الأطباء البيطريون في سورية: مطالبة بالتعويضات وأثرها على إعادة بناء الدولة

المقدمة:

في 10 نوفمبر 2025، أصدرت نقابة الأطباء البيطريين في محافظة اللاذقية بيانا طالبت فيه بإنصاف العاملين في القطاع البيطري وزيادة التعويضات، معتبرة أن التعويض الحالي (3% من الراتب) لا يعكس حجم المخاطر المهنية التي يتعرض لها الأطباء والفنيون أثناء أداء مهامهم، تضم النقابة حوالي 218 طبيبا بيطريا، نحو 90% منهم يعملون في المؤسسات الحكومية، مع توزيع عمل يغطي القطاعات الحيوانية المختلفة: الأبقار والدواجن والأغنام والأدوية والحيوانات الأليفة.

تكتسب هذه المطالب أهمية خاصة في المرحلة الانتقالية بعد إسقاط نظام الأسد وتولي الرئيس أحمد الشرع قيادة الدولة، حيث تتطلب إعادة بناء المؤسسات إعادة تقييم الحقوق الوظيفية للكوادر في القطاعات الحيوية لضمان استمرارية الخدمات الأساسية وتعزيز الأمن الغذائي والصحة العامة.

  1. السياق التاريخي والسياسي للقطاع البيطري في سورية:
    القطاع البيطري في سورية لعب منذ عقود دوراً أساسيا في دعم الأمن الغذائي الوطني وتنظيم الصحة الحيوانية.
    إلا أن سنوات الصراع الطويلة أدت إلى ضعف البنية التحتية، هجرة الكفاءات، وتراجع مستوى التعويضات والمزايا للعاملين في القطاع.
    بعد إسقاط النظام، تشهد سورية مرحلة انتقالية تتطلب إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية لضمان العدالة المهنية وتحفيز الكوادر على البقاء في الخدمة العامة.
    ويأتي بيان نقابة الأطباء البيطريين في هذا السياق ليشكل مؤشراً على الضغط المدني المؤسسي لإعادة النظر في سياسات التعويضات والمكافآت.
  2. أهمية القطاع البيطري وأثره على التنمية الوطنية:
    تشير التقارير إلى أن القطاع الحيواني يساهم بأكثر من 30% من الناتج الزراعي السوري، ما يجعل الأطباء البيطريين عناصر أساسية في حماية الأمن الغذائي. وتشمل مهامهم مراقبة صحة المواشي، معالجة الأمراض الحيوانية، والإشراف على الأدوية البيطرية والتطعيمات الوقائية.

وفي هذا الإطار، فإن تعويضات العاملين الحالية (3% من الراتب) لا تعكس المخاطر المهنية المرتبطة بانتقال الأمراض من الحيوان إلى الإنسان، التعرض للطفيليات، أو العمل في بيئات زراعية محفوفة بالمخاطر، كما أن تحسين التعويضات لا يمثل رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان جودة الأداء المهني، واستقرار الكوادر، واستدامة الإنتاج الحيواني في سورية، خصوصا في ظل تحديات إعادة الإعمار الاقتصادي والزراعي.

3. تحليل دلالي للبيان النقابي:

يمكن تفسير بيان النقابة عبر عدة أبعاد:

  • البعد المدني والمؤسسي: المطالبة بالإنصاف المالي تعكس وعي النقابة بأهمية إدماج العاملين في القطاعات الحيوية كشركاء في عملية إعادة بناء الدولة الجديدة.
  • البعد الاقتصادي: تحسين التعويضات يساهم في تعزيز استقرار القطاع، الحد من هجرة الكفاءات، وتحفيز الأداء المهني المرتبط بالإنتاج الزراعي.
  • البعد الاجتماعي والصحي: القطاع البيطري مرتبط مباشرة بالصحة العامة والأمن الغذائي، وبالتالي الاستثمار في تحسين أوضاع العاملين فيه هو استثمار في صحة المجتمع.

4. مقارنة مع تجارب دولية:
تشير تجارب لبنان بعد الحرب الأهلية وكوسوفو بعد النزاع في التسعينات إلى أن الاعتراف بحقوق العاملين في القطاعات الحيوية هو عامل أساسي لاستقرار الدولة وإعادة بناء المؤسسات، فتحسين التعويضات يحفز الكفاءات على الاستمرار في الخدمة العامة، ووجود آليات عادلة لتقييم المخاطر والمكافآت يعزز من شعور المواطنة والانتماء المؤسسي، كما الربط بين التعويض والأداء أو المخاطر المهنية يعكس ممارسة عادلة وشفافة، وهو ما يسهم في تعزيز الشرعية المؤسسية.

5. توصيات وسياسات مستقبلية:

استنادا إلى هذا التحليل، يمكن اقتراح عدة سياسات لدعم الأطباء البيطريين وتعزيز استدامة القطاع الحيوي:

  • إجراء مسح ميداني شامل لتحديد توزيع الأطباء وظروف عملهم ومخاطر المهنة.
  • وضع آلية تقييم المخاطر المهنية لكل تخصص وظيفي وربط التعويضات بها.
  • تطوير برامج تدريبية مستمرة لتأهيل الكوادر في مواجهة المخاطر الجديدة والتحديات الصحية.
  • ربط التعويضات بالمخرجات والأداء لضمان كفاءة استخدام الموارد.
  • دمج هذه السياسات ضمن رؤية وطنية لإعادة بناء الدولة، بحيث يعتبر الموظفون في القطاعات الحيوية شركاء في التنمية والاستقرار.

الخاتمة:

إن مطالبة نقابة الأطباء البيطريين في اللاذقية بزيادة التعويضات تُعد مؤشراً حاسماً على تحول العلاقة بين الدولة الجديدة وموظفيها في القطاعات الحيوية.
فهي استثمار في استقرار القطاع، والأمن الغذائي، والصحة العامة.

ويؤكد هنا تيار المستقبل السوري أن الاعتراف بحقوق العاملين وتوفير بيئة مهنية عادلة هو جزء أساسي من إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس العدالة، والمواطنة، والكفاءة.

المراجع:

  1. Syria.tv. (10/11/2025). نقابة الأطباء البيطريين في اللاذقية تدعو إلى إنصاف العاملين وزيادة التعويضات. رابط الخبر
  2. Enab Baladi. (2025). القطاع الحيواني والأمن الغذائي في سورية.
  3. World Bank. (2021). Higher Education and Public Services in Post-Conflict Societies.
  4. UNESCO. (2022). Rebuilding Public Services after Conflict.
  5. FAO. (2020). Veterinary Services and Food Security in the Middle East.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع