النظام السوري وطريقة تعامله مع معارضيه
بعد صراع داخلي لِ اللجنة العسكرية بين صلاح حديد وحافظ الأسد من جهة، وسليم حاطوم من جهة أخرى، وما أدى ذلك من زيارة صلاح جديد لمدينة السويداء بعد شعور كتلة الدروز بالطعن بالظهر من استفراد كتلة العلويين، ليتم اعتقال صلاح جديد والضباط المرافقين معه من قبل حاطوم، ثم يتدخل حافظ الأسد ويرسل الطيران للسويداء، ما أشعر حاطوم بفشل حراكه، وليهرب جنوباً نحو الأردن، حيث أعطاه الملك حسين حق اللجوء السياسي ومن كان معه.
وفي آذار 1967، حُكم على سليم حاطوم غيابياً بتهمة التجسس لحساب إسرائيل، في سياسة ستصبح صفة لازمة للعقلية السورية لاحقاً بتخوين كل معارض للسلطة والفتك به.
ومن المفارقة أنه وبعد شهرين فقط كانت سورية تخوض الحرب ضد إسرائيل، وفي اليوم السادس من الحرب أعلن سليم حاطوم أنه عائد إلى سورية ليقاتل بصف الإخوة الأعداء ضد العدو الخارجي، فيما يبدو أن حاطوم ظن أن الحرب مسحت صفحة صراع الماضي.
لكن وبمجرد دخوله لسورية اقتاده ضباط الأمن إلى أقبية مخابرات دمشق، حيث سيق للمثول أمام المحكمة العسكرية التي أكدت عليه حكم الإعدام مع رفيقه بدر جمعة، وليتم تعذيبه وتكسير أضلاعه قبل تركه، ثم يطلق عليه النار وهو نصف حي، وذلك في الخامسة من صباح 26 حزيران عام 1967م.
إن حادثة اغتيال القائد العسكري سليم حاطوم تعدُّ مثالاً صارخاً على نمط العقلية التي حكمت النظام السوري لعقود طويلة وما تزال! عقلية تقوم على التسلط والرفض المطلق لأي صوت معارض، حتى في أوقات الأزمات والتهديدات الخارجية.
ولعل أبرز ملامح تلك العقلية:
- عدم التسامح مع الاختلاف، فالنظام السوري، منذ تأسيسه، لم يتسامح مع أي رأي مخالف لرأيه، حتى لو كان ذلك الرأي يأتي من داخل الحزب الحاكم نفسه!
- القبضة الحديدية، حيث يعتقد النظام السوري أن الحفاظ على السلطة يتطلب قبضة حديدية لكل أوجه الحياة العامة والخاصة، وأن أي انحراف عن الخط الرسمي يُعتبر تهديداً مباشراً للنظام.
- تضخيم أي حركة معارضة، حتى لو كانت صغيرة، ويتم تصويرها على أنها تهديد وجودي للنظام.
- التخلص الجسدي من المعارضين، فلا يتردد النظام السوري في استخدام القوة المفرطة، وحتى القتل، للتخلص من معارضيه.
لقد أدى اغتيال حاطوم لترسيخ سيطرة حافظ الأسد على السلطة لاحقاً، ولكن على المدى الطويل فقد ساهم في زيادة التوتر والاضطراب في البلاد، كما أنه أظهر للعالم الوجه الحقيقي لطبيعة النظام السوري والذي اكتوى الشعب السوري بناره بعد عام 2011م.
إن العقلية التي أودت لحادثة اغتيال سليم حاطوم هي ذاتها التي أدت إلى تداعيات الأزمة السورية الحالية برمّتها.
ومن خلال هذا السرد التاريخي الواقعي يمكن فهم رفض نظام الأسد لكل المواقف الإيجابية التي ظهرت من معارضين في عهد بشار الأسد على اختلاف الزمان والمكان والأشخاص والظروف المحيطة.
وتبقى المشكلة في جوهر العقلية السياسية للنظام السوري، والتي تتمثل بالاضافة لما تم ذكره سابقا في:
- عدم التسامح مع المعارضة، سواء كان المعارض شخصية عسكرية مؤثرة مثل سليم حاطوم، أو ناشطاً سياسياً في عصرنا الحالي، فإن النظام السوري يعتبر أي صوت معارض تهديداً مباشراً لسلطته.
- استخدام القوة كوسيلة لقمع المعارضة، سواء كان ذلك عبر الإعدام المباشر كما حدث مع حاطوم، أو الاعتقال والتعذيب كما يحدث مع المعارضين حالياً، فإن النظام السوري لا يتردد في استخدام القوة الباطشة للقضاء على أي تهديد.
- تضخيم الخطر، سواء كان الخطر حقيقياً أو متخيلاً، فإن النظام السوري يميل إلى تضخيم أي تهديد، سواء كان داخلياً من قبل المعارضة، أو خارجياً من قبل إسرائيل.
على أن هناك اختلافات بين الحالتين تكمن بالظروف الدولية والإقليمية، حيث كانت الظروف الدولية والإقليمية في عهد حافظ الأسد تختلف عن الظروف الحالية في عهد الأسد الابن.
ففي ذلك الوقت، كانت الصراعات العربية الإسرائيلية هي الشغل الشاغل، بينما في الوقت الحالي، هناك صراعات إقليمية أكثر تعقيداً، بالإضافة لطبيعة المعارضة السورية! فلقد كانت معارضة سليم حاطوم معارضة داخلية داخل النظام نفسه، بينما المعارضة الحالية هي معارضة شعبية واسعة النطاق، هذا عدا عن تطور وسائل القمع التي يستخدمها النظام السوري مع مرور الوقت، حيث أصبحت أكثر فتكاً ووحشية.
ويمكن الربط بين الحالتين من خلال التأكيد على أن العقلية السياسية للنظام السوري لم تتغير بشكل جذري، وأن بشار الأسد لا يزال يعتمد على القوة والقمع للحفاظ على سلطته.
كما يمكن الربط بين الحالتين من خلال التأكيد على أن النظام السوري يستغل أي ظرف، سواء كان داخلياً أو خارجياً، لقمع المعارضة وتصفية الحسابات السياسية.
إن مقارنة حالة معارضة سليم حاطوم بحالة معارضي بشار الأسد تساعدنا على فهم طبيعة النظام السوري، وأسباب استمرار الأزمة السورية كما وتكشف استمرار النظام في استخدام نفس الأساليب القمعية، بغض النظر عن التغيرات التي طرأت على الظروف المحيطة.