المكتب السياسيالمكتب العلميفريق بحث المكتب السياسيقسم البحوث و الدراساتمقالاتمقالات سياسية

التمثيل المدني، واجبُ الوقت

مقدمة:

لا يوجد (نتيجة الانهيار في المؤسسات الحكومية) مصطلح عربي محدد وموحد لوصف الوضع الذي يمثل تكوين الناس في مناطقهم لمتابعة شؤون المدنيين، بما هو أصغر من تقسيمات التنظيم الدولي المعتاد من بلديات ومخاتير.

ومع ذلك، قد نجد بعض المصطلحات والمفاهيم التي قد تقترب من وصف هذا الوضع:

  1. ممثل عن المجتمع المدني: هذا المصطلح يشير إلى شخص يتم اختياره أو انتخابه من قبل مجتمع محلي معين لتمثيل مصالحهم والتحدث نيابة عنهم. وهو، قد لا يعكس بالضرورة التعامل مع سلطات عسكرية متقاتلة.
  2. وسيط محلي: هذا المصطلح يشير إلى شخص يعمل كوسيط بين طرفين متنازعين، ولكن قد لا يكون بالضرورة منتخباً من قبل المجتمع المحلي.
  3. قائد محلي: هذا المصطلح يمكن أن يشير إلى شخص يتمتع بسلطة وقبول مجتمعي، ولكن قد لا يكون لديه سلطة رسمية.
  4. زعيم قبيلة أو عشيرة: في بعض المناطق، قد يكون زعيم القبيلة أو العشيرة هو الشخص الذي يتحدث باسم المجتمع المحلي، ولكن هذا ليس بالضرورة هو الحال في جميع المناطق.

وأيضا قد نجد مصطلحات أخرى يمكن أن تكون ذات صلة، من مثل (ممثل عن المجتمع)، وللتعبير عن الوضع بشكل أكثر دقة، يمكن استخدام عبارات أطول مثل “شخصية محلية بارزة تتمتع بثقة المجتمع المحلي وتمثيله أمام الأطراف المتنازعة.” أو “قائد محلي يتمتع بسلطة وقبول مجتمعي ويعمل على حماية مصالح المجتمع.”
بالعموم أياً يكن من مصطلح، فإنه من الضروري أن يكون دور لما سنستخدمه من اصطلاح: “ممثل عن المجتمع المدني” أو “قائد محلي” لوصف الشخص الذي يتحدث باسم المجتمع المحلي أمام السلطات العسكرية المتقاتلة، وذلك لأن الصراع في سورية هو صراع معقد يتضمن العديد من الأطراف المتنازعة، ولا توجد حكومة مركزية قوية قادرة على فرض سيطرتها على جميع المناطق.
على أن اختيار المصطلحات مهم في إيصال فكرتنا جيدا، وأنه ليس المقصود أبداً الأحزاب أو الكيانات أو الفواعل سياسية، إنما مجرد جمهرة أهلية خدمية مؤقتة غير مؤدلجة أو مسيسة.

تحديات التمثيل:

في الحديث عن تحرير مدينة حلب من سيطرة قوات النظام السوري، تبدو التحديات التي تواجه إقامة ممثل عن المجتمع المدني لتنظيم العلاقة بين القوى العسكرية المتصارعة معقدة، حيث يواجه ممثل المجتمع المدني في منطقة حلب، في سياق الصراع الدائر، مجموعة كبيرة من التحديات المعقدة التي تعوق جهوده في تنظيم العلاقة بين القوى المتصارعة.

من أبرز هذه التحديات:

  1. الوضع الأمني المتدهور: تعتبر الأوضاع الأمنية المتقلبة والهجمات المتكررة من أكبر التحديات التي تواجه أي جهود للوساطة أو الحوار، فغياب الاستقرار الأمني يجعل من الصعب على ممثل المجتمع المدني التحرك بحرية والقيام بدوره.
  2. التعددية العسكرية: فوجود العديد من الفصائل العسكرية المتناحرة، سواء من جانب النظام السوري أو المعارضة، يجعل من الصعب التوصل إلى طرف واحد يتحدث باسم الجميع، فكل فصيل لديه مصالحه الخاصة وأجنداته التي قد تتعارض مع مصالح الفصائل الأخرى.
  3. الشكوك المتبادلة: حيث تتسم العلاقة بين القوى المتصارعة بقدر كبير من الشكوك وعدم الثقة، خصوصا بين قسد والمعارضة.
  4. الضغوط الخارجية: تتعرض القوى المتصارعة إلى ضغوط خارجية من دول مختلفة، مما يؤثر على مواقفها ومصالحها. هذه الضغوط الخارجية قد تعقد جهود الوساطة وتجعل من الصعب التوصل إلى حلول وسط.
  5. الاختلافات الأيديولوجية: توجد اختلافات كبيرة في الأيديولوجيات والرؤى بين القوى المتصارعة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى أرضية مشتركة للتفاهم والحوار، خصوصا بقضايا تعددية قد يراها أطراف متطرفة من صلب مبادئهم التي يرفضون التطبيع معها.
  6. غياب الهياكل المؤسسية: لا توجد هياكل مؤسسية قوية للمجتمع المدني في المنطقة، مما يجعل من الصعب على ممثل المجتمع المدني أن يحظى بالاعتراف والقبول من جميع الأطراف.
  7. الافتقار إلى الموارد: يواجه ممثل المجتمع المدني نقصًا حادًا في الموارد المالية والبشرية، مما يحد من قدرته على القيام بدوره على أكمل وجه.
  8. التلاعب السياسي: قد يتعرض ممثل المجتمع المدني لضغوط سياسية من قبل الأطراف المتصارعة أو من قوى خارجية، ما يجعله يفقد حياديته واستقلاليته.

ولتجاوز هذه التحديات، فإنه من الجيد على ممثل المجتمع المدني أن يبذل جهودًا كبيرة لبناء الثقة بين الأطراف المتصارعة، وذلك من خلال الحوار المستمر والشفاف، والالتزام بالمصداقية والنزاهة.
إضافة على تعزيز التعاون بين مكونات المجتمع المدني المختلفة، وتوحيد الجهود من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
وممارسة الضغط على الأطراف المتصارعة من أجل الالتزام بوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وفي مرحلة متقدمة قد يكون على ممثل المجتمع المدني أن يتواصل مع المجتمع الدولي، وشرح الوضع الإنساني في المنطقة، والضغط على الدول المؤثرة لممارسة نفوذها من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة.
والأهم، هو تأمين الخدمات الأساسية للمجتمع المحلي، مثل الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثية، وذلك لكسب ثقة الناس ودعمهم.

إن إقامة ممثل عن المجتمع المدني في منطقة حلب (مثلاً) هي خطوة مهمة نحو بناء السلام والاستقرار، خصوصا في المناطق التي فيها مكونات مخالفة للمكونات المهاجمة، ولكن بالعموم لانجاح كل ذلك تتطلب جهودًا مضنية وتعاونًا بين جميع الأطراف المعنية.

ايجابيات:

على الرغم من التحديات الجمة التي تواجهها مبادرات المجتمع المدني في مناطق النزاع، إلا أن وجود تمثيل فعال للمجتمع المدني في مناطق النزاع والصراع في سورية يحمل في طياته العديد من الإيجابيات التي تساهم في تخفيف معاناة المدنيين وتعزيز فرص الحل السلمي للصراع. بعض هذه الإيجابيات:

حماية المدنيين: يمكن لممثل المجتمع المدني أن يلعب دوراً حيوياً في حماية المدنيين من انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك من خلال:

  1. الرصد والتوثيق: جمع الأدلة على الانتهاكات وتوثيقها، مما يساهم في الضغط على الأطراف المتنازعة لوقف هذه الانتهاكات.
  2. تقديم الخدمات: تقديم الخدمات الإنسانية الأساسية للمدنيين مثل الغذاء والدواء والمأوى، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي.
  3. الوساطة: العمل كوسيط بين الأطراف المتنازعة لحماية المدنيين وتأمين ممرات آمنة لهم.

تعزيز الحوار والتفاهم: يمكن لممثل المجتمع المدني أن يساهم في بناء جسور الثقة بين الأطراف المتنازعة، وتعزيز الحوار والتفاهم بينهم، وذلك من خلال:

  1. تنظيم حوارات مجتمعية: تنظيم لقاءات وحوارات بين ممثلي المجتمع المدني والأطراف المتنازعة، لبحث سبل حل الخلافات والتوصل إلى حلول سلمية.
  2. بناء شبكة علاقات: بناء شبكات علاقات واسعة مع مختلف الفاعلين في المنطقة، سواء كانوا منظمات مجتمع مدني أو قوى عسكرية أو سياسية.

المساهمة في عملية إعادة الإعمار: يمكن لممثل المجتمع المدني أن يلعب دوراً هاماً في عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، وذلك من خلال:

  1. تحديد الاحتياجات: تحديد احتياجات المجتمع المحلي من إعادة الإعمار، وتقديم توصيات بشأن المشاريع التي يجب تنفيذها.
  2. المشاركة في عملية صنع القرار: المشاركة في عملية صنع القرار المتعلقة بإعادة الإعمار، وضمان تمثيل مصالح المجتمع المحلي.
  3. تعزيز دور المجتمع المدني: يمكن لممثل المجتمع المدني أن يساهم في تعزيز دور المجتمع المدني في المنطقة، وبناء مؤسسات مجتمع مدني قوية قادرة على لعب دور فعال في تحقيق التنمية المستدامة.
  4. الضغط على الأطراف الخارجية: يمكن لممثل المجتمع المدني أن يمارس الضغط على الأطراف الخارجية، مثل الدول الداعمة للأطراف المتنازعة، من أجل الضغط على هذه الأطراف للتوصل إلى حل سلمي للصراع.

باختصار، وجود تمثيل فعال للمجتمع المدني يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. فالمجتمع المدني هو القوة الدافعة للتغيير الإيجابي، وهو قادر على لعب دور حيوي في بناء مجتمع ديمقراطي عادل ومزدهر.

سلبيات الغياب:

على الرغم من الإيجابيات الكبيرة لقيام تمثيل عن المجتمع المدني في مناطق الصراع، إلا أن هناك العديد من السلبيات التي تواجه هذه المبادرات، والتي قد تحد من فعاليتها أو تعرضها للخطر. بعض هذه السلبيات:

  1. الاستهداف المباشر: قد يتعرض ممثل المجتمع المدني أو منظمته للاستهداف المباشر من قبل الأطراف المتنازعة، سواء عن طريق الاعتقال، التعذيب، أو الاغتيال، وذلك بسبب طبيعة عمله الذي يتعارض مع مصالح بعض الأطراف.
  2. الضغوط السياسية: قد يتعرض ممثل المجتمع المدني لضغوط سياسية كبيرة من قبل الأطراف المتنازعة أو من قوى خارجية، مما يجعله يفقد حياديته واستقلاليته.
  3. الاختطاف: قد يتعرض ممثل المجتمع المدني للاختطاف بهدف ابتزازه أو استخدامه كوسيلة للضغط على الأطراف الأخرى.
  4. تقييد الحركة: قد تواجه منظمات المجتمع المدني صعوبات كبيرة في الحركة والتنقل داخل المناطق المتضررة من الصراع، مما يحد من قدرتها على تقديم الخدمات للمحتاجين.
  5. نقص الموارد: تعاني منظمات المجتمع المدني في المناطق المتضررة من النزاعات من نقص حاد في الموارد المالية والبشرية، مما يحد من قدرتها على القيام بجميع المهام الموكلة إليها.
  6. تضارب المصالح: قد توجد تضارب في المصالح بين مختلف فئات المجتمع المدني، مما يؤدي إلى الانقسامات والتنافس على الموارد.
  7. سوء الفهم: قد يساء فهم دور المجتمع المدني من قبل الأطراف المتنازعة، ويتم اتهامه بالتحيز لطرف معين أو بالتدخل في الشؤون الداخلية.
  8. البيروقراطية: قد تواجه منظمات المجتمع المدني صعوبات في الحصول على التراخيص والتصاريح اللازمة للعمل، بسبب البيروقراطية الحكومية المعقدة.
  9. الفساد: قد تتعرض بعض منظمات المجتمع المدني للفساد، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بها من قبل المجتمع المحلي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن العمل في مناطق النزاع يتطلب مهارات وقدرات خاصة، مثل القدرة على التفاوض، وبناء العلاقات، وإدارة الأزمات، والعمل تحت الضغط. كما يتطلب الأمر التزامًا قويًا بالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان.
لتقليل هذه المخاطر، على ممثل المجتمع المدني أن يبني شبكات علاقات واسعة مع مختلف الفاعلين في المنطقة، سواء كانوا منظمات مجتمع مدني أو قوى عسكرية أو سياسية، إذ على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، فإن دور المجتمع المدني في مناطق النزاع يبقى حيوياً وأساسياً لبناء السلام والاستقرار.

