إيناس نصر الدينالمكتب الاقتصاديالمكتب العلميدراساتقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيار

العمال في الشمال السوري

مقدمة:
عيد العمال العالمي، المعروف أيضاً بيوم العمل، هو احتفال سنوي يقام في العديد من الدول احتفاءً بالعمال، يُحتفل به في الأول من شهر أيار/مايو من كل عام في أغلب دول العالم، وهو عطلة رسمية في عدد منها، تعود خلفية هذا اليوم إلى القرن التاسع عشر في أمريكا وكندا وأستراليا، في عام 1886، حيث نظّم العمال في شيكاغو ومن ثم في تورنتو إضرابا عن العمل شارك فيه ما بين 350 و 400 ألف عامل، يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار «ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع»، في عام 1889 كتب رئيس اتحاد نقابات العمال في أمريكا إلى المؤتمر الأول للأممية الثانية الذي عقد في باريس، داعيا الى توحيد نضال العمال حول العالم لتحديد عدد ساعات العمل بثماني ساعات في اليوم، وقرر المؤتمر الاستجابة لهذا المطلب عبر الدعوة إلى “مظاهرات حول العالم” في الأول من شهر مايو/آيار في العام التالي، 1890، وأصبح هذا اليوم منذ ذلك العام عيدا للعمال حول العالم.

العمال في الشمال السوري:
إن الوضع الاقتصادي والعمل في الشمال السوري يشهد واقعاً مراً، فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة في المنطقة أدت إلى زيادة معدلات البطالة، كما أن الكثير من الأُسر لا تستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية، لهذا فإن بعض الشباب في الشمال السوري يتجهون إلى العمل عبر الإنترنت بحثاً عن فرص عمل، وهذا يعكس الضعف الكبير في السوق المحلية والفرص العمل التقليدية.
وفقاً لتقرير من البنك الدولي، فإن الأسر السورية الهشة تواجه تدهوراً إضافياً في وضعها المعيشي، وقد ترافق تزايد هشاشة الأسر مع زيادة في نسبة مشاركة القوى العاملة، وخاصة في ما يتعلق بالعمال على هامش سوق العمل مع فرص محدودة نسبياً لكسب الدخل، والتي تشمل النساء والشباب والمسنين.
في احصاء قام به فريقنا في المكتب الاقتصادي لـِ تيار المستقبل السوري على الشمال السوري منذ بداية هذا العام، كانت نتيجته الآتي:

  • الأجور: للعمال العاديين بين ( 3 – 5 $) باليوم، والعمال الماهرين “المعلم” بين ( 8 – 10 $) باليوم، وتلعب فروق الأسعار بالعملة التركية والدولار دوراً في خفض مدخولية العمال، حيث أن أكثر من 90% من أرباب العمل تعطي الرواتب والأجور بالعملة التركية وليس بالدولار.
  • أكثر من 65% من السكان المحليين يعانون من بطالة شرسة دون عمل، ومن يعيش منهم على المساعدات والصدقات والتبرعات بنسبتهم تقترب من 40%، إضافة إلى العيش على الحوالات الخارجية والتي تبلغ نسبتهم 10% بالحد الأعلى، وأما الجمعيات الاغاثية فتُغطي مانسبته 13%، ليكون العمل اليومي المؤقت (٧٠ يوم عمل بالسنة فقط ومادون) مانسبته 37%.
  • العاملين في الشمال السوري ممن ليسوا ضمن قائمة البطالة، يقتربون من 35% فقط من نسبة العمال المُستحقين للعمل، وبحسب احصائنا فإن العاملين هؤلاء ثلاث أصناف:
    1- العمال الدائمون وهؤلاء يبلغون 8% من نسبة العاملين.
    2- أما الباقي فهم عمال موسميون (أعمال صيفية أو شتوية) أو مؤقتون (التزام لشهر أو شهرين بالكثير، ومنهم لأيام قليلة ولكنها متعددة ضمن السنة لتتجاوز ٢٠٠ يوم عمل بالسنة) وهؤلاء يبلغون مانسبته 92%.

تحديات وتسهيلات وصعوبات:
تتعدد الأعمال في الشمال السوري، لكن الأعمال المربحة هي ماكانت متخصصة بقطاع الحواجز والترانزيت والتهريب والبضائع غير الشرعية، إضافة إلى المطاعم وكل ما يختص بالأكل، والتي تُعتبر مكاناً مُكتظاً لأصحاب الأموال بالمنطقة.
يلي ذلك قطاع التجارة وخصوصا المواد الغذائية، ثم قطاع العقارات والبناء والخدمات ولو أن ذلك تأثر بشكل كبير سلباً بعد الزلزال الأخير، ثم الزراعة خصوصا في ريف ادلب وعفرين، وأخيرا الصناعة والتي تُعتبر واجهتها (المدينة الصناعية) في منطقة باب الهوى.
إن العمل في الشمال السوري يواجه العديد من التحديات، منها:

  1. البطالة العالية بين السكان المدنيين، وهذه نسبة غير مسبوقة في المنطقة قبل الثورة.
  2. من أهم أسباب البطالة هو غياب فرص العمل.
  3. الكثير من الأشخاص لا يمتلكون الخبرة الكافية أو التدريب اللازم للعمل.
  4. الأزمة الاقتصادية وتذبذب العملة التركية التي تنتشر بالشمال السوري أدت إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للرواتب.
  5. إضافة إلى تخفيض برنامج الغذاء العالمي للدعم أدى إلى فصل المنظمات الإنسانية لمئات من موظفيها، مما أدى إلى فقدان العوائل دخل أبنائهم فضلاً عن خسارة أكثر من نصف السكان المحليين للمساعدات.
    هناك عدة مبادرات تهدف إلى تعزيز الدعم المحلي والاقتصاد التضامني في الشمال السوري، بعض هذه المبادرات تشمل:
  6. صندوق المساعدات لشمال سورية (AFNS) والذي يهدف إلى جمع شركاء سوريين ودوليين لتحقيق مهمة جماعية تسعى إلى الحفاظ على المساعدات الإنسانية الحياتية في سورية، كما ويقدم الدعم في جميع مجالات الاحتياجات الإنسانية بما في ذلك الصحة والتعليم والمأوى والمساعدات النقدية.
  7. المبادرات المجتمعية والتي تتضمن مجموعة من الأنشطة تهدف إلى تحسين الحياة في المجتمعات المحلية، تشمل هذه المبادرات تمكين الشابات، وزراعة الخضروات في المنزل، واستكمال وتجهيز بناء مدارس وغير ذلك.
    هذه المبادرات تساهم في تعزيز الدعم المحلي والاقتصاد التضامني في الشمال السوري.
  8. الفلتان الأمني بسبب الغياب الكلي للسلطة التنفيذية، وغياب وجود جسم أمني واحد يتسلم زمام السيطرة الأمنية في المنطقة، بالإضافة إلى ضعف جهاز “الشرطة الحرة” ومحدودية صلاحيته؛ كل ذلك أدى إلى حالة من الفوضى الأمنية وتضارب المهام والمصالح وسهولة الاختراق.
  9. التسرب المدرسي والتوجه إلى العمل بين الأطفال في الشمال السوري والذي تراوحت نسبته بين 52 – 59% والذي أثر على تضييق فرص العمل.

أما التسهيلات الموجودة فهي تتمثل في كون الشمال السوري سوقاً مفتوحاً لكل أنواع الأعمال دون قيد أو شرط، إلا من ضرائب في مناطق هيئة تحرير الشام، يُقابلها مكوس في المناطق الخاضعة للحكومة المؤقتة وفصائل الجيش الوطني.
وأما بخصوص الصعوبات فتتمثل بالآتي:
1- عدم وجود رؤوس أموال كبيرة، وغياب واضح لرجال الأعمال الكبار الذين بإمكانهم ضخ الأموال بالسوق.
2- فقدان السيولة بيد كثير من السكان المحليين وازدياد قاعدة الفقر رغم وجود متمولين وأصحاب مهن ناجحة أو مُشاركين بالأعمال العسكرية أو غير الشرعية.
3- فقدان المشاريع المدعومة من الحكومة (المؤقتة أو الإنقاذ) والتي ينفر منها المسؤولون خشية سؤال مصدر المال، فيستعينون بواجهة في بعض الحالات، ولكن نفورهم يمنع الشمال السوري من ازدياد المشاريع التي تحتضن يدا عاملة.
4- الضرائب في مناطق الهيئة والمكوس في مناطق الجيش الوطني التي تُرهق السكان المحليين وتُحجم نسبة كثيرة منهم عن فتح مشاريع اقتصادية.
5- التخوف من القصف والحرب.

خاتمة:
في يوم العمال العالمي، يستذكر المكتب الاقتصادي لـِ تيار المستقبل السوري معاناة العمال في الشمال السوري، ويُسلط الضوء على واقعهم السيء، والذي لن ينتهي دون الوصول لحل كامل وشامل للأزمة السورية المعقدة اليوم، وحتى انتظار هذا الحل الذي ينتظره السوريون في كل مكان، فإننا نوصي باقتراحات مؤقتة وهي:
1- ايقاف الضرائب أو جعلها رمزية، ومنع أخذ المكوس على الحواجز والتي تمنع جلب رأس المال.
2- فتح باب التصدير الذي تمنعه تركيا، والبحث عن دول تستورد مايتقنه السوريون خصوصا خياطة الثياب وغيرها من الأعمال الصناعية السورية، ومنع تصدير المواد الزراعية لعدم كفايتها للسكان المحليين.
3- زيادة الدعم الحكومي خصوصا تحديد الحد الأدنى من الأجور، وقد قدمنا دراسة سابقة في مكتبنا الاقتصادي بعنوان “رفع الأجر في سورية” وقدمنا تصورنا وتوصياتنا حولها.
4- دعم المشاريع الصغيرة عبر تشجيع رجال الأعمال لتبني هذه المشاريع مع خشيتهم من الاقدام على مشاريع كبيرة بسبب ظروف الحرب، ولقد كان لمكتبنا الاقتصادي دراسة سابقة حول ذلك بعنوان: “المشاريع الصغيرة حاجة متروكة”.

أخيرا، فإننا في تيار المستقبل السوري نضع كل امكانياتنا لأي اقتراح، أو القيام بأي مشروع فيه إفادة للعمال السوريين بما يخفف عنهم وقع الأزمة الاقتصادية الحادة، حتى الوصول إلى تسوية سياسية شاملة وتطبيق مقررات الأمم المتحدة، خصوصاً القرار 2254.

إيناس نصر الدين
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:
رفع الأجور في سورية – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org)
المشاريع الصغيرة حاجةٌ متروكة – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org)
معاناة سكان الشمال السوري من البطالة والفقر | التقارير الإخبارية | الجزيرة نت (aljazeera.net)
الواقع الاقتصادي في الشمال السوري وتأثره بحالة التذبذب في الليرة التركية – مركز الحوار السوري (sydialogue.org)
مركز عمران للدراسات الاستراتيجية – واقع سبل العيش في مخيمات النزوح: دراسة حالة في مناطق الشمال السوري (omrandirasat.org)
كيف تُحكم مناطق الشمال السوري؟ | سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
الشمال السوري: تأثير تناقص الدعم الدولي على المنظمات الإنسانية والسكان (alarabiyanow.com)
المناطق الصناعية ودورها في التنمية في الشمال السوري – منتدى الحوار الشبابي (sydialogue.org)
مرصد الاقتصاد السوري، شتاء 2022 / 2023 (albankaldawli.org)
الوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي في الشمال السوري – المركز السوري سيرز (scirsr.org)

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى