البنك المركزي السوري بين الواقع والمأمول
مقدمة:
البنك المركزي مؤسسة مالية وطنية تلعب دورًا حيويًا في إدارة الاقتصاد الوطني، حيث يتمتع بسلطة إصدار العملة والتحكم في المعروض النقدي، بالإضافة إلى تنظيم البنوك التجارية والإشراف عليها.
تأسست البنوك المركزية في العديد من الدول بهدف تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، وضمان السيادة النقدية للدولة. من خلال أدوات السياسة النقدية مثل تعديل أسعار الفائدة والتيسير الكمي، يؤثر البنك المركزي بشكل مباشر على تكاليف الاقتراض والاستثمار والإنفاق الاستهلاكي.
عن النشأة والتطور:
تعود فكرة البنوك المركزية إلى العصور القديمة، حيث كانت هناك محاولات لتنظيم الأمور المالية والاقتصادية. ففي مصر القديمة، كان كاهن المعبد يلعب دورًا اقتصاديًا مهمًا، مما يمكن اعتباره بداية لنواة المركزية الاقتصادية والمالية.
في العصور الوسطى، بدأت تظهر بنوك مركزية بشكل أكثر تنظيماً. على سبيل المثال، أنشأ حاكم البندقية بنك “Wenice of Bank” عام 1171، والذي كان يعتمد على اكتتاب جبري من الأغنياء، مع ضمان ربح سنوي، هذا النموذج ألهم دولاً أخرى لإنشاء بنوك مركزية مشابهة، مثل بنك سانت جورج وبنك برشلونة في القرن الرابع عشر.
في العصر الحديث، تأسس أول بنك مركزي بمواصفات معاصرة في السويد عام 1668، وهو “Riksbank” الذي يعتبر أقدم بنك مركزي في العالم. تبع ذلك تأسيس بنك إنجلترا عام 1694، والذي أصبح نموذجًا للبنوك المركزية الحديثة بفضل دوره في إقراض الحكومة وتنظيم المعاملات المالية.
مع مرور الوقت، تطورت وظائف البنوك المركزية لتشمل إصدار العملة، تنظيم البنوك التجارية، والتحكم في المعروض النقدي. وأصبحت البنوك المركزية مؤسسات مستقلة تسعى لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، وتلعب دورًا حيويًا في السياسات النقدية للدول.
هذا وقد تأسس مصرف سورية المركزي بموجب المرسوم التشريعي رقم 87 بتاريخ 28 مارس 1953، والذي تضمن نظام النقد الأساسي في سورية، حيث بدأ المصرف نشاطه رسميًا في الأول من أغسطس 1956، بعد اتفاق الحكومة السورية مع مصرف سورية ولبنان على إنهاء امتياز إصدار النقد السوري مقابل تعويض مالي.
يقع المقر الرئيسي لمصرف سورية المركزي في العاصمة دمشق، وتحديدًا في ساحة السبع بحرات. تكتتب الدولة السورية بكامل رأسماله، مما يجعله مؤسسة عامة مستقلة تعمل تحت رقابة الدولة وبضمانتها، وفق التوجيهات الصادرة من مجلس الوزراء السوري قبل سقوط نظام بشار الأسد.
منذ تأسيسه، يلعب مصرف سورية المركزي دورًا حيويًا في الاقتصاد السوري من خلال إصدار الأوراق النقدية، وإدارة الصندوق النقدي، ومكتب القطع الأجنبي. كما يعمل المصرف على تنسيق فعاليات مؤسسات النقد والتسليف، وتنفيذ السياسات المالية والنقدية والمصرفية للدولة السورية.
وظائف البنك المركزي:
تلعب البنوك المركزية دورًا حيويًا في الاقتصاد الوطني من خلال مجموعة من الوظائف الأساسية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي. إليك بعض هذه الوظائف:
- إصدار العملة، البنك المركزي هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الأوراق النقدية والعملات المعدنية، مما يضمن السيطرة على المعروض النقدي في الاقتصاد.
- السياسة النقدية، حيث يقوم البنك المركزي بتحديد وتنفيذ السياسات النقدية التي تهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار، والتحكم في التضخم، وتعزيز النمو الاقتصادي. يتم ذلك من خلال أدوات مثل تعديل أسعار الفائدة وعمليات السوق المفتوحة.
- الإشراف على البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى لضمان استقرار النظام المالي ومنع الأزمات المصرفية، يتضمن ذلك وضع القواعد واللوائح، ومراقبة الامتثال، وتقديم الدعم المالي عند الحاجة.
- إدارة الاحتياطيات الأجنبية، يحتفظ البنك المركزي بالاحتياطيات الأجنبية ويقوم بإدارتها لضمان استقرار العملة الوطنية ودعم السياسات النقدية.
- مقرض الملاذ الأخير، حيث يقدم البنك المركزي الدعم المالي للبنوك التجارية في حالات الطوارئ لضمان استقرار النظام المالي ومنع الأزمات المصرفية.
- تنظيم الائتمان الاقتصاد من خلال التحكم في المعروض النقدي وأسعار الفائدة، مما يؤثر على تكاليف الاقتراض والاستثمار.
- يساعد البنك المركزي الحكومة في إدارة الدين العام من خلال إصدار السندات الحكومية وتنظيم سوق الدين.
- يشارك البنك المركزي في التعاون الدولي مع البنوك المركزية الأخرى والمؤسسات المالية الدولية لتعزيز الاستقرار المالي العالمي.
هذا وقبل سيطرة حزب البعث والأسد على السلطة في سورية، كان مصرف سورية المركزي يلعب دورًا تقليديًا مشابهًا للبنوك المركزية في الدول الأخرى. فكما مر تأسس المصرف في عام 1953 وبدأ نشاطه في عام 1956، وكان يهدف إلى تحقيق الاستقرار النقدي والمالي في البلاد. وفي تلك الفترة، كان مصرف سورية المركزي يتمتع بقدر من الاستقلالية في تنفيذ سياساته النقدية والمالية، مما ساهم في تحقيق استقرار نسبي في الاقتصاد السوري. ومع ذلك، تغيرت هذه الديناميكية بشكل كبير بعد سيطرة حزب البعث والأسد على السلطة، حيث أصبحت السياسات الاقتصادية أكثر مركزية ومرتبطة بالسياسات الحكومية.
في عهد حافظ الأسد، شهد مصرف سورية المركزي تغييرات كبيرة في دوره ووظائفه، حيث أصبحت السياسات الاقتصادية أكثر مركزية وتوجيهًا من قبل الدولة، إذ أصبحت وظائف المصرف المركزي وتأثيره على الاقتصاد السوري خلال تلك الفترة تقوم على:
- السيطرة على السياسة النقدية: تحت قيادة الأسد، كان المصرف المركزي أداة رئيسية في تنفيذ السياسات النقدية التي تهدف إلى تحقيق أهداف الحكومة الاقتصادية، وتم استخدام أدوات مثل تحديد أسعار الفائدة والتحكم في المعروض النقدي لضبط التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي.
- إدارة الاحتياطيات الأجنبية: كان المصرف المركزي مسؤولاً عن إدارة الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، مما ساعد في دعم العملة الوطنية وضمان استقرارها، كما تم استخدام هذه الاحتياطيات لدعم السياسات النقدية والمالية للحكومة.
- الإشراف على البنوك: زادت أهمية دور المصرف المركزي في الإشراف على البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى لضمان استقرار النظام المالي، وتم وضع قواعد ولوائح صارمة لضمان الامتثال ومنع الأزمات المصرفية.
- تنظيم الائتمان: كان المصرف المركزي يعمل على تنظيم الائتمان في الاقتصاد من خلال التحكم في المعروض النقدي وأسعار الفائدة، وساعد هذا في توجيه الموارد المالية نحو القطاعات الاقتصادية التي تعتبرها الحكومة ذات أولوية.
- إصدار العملة: استمر المصرف المركزي في دوره التقليدي كجهة وحيدة مخولة بإصدار العملة، مما يضمن السيطرة على المعروض النقدي في الاقتصاد.
وأما عن تأثير المصرف المركزي على الاقتصاد السوري، فكان من خلال:
- التضخم، ففي بعض الفترات، أدى التحكم المركزي في الاقتصاد إلى تضخم مرتفع نتيجة لزيادة المعروض النقدي دون زيادة مقابلة في الإنتاج، مما أثر سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين.
- النمو الاقتصادي، إذ على الرغم من التحديات، ساهمت السياسات النقدية في تحقيق بعض النمو الاقتصادي، خاصة في القطاعات التي كانت الحكومة تركز عليها مثل الصناعة والزراعة.
- استقرار العملة، حيث ساعدت إدارة الاحتياطيات الأجنبية والسياسات النقدية في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية، مما كان له تأثير إيجابي على التجارة الخارجية والاستثمار.
- الديون، حيث زادت الديون الخارجية نتيجة لسياسات الاقتراض لتمويل المشاريع الحكومية، مما أثر على الاقتصاد على المدى الطويل.
بشكل عام، كان للمصرف المركزي دور حاسم في تنفيذ السياسات الاقتصادية لحكم حافظ الأسد، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري من خلال التحكم في التضخم، دعم النمو الاقتصادي، وضمان استقرار العملة.
أما في عهد بشار الأسد، فقد شهد مصرف سورية المركزي تغييرات كبيرة في دوره ووظائفه، خاصة قبل وبعد الثورة السورية التي بدأت في عام 2011.
قبل الثورة السورية (2000-2011) :
في بداية عهد بشار الأسد، حاول المصرف المركزي تنفيذ سياسات نقدية تهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار وتعزيز النمو الاقتصادي، فقد تم استخدام أدوات مثل تعديل أسعار الفائدة والتحكم في المعروض النقدي لتحقيق هذه الأهداف.
كما شهدت هذه الفترة بعض محاولات لتحرير الاقتصاد السوري، بما في ذلك تحرير أسعار الصرف وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وكان المصرف المركزي يلعب دورًا في تسهيل هذه الإصلاحات الاقتصادية، واستمر المصرف في إدارة الاحتياطيات الأجنبية لدعم العملة الوطنية وضمان استقرارها، مما ساعد في تعزيز الثقة في الاقتصاد السوري.
:بعد الثورة السورية (2011-الآن)
بعد اندلاع الثورة السورية، واجه المصرف المركزي تحديات كبيرة نتيجة للأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت البلاد، فتراجعت الاحتياطيات الأجنبية بشكل كبير، مما أثر على قدرة المصرف على دعم العملة الوطنية، كما اضطر المصرف المركزي إلى اتخاذ سياسات نقدية طارئة لمواجهة التضخم والانهيار الاقتصادي، وشملت هذه السياسات طباعة كميات كبيرة من العملة المحلية، مما أدى إلى تضخم مفرط وانخفاض قيمة الليرة السورية، وكانت قد فرضت العقوبات الدولية على النظام السوري قيودًا كبيرة على المصرف المركزي، مما حد من قدرته على التعامل مع البنوك والمؤسسات المالية الدولية، مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري وزاد من صعوبة إدارة السياسات النقدية.
كما زادت سيطرة الحكومة على المصرف المركزي، مما جعله أداة لتنفيذ السياسات الحكومية بدلاً من كونه مؤسسة مستقلة. هذا أدى إلى تدهور الثقة في النظام المالي والمصرفي في البلاد.
وقد كان هناك تأثيرا على الاقتصاد السوري تمثلت بـ:
- التضخم، حيث أدى طباعة كميات كبيرة من العملة المحلية إلى تضخم مفرط، مما أثر سلبًا على القوة الشرائية للمواطنين وزاد من معاناتهم الاقتصادية.
- انخفاض قيمة العملة، فقد تراجعت قيمة الليرة السورية بشكل كبير، مما أثر على التجارة الخارجية والاستثمار وزاد من تكلفة الواردات.
- زادت الأزمات المصرفية نتيجة لفقدان الثقة في النظام المالي والمصرفي، مما أدى إلى تراجع الاستثمارات وتدهور الاقتصاد بشكل عام.
بشكل عام، شهد مصرف سورية المركزي تحولات كبيرة في دوره ووظائفه خلال عهد بشار الأسد، مع تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد السوري نتيجة للأزمة المستمرة والسياسات النقدية الطارئة.
أهمية البنك المركزي:
يلعب البنك المركزي دورًا حيويًا في النظام الاقتصادي الحديث من خلال مجموعة من الوظائف الأساسية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي من خلال التحكم في التضخم، والحفاظ على استقرار الأسعار، مما يعزز الثقة في الاقتصاد ويشجع الاستثمار والاستهلاك. أيضا من خلال السياسات النقدية المناسبة، لتعزيز النمو الاقتصادي عن طريق توفير بيئة مالية مستقرة وداعمة للاستثمار، إضافة لدوره المهم في الإشراف على البنوك وتقديم الدعم المالي عند الحاجة، للحفاظ على استقرار النظام المالي ومنع الأزمات المصرفية.
وبشكل عام، يعتبر البنك المركزي حجر الزاوية في النظام الاقتصادي الحديث، حيث يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وضمان سلامة النظام المالي.
يلعب مصرف سورية المركزي دورًا حيويًا في إعادة تفعيل الاقتصاد السوري وإنعاشه، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه البلاد. بعض الجوانب الرئيسية لأهمية البنك المركزي في هذا السياق:
- تحقيق استقرار العملة الوطنية من خلال إدارة الاحتياطيات الأجنبية والسياسات النقدية المناسبة، فاستقرار العملة يعزز الثقة في الاقتصاد ويشجع الاستثمار والتجارة.
- تحديد وتنفيذ السياسات النقدية التي تهدف إلى التحكم في التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي، ومن خلال أدوات مثل تعديل أسعار الفائدة وعمليات السوق المفتوحة، يمكن للمصرف المركزي توجيه الاقتصاد نحو الاستقرار والنمو.
- يلعب المصرف المركزي دورًا حاسمًا في إعادة بناء الثقة في النظام المصرفي من خلال الإشراف على البنوك وضمان الامتثال للقواعد واللوائح، وهذا يساعد في جذب الودائع والاستثمارات، مما يعزز السيولة في الاقتصاد.
- توجيه الائتمان نحو القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، مما يعزز النمو الاقتصادي ويوفر فرص العمل، على أن هذا يتطلب سياسات نقدية تستهدف تحفيز الاستثمار في هذه القطاعات الحيوية.
- المساعدة بإدارة الدين العام من خلال إصدار السندات وتنظيم سوق الدين. بهدف تمويل المشاريع الحكومية وتحقيق الاستقرار المالي.
- تعزيز التعاون الدولي مع البنوك المركزية الأخرى والمؤسسات المالية الدولية، وذلك بهدف جذب الدعم المالي والتقني اللازم لإعادة بناء الاقتصاد السوري.
وتبرز الأهمية للبنك المركزي السوري في تأثيراته الإيجابية المحتملة عبر الآتي:
- تحسين مستوى المعيشة، من خلال تحقيق استقرار الأسعار وتعزيز النمو الاقتصادي.
- جذب الاستثمارات عبر استقرار العملة والنظام المالي لتعزز الثقة لدى المستثمرين المحليين والدوليين، مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستثمارات في الاقتصاد السوري.
- تعزيز التجارة عبر استقرار العملة والسياسات النقدية المناسبة مما يساهم في تحسين الميزان التجاري وزيادة الإيرادات الوطنية.
ويمكن القول إذا أن مصرف سورية المركزي حجر الزاوية في جهود إعادة تفعيل الاقتصاد السوري وإنعاشه، من خلال دوره في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، وتعزيز الثقة في النظام المصرفي، ودعم القطاعات الإنتاجية.
أسئلة تطويرية:
هناك العديد من الأسئلة الفلسفية والعلمية الحديثة التي تسعى لتطوير منظومة البنوك المركزية، وهذه الأسئلة تتناول التحديات والفرص التي تواجه البنوك المركزية في ظل التطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة. ومن المهم لصانع القرار السوري أن يوليها الاهتمام بما أننا في مرحلة البناء الجديد من الصفر:
- التكنولوجيا المالية (Fintech): كيف يمكن للبنوك المركزية الاستفادة من التكنولوجيا المالية لتحسين كفاءة العمليات المصرفية وضمان الأمان المالي؟ هذا يشمل استخدام تقنيات مثل البلوكشين والذكاء الاصطناعي لتحسين الشفافية وتقليل التكاليف.
- العملات الرقمية: والإجابة العملية عن سؤال ماهية الدور الذي يمكن أن تلعبه العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) في النظام المالي؟ وكيف يمكن للبنوك المركزية تصميم وتنفيذ هذه العملات بطريقة تضمن الاستقرار المالي وتحمي الخصوصية؟.
- السياسات النقدية غير التقليدية: مثلا، كيف يمكن للبنوك المركزية تطوير سياسات نقدية غير تقليدية لمواجهة الأزمات المالية؟ هذا يشمل أدوات مثل التيسير الكمي وأسعار الفائدة السلبية، وكيفية تأثيرها على النمو الاقتصادي والتضخم.
- الاستدامة البيئية، وكيف يمكن للبنوك المركزية دمج الاعتبارات البيئية في سياساتها النقدية والمالية؟ هذا يشمل دعم التمويل الأخضر وتشجيع الاستثمارات المستدامة لمواجهة التغير المناخي.
- الأمن السيبراني، وكيف يمكن للبنوك المركزية تعزيزه لحماية البيانات المالية الحساسة ومنع الهجمات الإلكترونية؟ هذا يشمل تطوير استراتيجيات قوية للأمن السيبراني والتعاون مع المؤسسات المالية الأخرى.
- التعاون الدولي، من خلال البحث عن كيفية تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية مثل الأزمات المالية والتغير المناخي؟ هذا يشمل تنسيق السياسات النقدية والمالية وتبادل المعلومات والخبرات.
إن هذه الأسئلة تعكس التحديات والفرص التي تواجه البنوك المركزية في العصر الحديث، وتسعى إلى تطوير منظومة البنوك المركزية لتكون أكثر كفاءة واستدامة وأمانًا.
على أننا في المكتب الاقتصادي لـ تيار المستقبل السوري نثير عدة أسئلة نوجه النظر إليها حول دور مصرف سورية المركزي بعد سقوط نظام الأسد، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه البلاد. والتي تتمثل بـ:
- إعادة بناء الثقة في النظام المالي، وكيف يمكن لمصرف سورية المركزي إعادة بناء الثقة في النظام المالي والمصرفي بعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة؟ ما هي السياسات والإجراءات التي يجب اتخاذها لضمان الشفافية والمساءلة؟
- إدارة الاحتياطيات الأجنبية بفعالية في ظل نقص السيولة بالعملات الأجنبية؟ ما هي الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتعزيز الاحتياطيات ودعم العملة الوطنية؟.
- السياسات النقدية في فترة الانتقال، وما هي السياسات النقدية التي يجب أن يتبناها المصرف المركزي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي خلال فترة الانتقال السياسي؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين مكافحة التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي؟.
- كيف يمكن لمصرف سورية المركزي الاستفادة من التكنولوجيا المالية لتحسين كفاءة العمليات المصرفية وضمان الأمان المالي؟ ما هي التحديات التي قد تواجه تبني هذه التقنيات في السياق السوري؟
- كيفية دمج الاعتبارات البيئية في سياساته النقدية والمالية؟ ما هي السياسات التي يمكن أن تشجع التمويل الأخضر والاستثمارات المستدامة لمواجهة التغير المناخي؟.
إننا نرى أن هذه الأسئلة تعكس التحديات الكبيرة التي سيواجهها مصرف سورية المركزي في مرحلة ما بعد الأسد، وتسعى إلى تطوير منظومة البنك المركزي لتكون أكثر كفاءة وشفافية واستدامة، ونرى أن وضع السؤال والبحث عن إجابة له من قبل مجلس خبراء ومناقشين متخصصين، هو اللبنة الأولى لإعادة بناء مصرف مركزي وطني قوي، وفريقنا في المكتب الاقتصادي يضع خبراته في خدمة هذا المجلس إن تم، والذي نوصي به بشدة.
خاتمة:
أوضحنا فيما سبق دور البنوك المركزية دورًا حيويًا في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، وتعزيز النمو الاقتصادي في مختلف البلدان، من خلال سياسات نقدية فعالة، وإدارة احتياطيات النقد الأجنبي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، ليكون للبنوك المركزية أن تكون حجر الزاوية في بناء اقتصادات قوية ومستدامة.
وبالنسبة لمصرف سورية المركزي، فإن التحديات التي يواجهها بعد سقوط نظام الأسد تتطلب استراتيجيات مبتكرة وفعالة لإعادة بناء الثقة في النظام المالي، وتحقيق استقرار العملة، ودعم القطاعات الإنتاجية. من خلال التعاون الدولي، واستخدام التكنولوجيا المالية، ودعم التمويل الأخضر، نرى أنه يمكن لمصرف سورية المركزي أن يلعب دورًا محوريًا في إعادة تفعيل الاقتصاد السوري وإنعاشه.
على أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب التزامًا قويًا من قبل المصرف المركزي، وتعاونًا وثيقًا مع المؤسسات المالية الدولية والمحلية، لضمان مستقبل اقتصادي مستدام ومزدهر لسورية.
وانطلاقا من كل ذلك، فإننا في المكتب الاقتصادي لـ تيار المستقبل السوري نوصي بالتالي:
أ. للحكومة السورية الجديدة:
- إعادة هيكلة البنك المركزي، عبر تعزيز استقلاليته وضمان عدم تدخل الحكومة في سياساته النقدية.
- تحسين الشفافية والمساءلة، من خلال نشر تقارير دورية عن السياسات النقدية والمالية لتعزيز الثقة بين المواطنين والمستثمرين.
- إصلاح النظام المالي، ويكون ذلك بتحديث القوانين المالية والمصرفية لتتماشى مع المعايير الدولية، وتطوير البنية التحتية المالية لتسهيل العمليات المصرفية.
ب. للشعب السوري:
- التثقيف المالي عبر تعزيز الوعي المالي بين المواطنين من خلال برامج تعليمية وتوعوية حول أهمية الادخار والاستثمار.
- دعم المنتجات المحلية عبر تشجيع المواطنين على شراءها لدعم الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات.
جـ. للاقتصاديين السوريين:
- البحث والتطوير من خلال تشجيع الأبحاث الاقتصادية التي تركز على تحسين السياسات النقدية والمالية.
- التعاون مع المؤسسات الدولية مع ضرورة الاستفادة من الخبرات الدولية في مجال الاقتصاد والمصارف لتطوير السياسات المحلية.
د. للمجتمع الدولي والدول العربية:
- تقديم الدعم المالي والفني للبنك المركزي السوري لمساعدته في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
- تعزيز التعاون الاقتصادي عبر فتح قنوات للتعاون الاقتصادي والتجاري مع سورية لدعم استقرار الاقتصاد السوري.
ختاماً، فإننا نرى هذه التوصيات يمكن لها أن تساهم في تعزيز دور البنك المركزي السوري في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، وهو ما نصبو إليه في المرحلة الجديدة لبناء سورية الجديدة.
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
فريق البحث (مؤلف من باحثي التيار بالتعاون مع خبراء مستقلين)
مقالات
تيار المستقبل السوري