقسامات الداخلية العميقة التي تعانيها سورية بين مختلف الفصائل والطوائف، هذه الانقسامات قد تجعل من الصعب تحقيق توافق سياسي، مما يدفع الشرع إلى استخدام القوة لضمان الوحدة والسيطرة.
- استمرار التهديدات الأمنية من الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية قد يدفع الشرع إلى تبني سياسات قمعية لضمان الأمن والاستقرار، هذا يمكن أن يشمل فرض حالة الطوارئ وتقييد الحريات.
- الضغوط الاقتصادية، فالاقتصاد السوري يعاني من أزمات حادة نتيجة الحرب الطويلة. مما يُلجئ الشرع إلى سياسات استبدادية لضمان السيطرة على الموارد الاقتصادية وتوزيعها بما يضمن استقرار النظام.
- التأثيرات الخارجية بالداخل، حيث أن القوى الإقليمية والدولية لها مصالح متباينة في سورية، وهذه القوى قد تدعم سياسات استبدادية إذا كانت تخدم مصالحها، مما يعزز من موقف الشرع في تبني هذه السياسات.
- ضعف المؤسسات الديمقراطية، بل يمكن القول: غياب المؤسسات الديمقراطية القوية والفعالة، قد يجد معها الشرع نفسه مضطرًا لتبني سياسات استبدادية لضمان السيطرة على الحكم ومنع الفوضى.
بالنظر إلى هذه العوامل الستة يمكن القول إن هناك دوافع سياسية داخلية وحجم تأزم كبير لدى القوى العسكرية والسياسية قد يدفع أحمد الشرع نحو سيناريو الاستبداد.
الدوافع الجيوسياسية:
الدوافع الحيوسياسية ودور سورية ضمن النظام الدولي تلعب دورًا كبيرًا في اختيار سيناريو الاستبداد. حيث يظهر عوامل جيوسياسية خمسة قد تؤثر على هذا السيناريو:
- الموقع الجغرافي الاستراتيجي، سورية تقع في منطقة حيوية تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، مما يجعلها محط اهتمام القوى الإقليمية والدولية، وسيكون السيطرة على سورية تعني التحكم في طرق التجارة والنقل الحيوية، وهذا قد يدفع القوى الدولية لدعم نظام استبدادي يضمن الاستقرار والسيطرة.
- سورية تمتلك موارد طبيعية مهمة مثل النفط والغاز، والتي تعتبر محط اهتمام القوى الدولية، ولهذا فإن النظام الاستبدادي قد يكون أكثر قدرة على تأمين هذه الموارد وضمان تدفقها إلى الأسواق العالمية دون تعقيدات سياسية.
- التوازنات الإقليمية، فالقوى الإقليمية مثل ايران المنهزمة وتركيا والسعودية يبقى لها مصالح متباينة في سورية، مما يعني أن دعم نظام استبدادي قد يكون وسيلة لضمان تحقيق هذه المصالح دون الدخول في صراعات طويلة الأمد.
- الصراعات الدولية، فالقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تستخدم سورية كساحة لتصفية حساباتها وتحقيق مصالحها الجيوسياسية، لهذا من المرجح أن يكون دعم نظام استبدادي وسيلة لضمان استقرار المنطقة ومنع تصاعد الصراعات التي قد تؤثر على المصالح الدولية.
- مكافحة الإرهاب، النظام الاستبدادي قد يكون أكثر فعالية في مكافحة التنظيمات الإرهابية وضمان الأمن الداخلي، ولقد نجح الشرع بتجربة سيطرته بإدلب أن يساهم في محاربة هذه التنظيمات (داعش، جند الأقصى، حراس الدين)، مما يجعله خيارًا مفضلًا لدى بعض القوى الدولية التي تسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
بالنظر إلى هذه العوامل الخمسة، يمكن القول إن الدوافع الجيوسياسية ودور سورية ضمن النظام الدولي تلعب دورًا كبيرًا في اختيار سيناريو الاستبداد.
فلسفة الاستبداد العادل:
فلسفة “الاستبداد العادل” هي فكرة مثيرة للجدل تتناول مفهوم الحكم المطلق الذي يمارسه حاكم قوي وحازم، ولكنه عادل في قراراته وسياساته، هذه الفكرة ظهرت في سياقات مختلفة عبر التاريخ، وتناولها العديد من المفكرين والمنظرين في الغرب والعالم الإسلامي.
في الفكر الغربي، يمكن تتبع جذور فكرة “الاستبداد العادل” إلى الفلاسفة اليونانيين مثل أفلاطون وأرسطو. أفلاطون في كتابه “الجمهورية” تحدث عن “الملك الفيلسوف” الذي يجب أن يكون حاكماً مطلقاً ولكنه عادل وحكيم. وأرسطو أيضاً تناول فكرة الحكم المطلق في كتابه “السياسة”، حيث أشار إلى أن الحكم المطلق يمكن أن يكون مفيداً إذا كان الحاكم عادلاً وحكيماً.
وأما هوبز فقد أصّل في كتابه “اللوباثان” إلى كون الدولة ذلك التنين الذي يحتكر العنف.
وفي الفكر الإسلامي، تناولت هذه الفكرة بشكل مختلف. فبعض المفكرين الإسلاميين مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ناقشوا فكرة “المستبد العادل” في سياق الإصلاح السياسي والاجتماعي.
ومع ذلك، هناك جدل حول مدى تأييدهم لهذه الفكرة، فعند التحقيق نرى الأفغاني وعبده وهما يدعوان إلى الإصلاح والشورى، وليس إلى الاستبداد بمعناه السلبي، ولكن تبقى فكرة المستبد العادل مؤصلة في الفكر السلفي القائم على طاعة ولي الأمر.
على أنه يجدر الإشارة إلى أن عبد الرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد” كان من أشد النقاد لفكرة الاستبداد، حيث رأى أن الاستبداد بطبيعته يؤدي إلى الفساد والظلم، حتى لو كان الحاكم يعتقد أنه عادل.
وتظل فكرة “الاستبداد العادل” مثيرة للجدل، حيث تتراوح الآراء بين تأييدها كوسيلة لتحقيق الاستقرار والحزم، ومعارضتها بسبب مخاطر الفساد والظلم. في النهاية، يعتمد تقييم هذه الفكرة على السياق التاريخي والثقافي الذي تُناقش فيه.
وإذا افترضنا أن أحمد الشرع يتجه نحو الاستبداد العادل، يمكن أن تكون هناك بعض الإيجابيات المحتملة لهذا النهج، خاصة إذا كان يختلف عن نظام بشار الأسد في استخدام العنف ضد الشعب. من هذه الإيجابيات:
- الاستقرار والأمن: الاستبداد العادل يمكن أن يوفر مستوى من الاستقرار والأمن في البلاد، مما يساعد على إعادة بناء البنية التحتية وتحسين الظروف المعيشية للسكان. وهذا يمكن أن يكون مهمًا بشكل خاص في مرحلة ما بعد الصراع.
- العدالة الاجتماعية: إذا كان الشرع يلتزم بمبادئ العدالة في حكمه، فقد يتمكن من تحقيق توزيع أكثر عدالة للموارد والثروات، مما يقلل من الفقر والتفاوت الاجتماعي.
- الإصلاحات الاقتصادية: النظام الاستبدادي العادل قد يكون أكثر قدرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية دون مواجهة مقاومة كبيرة من القوى السياسية المختلفة والتي قد تتبع لأجندات خارجية أو حتى داخلية سلبية، وهذا يمكن أن يشمل تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية.
- مكافحة الفساد: الاستبداد العادل يمكن أن يكون فعالًا في مكافحة الفساد إذا كان الشرع ملتزمًا بالشفافية والنزاهة، بل إن ذلك يمكن أن يعزز من ثقة المواطنين في الحكومة ويشجع على المشاركة المدنية.
- التنمية المستدامة: النظام الاستبدادي العادل قد يكون قادرًا على تنفيذ سياسات تنموية طويلة الأمد دون التأثر بالضغوط السياسية القصيرة الأمد، وهوى الناخبين، وسلبية الديمقراطية باستخدام الشعبوية والحلول المؤقتة الضارة على المستوى البعيد، وقد يشمل ذلك تحسين التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.
- التوازن بين القوى: إذا تمكن الشرع من تحقيق توازن بين القوى المختلفة في المجتمع، فقد يتمكن من تجنب الصراعات الداخلية وضمان استقرار النظام.
ويجدر الإشارة إلى أن هذه الإيجابيات تعتمد بشكل كبير على التزام الشرع بمبادئ العدالة والنزاهة، وعلى قدرته على تحقيق توازن بين الاستبداد والحكم العادل، ومن المهم أيضًا أن يكون هناك رقابة ومساءلة لضمان عدم انحراف النظام نحو الاستبداد القمعي.
وأيضا ربما يعود سبب ترجيح خيار الاستبداد العادل كخيار واقعي إلى ضعف المسار الديمقراطي الحالي بسورية، إذ إن بناء الدولة الديمقراطية في سورية يواجه العديد من التحديات التي يمكن أن تعرقل تحقيق نظام حكم عادل ومستقر، من ذلك:
- الفساد وعدم الكفاءة، ففي العديد من الدول الديمقراطية، قد يكون القادة السياسيون والمسؤولون الحكوميون فاسدين أو غير كفؤين، مما يؤدي إلى فقدان ثقة المواطنين في النظام الديمقراطي، فكيف في بلد لم يشهد تجربة ديمقراطية كسورية؟.
- العناصر المناهضة للمجتمع، فخلال الانتخابات، قد تظهر عناصر مناهضة للمجتمع السوري تحاول التأثير على النتائج من خلال الرشوة أو التهديد كما هو الحال زمن حكم الأسد، مما يضعف من نزاهة العملية الديمقراطية.
- التفاوت الكبير بين الفئات الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن يؤدي إلى عدم تساوي الفرص في المشاركة السياسية، حيث يكون للأغنياء وأصحاب النفوذ فرص أكبر للفوز في الانتخابات مقارنة بغيرهم.
- الطائفية والعنصرية أو العرقية قد تؤثر على الانتخابات، خصوصا في بلد مر بتفتيت نسيجه الوطني طول حكم عائلة الأسد، حيث يتم اختيار المرشحين بناءً على انتماءاتهم بدلاً من كفاءاتهم، مما يؤدي إلى تهميش بعض الفئات.
- التهديدات الأمنية من الجماعات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية يمكن أن تعرقل العملية الديمقراطية وتؤدي إلى فرض إجراءات استثنائية تحد من الحريات المدنية أيضا.
- بناء مؤسسات ديمقراطية قوية وفعالة يتطلب وقتًا وجهودًا كبيرة. في بعض الأحيان، قد تكون هذه المؤسسات ضعيفة أو غير قادرة على أداء دورها بشكل فعال، مما يؤدي إلى تراجع الثقة في النظام الديمقراطي.
- هناك احتمالية كبيرة إلى أن يكون هناك مقاومة ثقافية لفكرة الديمقراطية بسبب التقاليد أو القيم الاجتماعية التي تفضل الحكم المركزي أو الاستبدادي.
- القوى الإقليمية والدولية قد تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الديمقراطية الضعيفة كسورية، وذلك لتحقيق مصالحها الخاصة، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي.
هذه التحديات وإن كانت تتطلب جهودًا مستمرة من قبل الحكومات والمجتمعات للتغلب عليها وضمان بناء دولة ديمقراطية عادلة ومستقرة، إلا أنها قد تُرجح خيار الاستبداد.
خاتمة:
لاشك أن هناك مخطط سواء كان داخليا، أو خارجيا، يتم العمل عليه في سورية لرسم ملامح النظام السياسي الجديد، كما لاشك أن السوريين يحلمون بدولة قوية وطنية متقدمة خصوصا وقد تجولوا في جميع البلاد وكسبوا خبرات جديدة تجعلهم يحلمون بتطبيق أفضل التجارب على بلدهم الوليد، وهذا المقال لا يهتم بكل ذلك، بل يحاول تسليط الضوء على احتمالية أن يكون المرسوم هو أسوأ السيناريوهات المتوقعة، والتي بكل تأكيد لا يُتوقع أن تُكرر تجربة آل الأسد.
ومن هنا يحاول هذا المقال أن يُشرّح في عجالة ما إذا اتخذ أحمد الشرع سيناريو الاستبداد، ليقدم ختاما قراءة موضوعية لماهية الموقف الصحيح، والذي قد يتطلب توازنًا بين الحفاظ على الاستقرار ومواجهة أي انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. لهذا يمكن تقديم رؤية ناظمة لعقد هذا التوازن تقوم على الآتي:
- على المجتمع الدولي والمنظمات المحلية مراقبة تصرفات الحكومة وضمان وجود آليات للمساءلة، وهذا يمكن أن يشمل تقارير دورية عن حالة حقوق الإنسان والشفافية في الحكم.
- تعزيز ودعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، فهذه المنظمات يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في توعية المواطنين والدفاع عن حقوقهم والدفع لاحقا بترسيخ خيار الديمقراطية.
- تشجيع الحوار بين الحكومة والمعارضة لضمان وجود قنوات للتواصل والتفاوض، بهدف المساعدة في تجنب التصعيد والعنف وإعادة تجربة 2011م.
- استخدام الضغط الدولي من خلال العقوبات أو الدبلوماسية لضمان التزام الحكومة بمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، هذا يمكن أن يشمل التعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
- تعزيز التوعية والتثقيف حول حقوق الإنسان والديمقراطية بين المواطنين، إذ يمكن أن يساعد ذلك في بناء ثقافة سياسية تدعم الحكم الرشيد والمساءلة.
- أن تكون القوى السياسية والمجتمعية مستعدة للتغيير والتكيف مع الظروف الجديدة، هذا يمكن أن يشمل بناء تحالفات جديدة والعمل على تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
في النهاية، يظل الموقف الصحيح متطلباً توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على الاستقرار من جهة ومواجهة أي انتهاكات لحقوق الإنسان من جهة أخرى، ومن المهم أن تكون هناك جهود مستمرة لضمان التزام الحكومة بمبادئ العدالة والديمقراطية.
كما أن تحقيق المساءلة في حالة الاستبداد يمثل تحديًا كبيرًا، ولكن هناك عدة آليات يمكن استخدامها لضمان قدر من الشفافية والمساءلة، مثل دعم الإعلام المستقل لمراقبة الحكومة ونشر المعلومات حول الانتهاكات والفساد، إضافة إلى وجود نظام قضائي مستقل يمكن أن يضمن محاسبة المسؤولين الحكوميين على أفعالهم، وأيضا تنظيم الاحتجاجات السلمية والحركات الشعبية للضغط على الحكومة لتحقيق المساءلة. مع أهمية استخدام التكنولوجيا مثل وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات وتنظيم الحملات. والمساهمة في توثيق الانتهاكات ونشرها على نطاق واسع.
هذه الآليات يمكن أن تساعد في تحقيق قدر من المساءلة حتى في ظل نظام استبدادي، من المهم أن تكون هناك جهود مستمرة ومنسقة لضمان التزام الحكومة بمبادئ الشفافية والعدالة، وأما اختيار سيناريو على آخر، فهذا ليس من شأن هذا المقال الذي هدف لتفكيك السيناريو الأسوأ، على أمل ألا يكون مستقبل السوريين إلا أحسن السيناريوهات.
المكتب السياسي
جمعة محمد لهيب
مدير قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري