الذكرى السنوية 12 لتأسيس تيار المستقبل السوري
رئيس تيار المستقبل السوري
الدكتور زاهر بعدراني
12 عاماً من أجل سورية:
قبل اثني عشر عاماً، وُلد تيار المستقبل السوري من رحم ثورة حملت ألم وأمل السوريين بالتغيير، بعد أن خنق نظام الأسدين الأب والابن روح الحياة السياسية، وأغلقا كل باب أمام أي أفق حقيقي للتغيير، في مشهد خُنق فيه الإصلاح، ولوحق فيه الإصلاحيون، وقُمعت فيه الحريات.
فكانت ثورة 2011 لحظة انفجار الشعب أمام نظام القمع والبطش والتنكيل والتضليل، نظام تزوير الحقائق ودفنها بل ودفن من يحاول إحيائها أو تسليط الضوء عليها.
كان حراكاً شعبيّاً مثّل جميع السوريين على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم، وبالتوازي معه قامت النخب المعارضة بتصدّر المشهد السياسي بقوة وتجميع خيوطها بالقدر الممكن، لتعلن بصراحةٍ مواجهتها سياسات الحزب الواحد، ونظام القائد الأوحد.
لم يكن هدف الثورة السورية أبداً هدمَ مؤسسات الدولة، بل تحريرها من أيدي قوى الاستبداد، لإفساح المجال أمام بناء دولة ديمقراطية تقوم على الحرية والعدالة، وتكون ملاذاً آمناً لكل السوريين دونما استثناء.
وفي سبيل ذلك أسسنا “تيار المستقبل السوري” كإطار يحمل طموحات الشعب، ويسعى لبناء سورية حرة وديمقراطية تسع الجميع، بعيدة عن التبعية الطائفية المقيتة أو المذهبية المدمرة أو القبلية المجحفة أو الاحتلالات الخارجية.
ولد تيار المستقبل السوري منذ ١٢ عاما، نتيجة لقاء نخبة من المثقفين والمناضلين السوريين في مطلع عام 2012، حيث وضعنا رؤية واضحة، تتجسّد في تأسيس تيار سياسي جامع، يواكب تعقيدات المرحلة، ويدور مع المصلحة، ويؤمن بالموازنات، ويفقه الترجيحات، ويرنو لبلوغ العافية، ويخطط لمستقبل سورية، منطلقاً من تاريخها الممتد الاصيل، ومن الثقة بشعبها العزيز والنبيل، ضمن بيئة تنافسية شريفة تستمد قوتها من الشعب وحده.
ولد تيار المستقبل السوري في الـ 13 من نوفمبر، تشرين الثاني، لعام 2012، وتحديداً في الساعة الـ 15 و 54 دقيقة و18 ثانية.
وخلال اثني عشر عاماً، تدرّج تيار المستقبل السوري بالنمو والتمدد، مستنداً إلى روح الثورة، ومتسلحاً بإرادة شعبية صلبة، كانت وما تزال تُسدد بوصلته، وتُلهم خطوه، وتُصحح مساره.
إخوتي وأخواتي، أبناء شعبنا الحبيب، إن تيار المستقبل السوري هو رؤية استراتيجية تتبنى تحقيق دولة مدنية ديمقراطية تعكس تطلعات شعبنا السوري الحرّ والثائر، دولة يتحقق فيها العدل والمساواة بين جميع المواطنين ولجميع المواطنين، بلا استثناء ولا تمييز، ويكون فيها الرئيس خادماً للشعب، عبر برلمان منتخب، دونما قدسية أو استبداد.
رؤيتنا للدولة تشمل تحريرها من أي انتماءات فئوية، وتكون فيها السلطات الثلاث — التنفيذية والتشريعية والقضائية — خاضعة تماماً لإرادة الشعب، لا تخضع لوصاية داخلية أو خارجية! فالدولة في مفهومنا هي كيان معنوي لجميع السوريين، ليس لفئة دون أخرى، وأن الوحدة الوطنية هي السبيل لاستقلال القرار الوطني واستقرار المجتمع.
إن تعدد الأحزاب والتيارات السياسية، رغم كل ما تحمله من تحديات، هو ضرورة في بناء مجتمع متوازن، ولن يتم تحقيق الاستقرار إلا بتكامل وتكاتف وتعاون تلك التيارات وقوى المجتمع في إطار صحي وشفاف.
ونسعى دائماً للحوار مع مختلف الأطراف على قاعدة شراكةٍ وطنية مشتركة، موحِّدةٍ وموحَّدَة، بلوغاً لإقرار وثيقة وفاق وطني تكون قاعدة لتحقيق السلم الأهلي المستدام، والنهوض بسورية من ركام الحرب، واختطاف السيادة.
أولوياتنا في تيار المستقبل السوري تشمل تمكين السوريين رجالا ونساء، من بناء مجتمع يكرس قيم التعايش والسلام، والخير والوئام، ورعاية الأطفال وتمكين الشباب، وتعزيز مساهمتهم في بناء سورية المستقبل والمستقبل السوري.
عَمِلنا على مبادرات تعليمية، وبرامج تمكين في الداخل السوري، من خلال قسم بناء القدرة وتطوير الذات والتابع للمكتب العلمي لتيار المستقبل السوري، وركّزنا جهودنا في دعم فئة الشباب والأيتام، والمتضررين من الحرب والنزوح، وأوجدنا لهم فرصاً لبناء مستقبلهم بكرامة، بعيداً عن الاستسلام لواقع الإغاثة المؤقتة.
نسعى في تيار المستقبل السوري للتعاون مع المجتمع الدولي، ونعمل بجد لتطوير علاقات بنّاءة مع الدول الشقيقة والصديقة، وخاصة دول الجوار، ونتطلع إلى تعزيز مكانتنا كتيار سياسي وطني مستقلٍ عن أي تمويل مشروط، أو إملاءٍ خارجيٍّ مرفوض، رافعين شعار الاكتفاء الذاتي لضمان استقلاليتنا وحريتنا في اتخاذ القرار، متيقنين أن الاعتماد على الذات هو السبيل الوحيد للسيادة الحقيقية.
رؤيتنا للمستقبل لا تقتصر على بناء سورية فقط، بل تشمل أيضاً إقامة علاقات متوازنة مع دول الإقليم والجوار، على قاعدة التعاون والاحترام المتبادل، ودعم الاستقرار الإقليمي، إيماناً منّا بأن أمن سورية واستقرارها جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، وأن أي خلل في محيط الدائرة لابد أن يؤثر سلباً وضعفاً على مركزها.
إخوتي وأخواتي، ابناء شعبنا الحبيب والعزيز، نحن أبناء هذه الأرض، منبثقةٌ جذورنا في عمقها، نناضل ونبني رغم كل الصعاب، وندعو كل سوري يحمل رؤيتنا للمستقبل أن ينضم إلى مسارنا، ونعمل جنباً إلى جنب مع كل التيارات الوطنية المخلصة، ساعين بجدِّ وتصميم لبناء سورية التي نرنو لها ونصبو إليها ونعتز بها.
إننا في تيار المستقبل السوري ندرك أن المسؤولية الملقاة على عاتق المعارضة السورية في المناطق المحررة من نظام الأسد كبيرة وجسيمة، لذا، يجب علينا كمعارضة وطنية أن نحرص على تقديم نموذج حضاري وديمقراطي هناك، يعكس تطلعات شعبنا الحقيقية، ويؤسس لإدارة منفتحة وشفافة تخدم مواطنينا في الداخل! وفي سبيل ذلك علينا أن نتحد ونتكاتف للحفاظ على مكتسبات الثورة، وتحصين مناطقنا من الانزلاق إلى الفوضى أو خسارتها مجدداً!!
فوحدتنا هي السبيل لحماية ما حققناه، خاصة في ظل ما نشهده من رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط قد تطالنا كسوريين، وبدون رؤية موحدة وجهود منسقة، نخاطر بتلاشي ما ضحّى لأجله الشعب من أجل الحرية والكرامة.
إننا في تيار المستقبل السوري نرى أننا مقبلون على تطورات إيجابية في الساحة الدولية، خاصة بعد نجاح الرئيس دونالد ترامب والحزب الجمهوري في الانتخابات الأمريكية، ونرى في ذلك فرصة لتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة العربية، وإرساء دعائم الأمن وإنهاء النزاعات.
فاستمرار الحرب في كل من سورية ولبنان وفلسطين ليس يعد مأساة إنسانية فحسب!، بل تهديداً لاستقرار المنطقة برمتها.
نحن نؤمن أن من مصلحة الإدارة الأمريكية الجديدة أن تدعم استقرار الشرق الأوسط، وأن تساند حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأن ترعى وتدعم جميع الحلول السياسية السلمية الممكنة لتحقيق الانتقال الديمقراطي للسلطة في سورية.
اثنا عشر عاماً ونحن معكم وفي خدمتكم، نتعثّر أحياناً، وننهض من جديد لنرى فيكم ومعكم الأمل بغدٍ أفضل ومستقبلٍ أمثل.
ولا أنسى أن أشكر كوادر تيار المستقبل السوري في سورية خاصة وخارج حدود الوطن، ممن نعتز بهم، ونكبر معهم، ونرى في تفانيهم بالعمل والمتابعة مثالاً يُحتذى للشباب السوري الطامح والجاد، صاحب الإرادة والتصميم في التغيير والتمكين، فأنتم شركاء نجاحاتنا، ومعقد آمالنا، وسبيل تحقيق أحلامنا في سورية، معافاة من كل ما أصابها على مدار عقود من الزمن قبل وبعد الثورة السورية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته