إيمان المحمدالمكتب العلميقسم البحوث و الدراساتقسم شؤون المرأةكاتبوا التيارمقالاتمقالات شؤون الأسرةمكتب شؤون الأسرة

العنف والتّعنيف ضدّ المرأة السوريّة

تيار المستقبل السوري
مكتب شؤون الأسرة
دراسة رقم(01-09-23)

ممارسة العنفِ أو التّعنيفِ ضدَّ المرأة ظاهرةٌ عالميَّةٌ خطيرةٌ تندرجُ تحتَ انتهاكِ حقوق المرأة  

وكحالِ باقي دولِ العالم، فإنّ المرأة في سورية تعاني من ممارسةِ المجتمعِ أشكالَ مختلفةٍ من العنف أو التّعنيف عليها، كان هذا الحالُ قبلَ ثورةِ ٢٠١١ واستمرّ بعدها! وطالما أنّنا في تيار المستقبل السوريّ نُعنى في ترميم الحالاتِ الشّاذّةِ والسلبيّة في مجتمعاتنا بشكلٍ خاصّ، فقد وجبَ تسليط الضّوء على ظاهرة العنف والتعنيف التي غالباً ما تُمارسُ بحقّ المرأة في المجتمعات الشرقيّة (ومنها سوريّة)، بينما باتت ظاهرةً تنتشرُ وتمارسُ بحقّ الرّجال في معظم البلاد الغربيّة بعدما استفادت المرأةُ من دعم القوانين والتّشريعات القضائية لها، ولتنقضّ على الرجلِ فتجعل منه ضحيّةً بعد أن كانت أصابع الاتهام تتوجه نحوه على أنه جانٍ ومتّهم.

أشكال العنف ضد المرأة:

•العنف الأسري: هو عنفٌ يمارسه أحد أفراد الأسرة ضد المرأة، مثل الزّوج أو الأب أو الأخ. يشمل هذا كافة أشكال العنفِ المعلوم منها والمستور، كما الضرب والإهانة والتّهديد والحبس والإجهاض القسريّ وغيرها من الممارسات التي تقلّل من قيمة المرأة وتحرمها من حقوقها.

ووفقاً لدراسة أجرتها الشبكة السورية لحقوق الانسان في عام 2019، فإن 67% من النّساء السوريّات تعرّضن للعنف الأسريّ في حياتهنّ، وأنّ 35% منهنَّ تعرّضن للعنف بشكلٍ دائمٍ أو متكرّر.

•العنف الجنسيّ: هو عنفٌ يَستخدم فيه الطرفُ المهيمن قوّته أو نفوذه لإكراه المرأة على ممارسةٍ جنسيّةٍ غير مرغوب فيها أو غير موافق عليها.

ويشمل هذا النوع من العنفِ الاغتصابَ والتّحرش والزّواج المبكّر والزّواج بالإكراه والاتّجار بالبشر، وغيرها من جرائمَ ضدّ المرأة، وحسب ما تم توثيقه فإنّه تم تسجيل 11523 حادثة عنف جنسي حصلت منذ آذار عام 2011 ومعظمها حصل على يد قوّات النّظام السوري.

•العنف المؤسّسي: هو عنفٌ يمارسه جهازٌ رسميّ أو نحوهُ ضدّ المرأة، مثل الجيش أو أجهزة الأمن والمخابرات أو الميليشيات أو التّنظيمات المسلّحة. ويشمل هذا العنف أنواعَ التّعذيبَ والاختطاف والاحتجازَ التعسفيّ والقتلَ خارج نطاق القانون وغيرها من انتهاكات حقوق المرأة، ففي عام 2021 تم توثيق 28618 حالة قتل لسيدات في سورية منذ آذار 2011، وكان قتل 93 منهنّ بسبب التعذيب، بينما سُجّل أنّ 10628 سيدة لا تزلنَ قيد الاعتقال/الاحتجاز، معظمهنَّ على يد قوات النّظام السوري.

•العنف المجتمعي: هو عنفٌ يمارسه المجتمع أو جزءٌ منه ضدّ المرأة، مثل الأهل أو الجيران أو الزّملاء أو الأصدقاء. ويشمل هذا العنف أنواعَ التّمييز والتَّحيُّز والتنمُّر والتَّهميش وغيرها من الممارسات التي تقيّد حريّة المرأة.

ووفقاً لدراسةٍ أجرتها الشّبكة السوريّة لحقوق الانسان عام 2019، فإنّ 52% من النّساء السوريّات تعرّضن للعنف المجتمعي في حياتهن، وأنّ 28% منهنّ تعرّضن للعنف بشكلٍ دائمٍ أو متكرّر.

ويمكن القول إنّ العنف ضد المرأة في سورية يتمّ اليوم تكريسه قانونياً ومجتمعياً لأسباب يصعب حصرها، فالقانون السوريّ الحاليّ يحتوي على موادَ تشجّع على العنف ضدّ المرأة أو تبرّره أو تخفّف عقوبته، مثل مادة 548 من قانون العقوبات التي تخفّض عقوبة قاتل المرأة إذا كان قد ارتكب الجريمة لأسبابَ شرفيّة! كما أنّ المجتمع السوري يحافظ على تقاليد وعاداتٍ تقوّض حقوق المرأة وتبرّر العنف ضدها، وكذلك تفضيل الذّكور على الإناث في التّعليم والعمل والإرث والزّواج.

•العنف الجسدي: هو أيّ اعتداءٍ يسبّب أذىً أو إصابةً جسدّية للمرأة، مثل الضّرب، الرّكل، الخنق، الطّعن، الحرق، أو استخدام السّلاح. وقد يكون الجاني زوجاً أو حبيباً، أو فرداً من العائلة، وربما يكون مجهولاً.

•العنف النّفسي: هو أيّ سلوكٍ يهدف إلى إحداث ضررٍ عاطفيّ للمرأة، كإهانتها، أو تخويفها، أو التّحكم بها، أو التّشكيك في سلوكها، أو التّقليل من قيمتها، أو التّلاعب بها، أو حرمانها من المال أو الموارد، أو عزلها عن الآخرين، أو استخدام الأطفال كأداةٍ للابتزاز. وقد يكون الجاني زوجاً أو صديقاً حبيباً، أو فرداً من العائلة، أو صديقاً، أو رئيساً في العمل.

•العنف المالي: هو أيّ سلوكٍ يهدف إلى حرمان المرأة من حقّها في التّصرف في مالها أو ممتلكاتها، أو استغلالها اقتصادياً. مثل منعها من العمل، أو سرقة مالها، أو إجبارها على التّسول، أو تدمير ممتلكاتها، أو حرمانها من التّعليم أو الرّعاية الصحيّة.

وقد يكون الجاني زوجاً أو صديقاً حبيباً، أو فرداً من العائلة، أو صديقاً.

•العنف السياسي: هو أيّ سلوكٍ يهدف إلى تقييد حقّ المرأة في المشاركة في العملية السياسيّة والمجتمعيّة. مثل منعها من التّصويت والتّرشح لمنصبٍ عام والتّظاهر ضدّ قضيّةٍ تهمّها.

هذه ليست قائمةً شاملةً لجميع أنواع العنف ضدّ المرأة، فهناك أيضاً أنواعٌ أخرى مثل العنف الثّقافي، والعنف الدينيّ، والعنف الإلكترونيّ، وغيرها.

إذ العنف ضدّ المرأة هو انتهاكٌ لحقوق الإنسان، ويجب محاربته بكلّ الوسائل الممكنة.

أسبابُ ودوافع العنف ضدّ المرأة:

العنف ضدّ المرأة ظاهرةٌ معقّدةٌ ومتعدّدةُ الأبعاد، ولها دوافع عديدة وأسباب تتراوح بين الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والنفسيّة. بشكلٍ عام، ويمكن تلخيص بعضها بما يلي:

•الأسباب الاجتماعيّة: تتعلق بالمعايير والقيم والمفاهيم السائدة في المجتمعات، والتي تؤدي إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة، وتبرير السيطرة والهيمنة والعنف من طرف الرجال على النساء

• الأسباب السياسية: تتعلق بدور الدولة والقوانين والسياسات في حماية حقوق المرأة ومنع العنف ضدها، أو في التغاضي عنه، أو التسامح معه.

• الأسباب الاقتصادية: تتعلق بالظروف المادية والفرص، مثل التعليم والعمل والدخل، وكذلك بتأثير الفقر والبطالة على زيادة خطر التعرض للعنف.

• الأسباب النفسية: تتعلق بالتنشئة الاجتماعية للطفل في الأسرة والمدرسة، وبالصفات والشخصية التي يكتسبها من خلال تجاربه وانفعالاته، مثل انخفاض الثقة بالنفس، أو التوتر، أو الغضب، ونحوها.

• تأثير إطالة أمد الحرب في سورية بـِ تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة سواء في الداخل السوري أو في مناطق اللجوء، يظهر أثر ذلك بارتفاع نسبة حالات الطلاق والتي ما تزال تحتاج لدراسةٍ وإحصاءٍ رسميّ.

تقارير حول العنف ضد المرأة:

• في تقرير تحت اسم: “كيف يتمّ تكريس العنف ضد المرأة في سورية قانونياً ومجتمعياً؟”  يستعرض تاريخ وحالة القانون السوري في التعامل مع العنف ضد المرأة، وخاصة العنف المنزلي وجرائم الشرف، ويبين كيف أن هذا القانون يعكس المفاهيم والقيم السائدة في المجتمع السوري، والتي تؤدي إلى عدم المساواة بين الجنسين وتبرير السيطرة والهيمنة والعنف من قبل الرجال على النساء، كما يشير إلى أهمية إصلاح القانون وتطبيقه بشكل فعال لحماية حقوق المرأة وإنصافها.

• في تقرير عنوانه: “في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة: التقرير السنوي العاشر عن الانتهاكات بحق الإناث في سورية، وغالبيته على يد النظام السوري”، ففي هذا التقرير من موقع “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” يستعرض حصيلة أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النزاع في سورية بحق السيدات منذ آذار 2011 حتى تشرين الثاني 2021، وذلك بحسب قاعدة بيانات هذه المؤسسة. يتضمن التقرير إحصائيات عن عدد الضحايا من الإناث جراء قتلهنّ خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، والعنف الجنسي، وتجنيد القُصَّر، وهجمات بأسلحة مختلفة، إضافة إلى روايات لبعض حالات الاغتصاب.

ويؤكد التقرير أن غالبية حالات الاغتصاب كانت على يد قوات نظام “بشار الأَسد”، وأن نظام “بشار الأسد” يستخدم الاغتِصاب كأداة للقمع والإرهاب والتهجير والتغيير الديموغرافي.

• في تقرير “لم يَسْلَم أحدٌ في سورية من العنف الجنسيّ” من موقع “مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة” يستند إلى تقرير لجنة التحقيق في الجمهورية العربية السورية، ويسلط الضوء على حجم وطبيعة وآثار العنف الجنسي في سورية، وكيف أنه لم يسلم منه أحد، بغض النظر عن جنسه أو عمره أو هويته أو انتمائه. ويشير التقرير إلى أن العنف الجنسي كان متعمداً ومنهجياً ومستخدماً كأداة للإذلال والترويع والانتقام، وأنه كان مصحوباً بثقافة من الإنكار والصمت والخوف من التبليغ أو الملاحقة.

كما يدعو التقرير إلى توفير المساعدة والدعم للضحايا والشهود، وإلى محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.

موقف الأديان من العنف ضد المرأة:

• في بحثٍ دقيق عن العنف الأسري والقتل دفاعًا عن الشرف في المجتمع المسلم من “مؤسسة يقين” للبحوث: يستعرض تاريخ وحالة العنف ضد المرأة في المجتمعات المسلمة، سواء من السنة أو الشيعة، ويبين كيف أن هذا العنف لا يستند إلى مصادر الإسلام الأصيلة، بل إلى التّفسيرات الخاطئة، والتقاليد البالية، والظروف السياسية والاجتماعية. كما يشير إلى أهمية تجديد الفهم الإسلامي لحقوق المرأة وإصلاح المؤسسات التي تحميها.

وأما الدّين المسيحي فيستعرض الأب “فرانسوا عقل المريمي” في مجلة رابطة الإخاء، بدراسته المعنونة: “المسيحية بين المحبة والعنف” حيث يستعرض تاريخ وحالة العلاقة بين المسيحية والعنف، وكيف أنه على الرغم من مبادئ المسيحية الأساسية المتمثلة في الحب والسلام، فإن المسيحية – مثل معظم الديانات الأخرى – كان لها دائمًا جانب عنيف! ويشير إلى أهمية التمييز بين عُصْبِيةِ التاريخ وإيجابيات الإيمان.

العادات والتقاليد السورية الممارسة ضد المرأة:

لا شك أن هناك عادات وتقاليد جيدة وأصيلة وأخلاقية، ولكننا هنا ندرس العادات والتقاليد السورية التي فيها عنف ضدّ المرأة، أو بعبارة أخرى: مجموعة من الممارسات والمفاهيم الثقافية والاجتماعية التي تقوض حقوق المرأة وكرامتها، وتبرر السيطرة والهيمنة والعنف من قبل الرجال على النساء.

ولعل بعض هذه العادات والتقاليد تبدو في:

• زواج القاصرات: هو زواج الفتيات دون سن الرشد، والذي يحدث في بعض المناطق الريفية أو الفقيرة، ومن أسبابه الحرب واللجوء وغيرهما، حيث يؤدي هذا الزواج إلى تعرّض الفتيات للعنف الجسدي والجنسي والنّفسي من قبل أزواجهن أو أهاليهن، وإلى حرمانهن من التعليم والصحة وغير ذلك.

• جرائم الشرف: هي جرائم قتلٍ ترتكبها عائلة المرأة ضدّها على اعتبار أنها خانت شرفها أو شرف عائلتها، ولأسباب مثلَ خروجها مع رجل غير محارمها، أو ارتدائها ملابس غير محتشمة، أو رفضها لزواجٍ مدبّر ومُقرّر، أو تعرضها للاغتصاب. وتستند هذه الجرائم إلى مفهومٍ خاطئٍ لمعنى الشّرف على أنها قيمة تتعلق بسلوك المرأة فقط! وإلى قانون يُخفّف من عقاب قاتل المرأة إذا كان يحمل دوافع حراسة الشرف بمفهومه الخاص.

• ختان الإناث: هو قطع جزءٍ من أعضاء التناسل الخارجية للإناث، بهدف التّحكم في أحاسيسهنّ وزيادةً في نظافتهن وحشمتهن.

ويحدث هذا في بعض المناطق الكرديّة في سورية بسبب تأثير ممارسة الدول المجاورة عليهم، ويؤدي هذا إلى تعرض الإناث لآلام شديدةٍ وخطورة نزيف وعدوى ومضاعفات صحية، بالإضافة إلى انتهاك حقهن في سلامة جسدهن وصحتهن.

وطبعاً فهذه ليست قائمة شاملة لجميع العادات والتقاليد السورية التي يبدو فيها عنف الرجال ضد المرأة، فهناك أيضًا عادات أخرى مثل تزويج المطلّقات بالبديل المؤقت (زوج آخر) قبل العودة إلى الزوج الأول، أو تبرّؤ الأزواج من زوجاتهن بالطلاق ثلاث مرات، أو الزواج المؤقت، أو الزواج بالإكراه، أو الزواج للميراث، أو الزواج بالتبادل، أو الزواج للمتعة وحسب! وكل هذا يعد انتهاكاً لحق المرأة في اختيار شريك حياتها وتعنيفاً لها بوجهٍ من الوجوه.

خاتمة:

تناولنا في هذه الدراسة موضوع العنف ضد المرأة، وأشكاله وأسبابه وآثاره، وكيف أنه يمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان وتحديًا للتنمية والسلام. كما بيّنا موقف الدين من هذا العنف، وكيف أنه يرفضه ويحرمه، ويدعو إلى حماية المرأة وإكرامها ومعاملتها بالرفق والعدل.

أخيرًا، نقترح في تيار المستقبل السوري بعض الحلول والمقترحات لمواجهة هذه الظاهرة، والتي تتلخص في:

• إصلاح القوانين والسياسات التي تحمي حقوق المرأة وتمنع العنف ضدها، وتطبيقها بشكل فعال وشامل.

• توعية مجتمعنا السوري بخطورة العنف ضد المرأة، والعمل على تغيير الثقافة والمفاهيم التي تبرره أو تسكت عنه.

• تصحيح العادات والتقاليد التي تنتهك حقوق المرأة، والتي لا تستند إلى مصادر الأديان الأصيلة، بل إلى التفسيرات الخاطئة أو التأثيرات الخارجية.

• توفير المساعدة والدعم لضحايا العنف، سواء على المستوى الصحي أو النفسي أو القانوني أو المادي.

• تعزيز دور المرأة في المجتمع، وتمكينها من ممارسة حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة.

إنّ مكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة هي مسؤولية مشتركة بين جميع أطراف المجتمع، من دولةٍ وحكومةٍ ومؤسسات وجمعيات وأفراد، فلا يمكن أن نحقق التقدم والازدهار إلا بالحفاظ على كرامة نصف المجتمع (بل المجتمع كله)، وإشراكها في بناء مستقبل أفضل لنا ولأولادنا.

  • الباحثة: إيمان المحمد
    مكتب الأسرة
    تيار المستقبل السوري
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى