خيار ثالث غير المحورين الإيراني والإسرائيلي
إن المتابع للمنصات السورية، وتلك التعليقات والصراعات التي تجري بين السوريين أنفُسِهم، يظن أن القضية (ليست رمّانة بل قلوباً مليانة) حسب المثل الشعبي!
فمن مناصر للفلسطينيين، ويرى أن إيران تقدّم لهم وتُقاتل بصفهم، ومن مناصر لهم إلا أنه يرى أن إيران إنما تلعب دور المستغلّ للقضية الفلسطينية وحسب!!، وبذلك يُحدد كليهما بوصلته تجاه دعم القضية الفلسطينية ظالمة كانت أو مظلومة، ويرون أنّ ما قامت وتقوم به حركة حماس، إنما يُعدّ جهاداً مقدساً.
على المقلب الآخر، من رأى في عملية طوفان الأقصى غلطة حمساوية إن لم نقل حماقة، ارتكبتها المقاومة بعد غش إيران لها!! وذهب آخرون بعيداً ليروه تآمراً متفقاً عليه بين إيران والليكود، وأن العملية بحد ذاتها إعطاء ذريعة لإسرائيل لإبادة غزة وتهجير وقتل أهلها، وطبعاً في هذا المقلب أيضاً تجد من السوريين من يرى في إيران عدواً ليس لهم فقط، بل للأمتين العربية والاسلامية.
وفي خضم متابعتنا لهذا السجال المتواصل بين الطرفين السوريين بالفضاء الافتراضي، نعجب من قضايا عدة:
١- الاستبداد الفكري، وعدم تحمل وجود خلاف وآراء سياسية متباينة، ما يصل حد تراشق الاتهامات والتخوين.
٢- إعطاء مواقف مجانية، سواء للمحور الإيراني أو للمحور الاسرائيلي، والحقيقة أننا كسوريين غير معنيين بهذا الصراع، اللهم إلا تعاطُفنا مع أهلنا في غزة ممن يعانون من تبعات الحرب المدمرة! فالقضية الفلسطينية لم نعد نملك تجاهها غير التعاطف المعنوي أو بعض حملات إغاثية حسب الوسع والطاقة، ما من شأنه أن يجعل المصفقين لإيران أو إسرائيل مجرد مُشجعين على مقاعد مجانية لا يبالي بهم أحد!
٣- حصول خلافات وهمية كوّنت خندقاً وأخدوداً عميقاً بين السوريين، كنا في غنى عنه، خاصة وأن الهم والقاسم المشترك بيننا هو (سورية)، والتي باتت خسارتها شبه محققة، فالقضية السورية لم تعد ضمن أولويات تحرك المجتمع الدولي ولا تحت المجهر الإعلامي الذي يجعلها في قلب أي حدث كما هو حال فلسطين في كل آنٍ وحين!.
إذاً ما هو الخيار الثالث، غيرَ الاصطفاف مع أو ضد المحور الإيراني أو حتى الإسرائيلي؟
ربما اللاموقف يشكل حلاً عند المكتفين بالتفرج! ولكن حال المشتغلين بالسياسة دوماً اجتراح حلول من العدم!! وفي حال استبعدنا اللون الرمادي، واستبعدنا الاصطباغ بلون موالاة إسرائيل أو معاداة إيران، أو العكس، فإنه لم يعد أمامنا إلا ((العمق العربي)).
نعم .. إن سورية دولةٌ في محيطها العربي ذاتُ هويةٍ وانتماء رغم وجود قوميات مختلفة فيها، وحتّى تلكم القوميات نجد أن مصلحتها تكمن بالالتزام مع العمق العربي سورياً أولاً، وإقليمياً ثانياً.
إن الموقف العربي من القضية الفلسطينية ما يزال يشكل رديئة من كل شظية طائشة، وقبة حديدية من كل همينةٍ متوقعة، سواءٌ من سهام المحور الإيراني أو حِرابِ المحور الإسرائيلي، عاجلاً أو آجلاً، فجامعة الدول العربية لا تقبل بحالٍ من الأحوال الانضمام للمحور الإيراني، فهو يعني ذوبانها للأبد، كما أنها تعمل جاهدةً وضمن المتاح، على اجتراح حلول مستدامة عبر المنظومة الدولية، وبما تطلق عليه سلاماً عادلاً وشاملاً للقضية الفلسطينية
وسواء نجحت تلك الجهود أو فشلت، سيبقى الرهان على بلدٍ كـَ سورية وموقفها المحوري الثابت والمعلن (رغم مقارعة الشعب فيها سلطةَ نظامهِ) هو الطريق الأسلم والأوضح، ولعل في ذلك فوائد عدة، نذكر منها:
١- تمتين الصّلة بالعمق العربي، وعدم زج السوريين في محاور واستقطابات هم في غنى عنها (خاصةً في وضعهم الراهن).
٢- الموقف العربي ينبع من أهداف استراتيجيّةٍ لدول إقليمية كبيرة، لها خبرة في المطابخ العميقة للسياسة الدولية، وبالتالي سيكون ربط قاطرتنا بقطارها هو الأصوب والأفضل حالياً ومستقبلاً.
٣- عدم اعتبار سورية (الخارجة عن سيطرة النظام السوري) على الأقل، تُشكل خطراً على العمق العربي أو تستعديه، أو تتبنى مواقف مغايرة له!!
٤- الإيمان بأن الحل الأخير لن يكون إلا عبر المنظومة الدولية للقضية الفلسطينية، والتي سيكون لجامعة الدول العربية والإسلامية سهمٌ فيه، وبالتالي فإن المحور الإيراني والإسرائيلي سيعود حكماً لملعب الدول العربية ومن بينها سورية، عند أي منعطف استراتيجي، سواء أكان تدخلاً دولياً فارضاً أو رغبةً جانحةً نحو إنهاء أحد أسباب عدم استقرار الشرق الأوسط برمّته واستمرار حلقات الصراع فيه!
جمعة محمد لهيب
المكتب السياسي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري