المكتب العلميدراساتدراسات شؤون الأسرةقسم البحوث و الدراساتمكتب الأسرة

الأسرة السورية بعد التحرير: نحو بناء مجتمع جديد قائم على الحرية والمساواة

مقدمة:

تلعب الأسرة دورًا أساسيًا في بناء المجتمع وتشكيل ملامحه، ومع اقتراب سورية من مرحلة ما بعد التحرير، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في هيكل الأسرة ودورها في تحقيق التغيير الإيجابي، هذا لأنه سيكون للأسرة السورية دور حاسم في تعزيز قيم الحرية والمساواة، وترسيخ مفهوم العدل بين الأجيال.

كما أن المرأة والطفل والمراهقين يُعتبرون عناصر محورية في هذا التغيير، حيث يحمل كل فرد منهم طاقة وقدرة على المساهمة في بناء مستقبل مشرق، وفي ظل هذه المرحلة الحرجة، تصبح الأسرة السورية مركزًا للتمكين الاجتماعي والاقتصادي، وبوابة نحو خلق مجتمع جديد يستند إلى الاحترام المتبادل والكرامة الإنسانية.

دور الأسرة في بناء مجتمع قائم على الحرية والمساواة:

تعد الأسرة السورية وحدة أساسية في بناء المجتمع، ولها دور محوري في تحقيق التنمية الشاملة والتقدم الاجتماعي. فالأسرة هي البيئة الأولى التي يتعلم فيها الأفراد القيم والمبادئ الأساسية التي تساهم في بناء مجتمع قائم على الحرية والمساواة.

إذ يمكن للأسرة أن تنمي لدى الأطفال مفهوم الحرية، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التفكير وحرية الاختيار، بالإضافة إلى ذلك، تعمل الأسرة على تعزيز قيمة المساواة بين الجنسين وبين الأفراد من مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية.

وبما أن التعليم هو الأساس لتحقيق الحرية والمساواة في المجتمع، فإن الأسرة السورية تلعب دوراً مهماً في دعم التعليم وتشجيع الأطفال على التعلم واكتساب المعرفة، وذلك من خلال توفير بيئة مشجعة ومحفزة للتعلم، كما يمكن للأسرة أن تساعد في تحقيق طموحات الأفراد وتطوير مهاراتهم وقدراتهم، مما يسهم في بناء مجتمع قائم على الحرية والمساواة.

كما تعمل الأسرة السورية على تعزيز القيم الدينية والثقافية التي تشجع على الاحترام والتسامح والتعايش السلمي، فمن خلال نقل هذه القيم إلى الأجيال الجديدة، يمكن للأسرة أن تساهم في بناء مجتمع يحترم التنوع الثقافي والديني، ويعزز من روح التضامن والتعاون بين أفراده.

وأيضا، تلعب الأسرة السورية دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية من خلال دعم أبنائها في تحقيق الاستقلال المالي وتنمية مهاراتهم الاقتصادية، وذلك من خلال تعليم الأطفال قيمة العمل الجاد والاجتهاد والابتكار، يمكن للأسرة أن تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية وبناء مجتمع قائم على الحرية والمساواة.

كما وتشجع الأسرة السورية على المشاركة الفعالة في الحياة المجتمعية والسياسية، من خلال تحفيز الأفراد على المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتطوعية والمساهمة في اتخاذ القرارات العامة، مما يساهم في تعزيز دور المواطنين في بناء مجتمع ديمقراطي يتمتع بالحرية والمساواة.

ولقد قدمنا في مكتب شؤون الأسرة مايدعم هذا التوجه بمقال سابق عنوانه: “الأسرة السورية بين التقاليد والحداثة”، حيث نرى أن الأسرة السورية يمكنها أن تلعب دوراً محورياً في بناء مجتمع قائم على الحرية والمساواة، من خلال التركيز على التربية والتعليم وتعزيز القيم الدينية والثقافية والتنمية الاقتصادية والمشاركة المجتمعية، كما يمكن للأسرة أن تسهم بشكل كبير في تحقيق هذه الأهداف النبيلة.

تمكين المرأة السورية: ركيزة أساسية في المرحلة القادمة

لقد قدمنا عدة مقالات فيما يخص المرأة السورية وتمكينها، منها المقال العنون بـ “التمكين الاقتصادي للمرأة السورية”، وأيضا “تمكين المرأة في شمال سورية: استراتيجيات تعزيز دورها المدني”.

إذ تعد المرأة السورية جزءاً لا يتجزأ من المجتمع السوري، ولها دور محوري في بناء المستقبل، في المرحلة القادمة، يجب أن يكون تمكين المرأة السورية أحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاجتماعي والاقتصادي.

حيث يعتبر التعليم أحد أهم عوامل تمكين المرأة، لهذا يجب توفير الفرص التعليمية المتساوية للنساء والفتيات في جميع مراحل التعليم، من التعليم الأساسي إلى التعليم العالي، فمن خلال تمكين المرأة في مجال التعليم، يمكن تحسين فرص العمل وزيادة المشاركة الاقتصادية وتعزيز دور المرأة في صنع القرارات.

وللمرأة السورية دور كبيراً في الاقتصاد، فمن المهم توفير بيئة عمل ملائمة تتيح للنساء المشاركة الفاعلة في سوق العمل. يجب تعزيز حقوق المرأة في العمل وضمان المساواة في الأجور والمعاملة العادلة. كما ينبغي توفير البرامج التدريبية والتأهيلية التي تساعد النساء على تطوير مهاراتهن وزيادة فرصهن في الحصول على وظائف مناسبة.

ومن الضرورة بمكان تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتمكينها من الوصول إلى مناصب قيادية في الحكومة والمؤسسات العامة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز الكوتا النسائية في المجالس التشريعية وتوفير الدعم والتدريب للنساء الراغبات في المشاركة السياسية.

فالمشاركة السياسية الفاعلة للمرأة تسهم في تحقيق التوازن بين الجنسين وتعزيز السياسات التي تدعم حقوق المرأة.

وللمرأة دور محوري في تعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية في المجتمع السوري، وذلك بالمشاركة الفاعلة في الأنشطة المجتمعية والتطوعية، مما يساهم بتعزيز التماسك الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع، كما يمكن للمرأة أن تكون نموذجاً يُحتذى به للأجيال الجديدة في مجال القيادة والمسؤولية.

رؤية جديدة لمستقبل الأطفال السوريين بعد التحرير:

بعد سنوات من الصراع والمعاناة، يأتي التحرير كفرصة لبناء مستقبل مشرق للأطفال السوريين، حيث يمثل الأطفال الأمل والمستقبل، والاستثمار في تنميتهم ورفاهيتهم هو استثمار في مستقبل سورية، لهذا يجب أن نضع رؤية شاملة تضمن لهم فرصًا متكافئة للنمو والتعلم والازدهار في مجتمع مستقر وآمن.

فمثلا، يُعد التعليم أساس بناء أي مجتمع مزدهر، ويجب أن يكون الوصول إلى التعليم الجيد حقًا مكفولًا لكل طفل سوري. كما ينبغي على الحكومة والمؤسسات التعليمية العمل على إعادة بناء المدارس وتأهيلها، وتوفير بيئة تعليمية آمنة وداعمة، لهذا يجب التركيز على تحديث المناهج التعليمية لتعزيز التفكير النقدي والإبداع والمهارات الحياتية.

وأيضا، فإن الصحة الجيدة هي ركيزة أساسية لنمو الأطفال وتطورهم، لهذا فإن هناك حاجة كبيرة لتوفير خدمات الرعاية الصحية الشاملة والمجانية للأطفال، بما في ذلك الرعاية الوقائية والعلاجية. بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال الذين عانوا من الصدمات النفسية نتيجة الصراع، من خلال برامج متخصصة تعزز من تعافيهم واندماجهم في المجتمع، ليكون من الضروري ضمان حصول الأطفال على تغذية صحية ومتوازنة، وذلك من خلال برامج التغذية المدرسية وتوعية الأهالي بأهمية التغذية السليمة، إذ التغذية الجيدة تسهم في نمو الأطفال وتحسين أدائهم الدراسي والصحي.

وينبغي أن يعيش الأطفال في بيئة آمنة ومستقرة توفر لهم الدعم والحماية، عبر تعزيز دور الأسرة والمجتمع في توفير الرعاية والحماية للأطفال، وذلك من خلال برامج التوعية والتدريب.

ومن المهم أن يكون للأطفال حق التعبير والمشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم، بل ينبغي تشجيع الأطفال على المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتطوعية، وتنمية مهاراتهم القيادية والاجتماعية.

الخاتمة:

في الختام، يمكن القول إن الأسرة لها دور محوري في التغيير الاجتماعي والتنمية المستدامة، وذلك من خلال تربية الأطفال على القيم الأخلاقية، ودعم التعليم، وتعزيز الصحة، والمشاركة المجتمعية، والاستدامة البيئية، كل ذلك تسمح للأسرة أن تسهم بشكل كبير في بناء مستقبل مشرق ومستدام.

كما أن الأسرة السورية بعد التحرير تتحمل مسؤولية كبيرة في بناء مجتمع جديد قائم على الحرية والمساواة، وذلك من خلال التركيز على التربية السليمة والتعليم والدعم الاجتماعي، كما يمكن للأسر السورية أن تسهم في تنشئة جيل قادر على مواجهة التحديات وتحقيق التقدم.

على أن دور الأسرة لا يقتصر فقط على تلبية الاحتياجات الأساسية، بل يمتد ليشمل تعزيز القيم والمبادئ الإنسانية التي تشكل أساس مجتمع متماسك ومتوازن، مع الالتزام بالحرية والمساواة والعمل الجماعي، نرى في مكتب شؤون الأسرة لـِ تيار المستقبل السوري أنه يمكن للأسرة السورية أن تكون القوة الدافعة وراء التغيير الإيجابي والبناء المستدام لمستقبل أفضل.

مكتب شؤون الأسرة
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:

  1. بطرس، سامر. “التربية الحديثة: مفاهيم وأساليب.” دار الفكر العربي، 2010.
  2. الشامي، نادية. “العائلة السورية والتنمية الاجتماعية.” دار الشروق، 2015.
  3. John, Anderson. “Family and Society: The Role of Families In Social Development.” Oxford University Press, 2012.
  4. Smith, Michael. “Education and Equality: The Impact of Family on Social Progress.” Cambridge University Press, 2017.
  5. الصايغ، ريما. “المرأة والتنمية المستدامة: دور المرأة في تحقيق أهداف التنمية.” دار العلم، 2018.
  6. الخطيب، مريم. “التمكين الاقتصادي للمرأة: استراتيجيات وآليات.” دار الثقافة، 2020.
  7. أبو غزالة، محمد. “التعليم في الأزمات: تجارب ودروس.” دار الفكر العربي، 2020.
  8. الخطيب، ليلى. “الصحة النفسية للأطفال: التحديات والحلول.” دار النهضة، 2018.
  9. عبد الرحمن، خالد. “الأسرة والتنمية الاجتماعية: دور الأسرة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي.” دار الفكر، 2017.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى