د. زاهر إحسان بعدرانيرئيس التيارمقال / تصريحمكتب الرئاسة

نافذة نحو حل ممكن، ودعوة “حبش”

بقلم الدكتور زاهر بعدراني
رئيس تيار المستقبل السوري

تابعت التعليقات سلباً وإيجاباً على دعوة الصديق الدكتور “محمد حبش” عن معادلته 1+4 والتي طرحها منذ أيام على قناة تلفزيون سوريا، وضرورة إشراك نظام الأسد لطاولة حوار تضم سلطات الأمر الواقع على الأرض اليوم (وهو -أي النظام السوري-بات منهم، بل وسبباً رئيساً في وجودهم)، وجاءت التعليقات كما هو متوقعٌ، مليئةً بسنوات الدم والقهر وآهات المظلومين والثكالى، ممن عانوا وما يزالون الأَمرَّين من نظام الأسد الطاغية!

هنا لابد من الإشارة إلى أن الاختلاف مع الآخر ثروة وثورة، وهو في منهجنا ورؤيتنا في تيار المستقبل السوري مطلوبٌ ومشكور (ما لم يكن فيه عنف أو ظلم)، ومهما اختلفنا مع الدكتور “حبش” دينياً أو سياسياً فهو يُحسب له انسحابه من ساحات التطبيل والتزمير للمجرمين في دمشق، وكان له أن يبقى معهم وأن يكون له بينهم شأن! وتاريخه قبل ثورة الأحرار معروفٌ ومشهود، وهو مُقِلٌّ بحديث السياسة بعد خروجه من سورية ومن المفيد سماع صوته ورأيه بوضوح (خصوصاً أنه يمثل رأي شريحة قريبة منه ومن دوائره المحيطة به).

لكن دعونا نتسائل، هل الموقف السلبي من دعوة “حبش” جاء نابعاً من موقفنا من النظام السوري وتاريخه الأسود بالفعل، والذي أثبتت الأيام أنه لن يقبل بغير الرضوخ لسلطته والسير في ركبه، وأن المراهنة على أي حل يكون فيه حاضراً فهو إضاعة للوقت وتضييع للقضية!
أم أن الهجوم على طرح “حبش” مردّهُ طريقتنا التي باتت تعد جزءاً من ديناميكيات التفكير لدينا كسوريين في رفض أي دعوة تحمل نمط حلٍّ ما يجترحه السوريون (أفراداً أو جماعات) من عمق المعاناة والمراوحة في المكان؟
أم أنه يُعزى لحالة الإحباط فيمن تصدروا المشهد اليوم (من قيادات المعارضةالسورية)، وممن تصدروا مشهد الأمس (من رجلات النظام السوري وأعوانه)، حتى بلغ التخويين حدة وضرب أطنابه بيننا كسوريين!!
كما أنه لاشك لدي أن الكثير من التعليقات السلبية مردها إلى تاريخ الرجل اللصيق به والذي يحاول هو وأمثاله الانعتاق منه وعنه، ولكن يبقى في حالة “حبش” أمراً شائكاً لما لديه من أطروحاتٍ إشكالية تكاد لا تنتهي ضمن حقل ألغام سياجه الدين والعقيدة (وفي ذلك ظلم من ناحية ربط هذا بذاك!)

نعود للقول، لاشك أنه إذا كانت تلك الأصوات توجهاً ضد إشراك النظام السوري فقط، فهو موقف منطقيٌ ومقبول ومردّه جميع تجارب السابق الفاشلة! وهنا يمكن فهم ردات الفعل في سياقها واتساقها الطبيعي. وأنه لو قرر العالم كله فتح صفحةٍ جديدةٍ مع نظام الأسد أو اقحامه بيننا في أي حل ممكن (فلن يكون مقبولاً ولا مرحباً به على الإطلاق).
ولكن .. إذا كانت تلك الأصوات والردود السلبية منطلقها ما أشرنا إليه من خطورة أنها باتت تشكل طريقة تفكير وأسلوبٍ عام لدينا، فهنا الخطورة! فذاك لا يبني وطناً ولا يرفع بلداً ولا يؤسس لحل!

وللإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى قراءة هادئة واقعية عملية، ربما تبدأ بالسؤال الأهم هل السوريون هم ضد النظام السوري كونه نظام ظالم مجرم …. إلخ؟!
وللاجابة ننظر للواقع لنرى ما يلي:

  • لا خلاف على أن المعارضة السورية اليوم تحاور النظام السوري ضمن هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية -وهم ليسوا لوناً واحداً- رغم إقرارنا بوجود أصوات معارضة لها، ولكن هذا الموقف بات يُمثل المعارضة السورية وقوى الثورة شئنا أم أبينا، ما يعني أن السوريين المعارضين ليسوا ضد الحوار مع النظام السوري كمبدأ! وإلا لرأينا مظاهرات ترفض هيئة التفاوض بالمطلق، ولكان حال أصحابها الخروج من المشهد السياسي السوري منذ سنوات بعد تخوينهم، وهذا لم يحصل!
  • الواقع المُتمثل خارج سيطرة النظام السوري يحكمه ثلاث سلطات: قسد، هيئة تحرير الشام، المعارضة الشرعية، وتلك السلطات لا يوجد بينها أي نوع من أنواع التطبيع، بل هناك تاريخ أقرب للعداء، لم نستطع إيجاد طريقة لإحداث خرقٍ فيه يكون لصالح أبناء الوطن الواحد قبل أي شيء.

يمكن القول: نحن أمام حالة تفكير صفرية عدائية لدى بعض السوريين خصوصًا صناع المحتوى والفاعلين على السوشيل ميديا، وهي تُمثل واقعنا السوري الشعبوي، بينما النظام السوري والمعارضة يتحاوران ولو بالحد الأدنى، نجد أن السلطات خارج سيطرة النظام السوري منذ سنوات، والتي كان من المفروض أن تتوحد -وإن بالحد الأدنى- ما تزال تعاني من صراع وقطيعة دون حد أدنى من تطبيع!.

إذاً، هل هذا التوصيف لواقع السوريين اليوم يعد ضد قبول النظام السوري فقط! أم أنهم ضد بعضهم البعض وحسب!.

وللسوريين خيار رفض جميع سلطات الأمر الواقع كما موقفنا في تيار المستقبل السوري، وإن كانت بتجرد تُمثل الواقع الذي انتهى إليه الصراع السوري لكنها لا تمثلنا ولا تحمل رؤيتنا لسورية موحدة حرة، ونخشى أن يكون صوتنا ضمن أصوات رافضة لها، لكنها لا تُمثل كتلة وازنة مؤثرة بالواقع، وهي مثل كل دول العالم حالة تعبير عن رأي فحسب!

إن قراءة الواقع تجعل من الضرورة عدم اعتماد السوشيل ميديا في قراءة الانطباع السوري برمته، فبينما التعليقات والمشاركات على خطة “حبش” قد لا تتجاوز الألف والألفين، فإننا نرى انقسام السوريين بالملايين بين قبول أو رفض الحوار مع النظام السوري، في الوقت الذي تراهم متعايشين مع حالة العداء بين السلطات خارج سيطرة النظام السوري!، وإلا فمن خرج على النظام الأمني عام 2011م لن يُعجزه الانتفاض والثورة على غيره (لو رأى بذلك مصلحته)، ومن يُخبرك عن أن السوريين تعبوا من حالة الثوران على الوضع القائم، أخبره بحراك السويداء وادلب اليوم!

لاشك أننا نحتاج للمحبة وللتعايش كما ذكر “حبش”، ولكن: (أولاً) نحتاج لإيجاد حدّ معقول من التوازن والاتزان في مواقفنا، و(ثانياً) إيقاف أي حوار مع النظام السوري أو تجميده مؤقتاً وقد أثبت فشله، بل وأنه المسبب برسم خريطة اليوم المشوَّهَة والمُشوِّهة لسورية، و(ثالثاً) إيجاد حلول تسوية ومصالحة حقيقية واتفاقات تعاقدية بين سلطات الأمر الواقع خارج سلطة ونظام الأسد (أي بين السوريين الذين يجمعهم كره الأسد ورفض استمرار حكمه ونظامه).
وبذلك أخلص للقول دعونا نعمل على القاعدة التي جمعتنا منذ أول يوم: واحد واحد واحد الشعب السوري 1، وإذا وصلنا لها (فعلاً لا هتافاً) فلن نسمع أي معادلات أخرى، وفي هذا القدر كفاية.

د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى