أثر التطبيع السعودي الاسرائيلي على سورية
تيار المستقبل السوري
المكتب السياسي
البحث رقم (02 -09-23)
في لقاءه الأخير على قناة فوكس نيوز[1]، أنهى الأمير السعودي محمد بن سلمان الجدال حول إمكانية تطبيع بلاده مع “دولة” إسرائيل، فالسعودية بالمبدأ لا ترفض فكرة التَطبيع[2] ولكن لا تريدها بالمقابل أن تكون بالمجّان! بمعنى أن لا يكون على حساب دور المملكة العربية السعودية المحوري والإقليمي، فهي الدولة العربية الكبرى، التي تتزعّم تحالفاً عربيّاً، وهي التي أثبتت جدارتها مؤخراً بإدارة جامعة الدّول العربيّة، وأنّ كلمتها مسموعةٌ في الإقليم العربي كلّه، وأنّ كلّ دورها الراعي لمعظم مشاكل المنطقة يجعلها قبلةَ الأنظار ومحطّ اهتمام القاصي والدّاني، ابتداءً من اتفاق الطّائف في لبنان عام 1989، مروراً باتفاق مكّة بين الفلسطيني في 2007، وليس انتهاءً برعايتها هيئة التّفاوض السورية، ومؤخراً دعوة رأس النّظام السوري لحضور جلسات جامعة الدول العربية برآستها الحاليّة 2023م.
ما الذي يُرضي السعودية كي تُطبِّع رسمياً مع اسرائيل؟
لا شكّ أنّ مشوار التّطبيع العربي ككلّ في محطاته الأخيرة، لكنّ آخر المحطّات الخليجيّة تطبيعاً (الإمارات)، جعلها تخسر لعب أي دور لها في فلسطين (العربية)[3]، بينما شهدت قفزاتٍ نوعيّة لصالح علاقتها مع اسرائيل (الصهيونيّة)، وهو أمرٌ تريد المملكة العربيّة السعوديّة تجنّبهُ بالمطلق، فهي تريد التّطبيع من جانبٍ، لكن شريطة ألاّ تخسر علاقتها الدّينيّة (حيث ثالث الحرمين الشريفين هناك) والسياسيّة مع فلسطين (حيث دورها الرّاعي لاتّفاق مكّة).
لأجل ذلك نجدُ وليّ العهد السعوديّ يقذفُ بكُرَة التّطبيع وسط الملعب حيث اسرائيل وأمريكا يقفانِ كفريقٍ واحدٍ، فلا خيار لديهم إلا عبر خلق صيغةِ حلٍّ ممكنة ومقبولة لمشكلة الصّراع الأزليّ (الفلسطيني الإسرائيلي) سواءٌ عبر اتفاق الدّولتين، أو أيّ صيغةٍ أخرى تكون قابلةً للتّنفيذ.
لكن ماذا لو فشل الثّنائي المهرول للتطبيع (أمريكا وإسرائيل) في إقناع السّلطة الفلسطينية مثلا بذلك؟ خصوصاً والواقع الإسرائيليُّ الحاليُّ بات مضطرباً ما بين إدارة نتنياهو وبن غافير لأجل مطلب الإصلاحات القضائية[4]، الأمر الذي يجعل إسرائيل في حالةٍ من عدم الجهوزيّة لفرضِ شروط الصّلح مع الفلسطينيين.
الإسرائيليون يقدمون مقترحاً آخر: الفلسطينيون غير جاهزين للحل، وفي حال تم التطبيع مع العرب بشكل جدي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، فإن ذلك سيكون سبباً لإقناع الفلسطينيين بالتسوية[5]، ولهذا لا يطلبون من العرب أن يعادوا الفلسطينيين، بل أن يضغطوا عليهم للقبول بتسوية شاملة عبر تطبيعهم معهم.
حسناً، إذا نحن أمام خطتين للتطبيع، الخطة السعودية عبر إنهاء العداء الفلسطيني الاسرائيلي أولا ويمكن للعرب المشاركة بذلك، والخطة الإسرائيلية في تقديم التطبيع على غيره من الخطوات.
إذاً نحن الآن أمام سيناريوهات مؤدّاها جميعها للتّطبيع القادم بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، أيضا مع انتظار إيجاد صيغةٍ مقبولةٍ بين الطّرفين الإسرائيلي والفلسطيني، مع محاولة جعل أمريكا وسيطاً مُيسراً لا معرقلاً، ومسرّعاً باتجاه التّطبيع كما يرغب به بايدن (كمكسبٍ لهُ في حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة)، ويزيل من جانبٍ آخرَ ثِقَلَ تبعاتهِ عن كاهلِ المملكة العربية السّعودية.
أين سوريّة من هذا التطبيع؟
يحمل السوريون سواءً كانوا موالين أو معارضين أو ثواراً؛ ثِقل القضيّة الفلسطينية، فالجميعُ لا يقبل بالتّطبيع مع إسرائيل (علناً على الأقل)، لاعتباراتٍ كثيرةٍ دينيّةٍ وسياسيّةٍ واجتماعيّةٍ وغيرها، وقد جرّب معارضون[6] ولوغَ نهرِ التّطبيع فأصابهم من وحولتهِ ما كادَ يدفنهم وهم أحياءُ، كما حالُ فهد المصري[7]، كمال اللّبواني، وعبد الجليل السعيد، عندما كان عضواً بمنصّة أستانة، وعضواً في الأمانة العامة لتيّار الغد السوري برئاسة أحمد الجربا والمقرّب من السعودية[8]، فكان الحالُ غير مبشّرٍ شعبياً[9].
إذاً ما تأثير التّطبيع على سورية نظاماً ومعارضة؟
1- تأثير التّطبيع على النظام:
سيكون النظام رابحاً سواءٌ حصل التّطبيع في كل الحالاتِ كما نرى، كيف ذلك؟
إذا تمّ حسب الخطّة الإسرائيليّة، فهذا يعني أنه لن يكون للفلسطينيين محورٌ يدعمهم غيرَ محور المقاومة “إيران – سورية – بالإضافة لـِ حماس والجهاد ومنظمة التحرير (القيادة العامة)”، ما يعني أنّ النّظام السوريّ سيلعب على وتر العمق القوميِّ والعربيِّ، ولعله يشكّل حلفاً مع دولٍ تعادي إسرائيلَ، وقد يحشدُ لذلك دعماً عربياً [10].
إضافةً إلى أنّه سيكسب محورَ المقاومة كلَّه إلى صفَه من جديد، في اصطفافٍ إقليميٍّ أكثر متانة عما هو سابقاً، فمن جانبٍ إسرائيلُ ومحورها العربي المُطبِّع، ومن جانبٍ آخرَ الفلسطينيون ومحورهم العربي المقاوم والممانع، وبالتالي سيقفز النّظام السوريّ على كل الاتفاقيات العربية المنادية بالتّطبيع معه بحسب مبادرة الـ خطوة بخطوة، ما سيعني مزيد تثبيتٍ لسلطته ضمن محورٍ اقليميٍّ فعّال، وعمقٍ عربيٍّ جديد.
أما إذا تم بحسب الخطة السعودية, فحينها لن يكون لوحده أمام هذا الواقع الجديد, بل ايران أيضا, وبالتالي سيكون لديه خيارين, إما الدخول في لعبة التطبيع أيضاً مع استمرار علاقته بإيران وحزب الله بحجة مزارع شبعا والجولان لإيجاد اعتراف اسرائيلي به كمحاور لتسوية هذين الملفين, ما يعني إعادة الاعتبار الرسمي له أكثر, وإما البقاء في محور إيران الذي سيكون له قراءة مختلفة متعددة السيناريوهات لتسوية الفلسطينيين والإسرائيليين، وبالتالي حاجة إيران الماسة لوجوده كحليف قريب من إسرائيل ما يجعله ورقة مؤثرة على الأقل في الاتفاق النووي.
2– تأثير التّطبيع على المعارضة السوريّة:
المعارضة السوريّة ستكون أمام خيارين:
الأول: عدم قبولها التّطبيع -مع اسرائيل- والمرفوض شعبياً وجماهيرياً، ممّا سيجعلها مضطرّة للدّخول في حلفٍ مع النّظام السوريّ وإيران بشكلٍ أو بآخر، (هذا في حال اعتبرنا أنّ المعارضة السوريّة صفٌ واحد!) ، فمثلاً جماعة الإخوان المسلمين وتياراتٌ دينيّةٌ أخرى مناوئةٌ لإسرائيل، من المرجّح أن السّعودية لن تكون خياراً لها بعد تطبيعها مع إسرائيل، ولكن أوتوماتيكياً سيختارون إيران ربّما (كأهونِ الضّررين)، وبالتالي قد نرى سوريّة جديدة لأوّل مرّة يمكن فيها للنظام السوري وللمعارضة أن يكونا صفاً واحداً تحت طربوشٍ نُصيريٍّ وعباءةٍ إيرانيّة وحزامٍ إخوانيٍّ، وربّما يمهّدُ لتسويةٍ سوريّة-سوريّة ضمن تحالفٍ جديد.
الثاني: المراهنة والتّعامل بواقعية، واستغلال حالة التّموضع الجديد هذه، والدخول في مباحثاتِ تطبيعٍ حقيقيٍّ مع إسرائيل ضمنَ حلف المملكة العربية السعودية، خصوصاً وأنّ حليفها التّركي سيكون بعيداً عن هذه الاصطفافات، بل ومُرجّحاً لمشروع التّطبيع مع اسرائيل باعتباره سبقها إليه، وفي حال اختارت المعارضة السوريّة خيار التّطبيع شريطة دعمٍ مفتوحٍ لها ضد النّظام وإخراج الإيرانيِّ من البلاد، فإنّ ذلك يعني تحريك جبهة الجنوب وإعادة فتح غرفتي الـ “موك” و الـ “موم” بنسخةٍ جديدةٍ، والدّخول بصراع حقيقي مع النّظام السوريّ لإزاحته من جهة، وطحن إيران وأجنحتها من جهةٍ أخرى، الأمر الذي لن يكون سهلاً على الإطلاق مع وجود اتفاقياتٍ تركيةٍ روسيّة، لكنّ لإسرائيل كلمتها ومعادلاتها التي يمكن أن تفرضها على الجميع في حال تمّ الاتفاق على تسويةٍ شاملةٍ للقضية السورية الإسرائيليّة الوجوديّة.
خاتمة وتوصية:
لا شك أنّنا في تيار المستقبل السوريّ نرى أنّ خيار إبرامِ اتفاقٍ بين الفلسطينيين والاسرائيليين هو الخيار الوحيد المتاح للقضية الفلسطينية ككل، ولكن، وبسبب تعقيد المشهد وحالة التشظّي الفلسطيني فقد يسير التّطبيع برضا البعض منهم ورفض آخرين له، مما يعني استمرار النّزيف الفلسطيني من جهة، وصلاحية استخدام القضيّة الفلسطينية لتلميع كراسي حكامٍ بعينهم من جهة ثانية! لهذا سيكون خيار انتظار المملكة العربية السعودية لتوقيع صلحٍ حقيقيٍّ نهائيٍّ بين (الفلسطينيين وإسرائيل) هو الحلُّ الأسلم والأنسب والأدوم.
إننا في تيار المستقبل السوري، نوصي بعقدِ مؤتمرٍ وطنيٍّ عامٍّ يجمع المعارضة السورية والقيادات الفلسطينيّة كلِّها، ويحمل رسائل أنّنا كمعارضةٍ سوريّة قادرون على تقديم مشروعٍ متكاملٍ يحملُ رؤيةً للحلّ، ويكون مرجِّحاً عند الحاجة له (حسب المصلحة المشتركة أولاً) وبما يخدم قضية شعبينا وبلدينا.
جمعة محمد لهيب
باحث في قسم الدراسات والبحوث
المكتب العلمي
تيار المستقبل السوري
المراجع
[1] https://www.youtube.com/watch?v=tVtKH1N1czE
[2] في عام 2002، اقترحت السعودية “مبادرة السلام العربية” التي عرضت على إسرائيل “الأمن وعلاقات طبيعية” مع 57 دولة عربية وإسلامية مقابل انسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة لكن إسرائيل رفضت المبادرة حينها.
[3] تمظهر ذلك في الرفض الفلسطين الكامل والقاطع للتطبيع بين الإمارات واسرائيل, انظر: ردود الفعل تتوالى.. هكذا رأى العالم اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي | أخبار سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[4] الخلافات تمزّق المعسكرين في إسرائيل و«الصراع في البدايات» (aawsat.com)
[5] في مقابلته مع كولينز، رفض نتنياهو الكشف عن نوع التنازلات التي قد يقدمها للفلسطينيين مقابل صفقة التطبيع، لكنه أكد أنه يعتقد أن صنع السلام مع العالم العربي الأوسع سيكون خطوة نحو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما أسماه نهج “من الخارج إلى الداخل”., انظر: نتنياهو لـCNN: التوصل لاتفاق بشأن التطبيع مع السعودية “سيغير الشرق الأوسط إلى الأبد” – CNN Arabic
[6] الائتلاف السوري يتبرأ من اللبواني لزيارته إسرائيل | أخبار | الجزيرة نت (aljazeera.net)
[7] وسائل إعلام إسرائيلية تقول إن ” فهد المصري ” لن يعادي إسرائيل في مرحلة ما بعد الأسد (aksalser.com)
[8] رفض شعبي واسع للزيارة… عبد الجليل “سعيدُ” في اسرائيل ولا يراها عدوا.. | زمان الوصل (zamanalwsl.net)
[9] المدن – كمال اللبواني الذي وحّد السوريين (almodon.com)
[10] الجزائر وتونس ولبنان والعراق تعتبر دول معادية لإسرائيل وترفض التطبيع معها.