النسوية المتطرفة مثل الذكورية المتطرفة “بترونيلا وايت” مثالاُ
ضجت المواقع مؤخرا بمقال النسوية البريطانية بترونيلا وايت المعنون مترجما: “أنا عازبة، بلا أطفال ووحيدة”. كتبت بيترونيلا وايت: “لقد خذلتني الحركة النسوية وخذلت جيلي”.
لقد كان مقالاً نارياً في صحيفة (ديلي ميل) لتتبرأ فيه بترونيلا وايت من النسوية، وتعترف بخطرها الجسيم على الإنسانية.
إن المقال لمس صنفين من الناس:
الصنف الأول: النساء اللواتي يعشن بالغرب وجربن النسوية المُتطرفة التي تعادي الذكور وتُحذر منهن، وتسعى لتغيير طبيعة المرأة الحقيقية بجعلها ليست منافسة فقط بل ومحاربة شرسة للرجل، وقد ذكرت الكاتبة تأثير كتب غلوريا ستاينم وسيمون دي بوفوار، ويُمكن الحديث عن كُتب كثيرة كانت مؤثرة بالنزعة النسوية مثل كتاب “علينا أن نكون نسويين جميعا” للكاتبة شيماماندا نغوزي أديشي، وهو من الكتب التي قيل فيه أنه يجب أن تقرأه كل امرأة.
الصنف الثاني: هم دعاة الذكورية في بلادنا الذين مافتئوا يبحثون عن أي مثال شاذ نسوي مُتطرف ليُبثبتوا أن الذكورية هي الحل الصحيح، وما المرأة إلا تابع للرجل تخضع لأمره ممسوحة كرامتها ورأيها، بل يحق للرجل ضربها واغتصابها ضمن حقه الشرعي والقانوني دون السماح لها بحق التعبير عن الرأي حتى.
حالات واقعية مُقابلة:
كما سردت بترونيلا حالات واقعية لنساء خمسينيات عزباوات كئيبات، يمكنني ذكر بعض حالات أعرفهن في بلاد الذكورية المتطرفة:
قريبتي الجميلة ذات البشرة الحنطية تم تزويجها بمهر قليل لأنها ليست بيضاء، وخوفا من العنوسة، في بلادي التي ترى البيضاء جميلة والسمراء ليست مثلها، لتشعر بالدونية منذ أول مراحل الزواج، لم تستطع قريبتي إكمال الاعدادية، لقد تزوجت وهي بالصف التاسع قبل امتحان الشهادة، لقد شرط المجتمع عليها ضمنا أنها للبيت وليس للتعليم، بعد إحدى عشرة سنةً تزوج عليها زوجها فناة أخرى بيضاء وصغيرة بأي حجة!؟ بحجة أنها لا تنجب غير الإناث، ليتركها زوجها في بيت صغير وضائقة مالية كبيرة تعاني تربية بناتها، وقد سمحت له بإعطاء ليلتها لضرتها لأنها أصغر وأجمل، وهي لا تملك رفاهية الوقت للتزين والسهر مع ستة بنات يحتجن عملا يوميا بلا توقف، لم تبلغ قريبتي منتصف العمر بعد، لكنها بكل تأكيد ستبلغ هذا العمر وقد امتلأت حياتها بالأمراض النفسية التي لن تملك معها رفاهية العلاج ولا حتى اكتشاف هذه الأمراض النفسية.
جارتي تبلغ من العمر ستا وأربعين سنة، ستاً وأربعين مرة جاءت لأهلها زعلانة خلال حياتها بسبب ضرب زوجها لها، ثم ما لبثت عائلتها أن تعزم زوجها وتستسمحه وتُصلح بين الزوجين وترجع معه وكأن شيئا لم يكن، حتى أمام أطفالها الذين صاروا شباباً يتم ضربها وشتمها عند أي غضبة مُضرية، إحدى المرات حين عادت لبيت أهله النازحة أصلا، قال لها أهلها: هي كام كف، مافيكي كسر ولا خلع، مابينحكى هالضربة فيها، شوية صبغ جلد ليس أكثر!.
التطرف أس المشكلة:
ينص القانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة في الميكانيكا التقليدية، على أن القوى تنشأ دائمًا بشكل مزدوج، حيث يكون لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار وعكسه في الاتجاه. هذا في العلوم الفيزيائية، وكذلك بالعلوم الاجتماعية، فالتطرف الذكوري سيُقابله تطرف نسوي، وكلا الأمرين شر، بل إن التطرف بكل وجوهه وأماكنه غلط كبير يجب التخلص منه لأنه سيُفرز ردة فعل مُتطرفة، فالنظام السوري الذي استخدم الحل الأمني ضد شعبه، كان المُسبب الأكبر لوجود حركات متطرفة مقابلة، والطائفية المتطرفة التي صنعها النظام السوري بسبب علونة الدولة، كانت عاملاً في ظهور تطرف مقابل تدعو لتسنن البلد كله، إذا لا خير بالتطرف أيا كان، وبالعودة للحالة الاجتماعية يظهر من اللزوم أن نقول بضرورة محاربة التطرف في الذكورية والنسوية، بل يمكننا أن نقبل الذكورية المعتدلة، التي ترى المرأة كائنا بشرياً على الرجل تقديره وحمايته ورعايته، ويمكن أن نقبل النسوية المعتدلة التي ترى بضرورة المعاشرة بالمحبة والاحترام بين الرجل والمرأة وبناء أسرة عاقلة رزينة واحترام دور المرأة بالحياة.
وقد أعجبني تعليق لكاتبة اسبانية على مقال بيترونيلا وايت تقول كاتبته مترجما للعربية: “أفهم ما تقوله، ولكن أود أيضًا أن أسلط الضوء على أنه في وقت كتابة هذا المقال، تموت امرأة أسترالية واحدة على يد شريكها الذكر كل 4 أيام. هذا ليس شيطنة الرجال، ولكن يجب أن يكون هناك توازن، نعم نريد أن نكون محبوبين ولكن ليس على حساب سلامتنا. من الواضح أن استبعاد الرجال أو التفكير في أن جميع الرجال متماثلون ليس هو الحل، لكن تجربتها يجب أن تؤخذ في الاعتبار في سياق العديد من العوامل الأخرى. أن تكون مناهضًا للرجال ليس هو الحل، لكن أن تكون مناهضًا للنساء أو النسوية ليس كذلك. لا يزال الكاتب لا يقترح كيف يمكننا المشاركة في علاقات المحبة بطريقة آمنة وصحية”.
الحل الثالث:
تُظهر الدراسات والوقائع أن كلا الحالتين (الذكورية) و (النسوية) خطان متوازيان لا يلتقيان، هذان الخطان يستفيدان من بعضهما، فالذكورية تستفيد من تطرف النسوية لتزيد شعبيتها، والنسوية تستفيد من الذكورية لتُمتن سرديتها، وإن استمرا بامتلاك العقلية الشعبية فنحن أمام فساد عريض بالمجتمع.
فالذكورية تمسح كينونة المرأة وتهدم بنيانها، وبالتالي يتم هدم الأسرة وتفتت قيمها، كما يتم نزع دور المرأة بتربية وتعليم أطفالها، فنسبة النساء اللواتي يُعلمن أطفالهن ويساعدنهن بالتعليم في محافظة إدلب تتجاوز 70%، وذلك بسبب عدم امتلاك النساء لمُكنة التعليم، مما يجعل الأطفال خصوصا في المراحل التعليمية الأولى عُرضة للتأخر التعليمي، كما أن الذكورية تجعل النظرة للنساء الفاعلات في مجتمعاتهن نظرة سطحية رافضة بل مُسيئة، وكم سمعنا من أحاديث عادية عن اتهام للنساء الناجحات بالحياة العلمية أو السياسية أو غيرها أنهن بعنا شرفهن للوصول للنجاح!، بل حتى طالبات الجامعة لم يسلمن من بعض أوصاف سطحية تتهمهن بالدعارة والاباحية فقط لأنهن يتعلمن بالجامعة!.
وبالمقابل إن النسوية تهدم العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة، وتجعل المرأة عدوة للرجل تسعى لمحاربته والقضاء عليه بل ومنافسته بكل المجالات الحياتية والعمل على الاستغناء عن الرجل بالكامل وعليه فيمكن للمرأة أن تعمل علاقات جنسية لا حدود لها ولكن لا تسمح للرجل أن يتزوجها ليملكها، بل يُمكن للمرأة أن تشتري ماء الرجل بمالها لتلد طفلاً دون رعاية والده يعيش في بيت بعامود واحد فاقد لدور الأب ومكانه.
الحل الحقيقي هو في دمج الفكر الذكوري والنسوي، والخلوص لحل ثالث وليد منهما، الحل أن يتزوج كما في الطبيعة الذكورية والنسوية ليُنتجا اعتدالا مُتزنا، يجعل العلاقة بين الرجل والمرأة مبنية على الإنسانية، المحبة، الاحترام، التعاقد والقانون العقلاني، علاقة تشاركية وليست ندية، علاقة تكاملية وليست تنافسية، علاقة تعاونية وليست تصادمية.
ولهذا فإننا في مكتب شؤون الأسرة لتيار المستقبل السوري موصي بالآتي:
١- رفض التطرف الذكوري والتطرف النسوي بالكامل وعدم السماح لأي طرف بالانتصار بحجة مساوئ الطرف الآخر.
٢- الاستفادة من إيجابيات الذكورية وايجابيات النسوية والابتعاد عن سلبياتهما.
٣- عمل دورات علمية موزونة ترفض التطرف الذكوري والنسوي.
٤- تمكين دور المرأة بالحياة العامة.
٥- حماية الأسرة من التفكك أمام الدعوات الذكورية والنسوية المتطرفة.
أخيرا، فإننا في تيار المستقبل السوري نعمل على محاربة التطرف بالعموم، والتطرف الذكوري والنسوي بالخصوص، ونضع مقراتنا في الداخل السوري في خدمة أي مقترحات تُفيد في نشر الاعتدال ومحاربة التطرف.
وهيبة المصري
مكتب شؤون الأسرة
مقالات
تيار المستقبل السوري
رابط المقال الاساسي:
https://www.dailymail.co.uk/femail/article-13435575/PETRONELLA-WYATT-single-childless-Feminism-failed-generation.html