خاتمة:

لاشك أن ماجرى مؤخرا من التصعيد العسكري مفاجئ، كما أن تغيير الخرائط عمل انقلابي في حياة الناس.
ورغم متابعتنا في تيار المستقبل السوري الدقيقة لما يجري بالداخل السوري، وشعورنا بنوع من الارتياح لمدى التنظيم المدني والالتزام الشعبي بتوجيها المسؤولين عن النصعيد، فإننا نحاول تقديم وجهة نظر نراها مهمة لحفظ مكتسبات هذا الهدوء وديمومته في حال تغيير الخرائط مرة أخرى أو انهيار السلطة في أماكن ثانية.

لهذا فإننا نُقدم توصيتنا لمن يهمه الأمر وهي التالي:

  1. أ‌. بالنسبة للمدنيين:
    • على المدنيين تجنب المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة واللجوء إلى الأماكن الآمنة قدر الإمكان.
    • التعاون مع المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة للحصول على المساعدات الغذائية والطبية والخدمات الأخرى.
    • تجنب حمل السلاح والانخراط في الأعمال القتالية، حتى لا يتعرضوا للأذى.
    • المشاركة في الحوار المجتمعي وبناء جسور التواصل بين مختلف المكونات الاجتماعية.
    • الضغط على الأطراف المتنازعة من أجل وقف إطلاق النار وحماية المدنيين.
  2. ب‌. للنظام السوري:
    • على النظام السوري أن يوقف إطلاق النار بشكل فوري وغير مشروط، وأن يلتزم بوقف جميع الأعمال العدائية، وتفعيل الحل السياسي بشكل فعلي وجاد.
    • السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة إن وجدت، وأن يوفر الحماية للعاملين في المجال الإنساني.
    • يجب على النظام السوري أن يجلس إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة، وأن يبحث عن حل سياسي للأزمة السورية بحسب الاتفاقات الدولية.
    • احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
  3. جـ. للمعارضة السورية:
    • زيادة التوحد والتمسك بخيار الحل السياسي والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع النظام السوري في حال اقتنع الأسد بضرورة تجنب البلاد أتون استمرار الصراع.
    • يجب على فصائل المعارضة أن توحد صفوفها، وأن تتفق على رؤية موحدة لحل الأزمة السورية، وينتهي الشقاق بين الجانب العسكري والسياسياد، وضرورة حوكمة كل ذلك في إطار مؤسساتي ناظم.
    • احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

هذا ويرى تيار المستقبل السوري أن على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده لحل الأزمة السورية، وأن يمارس الضغط على الأطراف المتنازعة من أجل وقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي.
كما يجب على المنظمات الدولية العاملة في سورية أن تكثف جهودها لتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين، وحماية المدنيين من الانتهاكات.
ولا ننسى دور وسائل الإعلام أن تلعب دوراً هاماً في نشر الوعي بأهمية السلام، وأن تساهم في بناء جسور التواصل بين مختلف المكونات الاجتماعية، ومساعدتنا في ترسيخ مفهوم التمثيل المدني والأهلي باعتباره حلا مؤقتا في وقت الأزمات وتغيير الخرائط.

المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى