المكتب السياسيالمكتب العلميفريق بحث المكتب السياسيقسم البحوث و الدراساتمقالاتمقالات سياسية

المناطق خارج سيطرة النظام السوري، والفشل بإيجاد البديل

مقدمة:

أفرز الشعب السوري من جراء حراكه الشعبي، مع الاصطدام بالواقع السياسي في سورية مجموعة من الأطراف أثبتت قوتها ووجودها باعتبارها سلطة حاكمة على جزء من الوطن.

نرى اليوم ثلاث سلطات خارج سيطرة النظام السوري، المعارضة، هيئة تحرير الشام، قسد.
ومنذ ٢٠١٨ نستطيع القول أن هذه السلطات ترسخت، حتى عظم تمكينها سنة ٢٠٢٠ فلم نعد نشهد معارك كبيرة، وبالتالي ستلتفت هذه السلطات لتأسيس بديل عن سلطة النظام السوري.
والناظر لهذه الأطراف يراها فاشلة في استقطاب السوريين، وفاشلة في اقناع المجتمع الدولي، وفاشلة حتى بالتمكين غير الموهوم، إذ السلطة تقف على قرار الدول المتدخلة، وجودا أو عدما لدى الأطراف الخارجة عن النظام السوري.

ولكن ما سبب فشل هذه الأطراف بتقديم بديل مقنع عن نظام الأسد المستبد؟

أسباب جوهرية:

إن السؤال السابق بالمقدمة يتطلب تفكيكًا دقيقًا للوضع المعقد في سورية كما يظهر. والإجابة ليست بسيطة إذ تتطلب النظر إلى مجموعة من العوامل المتداخلة وهي:

  1. تعقيد الصراع: الصراع في سورية ليس صراعًا تقليديًا بين نظام ومعارضة. بل هو حرب بالوكالة، تدخلت فيها قوى إقليمية ودولية كبيرة، مما أدى إلى تفتيت المعارضة وتعدد أجنداتها.
  2. تنوع المعارضة: المعارضة السورية ليست كتلة واحدة متجانسة، بل تتكون من فصائل مختلفة، لكل منها أيديولوجيتها ومصالحها الخاصة. هذا التنوع أدى إلى صعوبة التوصل إلى رؤية مشتركة ووحدة موقف.
  3. الدعم الخارجي المتضارب: تلقت المعارضة السورية دعمًا عسكريًا وماليًا من دول مختلفة، ولكن هذا الدعم لم يكن متسقًا أو موحدًا، وقد أدى إلى تنافس بين الفصائل وتقويض قدرتها على العمل بشكل جماعي.
  4. غياب مؤسسات الدولة: انهيار مؤسسات الدولة السورية خلق فراغًا كبيرًا، مما صعب على المعارضة بناء بديل فعال.
  5. التدخلات الخارجية: التدخلات الإقليمية والدولية في الصراع السوري زادت من تعقيده وأدت إلى إطالة أمد الحرب.
  6. الوضع الاقتصادي والإنساني: تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني في سورية أثر بشكل كبير على قدرة المعارضة على تقديم بديل جذاب للشعب السوري وللمجتمع الدولي.

بالإضافة إلى هذه العوامل، هناك عوامل أخرى تساهم في صعوبة إيجاد بديل للنظام السوري، مثل الخوف من المجهول، إذ يخشى الكثير من السوريين من الفوضى التي قد تنتج عن سقوط النظام، ويفضلون الاستقرار النسبي حتى لو كان تحت حكم ديكتاتوري. إضافة إلى غياب القيادة الموحدة، إذ لم تنجح المعارضة في إنتاج قيادة موحدة تتمتع بالكفاءة والشعبية اللازمتين لتولي زمام الأمور.

فضلا عن الفساد والمحسوبية في صفوف بعض فصائل المعارضة، مما أضعف مصداقيتها.

إن إيجاد بديل للنظام السوري هو تحدٍ كبير ومعقد، ويتطلب الأمر جهدًا مضاعفًا من قبل جميع الأطراف المعنية، سواء داخل سورية أو خارجها كما يبدو ذلك من مقارنة الوضع السوري بوضع ثورات الربيع العربي الأخرى، حيث تتميز الثورة السورية بخصائص جعلتها حالة فريدة مقارنة بالثورات العربية الأخرى، رغم وجود نقاط مشتركة:

فأما نقاط التشابه:

  1. الأسباب الجذرية: جميع الثورات العربية، بما فيها سورية، اندلعت بسبب أسباب مشتركة مثل الفساد، البطالة، القمع السياسي، وانعدام الحريات.
  2. المطالب: كانت المطالب الأساسية متشابهة، وهي إسقاط الأنظمة المستبدة، وإقامة ديمقراطية، وتحسين الأوضاع المعيشية.
  3. التدخلات الخارجية: تعرضت جميع الثورات لتدخلات خارجية من دول إقليمية ودولية، ساهمت في تعقيد الأوضاء وتأخير الحلول.

وأما نقاط الاختلاف:

  1. العنف: شهدت الثورة السورية مستوى من العنف لم تشهده الثورات الأخرى بنفس الشدة، حيث تحولت إلى حرب واسعة النطاق، ما أدى إلى دمار هائل وخسائر بشرية فادحة.
  2. التدخلات الخارجية: كانت التدخلات الخارجية في سورية أكثر تعقيدًا وتنوعًا، حيث تدخلت قوى إقليمية ودولية متعددة، ما أدى إلى تقسيم المعارضة وتقوية النظام في بعض الأحيان.
  3. الطائفية: استغل النظام السوري الطائفية والمذهبية لتعميق الانقسامات الاجتماعية، ما ساهم في إطالة أمد الصراع.
  4. الدعم الدولي: لم تحظَ المعارضة السورية بنفس مستوى الدعم الدولي الذي حصلت عليه معارضات أخرى، مما أضعف موقفها.
  5. التداعيات الإقليمية: كان للصراع السوري تداعيات إقليمية واسعة، حيث أدى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وظهور تنظيمات إرهابية.

على أن الأسباب التي تقف وراء هذا الاختلاف تعود إلى طبيعة النظام بالدرجة الأولى، إذ نظام الأسد من أكثر الأنظمة استبدادًا وقمعًا في المنطقة، مما جعله يقاوم التغيير بكل قوة.

إضافة إلى ما تتميز به سورية من تنوع ديني وطائفي وقومي كبير، وهو ما استغله النظام لتعميق الانقسامات.

فضلا عن الجغرافيا والتاريخ، حيث تقع سورية في موقع استراتيجي، مما جعلها هدفًا للتدخلات الخارجية، وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والتدخلات السوفيتية والأمريكية في المنطقة، كلها عوامل ساهمت في تعقيد الوضع السوري.

باختصار، يمكن القول إن الثورة السورية كانت فريدة من نوعها بسبب مجموعة من العوامل المتداخلة، والتي جعلتها أكثر تعقيدًا وأكثر دموية من الثورات العربية الأخرى.

موانع صنع البديل:

إن أوجه القصور لدى المعارضة السورية التي منعتها من أن تكون بديلاً ناجحاً للنظام هي كثيرة ومتشابكة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  1. التعددية والانقسام: تعددت فصائل المعارضة وتنوعت أجنداتها، ما أدى إلى صعوبة التوصل إلى رؤية مشتركة ووحدة موقف، وأدت هذه الانقسامات إلى صراعات داخلية أضعفتها وأبعدت عنها تأييد الشعب.
  2. غياب القيادة الموحدة: لم تنجح المعارضة في إنتاج قيادة موحدة تتمتع بالكفاءة والشعبية اللازمتين لتولي زمام الأمور، مع غياب القيادة الواضحة أدى إلى تشتت الجهود وضعف التأثير.
  3. الاعتماد على الدعم الخارجي: أدى الاعتماد الكبير على الدعم الخارجي إلى تقويض استقلال المعارضة وجعلها أداة في يد الدول الداعمة، مما أثر على مصداقيتها وقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة.
  4. غياب المشروع الوطني الواضح: فشلت المعارضة في تقديم مشروع وطني جامع يجمع مختلف أطياف الشعب السوري ويحدد مستقبل البلاد. غياب الرؤية الواضحة جعلها غير قادرة على جذب تأييد واسع.
  5. التدخلات الخارجية: تدخلات القوى الإقليمية والدولية في الصراع السوري زادت من تعقيده وأدت إلى إطالة أمد الحرب، مما أضعف المعارضة وسهل على النظام البقاء.
  6. الفساد والمحسوبية: انتشار الفساد والمحسوبية في صفوف بعض فصائل المعارضة أضعف مصداقيتها وجعلها تفقد ثقة الشعب.
  7. غياب الخبرة الإدارية: افتقرت العديد من فصائل المعارضة للخبرة الإدارية اللازمة لإدارة المناطق التي سيطرت عليها، ما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية.
  8. التطرف: ظهور فصائل متطرفة داخل المعارضة أفسد سمعتها وجعلها غير مقبولة لدى شرائح واسعة من الشعب.
  9. التركيز على العسكرة: ركزت المعارضة في بداية الثورة على الجانب العسكري، مما أدى إلى إهمال الجانب السياسي والدبلوماسي.

بالإضافة إلى هذه العوامل، هناك عوامل أخرى ساهمت في فشل المعارضة، منها تعقيد الصراع وتحوله إلى حرب بالوكالة، مما زاد من تعقيده وأبعده عن الأهداف الأساسية للثورة.

كما لم تحظَ المعارضة بدعم شعبي كامل، حيث فضل جزء من الشعب الاستقرار على المخاطرة بالتغيير، أو ابتعد الشعب عن التأثير بصياغة سلطة بديلة جديدة تنبثق عنه بشكل ديمقراطي.

هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى إضعاف المعارضة وجعلها غير قادرة على تقديم بديل مقنع للنظام.

سلبيات ومساوئ:

يُعتبر عجز المعارضة السورية عن تقديم بديل مقنع للنظام من أبرز التحديات التي تواجهها الثورة السورية، وقد ترتب على ذلك سلسلة من السلبيات التي أثرت بشكل كبير على مسار الأحداث، من بينها:

  1. استمرار الصراع: أدى عدم وجود بديل مقنع إلى استمرار الصراع المسلح، مما زاد من الخسائر البشرية والمادية، ودمر البنية التحتية للبلاد.
  2. تعزيز قبضة النظام: في ظل غياب بديل جذاب، تمكن النظام السوري من تعزيز قبضته على السلطة واستعادة السيطرة على مناطق واسعة.
  3. تعميق الانقسامات: أدت الخلافات داخل صفوف المعارضة وعدم وجود رؤية موحدة إلى تعميق الانقسامات الطائفية والقومية داخل المجتمع السوري.
  4. تدهور الأوضاع الإنسانية: تسبب الصراع المستمر وتدهور الأوضاع الاقتصادية في تفاقم الأزمة الإنسانية، وتشريد الملايين من السوريين.
  5. تزايد نفوذ القوى الخارجية: استغلت القوى الإقليمية والدولية الفراغ السياسي في سورية لتعزيز نفوذها، مما زاد من تعقيد الأزمة.
  6. تراجع الدعم الدولي للمعارضة: أدى فشل المعارضة في تقديم بديل مقنع إلى تراجع الدعم الدولي لها، مما أضعف موقفها التفاوضي.
  7. صعود التطرف: في ظل الفراغ الأمني، صعدت التنظيمات المتطرفة، مما ساهم في تشويه صورة الثورة السورية.
  8. تأخير عملية الانتقال السياسي: أدى عدم وجود بديل مقنع إلى تأخير عملية الانتقال السياسي في سورية، ما زاد من معاناة الشعب السوري.
  9. تشكيك في شرعية الثورة: استغل النظام السوري الإعلام وضعف المعارضة لتشويه صورتها، ولتشكيك في شرعية الثورة السورية.

وباختصار، فإن عجز المعارضة السورية عن تقديم بديل مقنع للنظام قد أدى إلى تفاقم الأزمة السورية، وتأخير حلها، وتقويض فرص تحقيق تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية.

ايجابيات فقدان البديل:

هناك شبه اجماع لدى السوريين والباحثين على أنه لا توجد إيجابيات مباشرة لفشل المعارضة السورية في تقديم بديل مقنع للنظام، وهذا الفشل أدى إلى عواقب وخيمة على الشعب السوري والمنطقة بأسرها.

ومع ذلك، يمكن النظر إلى هذه الأزمة من زاوية تحليلية واستخلاص بعض الدروس والعبر، مثل:

  1. كشف حقيقة الأنظمة الاستبدادية: أظهرت الأزمة السورية حقيقة الأنظمة الاستبدادية وقدرتها على القمع والعنف للحفاظ على سلطتها، مما قد يزيد الوعي الشعبي في دول أخرى.
  2. تعزيز الحراك المدني: دفعت الأزمة السورية إلى تطور الحراك المدني في سورية والمنطقة، وزيادة الوعي بحقوق الإنسان والديمقراطية.
  3. تغير موازين القوى الدولية والإقليمية: أدت الأزمة السورية إلى تغييرات في موازين القوى الدولية والإقليمية، مما قد يؤثر على مستقبل المنطقة.
  4. فرصة لإعادة النظر في السياسات الدولية: دفعت الأزمة السورية المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في سياساته تجاه الصراعات المسلحة، وضرورة التدخل لحماية المدنيين.

لكن يجب التأكيد على أن هذه النقاط لا تلغي السلبيات الكبيرة التي ترتبت على فشل المعارضة، والتي سبق ذكرها في الإجابة السابقة.

ومن المهم أيضاً أن نذكر أن هذه الأزمة لا تزال مستمرة، وأن الوضع في سورية قابل للتغير. وقد تظهر في المستقبل تطورات جديدة تؤثر على مسار الأحداث.

لذلك، فإن التركيز يجب أن يكون على إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية، تضمن الحفاظ على وحدة البلاد، وتحقيق انتقال سياسي سلمي، واحترام حقوق الإنسان.

لكننا في المكتب السياسي لـ تيار المستقبل السوري نرى إيجابية غفل عنها الكثيرون، إذ أن وجود بديل عن النظام السوري يعني أن أحد هذه السلطات الثلاثة مستدام أو مقبول لدى السوريين، وهذا ما قد يُلغي الهدف الأكبر للنجاح السوري والذي يتمثل في (بناء دولة وطنية قوية).

من قسد وإلى هتش، ثم سوء الإدارة لدى الجيش الوطني والائتلاف والحكومة المؤقتة، كل ذلك ليس بديلا صحياً عن نظام الاستبداد، ولا يجب أن يكون، وبالتالي إن فشل هذه الأطراف المعارضة للنظام السوري بتخليق بديل عنه يجعلنا في بحث مستمر عن الحل السليم، وعدم قبول أي مشروع من هذه المشاريع المريضة.

خاتمة:

رغم رؤيتنا بإيجابية فشل تخليق البديل، إلا أنه يمكن رسم ملامح عامة لتتمكن المعارضة السورية من تقديم بديل مقنع للنظام الحالي، من خلال العمل على عدة جبهات وتطبيق مجموعة من التوصيات، من بينها:

  1. توحيد الصفوف وبناء مؤسسات قوية:
    • أ. تشكيل قيادة موحدة، وأن تتفق الفصائل المعارضة على قيادة موحدة تتمتع بالكفاءة والشعبية، وتعمل على تمثيل جميع أطياف الشعب السوري.
    • ب. بناء مؤسسات مدنية قوية، مثل أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني، قادرة على تقديم الخدمات للمواطنين وبناء الثقة معهم.
    • جـ. وضع برنامج سياسي واضح المعالم، يحدد أهدافها ورؤيتها لمستقبل سورية، ويضمن تحقيق العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان.
  2. تعزيز التواصل مع الشعب:
    • أ. العمل على بناء الثقة مع الشعب السوري من خلال تقديم الخدمات، ومحاربة الفساد، والتواصل المستمر معهم.
    • ب. الاستماع إلى مطالب الشعب وتلبية احتياجاته، والعمل على حل المشاكل التي يعاني منها.
    • جـ. تجنب الخطاب الطائفي والتحريضي، والعمل على توحيد الشعب السوري.
  3. الحصول على دعم دولي واسع:
    • أ. تعزيز العلاقات الدولية وتوسيع دائرة الدعم الدولي.
    • ب. تقديم رؤية واضحة لمستقبل سورية مقنعة للمجتمع الدولي.
    • جـ. الالتزام بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكسب ثقة المجتمع الدولي.
  4. التركيز على الحل السياسي:
    • أ. المشاركة بفاعلية في المفاوضات السياسية، والعمل على تحقيق حل سياسي للأزمة.
    • ب. على المعارضة أن تكون مرنة وقادرة على قبول الحلول التوافقية.
    • جـ. البحث عن حلول إبداعية للأزمة، تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف.
  5. البناء على الإيجابيات:
    • أ. الاستفادة من التجارب السابقة وتجنب تكرار الأخطاء.
    • ب. التركيز على القواسم المشتركة بين السوريين، والعمل على توحيدهم حول مشروع وطني جامع.

بالإضافة إلى هذه التوصيات، يجب على المعارضة السورية أن تدرك أن بناء بديل مقنع للنظام يتطلب وقتًا وجهدًا، وأن هناك العديد من التحديات التي تواجهها، ولكن بالإرادة والعزيمة يمكن التغلب على هذه التحديات وتحقيق الأهداف المنشودة، وإلا فإن فشلها في تخليق بديل عن النظام السوري سيعني أن السوريين محتاجين لبديل عنهم وعن النظام السوري بدرجة واحدة.

المكتب السياسي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى