بحوثقسم شؤون الأسرة

مجتمعنا وعقدة (العنوسة)

لا يوجد لدينا إحصائيات واضحة مثبتةٌ تُحدد نسبة العنوسة لدى السوريات في المجتمع السوري، ولهذا يمكن الاستئناس بإحصائية وزارة الشؤون الاجتماعية لدى حكومة النظام السوري بأن 3 مليون فتاة سورية عازبة تجاوزن سن الثلاثين عاماً دون زواج، وحسب الإحصائية فإن نسبة العنوسة تقترب من 70% وفق المعايير الاجتماعية.

المعايير الاجتماعية للعنوسة في سورية:
تختلف المعايير الإجتماعية تبعاً لكل منطقة، وتبعاً للعادات السورية المتعددة، لكنها تكاد تكون متقاربة نوعا ما.

اعتبار العمر:
في دراسة ميدانية قام بها فريقنا في الشمال الغربي السوري، وجدنا أن عمر الزواج العادي للفتاة بين 17 سنة إلى 24 سنة.
وفي بعض القرى خصوصاً الشرقية والشمالية وبعض قرى الجنوب، حسب ما أخبرنا به نازحوا تلك المناطق؛ حيث تُعتبر الفتاة التي تبلغ سن الـ20 عانساً.

اعتبار الجمال:
يُنظر للفتاة الجميلة أنها قابلة للزواج المبكر، والفتاة غير الجميلة بالعرف الاجتماعي لن تكون أمام فرصة للزواج المبكر أو العادي، بل يُنظر إليها على أنها عانسٌ منذ الطفولة، وكثيراً ما يتم تفهيمها أن مستقبلها زواجٌ على ضُرّة، أو زواج لأب لديه أولاد.

اعتبار الدين:
يحض الدين على الزواج من الفتاة الصغيرة ويشتهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم “هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها”، وبالتالي فإن ظاهرة الابتعاد عن الزواج بالعانسات ستعتبر أمراً طبيعياً.

اعتبار التقاليد:
تَعتبر التقاليد السورية أن الزواج بالبكر زواج طبيعي، والزواج من عانس زواج درجة ثانية، وبالتالي قد لا يُقام لها عرس أو احتفال، أو حتى لا يتم مساواتها بالمهر بقريناتها الأصغر سناً.

اعتبار الدراسة:
لازال هناك رأي اجتماعي سوري يصف دور المرأة بالبيت فقط، وبالتالي فحاجتها التعليمية هي إمكانيتها على تعليم أطفالها المراحل الأولى فقط، ما من شأنه أن يجعل الفتاة بين خيار تكميل تحصيلها العلمي أو الزواج.

أسباب العنوسة:
خلصت دراستنا الميدانية إلى جملة من الأسباب نوضحها حسب أولويتها:
1- الحرب الدائرة في سورية واستمرارها منذ 2012م، والتي باعدت الاتصال بين العوائل، الأمر الذي أدى إلى العنوسة بسبب خوف بعض العوائل من مصاهرة عوائل غربية عن منطقتها أو لاتعرفها.

2- الهجرة والنزوح الداخلي، إضافة إلى اللجوء خارج سورية، فالنزوح الداخلي سبب في حالة من عدم الاستقرار الأسري، واللجوء الخارجي يشغل الشباب عن مرحلة الزواج بالاستقرار وإعادة التوطين.

3- الظروف الاقتصادية الصعبة والتي تجعل تأسيس أسرة، وارتباط الشباب بالزواج مبكراً عائقاً كبيراً، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الزواج والمهور التي لم تراعِ الظروف الحالية.

4- تغير القيم والتوجهات الاجتماعية، حيث يُفضل الشباب والفتيات في بعض الأحيان التحصيل التعليمي الجامعي، ثم الاستقرار ولو المؤقت قبل الارتباط، ما يؤخر من سن الزواج لدى الطرفين.

5- التوترات والتحديات النفسية، ولهذا يحاول البعض تأخيرالزواج وتجنبه، وعدم اعتباره أولوية أمام انتشار ظاهرة القلق من مستقبل غير مؤكد، مما يؤثر جدآ على قرارات الشباب بالزواج.

6- عدم توسع قاعدة الشباب تحت الثلاثين الراغبين بالزواج، سواء بسبب القتل وتبعات الحرب والاعتقال، أو بسبب السفر للعمل، أو الاستقرار في بلد آخر.

خاتمة:
يظهر مما سبق، أن الحالة الاجتماعية السورية تغيرت تماماً مثل التغير في العقلية، والتي باتت أكثر شعوراً بالمسؤولية الكبيرة، بسبب تعقيد الظروف الراهنة، ولكن يبدو أن هذه التغيرات لم تغير كثيراً في العقلية القديمة تجاه عنوسة الفتيات، لهذا فإننا نوصي في مكتب شؤون الأسرة لتيار المستقبل السوري بما يلي:
1- توعية المجتمع بأهمية الزواج والأسرة، وأن العنوسة ليست مشكلة، فحتى نبي الإسلام تزوج السيدة خديجة وهي تكبره بالسن، ولهذا فلا يمكن اعتبار الدين في حقيقيته داعياً لتحديد عمر الزواج.

2- تنظيم حملات توعية في المدارس والجامعات حول أهمية الزواج والحياة الأسرية، وهذا ما نعمل عليه في سلسلة مدارس تواد التعليمية، وضمن مشاريعنا التوعوية الاجتماعية في تيار المستقبل السوري، رغم عظم التحديات المتخلفة والحاجة لتضافر الجهود وزيادة الدعم.

3- تحسين جودة التعليم وتوفير فرص العمل خلال هذه الفترة، والعمل على حل سياسي حقيقي ينقل سورية من مرحلة الحرب إلى مرحلة إعادة الإعمار، والبحث عن حلول اقتصادية مؤقتة ودائمة، حالية ومستقبلية.

4- تغيير النظرة السلبية الاجتماعية عن العنوسة، وتشجيع الشباب على الموائمة بين تحقيق أهدافهم المستقبلية والمهنية والتعليمية قبل الزواج كما هو الحال مع الزواج، وعمل دورات إرشادية لتوعية المجتمع بإمكانية هذه الموائمة، وعدم اعتبار الزواج عائقاً لتحقيق الأهداف المستقبلية، بل العمل لتكون رافداً لتحقيقها.

5- تشجيع الزواج العادي وعدم تأخيره، والعمل على توفير المجتمع لكافة المتطلبات الحياتية لذلك عبر إنشاء جمعيات وكيانات اجتماعية.

6- تشجيع تعدد الزوجات للمقتدر، وخاصة من السوريين أنفسهم، بحيث نسهم في سد الحاجة الفطرية الماسة لدى فئة الفتيات العانسات للارتباط النظيف والسليم، ومراعاة أسباب تأخر زواجهن لأسباب الحرب وتداعياته.

أخيراً، نوصي الفتياتِ عدمَ الاستسلام لثقافة العنوسة الاجتماعية، والبحث عن حلول واقعية للانتصار عليها، ونحن في مكتب شؤون الأسرة لـِ تيار المستقبل السوري مستعدون لتقديم كل أنواع المساعدة والتقييم والدراسة لذلك، بما فيها قسم البحوث والدراسات الذي يستقبل بانفتاح كبير كلّ الأفكار لحل تلك الإشكالية، وغيرها من الإشكالات الاجتماعية وتقديمها للرأي العام السوري مع التوصيات المناسبة.

إيمان المحمد
مكتب شؤون الأسرة
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى