الملف الأول: الواقع المجتمعي السوري بعد التحرير من سلطة الأسد: تحليل لعوامل القوة والضعف
يهدف النقاش إلى استكشاف التحديات والفرص المحتملة في مجتمع مزقته الحرب (2011–2024)، مع التركيز على العوامل الداخلية والخارجية التي ستشكل مستقبله.
أولا: عوامل القوة في المجتمع السوري:
المرونة المجتمعية والتكيف:
- أظهر السوريون قدرة استثنائية على الصمود خلال الحرب، من خلال إنشاء شبكات دعم محلية وإدارة الموارد الشحيحة، وهذه المرونة قد تشكل أساسًا لإعادة الاعتماد على الذات في مرحلة البناء.
- تطورت مبادرات المجتمع المدني خلال الأزمة (مثل الفرق الطبية المحلية ومراكز التعليم البديلة)، مما يدل على وجود قاعدة للتطوع والعمل الجماعي.
الثروة البشرية والدياسبورا:
- تمتلك سورية شريحة شبابية كبيرة قد تكون محركًا للتنمية إذا أُتيحت لها الفرص.
- يُقدَّر أن هناك ملايين السوريين في الشتات، كثيرون منهم حاصلون على تعليم عالٍ وخبرات مهنية، وقد يساهمون في نقل المعرفة ورأس المال إذا توفرت بيئة آمنة.
التنوع الثقافي كجسر للوحدة:
- التنوع الإثني والديني (عرب، أكراد، شركس، مسلمون، مسيحيون، إلخ) يمكن أن يصبح مصدر قوة إذا أُدرِك كـ"فسيفساء" ثقافي بدلًا من عامل انقسام، عبر خطاب شامل يعترف بالهويات المتعددة.
الإرث الحضاري والموقع الجيوسياسي:
- يمكن لسورية الاستفادة من تاريخها العريق وموقعها الجغرافي كجسر بين آسيا وأوروبا لجذب الاستثمارات والسياحة بعد إعادة الإعمار.
ثانيا: عوامل الضعف والتحديات:
الانقسامات المجتمعية العميقة:
- خلَّفت الحرب شرخًا اجتماعيًّا على أسس طائفية ومناطقية، مع تعزيز نظام الأسد لهذه الانقسامات كاستراتيجية بقاء قد يصعب تجاوزها دون مصالحة حقيقية.
- صعود الهويات الفرعية (كالهوية الكردية في شمال سورية) يطرح تساؤلات حول نموذج الدولة المركزية.
الدمار الشامل للبنية التحتية:
- وفقًا للأمم المتحدة، تدمر أكثر من 70% من البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والطرق، لذا فإن إعادة البناء تتطلب تريليونات الدولارات وتعاونًا دوليًّا، وهو أمر معقد بسبب العقوبات والصراعات الجيوسياسية والانكفاء الدولي وانشغاله بصراعاته.
الأزمة الاقتصادية والإنسانية:
- انهيار العملة (من 50 ليرة للدولار عام 2011 إلى نحو 15,000 في 2024) فاقم الفقر، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر.
- نزوح 12 مليون سوري داخليًّا وخارجيًّا، مع صعوبات عودة النازحين بسبب انعدام الأمن ومصادرة الممتلكات ونسبة الدمار الكبيرة.
غياب المؤسسات الفاعلة والشرعية السياسية:
- كما كان متوقعا قبل التحرير، ستواجه أي حكومة جديدة بعد الأسد أزمة شرعية في ظل تعدد الفصائل والتحالفات الخارجية المتنافسة (إيران، روسيا، تركيا، الولايات المتحدة).
- انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة يهدد الاستقرار الأمني.
الصدمات النفسية والاجتماعية:
- جيل كامل عاش تحت القصف وفقد الأمل، مع ارتفاع معدلات الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، كما أن التأهيل النفسي يحتاج إلى برامج طويلة الأمد.
ثالثا: التأثيرات الخارجية: الفرص والمخاطر:
- الدور الدولي: يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورًا في إعادة الإعمار عبر استثمارات مشروطة بالإصلاح السياسي، لكن التنافس بين القوى (مثل روسيا والصين مقابل الغرب) إضافة لضبابية موقف ترامب وإدارته، خصوصا مع حديث عن رغبة في ترجيح مسار حكومة نتنياهو الداعمة لتقسيم سورية، كل ذلك وغيره قد يعقد ذلك.
- التدخل الإقليمي (تركيا، اسرائيل، ايران، العراق) تلقي بظلالها على الاستقلالية السورية، حيث تسعى كل دولة لحماية مصالحها عبر وكلاء محليين.
رابعا: الفرص والتوصيات للبناء المستقبلي:
المصالحة الوطنية:
- إنشاء هيئات للحقيقة والعدالة الانتقالية لمعالجة جرائم الحرب وبناء ثقة بين المجموعات المتنازعة.
اللامركزية السياسية:
- يمكن لنموذج الحكم اللامركزي أن يُعطي صلاحيات للمناطق السورية المتنوعة مع الحفاظ على الوحدة الوطنية.
- على أننا قدمنا ورقة بعنوان "المركزية واللامركزية، والخيار الثالث بينهما" واقترحنا نظام "الحكم المشترك" أو "الفدرالية التعاونية" حلاً وسطاً يوفِّق بين المركزية واللامركزية، وهو ما يُعرف في بعض الأحيان بالنظام "اللامركزي المشترك".
تمكين الاقتصاد المحلي:
- دعم المشاريع الصغيرة والزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، مع رفع العقوبات تدريجيًّا.
إشراك الشباب والمرأة:
- دمجهما في عملية صنع القرار لضمان تمثيل أوسع واستغلال طاقاتهما الإبداعية.
- تذييل:
- رغم التحديات الهائلة، فإن المجتمع السوري يحمل بذورًا لإعادة البناء إذا توفرت إرادة سياسية داخلية ودعم دولي غير مشروط بمصالح ضيقة. وبذلك يكون النجاح مرهوناً بتحويل التنوع إلى قوة، والتعلم من أخطاء الماضي، وتبني نموذج تنموي شامل يُعطي الأولوية للإنسان قبل الحجر.
الملف الثاني: دور المجتمع المدني في سورية المستقبل:
يقدم تيار المستقبل السوري عشر نقاط حولها:
- شريك استراتيجي في صنع القرار:
- يجب على منظمات المجتمع المدني أن تتبوأ دورًا رئيسيًا كشريك استراتيجي للحكومة في صنع القرارات التي تؤثر على مستقبل البلاد. ويمكن تحقيق ذلك من خلال منصات حوار منتظمة وشفافة تضم ممثلين عن المجتمع المدني، الحكومة، والقطاع الخاص، وهذا التعاون يضمن تكامل وجهات النظر وتحقيق توازن بين مختلف مصالح المجتمع.
- حاضنة للابتكار الاجتماعي:
- تعتبر منظمات المجتمع المدني الحاضنة المثالية للابتكار الاجتماعي. يمكن لهذه المنظمات تطوير حلول مبتكرة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية من خلال تبني أفكار جديدة وتنفيذ مشاريع تجريبية، ويمكن للمجتمع المدني أن يكون جسرًا بين الأفكار الإبداعية والتطبيق العملي، مما يساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين.
- مراقب مستقل للشفافية والنزاهة:
- يلعب المجتمع المدني دور المراقب المستقل الذي يساهم في تعزيز الشفافية والنزاهة في مؤسسات الدولة.
- حيث يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تراقب تنفيذ السياسات العامة وتقديم تقارير دورية حول الأداء الحكومي، مما يساهم في تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة.
- مُسهل للتعليم المستمر:
- يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني محورًا رئيسيًا في توفير فرص التعليم المستمر والتدريب المهني للمواطنين.
إذ يمكن لهذه المنظمات تنظيم ورش عمل، دورات تدريبية، وبرامج تعليمية تستهدف فئات مختلفة من المجتمع، مما يعزز من قدراتهم ويساهم في التنمية البشرية.
- يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني محورًا رئيسيًا في توفير فرص التعليم المستمر والتدريب المهني للمواطنين.
- محرك للمبادرات البيئية:
- يلعب المجتمع المدني دورًا حيويًا في حماية البيئة وتعزيز الوعي البيئي، من خلال تنظيم حملات توعية وبرامج تطوعية، عبر تعزيز المنظمات غير الحكومية للوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وتنفيذ مشاريع بيئية مستدامة تسهم في تحسين الصحة العامة.
- مدافع عن حقوق الإنسان:
- تعتبر منظمات المجتمع المدني المدافع الأول عن حقوق الإنسان في سورية، ويمكن لهذه المنظمات تقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا، والعمل على تعزيز التشريعات التي تحمي حقوق الإنسان، وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية.
- مروج للثقافة والفنون:
- تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا أساسيًا في تعزيز الثقافة والفنون من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية التي تعزز الهوية الوطنية والتنوع الثقافي، حيث يمكن لهذه الأنشطة أن تكون جسرًا للتواصل بين الثقافات المختلفة وتساهم في بناء مجتمع متماسك ومتعدد الثقافات.
- منصة للحوار والتفاهم:
- يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني منصات مفتوحة للحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع. مثل تنظيم جلسات حوارية وورش عمل تجمع بين الفئات المختلفة لتعزيز التفاهم المتبادل والتعايش السلمي.
- محفز للتطوع والمشاركة المجتمعية:
- تعتبر منظمات المجتمع المدني القوة الدافعة لتعزيز ثقافة التطوع والمشاركة المجتمعية. وذلك عبر تنظيم حملات تطوعية ومبادرات مجتمعية تهدف إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، مما يعزز من روح التعاون والتضامن بين المواطنين.
- شريك في إعادة الإعمار:
- يلعب المجتمع المدني دورًا حيويًا في عملية إعادة الإعمار بعد النزاعات والأزمات، من خلال تقديم الدعم الفني واللوجستي في مشاريع إعادة البناء، وتوفير الخدمات الأساسية للمجتمعات المتضررة، وضمان تحقيق التنمية المستدامة.
إن رؤيتنا في تيار المستقبل السوري لدور المجتمع المدني في سورية المستقبل أنه يتجاوز الأدوار التقليدية ليصبح شريكًا أساسيًا في بناء مجتمع مستدام ومتطور.
فمن خلال الابتكار، والشفافية، والتعاون، يمكن للمجتمع المدني أن يساهم في تحقيق رؤية مستقبلية مشرفة لسورية.
الملف الثالث: آليات تطوير المجتمع المدني في سورية: الاستفادة من الفرص الحالية والمستقبلية
يقدم تيار المستقبل السوري عشر نقاط حولها:
- تعزيز الشفافية والمساءلة:
- الشفافية والمساءلة هما أساس تطوير المجتمع المدني. يجب وضع آليات واضحة لمراقبة وتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني، وضمان تقديم تقارير دورية عن أنشطتها ومصادر تمويلها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء منصات إلكترونية تتيح للمواطنين الوصول إلى المعلومات والتفاعل مع المنظمات.
- توفير الدعم المالي والفني:
- التمويل المستدام هو عنصر حيوي لتعزيز المجتمع المدني، لهذا ينبغي تقديم دعم مالي وفني للمنظمات من خلال الشراكات مع المؤسسات الدولية، والقطاع الخاص، والحكومة. كما نقترح إطلاق صناديق دعم محلية وإقليمية لتمويل المشاريع المجتمعية والتنموية.
- تعزيز التعليم والتدريب:
- إن تطوير القدرات البشرية هو أساس نجاح المجتمع المدني، لهذا يجب تقديم برامج تعليمية وتدريبية لمنظمات المجتمع المدني لتعزيز مهاراتهم في الإدارة، القيادة، والتخطيط الاستراتيجي.
وهنا نقترح هنا التعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية لتقديم هذه البرامج.
- إن تطوير القدرات البشرية هو أساس نجاح المجتمع المدني، لهذا يجب تقديم برامج تعليمية وتدريبية لمنظمات المجتمع المدني لتعزيز مهاراتهم في الإدارة، القيادة، والتخطيط الاستراتيجي.
- تشجيع الابتكار الاجتماعي:
- الابتكار الاجتماعي هو المحرك الرئيسي للتغيير الإيجابي. لهذا ينبغي دعم مشاريع الابتكار الاجتماعي التي تهدف إلى تقديم حلول جديدة للمشكلات المجتمعية.
ومن هنا فإننا نقترح إنشاء حاضنات أعمال اجتماعية ومنصات تمويل جماعي لدعم هذه المشاريع.
- الابتكار الاجتماعي هو المحرك الرئيسي للتغيير الإيجابي. لهذا ينبغي دعم مشاريع الابتكار الاجتماعي التي تهدف إلى تقديم حلول جديدة للمشكلات المجتمعية.
- تعزيز التعاون والشراكات:
- التعاون بين مختلف الأطراف الفاعلة هو مفتاح النجاح. سيكون من الضروري تعزيز الشراكات بين منظمات المجتمع المدني، الحكومة، القطاع الخاص، والمنظمات الدولية لتحقيق الأهداف المشتركة.
لذا فإن إنشاء مجالس استشارية تضم ممثلين عن هذه الأطراف للتنسيق والتعاون، سيكون مفيدا ً.
- التعاون بين مختلف الأطراف الفاعلة هو مفتاح النجاح. سيكون من الضروري تعزيز الشراكات بين منظمات المجتمع المدني، الحكومة، القطاع الخاص، والمنظمات الدولية لتحقيق الأهداف المشتركة.
- تعزيز الدور الرقابي للمجتمع المدني:
- يجب أن يكون للمجتمع المدني دور فعال في مراقبة وتقييم السياسات العامة وبرامج التنمية، حيث يكون تحقيق ذلك من خلال إنشاء آليات لرصد وتقييم الأداء الحكومي وتقديم توصيات بناءً على الأدلة والبيانات.
- دعم حقوق الإنسان والمساواة:
- حقوق الإنسان والمساواة هي قيم أساسية يجب تعزيزها.
لهذا ينبغي دعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة التمييز، وضمان تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع.
- حقوق الإنسان والمساواة هي قيم أساسية يجب تعزيزها.
- تعزيز الوعي البيئي:
- إن الوعي البيئي جزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة.
وهنا نقترح دعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على حماية البيئة ونشر الوعي بأهمية الاستدامة البيئية. كما يمكن تنظيم حملات توعية وبرامج تعليمية لتعزيز هذا الوعي.
- إن الوعي البيئي جزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة.
- دعم المرأة والشباب:
- تمكين المرأة والشباب مفتاح تحقيق التغيير الإيجابي.
ونوصي بشدة دعمَ منظمات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز دور المرأة والشباب في المجتمع، وتوفير الفرص لهم للمشاركة الفعالة في الحياة العامة والسياسية.
- تمكين المرأة والشباب مفتاح تحقيق التغيير الإيجابي.
- استخدام التكنولوجيا لتعزيز المجتمع المدني:
- التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة قوية لتعزيز المجتمع المدني.
لهذا ينبغي استخدام التقنيات الحديثة مثل المنصات الرقمية، وسائل التواصل الاجتماعي، والتطبيقات المحمولة لتعزيز التواصل والتفاعل بين المواطنين ومنظمات المجتمع المدني.
- التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة قوية لتعزيز المجتمع المدني.
خاتمة:
إننا نرى في تيار المستقبل السوري أن تطوير المجتمع المدني في سورية يتطلب تكامل الجهود والاستفادة من الفرص الحالية والمستقبلية، كما نرى أنه من خلال تبني آليات فعالة وتعزيز التعاون والشفافية، يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا محوريًا في تحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل مشرق لسورية.
المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري