موقفنا من اللجنة الدستورية
وجّه “غير بيدرسون” يوم الأحد 2024/03/17، دعوةً للنظام السوري للتوجه إلى جنيف ليشارك باجتماع اللجنة الدستورية نهاية نيسان المقبل، حيث صرّح فقال: “أخشى أنه ليس لدي أي شيء جديد لأخبركم به في هذا الشأن.. الوضع في سوريا راهناً صعبٌ للغاية، وأعتقد أن المؤشرات كلها تشير إلى الاتجاه الخاطئ، سواء تعليق الأمر بالأمن أو الاقتصاد أو المسار السياسي”.
وعلى ضوء تلك التصريحات السوداوية فإنه يمكننا إبداء موقفنا من كلٍّ مِن اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض!
هيئة التفاوض واللجنة الدستورية:
تأسست الهيئة العليا للمفاوضات السورية في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2015 خلال اجتماع عقدته أطراف المعارضة السورية في الرياض, واتُفق أن تكون تشكيلتها من 32 عضوًا، بينهم تسعة من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وعشرة من الفصائل المسلحة، وخمسة من هيئة التنسيق الوطني، وثمانية مستقلين، وتناوب على رئاستها عدد من شخصيات المحسوبة على المعارضة، لا سيما رئيسها الأول السيد “رياض حجاب”.
في مؤتمر “الرياض 2″، الذي عُقد في 22 و23 من تشرين الثاني 2017، اختارت المعارضة السورية أعضاء النسخة الجديدة من “الهيئة” التي عُرفت بـ “هيئة التفاوض 2″، وضمت في المجموع 50 عضوًا.
حيث تألفت الهيئة من ممثلين عن الائتلاف الوطني، وهيئة التنسيق الوطني، ومنصتي موسكو والقاهرة، بالإضافة إلى المستقلين ومندوبي الفصائل العسكرية.
تتمثل العملية في اختيار رئيس هيئة التفاوض ونائبه من خلال اجتماعات تُعقد بين أعضاء الهيئة، وفي مؤتمر “الرياض 2” الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حيث تم اختيار السيد نصر الحريري لرئاسة الهيئة، فاختيار الرئيس ونائب الرئيس يكون بناءً على القرارات الجماعية التي يتخذها أعضاء الهيئة.
أعلن السيد نصر الحريري، رئيس هيئة التفاوض العليا السورية، إنهاء تفويضه من رئاسة الهيئة في 12 حزيران 2020, وذلك بسبب أن النظام الداخلي للهيئة لا يسمح الترشح لمرة ثالثة.
بعد انتهاء ولاية الحريري، في 13 حزيران 2020، تم انتخاب السيد “أنس العبدة”.
بعد سنتين على ولاية العبدة، تم عقد اجتماع لأول مرة لهيئة التفاوض السورية في الداخل السوري في مدينة الراعي قرب الحدود التركية في تموز 2022م, وخلال هذا الاجتماع، تم انتخاب بدر جاموس رئيساً جديداً للهيئة، ليتم اعادة انتخابه في شهر آب العام الماضي 2023م.
اللجنة الدستورية:
اتخذ قرار تشكيل اللجنة الدستورية ضمن مخرجات “مؤتمر الحوار السوري”، الذي انعقد بمدينة سوتشي الروسية في 30 و31 كانون الثاني 2018، وبرعاية الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران.
وكان ذلك بعد اقتراح اللجنة الدستورية في جنيف حيث سبق تشكيلها عدة جلسات تقنية، حصلت في كل من جنيف ولوزان، وبعد طلب المبعوث الدولي يومها “ديمستورا” تشكيل اللجنة الدستورية في جنيف، وقد رفض كل من الروس والنظام السوري ذلك! وليعملوا على مؤتمر الحوار الوطني، ويتم إقرار اللجنة الدستورية حينها.
وبعد أكثر من عام ونصف من المشاورات، أعلن أمين عام الأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريش” في 23 أيلول 2019، تشكيل “اللجنة الدستورية”، ضمن الجهود لإنهاء الأزمة في سورية.
وفي 4 تشرين الثاني 2019، عقدت اللجنة أولى اجتماعاتها بجنيف، من أجل تحديد جدول الأعمال، حيث شهدت الاجتماعات خلافات وخرقاً لمدونة السلوك الناظمة للاجتماعات.
نقطة نظام:
لقد ابتعدنا في تيار المستقبل السوري عن أن نكون طرفاً في كل من هيئة التفاوض واللجنة الدستورية (ولو شئنا لكنا)، وبقينا نرقب عن كثب كل ما يجري، وذلك لأسباب منها:
1- خشيتنا منذ البداية اعتبارَ مَن هم في هيئة التفاوض أنفسَهم أنّهم يتقاسمون سلطةً بحدّ ذاتها، فتكون باعتباراتهم مغنماً بينهم.
2- وجود مجموعات في هيئة التفاوض تختلف في تصورها لإسقاط الأسد، وتتخالف في تفسير القرار الأممي 2254، ناهيكم عن الخلافات المستفحلة بين مكونات الهيئة، بل وأيضاً تباين وجهات وتوجهات أعضائها واختلاف تحالفاتهم حسب الدول المتدخلة في الصراع السوري.
3- نظرتنا إلى أن الجهود كلِّها ترتبط بختمٍ دولي، تمهيداً لفرض اتفاقٍ أكبرَ حجماً من الأطراف السورية أنفسِهم، نظاماً و معارضة، ثم جاء تعثر اجتماعهم قرابة السنتين بعد اللقاء الأخير الذي تم، ليُبيّن ذلك بوضوحٍ!
3- تحويل القضية من قيام هيئة حكم انتقالية (يُفترضُ بها أن تقوم بصناعة اللجنة الدستورية)، إلى بِدعةِ (السِّلال الأربعة)، ثم بلغ الحدُّ اعتبارَ المبعوث الأممي نشاطه المكوكي الأخير، وإقناعه الأطراف ضرورة عَقد اللقاء بينهما بمثابة فتح القسطنطينية!
4- عدم تقديم أي اعتراض مسجل من طرف هيئة التفاوض طيلة المرحلة السابقة جميعِها، ضدَّ تقاعس المبعوث الدولي واستهلاكه الوقت دون إحراز أيّ تقدّم يُذكر! وكان من الواجب وضعَه هوَ والجهات المتبنِّيَةِ لهُ والحريصة على شخصه، تحت ضغطٍ يُفضي إلى تغييره أو توجيه أصبع الاتهام نحوه ونحو الجهة المسبِّبة بتعثر عمل اللجنة الدستورية وعقد جلساتها.
وكان في 10 آذار من هذا الشهر أن أعلنت “هيئة التفاوض السورية” موافقتها على إرسال ممثليها لحضور الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية المقررة في أبريل/نيسان المقبل، تلبية لدعوة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا “غير بيدرسون”.
حيث جاء ذلك في بيانٍ ختامي لهيئة التفاوض عقب اجتماعات استغرقت يومين في مدينة إسطنبول استمَعَت الهيئة خلالها إلى إحاطة سياسية شاملة من رئيسها السيد بدر جاموس، واستعرضت تقارير لجانها وناقشت الوضع السياسي العام.
موقف تيار المستقبل السوري:
بدايةً هناك ملاحظات نوجزها بالآتي:
1- ملاحظاتٌ على أداء هيئة التفاوض السورية، خصوصاً فيما يتعلق بجسم الهيئة، والذي نراه خليطاً من مكونات متباينة!
2- ارتباط الهيئة كما اللجنة الدستورية بضوء أخضر أو أحمر خارجي، مرتبطٍ بالجانب الروسي بشكل كبير ومباشر، والجانب التركي حسب المزاج، وإذا سلمنا جدلاً أنه كان هناك صفقة ما بين الأمريكان والروس بعد اتفاق (كيري/ لافروف)، فإنا نرى أن الموقف الروسي بعد حرب أوكرانيا فقد قدراته اقناعَ المجتمع الدولي بما يراه هو، وبالتالي فإن الأمل بمباحثات اللجنة الدستورية بات شبه منعدمٍ حالياً على أقرب تقدير.
3- هناك ضرورة على أن تكون مؤسسات المعارضة السورية ممثلةً في اللجنة الدستورية، ونحن في تيار المستقبل السوري نرفض الدعوات لاستقالة المعارضة من التزاماتها السياسية، ونرى أن وجودها في اللجنة الدستورية أمرٌ إيجابي، كما ونرى أن هيئة التفاوض ما يزال لديها الكثير لتقوم به وما تزال قادرة على تدوير الزوايا لخلق مناخٍ يصبُّ بمصلحتها خااااصة بعد تسونامي طوفان الأقصى وموجاته الارتدادية (إن أحسنا ركوب الموجات وخلقنا توازناً عجز عنه الكبار).
4- هيئة التفاوض تحاول إيجاد حالة من “التماهي” لاستمرار دعم الحليف التركي، في ظل جمود التواصل مع الدول العربية.
من الضروري أن نوضح تأييدنا لمكونات الهيئة التي اجتمعت على مصلحة الوطن وتطبيق القرارات الأممية عبر السلال الأربع التي تطرحها للنقاش مع النظام السوري، مِن: (حكم انتقالي ودستور وانتخابات ومكافحة للإرهاب).
ونؤكد على ضرورة التوصل لحل سياسي يحقق تطلعات شعبنا، وفق ضوابط هي:
1- التشديد على تخليق هيئة الحكم الانتقالية وعدم التفريط بذاك المطلب.
2- عدم السماح بأي شكل من الأشكال بالمماطلة أكثر سواء من قبل النظام السوري أو من قبل المبعوث الدولي ولو أدى ذلك إلى طلب عزله وتغييره.
3- وضع جدول زمني يتم إلزام الطرفين به.
4- وضع جدول زمني للسلال الأخرى.
5- التركيز على قضايا تتعلق ببناء الثقة، مثل ملف المعتقلين والمغيبين قسراً.
ختاماً:
إننا في تيار المستقبل السوري ننظر ونراقب بعناية جهود هيئة التفاوض السورية من جهة، واللجنة الدستورية من جهةٍ أخرى، مؤكدين أننا حين نرى في كليهما مساراً وطنياً نحو حل شامل ومستدام، فإننا لن نكتفي بشكره فحسب! بل سنعمل على المشاركة فيه ونتحمل مع الآخرين المسؤولية الوطنية والتاريخية التي تفرضها علينا الظروف وتطورات الأحداث.
د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري