المكتب السياسيبحوث ودراسات المكتب السياسي

حول النظام البرلماني الذي يتم التجهيز له لحل المسألة السورية

انطلقت منذ أيام مبادرة روسية تركية حسب معلومات خاصة، تحمل اتفاقاً متبادلاً بين المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية “ميخائيل بوغدانوف”، ووزير الخارجية التركي “هاكان فيدان”، وتتلخص بالاتفاق على إقناع طرفي الصراع (النظام السوري والمعارضة) بمشروع جعل سورية محكومة بنظام برلماني، على اعتباره بديلاً واقعياً ممكناً لتسوية الملف السوري أمام حالة الجمود الراهنة! وتشترط المبادرة تسليم تركيا كلاً من طريقي M5/M4 لقوات النظام السوري، مقابل تغاضي روسيا عن استيلاء تركيا على باقي الشريط الحدودي من قوات سورية الديمقراطية، كنا لا تمانع روسيا من استيلاء تركيا على مدينة حلب في حال اتفقت مع الإيرانيين حول ذلك.

تنطلق رؤيتنا في تيار المستقبل السوري من أهمية الحفاظ على الحدود السورية كاملة، وفي الانتقال السياسي نحو بناء الدولة السورية الوطنية الواحدة، والذي لانراه ممكناً في ظل نظام برلماني!

ماهو النظام البرلماني؟
تأسست فكرة النظام البرلماني في بريطانيا، حين خسر الملك “جان سان تير” أمام الفرنسيين، لينهار الاقتصاد البريطاني، ويتم دخول النبلاء “اللوردات” للمساعدة، الأمر الذي ساعدهم لاحقاً في فترة أسرة “دي هانوفر” الألمانية لإيجاد منصب رئيس الوزراء، والذي يتم تفويضه من الملك بمزيد من الصلاحيات، ليتدرج النظام البرلماني بعد القرن العشرين نحو أحادية المسؤولية من قبل البرلمان على أعمال الحكومة، بينما يتمتع منصب الرئاسة بصلاحيات محدودة.
كما ويتميز النظام البرلماني بعلاقة ندية بين البرلمان والحكومة، أي السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالحكومة تنبثق عن البرلمان ويملك البرلمان الصلاحية على محاسبة تلك الحكومة، والتي تمتلك استقلالية كاملة، بالمقابل في حال عدم قدرة البرلمان على الاستمرار بتلك العلاقة، فيمكن للحكومة إسقاط البرلمان والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة، وبالتالي نحن أمام حالة تداخل سلطوي لايمكن لطرف منه أي يتفرد بالسلطة.

سلبيات خطيرة لتطبيق النظام البرلماني في سورية:

يتميز النظام البرلماني باستقلالية السلطات وهذا ايجابي بحد ذاته، لكنه في الحالة السورية يتغافل عن واقعها المعقد! فالنظام البرلماني يعني وجود أغلبية برلمانية هي من تختار الحكومة، ودعوة الحكومة لانتخاب برلمان جديد يكون في حال غياب تلك الكتلة البرلمانية الأغلبية، وبالتالي فالحكومة التي تمتلك كل الصلاحيات هي في حقيقتها المهيمنة على البرلمان، وهذه التركيبة في الحالة السورية تعني سيطرة كاملة للنظام السوري الذي يعمل اليوم على إعادة بناء ذاته من خلال إصلاحات حزبية من جهة (إصلاحات حزب البعث)، ومن خلال استطاعة النظام على الإئتلاف مع أغلبية القوى البرلمانية (قسد و هيئة التنسيق وبعض أطراف المعارضة)، وبالتالي يصبح النظام البرلماني قارب نجاة حقيقي للنظام السوري لإعادة سيطرته على الحكومة كاملة الصلاحيات، ومن الملاحظ محاولة إيران السيطرة على هذا منصب رئيس الحكومة حالياً عبر شخص رئيس الوزراء “حسين عرنوس”، هذا الواقع في سورية لا يشبه ولا بحال واقع بريطانيا التي تستخدم النظام البرلماني حيث يهيمن حزبا “العمال” و”المحافظين” على المشهد السياسي هناك، مع ضمان وجود معارضة قوية في البرلمان بسبب الفوارق بين الحزبيين في نتائج الانتخابات، ولا يشبه حال تركيا قبل الانتقال للنظام الرئاسي، والتي استطاع فيها “حزب العدالة والتنمية” في مرحلة النظام البرلماني منذ سنة 2002م أن يهيمن على الحالة السياسية لدرجة قدرته على تشكيل الحكومة منفرداً دون ائتلاف برلماني مع غيره من الأحزاب.
هذا في حال استطاع خائطوا نسيج النظام البرلماني في سورية أن يحصلوا على الكتلة الأغلب من البرلمان، أما في حال فشلهم في ذلك، فهذا سيعني استمرار عدم الاستقرار السياسي، وستدخل البلاد في أزمة وجودية حكومية، ولن تكون قادرةً على إفراز بنية حكم مستقر، مايعني في حالتنا استمرار الحرب بشكل أو بآخر بين السوريين، أو الدخول في دوامات عقيمة طويلة الأمد من حكومات انتقالية تقوم مقام الحكومة الصحية، أو يعني بشكل أو بآخر تجميد البرلمان لنقله إلى حالة انتخابات متكررة!
هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر فسيكون لأطراف الصراع من السوريين المتكتلين في البرلمان عمقٌ دولي خارجي يرسّخ مصالح تلك الدول ولو على حساب المصالح الوطنية، فالنظام السوري مثلاً ومن في فلكه سيكون لكتلته عمقٌ إيراني روسي، وبالتالي عند أي منعطف إقليمي فقد تستخدم تلك الدول نفوذها في عرقلة عمل الحكومة أو حتى البرلمان، ما من شأنه أن ينقل سورية من حالة تشتت حالية إلى حالة استيلاء تام، فإما يتم تنفيذ متطلبات تلك الدول، أو إغراق البلاد في حالة جمود وتعثر قد تنقله لمرحلة انقلابات، مثل تلك التي عاشتها سورية في السبعينات.

خاتمة:
لاشك أن الوصول لأي خيار ينقل السوريين من مرحلة الحرب ومفرزاتها إلى مرحلة الدولة الوطنية هو خيار جيد بالعموم، ولكن وفي حالة النظام البرلماني فلن يعني أكثر من المراهنة على عدم تدخل الدول الاقليمية بالبلد، وعلى استطاعة السوريين تخليق كتل ائتلافية تملك الأغلبية، ومعارضة قوية تعمل على الوصول مرة قادمة للسطلة عبر النجاح بائتلاف برلماني جديد، هذه المراهنة التي ستستحيل مع وجود دولٍ كإيران التي تسعى للسيطرة على سورية عبر مفهوم المقاومة والممانعة، ومع وجود عقلية تعودناها من قبل نظام الأسد باحتكار قوى السيطرة، واللعب الاستخباراتي العميق ضد المعارضين.

لهذا فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري أن يتم العمل بعيداً عن هذا الخيار في المرحلة الأولى، وإن تم فرضه علينا فيجب وقتها العمل على بناء مرحلة جديدة يتم فيها استخدام أدوات مختلفة تمنع تغوّل إيران ونظام الأسد أكثر بالسلطة.

يوصي تيار المستقبل السوري في مقابلة هذا الاقتراح الروسي التركي، دراسة اقتراح توحيد المناطق بدعم غربي تركي عبر ما أسميناه “تجربة ألمانيا الغربية” جدّة سورية، والمنشور في موقعنا الرسمي.

جاكلين ك الشامي
المكتب السياسي
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى