المكتب العلميدراساتدراسات شؤون الأسرةعفراء الحدادقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمكتب شؤون الأسرة

استغلال الأطفال في الحروب، تحديات وتوصيات

مقدمة:

تاريخيا تم استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة بطرق مختلفة، سواء كجنود أو كدروع بشرية أو في أدوار مساندة مثل الجواسيس أو الحمالين، حتى وصلت البشرية لمستوى من الوعي عرفت لمرحلة الطفولة قدسيتها، وحاولت تمكينها بعدة قوانين حقوقية ملزمة للدول والفاعلين السياسيين والعسكريين، ولكن، تبقى ترسبات العصور المتخلفة السابقة البدائية محفورة في عقول البعض، ومثاله استغلال الاطفال في الحروب، التي نحاول الاضاءة عنها، لنكشف أن الواقع السوري ليس بمعزل عن حالة التردي، ساعين مع عقلاء العالم لنشر الوعي الحقوقي ومحاربة كل الجهود المتخلفة.

ففي العصور الوسطى والحروب النابليونية كان الأطفال يُستخدمون في المعارك بشكل مباشر، ومثلها الحرب الأهلية الأمريكية حيث شارك الأطفال بشكل كبير في معركة نيو ماركت في ولاية فرجينيا عام 1864، كما خدم الأطفال في صفوف “شباب هتلر” في ألمانيا النازية، حيث تم تدريبهم على القتال والمشاركة في العمليات العسكرية، واستمر استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة خلال القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، خاصة في مناطق مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.

الأثر على الأطفال:

الأطفال الذين يتم استغلالهم في الحروب يعانون من آثار نفسية وجسدية خطيرة، ففي تقرير الأمم المتحدة لعام 1996 حول تأثير النزاع المسلح على الأطفال أظهر أن هؤلاء الأطفال معرضون لخطر الإصابة باضطرابات نفسية، ومشكلات في القراءة والكتابة، وسلوكيات عدوانية، كما أن الأطفال المجندين يعانون من الفقر والبطالة الدائمة عند البلوغ، بالإضافة إلى مخاطر التعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم من قبل القوات المسلحة.

لهذا بدأت الجهود العالمية للحد من استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة منذ بداية الألفية الجديدة. تتضمن هذه الجهود تعزيز القوانين الدولية وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين.

وأما استغلال الأطفال في سورية فهي قضية خطيرة ومستمرة منذ بداية النزاع. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، هناك عدة جوانب لاستغلال الأطفال في سورية:

  • التجنيد القسري: تم تجنيد أكثر من 5,700 طفل للقتال، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن سبع سنوات. يتم استخدام هؤلاء الأطفال في القتال المباشر وأدوار مساندة مثل الجواسيس أو الحمالين.
  • العمالة القسرية: بسبب الأزمة الاقتصادية والفقر المدقع، يضطر العديد من الأطفال للعمل في ظروف قاسية وخطيرة للمساعدة في إعالة أسرهم.
  • التأثير النفسي: يعاني الأطفال من آثار نفسية واجتماعية خطيرة بسبب التعرض المستمر للعنف والخوف والصدمات. حيث أظهرت الدراسات أن نسبة كبيرة من الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة لهذه الظروف.
  • التعليم: حوالي 2.45 مليون طفل في سورية و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة، مما يؤثر بشكل كبير على مستقبلهم وفرصهم في الحياة.
  • سوء التغذية: يعاني أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سورية من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن، مما يؤثر على نموهم الجسدي والعقلي.

هذه الأوضاع تعكس مدى تأثير النزاع على الأطفال في سورية، وتبرز الحاجة الملحة لتقديم الدعم الإنساني والنفسي والاجتماعي لهم.

جهود مبذولة:

تُبذل جهود كبيرة على المستوى الدولي لمنع استغلال الأطفال في الحروب وحمايتهم من الانتهاكات، بعض الجهود الرئيسية:

  1. القوانين والاتفاقيات الدولية: مثل:
    • أ. البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة (OPAC)، هذا البروتوكول يمنع تجنيد الأطفال دون سن 18 عامًا في القوات المسلحة ويشدد على حماية الأطفال من المشاركة في النزاعات المسلحة.
      ب. اتفاقية حقوق الطفل، حيث توفر هذه الاتفاقية حماية شاملة للأطفال، بما في ذلك حمايتهم من الاستغلال في النزاعات المسلحة.
  2. جهود الأمم المتحدة، من خلال:
    • أ. اليونيسف، والتي تعمل على توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين من النزاعات، وتقديم التعليم والرعاية الصحية لهم، كما تدعو إلى إنهاء الهجمات على المدارس والمستشفيات والبنية التحتية الحيوية للأطفال.
    • ب. مجلس الأمن الدولي، لقد أصدر مجلس الأمن عدة قرارات تدين الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة، مثل القرار 2427 الذي يدعو إلى إعادة إدماج الأطفال المجندين وتوفير الرعاية الصحية والدعم النفسي لهم.
  3. المنظمات غير الحكومية، منها:
    • أ. منظمة إنقاذ الطفولة، والتي تعمل على حماية الأطفال من التجنيد وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، بالإضافة إلى توفير التعليم والرعاية الصحية في مناطق النزاع.
    • ب. هيومن رايتس ووتش، توثق الانتهاكات ضد الأطفال وتضغط على الحكومات والجماعات المسلحة لوقف تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات.
  4. التوعية والمناصرة، مثل:
    • أ. اليوم الدولي لمكافحة استغلال الأطفال كجنود، يُحتفل بهذا اليوم في 12 فبراير من كل عام لزيادة الوعي حول قضية تجنيد الأطفال والدعوة إلى إنهاء هذه الممارسة.
    • ب. حملات التوعية، حيث تقوم المنظمات الدولية والمحلية بحملات توعية لزيادة الوعي حول حقوق الأطفال وأهمية حمايتهم من الاستغلال في النزاعات المسلحة.
  5. المساءلة القانونية، عبر:
    • أ. محكمة الجنايات الدولية، حيث تعمل على محاكمة الأفراد والجماعات المتورطة في تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، مما يساهم في ردع هذه الممارسات.
    • ب. إن هذه الجهود تعكس التزام المجتمع الدولي بحماية الأطفال من الاستغلال في الحروب وضمان حقوقهم في بيئة آمنة ومستقرة.

تحديات:

تواجه جهود مجابهة آثار الحرب على الأطفال في سورية تحديات كبيرة ومعقدة، تتطلب حلولاً شاملة وطويلة الأمد. بعض أهم هذه التحديات:

  1. استمرار الصراع: تعتبر استمرارية الصراع العسكري في سورية العائق الأكبر أمام تقديم المساعدات الإنسانية وحماية الأطفال، حيث يتعرضون بشكل مستمر للخطر والعنف والتشريد.
  2. الوصول إلى المناطق المحاصرة: صعوبة الوصول إلى المناطق المحاصرة والنائية، حيث يحتاج الأطفال إلى المساعدات بشكل عاجل، بسبب الحصار والقيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية.
  3. نقص التمويل: لا تزال هناك فجوة كبيرة في التمويل اللازم لتلبية الاحتياجات الإنسانية الضخمة في سورية، مما يؤثر سلبًا على تقديم الخدمات الأساسية للأطفال.
  4. التشريد والنزوح: أدى النزوح والتشريد الداخلي والخارجي لملايين السوريين إلى تفكك الأسر وزيادة معاناة الأطفال، حيث يواجهون صعوبات في الحصول على التعليم والرعاية الصحية.
  5. الألغام الأرضية والعبوات الناسفة: تشكل الألغام الأرضية والعبوات الناسفة خطرًا كبيرًا على حياة الأطفال، حيث يتعرضون للإصابة أو الموت أثناء اللعب أو البحث عن مصادر الرزق.
  6. التجنيد القسري: تجنيد الأطفال في الجماعات المسلحة يمثل تهديدًا كبيرًا لمستقبلهم، حيث يتم حرمانهم من طفولتهم وتعرضهم للعنف والاستغلال.
  7. الصدمات النفسية: يعاني الأطفال السوريون من صدمات نفسية عميقة نتيجة لما شهدوه من عنف وحروب، مما يتطلب برامج متخصصة للرعاية النفسية.
  8. الافتقار إلى البنية التحتية: تدمير البنية التحتية في سورية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، يجعل من الصعب تقديم الخدمات الأساسية للأطفال.
  9. التغيرات المناخية: تزيد التغيرات المناخية من حدة الأزمة في سورية، حيث تؤثر على الزراعة ومصادر المياه، مما يؤدي إلى تفاقم سوء التغذية والفقر.
  10. التدخلات السياسية: التدخلات السياسية الخارجية المعقدة في الصراع السوري تعرقل جهود إيجاد حل سياسي وتؤثر سلبًا على حياة المدنيين، بما في ذلك الأطفال.

يمكن القول إن حماية الأطفال السوريين مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود على جميع المستويات.

خاتمة:

للأسف، استغلال الأطفال في سورية قضية مستمرة منذ بداية النزاع. وإن هذه الأوضاع تعكس مدى تأثير النزاع على الأطفال في سورية، وتبرز الحاجة الملحة لتقديم الدعم الإنساني والنفسي والاجتماعي لهم.

كما وتعتبر الحرب في سورية واحدة من أشد الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، وقد تركت آثارًا عميقة على الأطفال السوريين، فقد تعرضوا للعنف والتشريد والحرمان من حقوقهم الأساسية. لحماية هؤلاء الأطفال، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة والطويلة الأمد، والتي نوصي بها في مكتب شؤون الأسرة لـ تيار المستقبل السوري:

  1. وقف الأعمال العدائية: وذلك عبر الدعوة المستمرة لوقف إطلاق النار والضغط على جميع الأطراف المتنازعة لوقف الأعمال العدائية بشكل فوري ودائم، وحماية المدنيين، لا سيما الأطفال.
    • وتوفير ممرات آمنة، عبر تسهيل حركة المدنيين، بما في ذلك الأطفال، إلى مناطق آمنة وتوفير ممرات إنسانية لتقديم المساعدات.
  2. الحماية من العنف: عبر منع تجنيد الأطفال، واتخاذ إجراءات صارمة لمنع تجنيد الأطفال في القوات المسلحة والجماعات المسلحة، وتوفير برامج لإعادة دمج الأطفال المجندين.
    • إضافة إلى توفير خدمات الرعاية النفسية للأطفال الذين عانوا من صدمات الحرب، وتدريب المعلمين والمربين على التعامل مع هذه الحالات.
  3. ضمان الحق في التعليم: عبر إعادة بناء المدارس التي دمرت بسبب الحرب، وتوفير المواد التعليمية والكتب المدرسية.
    • مع ضرورة ضمان عدم استخدام المدارس لأغراض عسكرية، وحمايتها من الهجمات.
  4. توفير الخدمات الأساسية: عبر ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة، بما في ذلك الغذاء والدواء والمياه النظيفة والمأوى. إضافة إلى توفير الرعاية الصحية الأولية والثانوية للأطفال، بما في ذلك التطعيمات والفحوصات الطبية الدورية.
  5. حماية الأطفال: من الاستغلال عبر اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة الاتجار بالأطفال واستغلالهم. ومنع تشغيل الأطفال في أعمال خطرة أو ضارة، وتوفير فرص عمل آمنة للأطفال الذين اضطروا للعمل.
  6. إعادة توطين اللاجئين: من خلال توفير برامج لإعادة توطين اللاجئين السوريين في دول أخرى، وتسهيل إجراءات اللجوء.
    • إضافة لدعم برامج إعادة الإعمار في سورية لتمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم.
  7. المساءلة: عبر محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال، مثل القتل والتعذيب والاغتصاب.
    • ودعم برامج العدالة الانتقالية للمساعدة في المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة.

إن حماية الأطفال السوريين مسؤولية مشتركة تقع على عاتق المجتمع الدولي وسلطات الأمر الواقع في سورية والمنظمات الإنسانية، من خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكننا المساهمة في بناء مستقبل أفضل للأطفال السوريين وتمكينهم من التعافي من آثار الحرب.

على أنه يجب ملاحظة أن تكون هذه الجهود جزءًا من حل سياسي شامل للأزمة السورية.

كما يجب أن تشمل هذه الجهود تعزيز دور المرأة في المجتمع السوري وتمكينها من المشاركة في عملية إعادة البناء.

ويجب أن يكون هناك تنسيق وثيق بين جميع الجهات الفاعلة المعنية لحماية الأطفال.

مكتب شؤون الأسرة
عفراء الحداد
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:

  1. في اليوم الدولي لمكافحة استغلال الأطفال كجنود، دعوة إلى إنهاء تجنيد.
  2. جدول أعمال اليونيسف للتغيير من أجل حماية الأطفال في النزاعات المسلحة.
  3. خمسة أمور علينا أن نعرفها حول الأطفال والنزاع المسلح.
  4. بعد 10 سنوات من النزاع في سوريا: يحتاج 90٪ من الأطفال إلى الدعم إذ يدفع.
  5. عدد الأطفال المحتاجين في سوريا أكبر من أي وقت مضى بعد 13 عاما من الصراع.
  6. أطفال سوريا – Human Rights Watch.
  7. تقرير دولي: أطفال سوريا يدفعون ثمناً باهظاً لفشل العالم في إنهاء النزاع.
  8. ترجمة الأمل إلى عمل: 25 عاماً من حماية الأطفال من آثار الصراع.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى