- تيار المستقبل السوري
مكتب الأسرة
قسم البحوث والدراسات
دراسة رقم (2) | 18/09/2023 م
لتحميل الملف كاملاً: من هنا
مقدمة
تبلغ نسبة النساء إلى الرجال في سورية 49.4%[1], وهي نسبة تمثِّلُ قرابة النِّصف، لذا كان لابدّ من سبر أغوار مشاكلها، كونها تؤثِّر على بنية المجتمع السوري سلباً أو إيجاباً.
من هنا رأينا في مكتب الأسرة / قسم البحوث والدراسات /، أن نُسلِّط الضوء على هذه القضية المُشكلة، كون الحياةِ الزوجيةِ ليست حياةً مؤقتةً أو ظرفيةً، لكنَّ الأصل فيه الدَّيمومةَ بغية تحقيق الثمرة المرجوَّة منه ألا وهي تكوين الأسرة وبناء العائلة، مستفيدين من قاعدة: ما بُنِيَ على باطلٍ فنتيجتهُ الحتمية هي البطلان!
واقع متخلف:
لا شكَّ أنَّ المجتمع السوري في غالبه اليومَ إنّما يمرُّ بمرحلة انعتاقٍ من الظّرف البدائي للحياة المدنيَّة، والمدنيَّة هنا لا يُقصد بها “مدينةٌ وريف”! ولكن طريقة تفكيرٍ عصريًّ قائمٍ على مبادئ الحقوق الانسانيَّة الضروريَّة، وتطبيقها، وعدم التَّساهل بها.
ولعلَّ النظام السوريَّ يتحمَّلً مسؤوليَّة عدم التقدُّم في حماية حقوق المرأة عامَّةً، مثالهُ، حين صدر المرسوم التشريعي رقم 333 بتاريخ 26 / 9 / 2002 معلناً انضمام سورية وقتها لاتفاقيَّة “سيداو” التي تقضي بإلغاء جميع أنواع التَّمييز ضدَّ المرأة، وقتها جاءت تحفُّظات النِّظام السوريِّ على الاتفاقية، لتُلغي أيَّ أملٍ للنِّساء في سورية بالاستفادة من الاتفاقية في تحسين أوضاعهنَّ، خاصَّةً على الصَّعيد القانوني[2] .
نسبة مخيفة:
قمنا بعملية إحصاءٍ سريعٍ وعشوائيٍّ مطلعَ هذا العام 2023 في ثلاثِ مناطق سوريَّة: محافظة ادلب _ المدينة، مدينة بانياس، مدينة الرقَّة.
وكانت الفئة المستهدفة لأزواجَ لم يصلوا في تحصيلهم العلميِّ لمرحلة الدراسة الثانوية، وشمل الإحصاء 48 عائلةً، تمَّ الحديث مع المرأة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويُمثل الجدول أدناهُ خلاصة هذا الاحصاء:
سؤال المرأة من قبل أهلها على قبولها بالزوج | تم السؤال: 70% | لم يتم السؤال: 30% |
موافقة المرأة بعد سؤالها | موافقة: 45% | غير موافقة: 55% |
تأثير رفضها على الزواج | تم فسخ الزواج: 37% | تم الزواج رغم الرفض: 63% |
موقف المرأة من تزويجها رغم رفضها | ممانعة: لا يوجد | عدم ممانعة: 100% |
وبذلك تكون نسبة النساء في سورية اللائي تزوجن رغماً عنهنَّ (الرُّبع)، وبالتالي فقد عِشنَ حياتهنَّ تحت ظرف الإكراهِ منذ البداية!
خطورة الزواج القهري:
إن إكراه المرأة على الزَّواج سببٌ مباشرٌ لدمار المجتمع برمَّته، وفي حديثٍ خاصٍ (لاستمزاج الرأي) مع أحد الأعيانِ المُطَّلعين في “مدينة الباب” في سورية، فإن حالات التدخل من قبل وجهاء لإصلاح حال العلاقات الزوجية المتعثِّرة تكاد تكون شبه يوميةٍ، ولحالاتٍ مختلفة! ولعل السبب الرئيسَ هو الإكراهُ في الزواج منذ البداية، ثم لتتَّسع حلقة المشكلات، وتتعقَّد بعد الانجاب، ويستحيل بعدها النِّقاش، ولعلنا نُفرد دراسة خاصة بقضية الإنجاب وضرورة التَّريُّث لحين بناء قواعد سليمة بين الطرفين.
من سلبيات إكراه المرأة على الزواج:
1- التعثُّر النفسيُّ والمزاجيُّ، والعيش في ظروفٍ غير صحيَّة، مثل الاكتئاب والتَّوتر والقلق، ويمكن أن يؤدي لعدم الرضا عن الحياة الزوجية بالمطلق، وما ينتجُ عنه من تفككٍ للأسرة، ناهيكم عن تأثيراته السلبية على تربية الأطفال[3].
2- الخيانة الزوجيَّة، حيث أن رفض الزوجة لزوجها مدعاةٌ للبحث عن شريكٍ آخر ولو بشكلٍ غير شرعيٍّ وغير قانونيٍّ أو أخلاقيٍّ، وللأسف فإنّهُ لا يوجد لدينا إحصاءٌ حول هذه المعضلة بسبب رفض المرأة الشرقية عموماً الافصاح عن ذلك، ولو أن كثيراً من الأحداثِ في المجتمع تُدلِّل على ذلك.
3- تداعياتٌ سلبيَّةٌ على تربية الأطفال وتنشئتهم وتوجيههم، بحيث يظهر تأثيرُ العلاقة بين الزوجين على محيطهما بشكلٍ واضحٍ ومُعتلّ.
خاتمة
إنَّ الأديان لا تسمح بأيِّ شكلٍ من الأشكال بإكراه المرأة على الزواج من شخصٍ ما تقدَّم لها! وهناك دراساتٍ كثيرةٍ حول موقف الدِّين من هذه القضية وأخطارها ورفضه ذلك[4].
كما أنَّ العُرف السوريَّ في حقيقته يأبى أن يعيش الزَّوج مع امرأةٍ لا تحبُّه ولا تقبله! وهنا يأتي السؤال الأهمّ، ما سبب ارتفاع نسبة إكراهِ المرأة على الزواجِ في مجتمعنا اليوم!؟
1- ارتفاع نسبة زواج القاصرات دون 15 سنة.
2- حالات الفقر التي تعصف بمجتمعنا بسبب تداعيات الحرب وطول أمدها من جانبٍ، واستشراء الجهل وندرةُ التعلُّم من جانبٍ آخرَ، والأخطر وجودُ غطاءٍ (عن جهلٍ دينيٍّ) يغطيها ويُشرعنها في بعض المجتمعات.
توصية:
يمكننا من رؤية تيار المستقبل السوري تقديمُ توصياتٍ هي:
- عدم التّساهل في قضية الإكراه على الزواج، وتوجيه الإعلام وأصحاب المنابر العلميّة والدينية والنفسية على تسليط الضوء بضرورة الغاء هذه الظاهرة الخطيرة والمدمِّرة.
- رفع منسوب العلم والحضُّ على التعلُّم في المجتمعاتِ المهمَّشةِ، وتوجيهُ الأجيالِ بتسليط الضوء على خطورتها وتداعياتها.
- ضبط فكرة الزّواج المبكّر حتى بلوغ مرحلة التّمييز والوعي لدى المرأة مع مثيلاتها في مجتمعها.
- تجريم ذلك مجتمعياً (كمرحلةٍ أولى) لحين نظر المحاكم به وإقرارهِ جرماً يعاقِب عليه القانون.
إيمان المحمد
باحثة في قسم البحوث والدراسات
المكتب العلمي
تيار المستقبل السوري
[1] سكان سوريا (2023) يعيشون — Countrymeters
[2] مقال قانوني مميز عن المرأة في التشريعات السورية 2023 (mohamah.net)
[3] الاضطرابات النفسية (who.int)
[4] يُراجع: “أثر الإكراه في الزواج والطلاق”, د. أحمد مصطفى القضاة. وانظر دراسة: طه صالح خلف حميد الجبوري: الإكراه على الزواج دراسة مقارنة.