بقلم رئيس تيار المستقبل السوريرئيس التيارمكتب الرئاسة

سرطان الأسد (شفاء سورية)

بقلم الدكتور زاهر بعدراني
رئيس تيار المستقبل السوري

يبقى الموت والمرض صفتان ملازمتان للوجود البشري، لا يمكن الفكاك عنهما، ولا الهروب منهما، فكل البشر خيرهم وشرهم، بَرُّهم وفاجرهم، كبيرهم وصغيرهم، سيخوضون تجربة الموت والمرض لا محالة.
لهذا من الطبيعي جدآ مهما طال الزمن أو قصر أن نسمع عن وفاة زعامات وقيادات عالميين، وما طواغيت سورية ومن يلوذ بهم ببعيد عما ذكرنا!،

ها هي زوجة رئيس سورية “أسماء الأخرس الأسد” والتي باتت تعرف بالرئيس الظل، قد أصيبت بسرطان الثدي سابقاً، وتماثلت للشفاء منه، وليدهمها اليوم في دورة الدم في عروقها وشرايينها، ولن نتحدث عن ردود الفعل حول إعلان المرض (ما بين شامتٍ فرحان، أو متعاطفٍ وزعلان )

ولا غرابة في إعلان مرض أسماء الأسد بالسرطان رسمياً عبر منصة رئاسة الجمهورية كونها ستدخل في سرداب العلاج وسيظهر غيابها أو تغييبها عن الساحة! وقد قلتُ منذ أيام باجتماع لـِ كوادر تيار المستقبل السوري في ولاية ميريلاند الأمريكية أن إعلان حالة المرض شيء، وأسلوب وطريقة الإعلان شيء آخر! وهذا ما يجب مقاربته بشكل سياسي مجرد.

لاشك أن أسماء الأسد وبرضى أو دعم بعض الدول الكبرى أخذت مكاناً وموقعاً استراتيجياً ومفصلياً لها كجزءٍ من المشهد الحالي وحجر أساس لبناء مستقبل سورية ضمن رؤية نظام الأسد النظرية والتنظيرية التي صدّروها وبشّروا بها منذ اعتلى سدة الحكم في سورية، وبذلك اعتمدوا قاعدة أنّ الإصلاح أو التحديث أو حتى الحل لابد أن يكون من نفس بنية النظام السوري وهيكليته الحالية، متجاهلين أنّ ما أصاب عموم البلاد كان مما كسبت أيديهم وحسب!!، وكما نعلم أن عودة الأسد لحضن جامعة الدول العربية كان مقابل مقايضةٍ واضحة وصريحة مع نظام الأسد بأنه لابد من قيامه بإصلاحات عامة وشاملة ومتتابعة وجليّة، وبدا من لقاء القمة العربية الأخيرة في مملكة البحرين أن الأسد خرج من الرهان على تعديل سلوكه بما يضمن لملمة الوضع الحالي وخلق مناخ حقيقي نحو مشاركة السلطة مع المعارضة بلوغاً لانتقال سلمي للسلطة! إلا أن إصراره على ممارسة سياسات ترقيعية غير جوهرية، جعل اعتقاداً يسود أنّ الأسد وأركان نظامه بما فيه زوجته الحالمة بتوريث ولدها، كلهم عصيّون على أي نوع من أنواع الإصلاح الداخلي!

فجاءت الخطوة الأولى عربياً بإغلاق فم الأسد في جامعة الدول العربية وتجاهله وكأنه غير موجود (كما تجاهل هو وعوده كلها معهم) فمُنع عن الكلام، وهو الذي عرف عنه معسوله تنظيراً واسفافاً وإغراقاً بالأوهام، وكذلك لا تخلو كلماته من توجيه أصابع النقص والتقصير لمن هم حوله من زعماء وحكام، وهو أصغرهم (ناسياً أو متناسياً في كل مرة أن من كان بيته من زجاج فالأولى به أن لا يُحاجر الآخرين)، فكان الحاضر الغائب لاجتماع جامعة الدول العربية، مستمعاً غير متكلم، وفيه إشارة مبطنة أننا اكتفينا من سماع خطاباتك، بينما أفعالك على الأرض تخالفها تماماً!!

ثم جاءت الحركة الثانية بكسر ذراعه الطولى (زوجته) في قرار سياسي خارجي مدروس ومرتب له، يتقاطع بمجموعه مع رغبة عدد من الدول الفاعلة والمؤثرة في سورية، لعزلها عن المشهد العام قسراً، [وإلا ستخسر حياة ولدها حافظ (الوريث المحتمل للرئاسة)، تمامآ كما خسر حافظ الأسد الأب سابقآ حياة فلذة كبده باسل (والذي كان وريث كرسيه بلا منازع)].

وقد بدى ذلك واضحاً في سطور بيان رئاسة الجمهورية والذي أخرجها كلياً من الساحة، بل حرّج أي تواصل ممكن معها!، مع أنه كان من الممكن الاكتفاء بالقول أن مكاتبها ستتابع نشاطها وستكون هي ضمن حجرها الصحي مشرفةً متابعةً لجميع النشاطات والمهام وستوجه بما يلزم، لكن ذلك لم يحدث!!
وهذا يُدلّل أيضاً على أن مرحلة تهيئة ولدها (حافظ) للرئاسة قد طويت صفحته أيضاً، وبذلك يكون قد تم تحطيم رأس الأسد حالياً وتم اخراج جناحه الأقوى من المشهد السوري نهائياً! في حين أن مقارنة بسيطة مع ما مرت به زوجة حافظ الأسد “أنيسة مخلوف” رغم كبر سنها وكثرة علاتها وأمراضها، إلا أنها بقيت تملك الخيوط بيديها كاملة، وتسيطر على سير بعض مفاصل مؤسسة الرئاسة، والدوائر المحيطة بها، ولم يصدر أي بيان يشير إلى مرضها أو عجزها أو تحييدها عن المشهد في كل المراحل!

وهنا سنجد أن هناك جناحاً ربما يتحرك لاستغلال هذا الفراغ الذي سيحدث قطعاً من خلال مرض أسماء الأسد وحجرها الصحي، وهو جناح شقيق بشار الأسد “ماهر”، والذي تأذى جداً من تمدد السيدة الأولى وتدخلها! وربما يخلق ذلك مساحة له لفتح ساحة صراع مع أخيه من جديد على إدارة موارد الدولة، والقبض على مفاصل الحكم والتحكم فيها!

ومما لابد من الإشارة له أن هناك إشارات إلى أن الاختراق الأمني الذي طال رجالات إيران في سورية في الفترة الأخيرة كان أحد أسبابه اختراقٌ أمنيٌ محتملٌ من طرف أبناء الأسد أنفسِهم، وخاصة “‘حافظ الأسد الحفيد” والذي حرص على اللقاء مع معظم القيادات الإيرانية بنفسه، والتقرب منها، وتقديم نفسه على أنه حليف استراتيجي منتظر، وتشير بعض المعلومات لدينا والتقارير إلى أن لقاءً تم في صباح اليوم الذي جرت فيه عملية الاغتيال المزلزلة في مبنى السفارة الإيرانية وسط العاصمة دمشق من اسرائيل، وكان حافظ الأسد الحفيد في المبنى قبل أن يخرج منه ثم يتم قصفه!!

وأشير هنا إلى أن ضغطاً بريطانياً (تحديداً) يضاف إلى المعادلة التي أخرجت أسماء الأخرس من المشهد، ويُرجّح لدينا أنه كان عاملاً مساعداً في صدور بيان الرئاسة بحالته تلك، مع التحاف “أسماء الأسد” بالحماية البريطانية وهي تحمل جنسيتها!
لقد وجدنا حنقاً بريطانياً خلال المدة القصيرة الماضية، وبل لمسنا أن بريطانيا تحديداً كان لها تحرك على صعيد أمني عالي واستقطاب شخصيات سورية وطنية إلى بريطانيا واللقاء بهم ومعهم، ومحاولة رسم تصور حقيقي عن الأسلوب الذي ينتهجه الأسد وعائلته تحديداً في رسم مصير سورية واختطافها وكأنها مزرعة لهم من الأب إلى الابن إلى الحفيد!

لاشك أن سورية اليوم تمر بمرحلة انتقالية جديدة (داخلياً)، ويبدو أن شهود مرحلة انتقالية للسلطة في سورية بات قريباً مع كل تلك التطورات الدراماتيكية، فهل يكون سرطان أسماء الأسد سبباً في (شفاء سورية من علاتها ام سببا للمزيد من الفوضى والقلاقل)؟!
هل يستطيع الأسد وقد أغلِقَ فمه وكُسر جناحهُ من مواصلة رسم توازناتٍ تبقيه في المشهد السياسي لأمدٍ أطول، أم أن خفوت نجم توريث ولده من بعده قد يفتح الباب على مصراع الاحتمالات كلها من جديد!
وفي حال تعافت أسماء الأسد من سرطانها من جديد، فهل تتعافى سورية من سرطان حكم آل الأسد، والذي بات يفتك بها وينخر بنيتها منذ عقود!!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى