المكتب العلميدراساتدراسات شؤون الأسرةعفراء الحدادقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمكتب شؤون الأسرة

الانحلالات الأسرية: الخيانة الزوجية نموذجاً

إن التحديات التي تواجه الأسرة السورية حالياً عديدة ومتشابكة، حيث شمل عدة تحديات لعل من أهمها:

  1. الحرب والنزوح والتي تسببت في تدمير البنية التحتية، وتشريد الملايين، وفقدان العديد من الأسر لأفرادها وممتلكاتها.
  2. الأزمة الاقتصادية التي أدت بدورها مع الحرب والعقوبات إلى انهيار الاقتصاد، وارتفاع معدلات التضخم والفقر، مما جعل توفير الاحتياجات الأساسية صعباً للغاية.
  3. العنف الأسري، حيث ازدادت معدلات العنف الأسري نتيجة للضغوط النفسية والاجتماعية الناجمة عن الحرب والنزوح والأزمة الاقتصادية.
  4. الزواج المبكر، حيث لجأت العديد من الأسر إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة كوسيلة للحفاظ عليهن أو لتحسين الوضع المادي.
  5. فقدان التعليم، فقد حرم الكثير من الأطفال من التعليم بسبب تدمير المدارس والنزوح، مما يؤثر على مستقبلهم.

هذه القضايا مجتمعة تشكل تهديداً كبيراً لاستقرار الأسرة السورية ومستقبلها.

الانحلال الأسري:
أسباب الانحلال الأسري قضية معقدة تتأثر بعوامل متعددة ومتشابكة، وتختلف من مجتمع لآخر ومن أسرة لأخرى. وفي حالة سورية، فإن الحرب والنزوح والأزمة الاقتصادية قد زادت من حدة هذه المشكلة.
حيث إن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الانحلال الأسري بشكل عام وفي سورية بشكل خاص:

  1. الحرب والعنف، والتي أدت إلى تدمير البيوت والمدن، وتشريد العائلات، مما يضع ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا شديدًا على أفراد الأسرة، ويؤدي إلى تدهور العلاقات الأسرية.
  2. يؤدي الفقر والبطالة إلى زيادة المشاكل المادية، الذي وبحسب تقرير البنك الدولي فإن أكثر من 50 في المائة من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط (حلب وحماة ودير الزور)، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سورية أعلى معدل لانتشار الفقر، أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر. مما يؤدي إلى التوتر والضغط النفسي بين أفراد الأسرة، ويزيد من خطر الانفصال.
  3. انتشار العنف الأسري، سواء كان جسديًا أو نفسيًا، حيث تُظهر الإحصائيات التي وثّقتها منظمة (سارا لمناهضة العنف ضد المرأة)، والتي تنشط في مناطق شمال وشرق سورية، خلال عام 2023، ما لا يقلّ عن 180 حالة ضرب وإيذاء وعنف ضدّ النساء، إضافةً إلى توثيق 21 حالة قتل، و73 حالة انتحار؛ والتي يُعتقد أنّها في الغالب نتيجة التعرّض للعنف الأسري والضغط النفسي. يؤدي إلى تدمير الثقة بين الزوجين، ويجعل استمرار العلاقة الزوجية مستحيلًا.
  4. الزواج في سن مبكرة غالبًا ما يكون نتيجة لضغوط اجتماعية أو اقتصادية، وقد يؤدي إلى عدم نضج الأزواج وعدم قدرتهم على تحمل مسؤوليات الزواج، مما يزيد من خطر الطلاق، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة الزواج المبكر قبل سن 15 سنة تبلغ حوالي 2%. بينما ترتفع النسبة إلى 13% عندما يتعلق الأمر بالزواج المبكر قبل بلوغ الفتيات سن 18 عامًا.
  5. الخيانة الزوجية والتي تعد من أهم أسباب انهيار الزواج، حيث تؤدي إلى فقدان الثقة بين الزوجين، وتدمير العلاقة الزوجية، وهذا ما نريد كشفه بهذه الورقة.
  6. التغيرات السريعة في المجتمع، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثير الثقافات الغربية، كلها عوامل تساهم في تغيير القيم والتقاليد الأسرية، مما يؤثر على استقرار الأسرة.
  7. عدم وجود شبكة أمان اجتماعية قوية، وعدم وجود دعم من الأصدقاء والأقارب، يجعل الأسر أكثر عرضة للانهيار.

وللتصدي لهذه المشكلة، يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات، منها توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأسر المتضررة، وتعزيز برامج التوعية بأهمية الأسرة. وتوفير فرص عمل مناسبة. ومكافحة العنف الأسري، وتطوير القوانين التي تحمي حقوق الأسرة.

ومما يجب ملاحظته أن هذه مجرد بعض الأسباب الرئيسية للانحلال الأسري، ويبقى هناك العديد من العوامل الأخرى التي قد تساهم في هذه المشكلة.

عن الخيانة الزوجية:
عكف معهد الدوحة للأسرة عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع على تقرير استطلاعي عن تقييم العلاقات الزوجية خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج في العالم العربي بالتعاون مع جامعة الدول العربية، ليخلص التقرير إلى العديد من النتائج التي تساعد على تحقيق التوافق الأسري وتقليل حالات الطلاق في العالم العربي. التقرير رصد العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق، خاصة في السنوات الخمس الأولى من الزواج، ومنها وعلى الخيانة.
وبحسب تصريحات للقاضي المستشار وليد كلسلي، الذي أكد أنه قد وصلت نسبة حالات الطلاق إلى 50% من نسبة حالات الزواج، وبخصوص حالات الطلاق بسبب الخيانة الزوجية، أوضح كلسلي أنه “بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتطورها، ولدى مقارنة حالات الطلاق قبل ظهورها وبعد ظهورها تبين أن هناك حالات طلاق جديدة غير المعتادة لدى كافة المجتمعات الإنسانية ومنها الخيانة الزوجية، حيث تطورت الخيانة عبر المراسلات والدردشة وإرسال مقاطع فيديو لا أخلاقية، واكتشاف أحد الزوجين لمثل هذه الخيانة تؤدي بنهايتها إلى المحاكم الشرعية وصولاً إلى الطلاق وانهيار الأسر وضياع الأولاد”.
تأخذ الخيانة الزوجية أشكالاً عديدة ومتنوعة، ولا تقتصر على الجانب الجسدي فقط. يمكن تقسيم أنواع الخيانة إلى عدة تصنيفات:

  1. حسب طبيعة العلاقة:
    أ. الخيانة الجنسية: هي الشكل الأكثر شيوعًا للخيانة، وتشمل أي نوع من العلاقة الجنسية مع شخص آخر غير الزوج أو الزوجة.
    ب. الخيانة العاطفية: تتضمن تكوين علاقة عاطفية قوية مع شخص آخر، قد تتضمن مشاعر الحب والاهتمام، ولكن بدون ممارسة جنسية.
    جـ. الخيانة العاطفية والجنسية: تجمع بين النوعين السابقين، حيث يشمل الخيانة علاقة عاطفية قوية بالإضافة إلى علاقة جنسية.
  2. حسب الوسيلة:
    أ. الخيانة البصرية: تتضمن النظر إلى أشخاص آخرين بطريقة شهوانية أو التلذذ بمشاهدة مواد إباحية.
    ب. الخيانة السمعية: تتمثل في الاستماع إلى محادثات أو مواد صوتية ذات طبيعة جنسية.
    جـ. الخيانة القولية: تحدث من خلال تبادل الكلمات والرسائل الرومانسية أو الجنسية مع شخص آخر.
    د. الخيانة الذهنية أو التخيلية: تتمثل في التفكير المستمر في شخص آخر على أنه شريك مثالي، والتخيل بوجود علاقة معه.
  3. حسب درجة الخطورة:
    أ. الخيانة المؤقتة: علاقة عابرة قصيرة الأمد.
    ب. الخيانة المستمرة: علاقة طويلة الأمد قد تستمر لسنوات.
    جـ. الخيانة العرضية: تحدث نتيجة لظروف معينة وقد لا تتكرر.
    د. الخيانة المتعمدة: تتم بشكل متعمد وبكامل الإرادة.


وأما عن أسباب الخيانة الزوجية، فهي متنوعة ولعل أبرز هذه الأسباب:

  1. مشاكل في العلاقة الزوجية مثل نقص التواصل، الروتين، الخلافات المستمرة، عدم الرضا الجنسي.
  2. الشعور بالوحدة والعزلة قد يدفع الشخص إلى البحث عن الدفء العاطفي خارج إطار الزواج.
  3. الضغوط النفسية مثل الضغوط الوظيفية، المشاكل المالية، الأمراض.
  4. الضعف الأخلاقي والديني فقد يدفع بعض الأشخاص إلى الخيانة بسبب قلة الالتزام بالقيم الأخلاقية.
  5. الانتقام، إذ قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الخيانة انتقامًا من شريك حياتهم.


ومن آثار الخيانة الزوجية أنها تترك آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على جميع أفراد الأسرة، وتؤدي إلى تدمير الثقة حيث يصعب استعادة الثقة بعد الخيانة. والألم النفسي إذ يشعر الخائن والشريك الخائن بألم نفسي كبير. إضافة لمشاكل في تربية الأبناء. كما قد تؤدي الخيانة إلى الطلاق وتفكك الأسرة.


إن الخيانة الزوجية هي سلوك معقد له أسباب متعددة، ولا يمكن حصرها في هذه التصنيفات. كل حالة لها ظروفها الخاصة التي يجب دراستها بشكل فردي، ولكن تبقى الخيانة الزوجية جرحا عميقا يهدد أركان الأسرة، كما أن الخيانة الزوجية تعتبر من أشد الأسباب التي تؤدي إلى انهيار الأسرة وتدمير الثقة المتبادلة بين الزوجين.
حيث إن أبرز الأسباب التي تدفع إلى الخيانة الزوجية:

  1. فقدان الإحساس بالحب والرومانسية، فمع مرور الوقت، قد يفتقد الزوجان إلى الإثارة والشغف الذي كانا يشعران به في بداية العلاقة، مما يدفعهما إلى البحث عنه خارج إطار الزواج.
  2. الحياة الروتينية اليومية قد تجعل الزوجين يشعران بالملل وعدم الرضا، مما يدفعهما إلى البحث عن تجارب جديدة ومثيرة.
  3. عدم القدرة على التواصل بشكل فعال وحل الخلافات، وعدم الاستماع إلى احتياجات الشريك، كلها عوامل تساهم في زيادة الشرخ بين الزوجين وتدفع أحدهما إلى البحث عن الدعم العاطفي خارج العلاقة.
  4. التعرض لضغوط العمل، والمشاكل المالية، والمسؤوليات الأسرية، قد يؤثر على الحالة النفسية للفرد، مما يدفعه إلى البحث عن ملاذ للهروب من هذه الضغوط.
  5. وجود فرص للخيانة، مثل العمل أو السفر، قد يزيد من احتمال وقوعها، خاصة إذا كان هناك ضعف في العلاقة الزوجية.

آثار الخيانة الزوجية على الأسرة:

  1. انهيار الأسرة: في كثير من الحالات، تؤدي الخيانة إلى الانفصال والطلاق، مما يدمر الأسرة ويفصل الأبناء عن أحد الوالدين أو كليهما.

كيفية التعامل مع الخيانة الزوجية:
لعل أكبر اسباب الانحلال المجتمعي وليس الأسري فقط هو الخيانة الزوجية بكل أنواعها ومندرجاتها، ولكن هل يمكن أن يكون هناك تعامل ما مع هذه الحالات؟
تُظهر دراستنا الميدانية في مكتب شؤون الاسرة لِـ تيار المستقبل السوري أن هناك آليات للتعامل يمكن استخدامها في حالة الخيانة الزوجية لتخفيف تبعاتها، وهي:

  1. التحدث بصراحة وشفافية، إذ يجب على الزوجين التعبير عن مشاعرهما وأسباب الخيانة، والعمل على فهم جذور المشكلة.
  2. البحث عن مساعدة مهنية، فقد يكون اللجوء إلى مستشار أسري أمرًا ضروريًا للتعامل مع آثار الخيانة وإعادة بناء العلاقة.
  3. بناء الثقة من جديد، ولو أنه يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، ويتطلب من الزوجين العمل بجد على إصلاح العلاقة.
  4. قد يكون التسامح صعبًا، ولكنه قد يكون ضروريًا لإنقاذ الزواج.

وأما عن الوقاية من الخيانة الزوجية:

  1. فيكون من خلال بناء علاقة قوية مبنية على الحب والاحترام والتواصل المستمر. وحل المشاكل بشكل سلمي والحفاظ على التواصل المفتوح. وقضاء وقت ممتع معًا، لإعادة إشعال شرارة الحب، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الروحي والالتزام بالقيم الأخلاقية إذ يساعد ذلك على تقوية العلاقة الزوجية.
  2. على أن الخيانة الزوجية هي جرح عميق يصعب علاجه، ولكن يمكن تجنبها من خلال بناء علاقة قوية مبنية على الحب والاحترام والثقة المتبادلة.

عفراء الحداد
مكتب شؤون الأسرة
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى