إلى مؤتمر الاستثمار الأول في الشمال السوري.. فلتكن رأسمالية ليبرالية معلنة!.
يعقد الائتلاف الوطني السوري المعارض المؤتمر الأول للاستثمار في الشمال السوري، في المدينة الصناعية في مدينة الراعي شمال سورية، خلال الفترة 17 – 18 يناير 2024 م، وقد تم توجيه دعوة رسمية لـِ تيار المستقبل السوري ممثلاً برئيسه الدكتور زاهر بعدراني لحضور المؤتمر رغم عدم تواجده في مؤسسات المعارضة الرسمية، في حالة إيجابية نحو الانفتاح على كل الكيانات السورية المعارضة.
لاشك أن الاستثمار الناجح يتطلب العديد من العوامل والشروط التي يجب أن تكون متوفرة، سواء على مستوى الأفراد أو الدولة، فمن جانب الأفراد هناك عوامل مهمة لجعل استثماراتهم ناجحة، منها:
- فهم الاتجاهات السوقية والتغيرات الاقتصادية والسياسية، والذي يساعد المستثمرين في اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة ومستنيرة.
- التنويع في الاستثمارات المتعددة، حيث يعتبر ذلك أمرًا مهمًا لتقليل المخاطر.
- الاستثمار في المعروف والمفهوم وهذا ما ينصح به المستثمرون الناجحون مثل كريس راولي، المؤسس والرئيس التنفيذي في Harvest Returns، والذي قال “لا تستثمر في منتج لا تفهمه وتأكد من التعرف على المخاطر بوضوح قبل الاستثمار”.
وإذا كانت هذه بعض عوامل نجاح الاستثمار التي يستخدمها الأفراد، فإنه لابد من ذكر عوامل نجاح الاستثمارات التي يقع تنفيذها على عاتق الدولة أو الحكومة أو السلطة الحاكمة أياً كانت.
وهنا نجدنا بحاجة لتوضيح الواضحات، حيث أن بسط القوانين الناظمة والمُشجعة للاستثمار هي مهمة السلطة الحاكمة، إضافة إلى السهر على تطبيقها، بالإضافة لعوامل أخرى، من ذلك:
1- تشجيع الاستثمار الناجح من خلال توفير بيئة استثمارية مستقرة ومواتية، دون إرهاق المستثمر بالضرائب ونحوه.
2- ضمان حقوق الملكية الفكرية، وتشجيع الابتكار ودعمه.
3- تقديم الدعم للمستثمرين، عبر تبسيط الإجراءات، وتوفير الحماية القانونية للمستثمرين، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة.
4- توطيد الأمن وضمان ديمومته.
إننا إذاً أمام حالة تكاملية تشاركية بين المستثمرين من ناحية، والسلطة (أي سلطة) للقيام بما عليها للاستثمار الناجح، وبما أن السوريين أثبتوا براعتهم في سوق العمل وقطاع الاستثمار، كما يتضح جلياً من حال المغتربين السوريين الناجحين على مستوى العالم ككل، فإن الأمر يبقى منوطاً بالرديف المساعد على لتحقيق اي تقدم أو نجاح، ألا وهي السلطة.
وهنا يتبادر للأذهان سؤالٌ هام، هل بإمكان المعارضة السورية بالفعل القيام بمهامها وما يترتب عليها (كسلطة) ضمن ظروف واقعنا السياسي المعقد؟
فتركيا لا تزال بحالة حرب مع مناطق الإدارة الذاتية، الأمر الذي يجعل مناطق المعارضة السورية عرضة للاعتداءات العسكرية، من قِبَل النظام السوري كما من قبل قسد.
إضافة إلى حالة التشتت والتشظّي لدى فصائل الجيش الوطني، وتواجد عشرات الحواجز التي تُقطِّع أوساط المحرر، ولكلّ فصيلٍ حاجز، ولكل حاجزٍ متحكمٌ به، وبحصل على مكوسَ وتُدفعُ له أتاواتٌ تدرّ عليه ما لن يستغني عنه! ومع فقدان آلية تواصل قانوني شفاف بين تلكم الفصائل، أو وجود قيادةٍ ما توحّدهم، فإن الأمر يصبح أشبه بالسفر بين بلاد متعددة، ولكلّ منها قانونها (الذي يحكمه الهوى والمصالح)، فهل بحثت المعارضة السورية في صلب تلكم المعوقات؟!
على أنه لا يوجد أمثلة لنجاح دول تحت سطوة الحرب، استثمارياً واقتصادياً، إلا الولايات المتحدة الأمريكية ربما، والتي تمكنت من حل مشكلة الكساد الكبير خلال فترة الحرب العالمية الثانية، لتجعل من الحرب عاملاً مسرّعاً للتقدم التكنولوجي، وزيادة الانتاج الذي أدى للانتعاش الاقتصادي.
لا نريد هنا أن نكون متشائمين بالجملة، لكنّ فرصة نجاح الاستثمار في المناطق المحررة ضمن الظروف الحالية ضئيلةٌ جداً، ومع ذلك، وبنظرة تجريديّة يمكن البحث عن حواملَ ممكنةٍ ولو كانت صعبة، لإنجاح العمل الاستثماري ورفع سوية الاقتصاد السوري في الشمال:
1- استصدار رعاية دولية مُنطلقة من تركيا، وثم الاتحاد الأوربي، لإقناع المجتمع الدولي بضرورة حماية الشمال السوري ومنع استهدافه من قبل الروس والإيرانيين، أو النظام السوري وقسد.
2- يمكن اللعب على وتر اللاجئين، من خلال جعل منطقة الشمال السوري منطقة آمنة، مزدهرة اقتصادياً، وبالتالي عدم تفكير السوريين بالهجرة وقطع الحدود، وهو أمر مفيد لكل من تركيا وأوروبا، وبذلك يمكن جعل الشمال السوري منطقة استقطاب للسوريين الراغبين بالعودة القانونية للبلاد، أو الذين ترغب تركيا أو حتى أوروبا ترحيلَهم من أراضيها، وبدل فشل أوروبا إقناع الإيطاليين أخذَ الأموال لاستيطان اللاجئين، فيمكن استجلاب تلك الأموال برعاية أممية ودعم أوروبيّ للمنطقة.
3- بعد تلك المرحلة، يتم الانتقال لمرحلة استجلاب القوة البنكية العالمية، عبر سياسة بنكية خاضعة للمعايير الدولية، وتضمن الشفافية المطلقة والسرية التامة للعملاء، فالبنوك هم الرافعة الاقتصادية لأي بلد من خلال ضخ الأموال وصنع الاستثمار والقضاء على البطالة.
4- يتم إنهاء مظاهر الحواجز كافة في الشمال السوري، والعمل على رفع الجهوزية الأمنية عبر عمل بعثات أمنية للدول الصديقة، والاعتماد على مثال أربيل الناجح والمميز بالاعتماد على كميرات المراقبة والتدخل السريع والسري.
5- انتهاج سياسة الرأسمالية الليبرالية صراحة، وضمان سلامة رأس المال، إضافة لحرية الفرد بالقيام بأي مشروع مهما كان، مادام ملتزماً بالقوانين المفروضة من قبل الأمم المتحدة للسلامة والبيئة وغيرها.
6- اشتراط جعل اليد العاملة في مرحلة السنوات العشر القادمة من السوريين حصراً، مع تحديد الحد الأدنى للأجور، وضمان حقوق العمال بشكل مدروس، وعلى رأسها الضمان الصحي.
7- عدم تسييس الاستثمارات وتوجيهها، وجعل السوق الحر هو الموجه والمُحدد للاستثمارات.
8- إدخال شركات الضمان الدولية للشمال السوري، وتسهيل وصول الشركات المستثمرة لها، والعمل على تذليل العراقيل في استجلاب شركات الضمان، باعتبارها العامل الأكبر في استجلاب الاستثمار الجبان.
وبذلك يبرز السؤال الأهم في دراستنا هذه من جديد حول إمكانية وآليات المعارضة السورية تقديم ما عليها من واجبات لإنجاح الاستثمارات! فنحن في تيار المستقبل السوري نتمنى للمؤتمر النجاح بالفعل، وأن لا يكون مجرد إشغال إعلاميٍّ فارغ الجوهر والمضمون!
الدكتور زاهر بعدراني
رئيس تيار المستقبل السوري