كونفدرالية اقتصادية في الأقاليم السورية الأربعة!
تيار المستقبل السوري
المكتب الاقتصادي
بحث رقم(01-11-23)
صدر بتاريخ 05-11-2023
مقدمة:
يتغافل الإعلام العالمي بشكل عامد عن الحال السورية الحالية في حالها الراهن، ويتجاهلون الواقع السوري المُقسم إلى أربعة مناطق، كل منطقة تُعتبر كونفدرالية غير رسمية، فيها قيادة سياسية مختلفة عن غيرها.
في هذا المقال، نُسلط الضوء على الواقع الاقتصادي السوري في مناطقه الأربعة، والذي يؤكد على اعتبار سورية مُقسمة بشكل كامل، تنتظر فقط الاعلان الرسمي! إذ كل ما يسمح بوجود الاقليم الكونفدرالي بات متوفراً، وعلى رأسه الواقع الاقتصادي الذي سيفرض حالة من الاستقلالية الذاتية.
نحن في المكتب الاقتصادي لـِ تيار المستقبل السوري، إذ نفتح هذا الملف، فإننا نقصد التنبيه للواقع السياسي من الزاوية الاقتصادية، والذي يؤشر إلى اختلافات صارت بنيوية يستحيل معها الدمج في حكومة مركزية جديدة.
الواقع الاقتصادي في مناطق الأسد:
يعاني الاقتصاد في مناطق سيطرة النظام السوري من تحديات كبيرة، فالأزمة الاقتصادية في سورية أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية، حيث يواجه السوريون أزمات معيشية وخدمية طاحنة من انقطاع طويل للتيار الكهربائي، وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الرئيسة، وتدنّ في القوة الشرائية للرواتب في القطاعين العام والخاص.
وكل ذلك متعلق بالفقر ومؤشراته! فمعدل الفقر في مناطق سيطرة النظام يبلغ 98%، والبطالة تتجاوز 70%، ومستوى الأجور بحدود 35 دولاراً شهرياً.
وفيما يتعلق بخلل ميزان المساواة المعيشية للمواطن السوري في سورية فهو أمر يصعب تقييمه بسبب نقص البيانات! لكن الفجوة متسعة جداً بين طبقة صغيرة من المستفيدين من الحرب ورجال الأعمال الأثرياء المرتبطين بالنظام السوري، وبين الأغلبية الفقيرة، كما يوجد أيضاً تفاوتات جغرافية وعرقية وطائفية لسنا بصدد الحديث عنها.
والسبب في كل ذلك يعود إلى أنه يغلب على الأسواق في مناطق سيطرة النظام السوري ظاهرة الاحتكار، فمؤشرات التنافس تكاد تكون معدومة في ظل استخدام بعض رجال الأعمال نفوذهم السياسي والعسكري لتحقيق مكاسب اقتصادية.
حتى عام 2011م سيطرت الدولة في سورية على جميع مفاصل الحياة الاقتصادية، ولكن تعرضت تلك السيطرة لمزيد من التشويه خلال فترة الصراع الأخير من قبل الميليشيات المسلحة المرتبطة بالنظام، واحتلت سورية المرتبة 176 من بين 190 دولة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال لعام 2019م، وذلك وفقاً للبنك الدولي، بنتيجة 42.0 نقطة. مع وجود العديد من العوائق مثل التصاريح، والتجارة عبر الحدود، والحصول على الائتمان، وقد تفاقمت تلك المخاوف بسبب التضخم العالمي، والحرب الروسية الأوكرانية.
كما أدى انتشار الفساد إلى زيادة تكلفة ممارسة الأعمال التجارية، في حين ألحق الضرر الناتج عن الصراع أضراراً بالغة بعدة قطاعات اقتصادية، وأتاح فرصاً للتهريب وخرق القانون، ففي عام 2021م، قُدرت الأموال التي لم يدفع عليها ضرائب في مناطق سيطرة النظام 3,200 مليار ليرة سورية، و100 مليون دولار.
ونتيجة الضغط المباشر وغير المباشر على رجال الأعمال السوريين، فقد هاجر العدد الأكبر منهم إلى خارج البلاد، لا سيما بعد استنزاف مواردهم، ورؤوس أموالهم من قبل النظام السوري وميليشياته، ففي عام 2020 هاجر أكثر من 40 ألف مستثمر وتاجر سوري خارج الوطن.
وفيما يخص الاقتصاد الكلي، فقد ارتفعت نسبة العجز في الميزان التجاري من 16.6% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، إلى 34.6% في عام 2021م.
وأما التضخم فقد واصل مؤشر أسعار المستهلك الارتفاع خلال السنوات السابقة، ففي عام 2020م بلغ 250%، على أساس سنوي، وتراجع في عام 2021م إلى 97%.
كما وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري أيضاً أزمة حادة في الوقود، أدت إلى شلل كبير في المواصلات، وتوقف الكثير من الفعاليات والصناعات والأعمال.
ووفقاً لتقرير من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فإن الأزمة الاقتصادية في سورية ناجمة عن عدة أسباب بما في ذلك العقوبات الاقتصادية الدولية، وانهيار سعر الصرف، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، بالإضافة إلى ذلك، فإن النظام السوري يعتمد على مفهوم السيطرة والهيمنة الاقتصاديتين على وسائل الإنتاج والريع، حيث يجعل النظام السوري كلاً من التجار وأصحاب رؤوس الأموال وأمراء الحرب يستثمرون في قطاعات ذات عوائد مادية عالية تعود بالفائدة والنفع له.
الواقع الاقتصادي في مناطق حكومة الإنقاذ:
حكومة الإنقاذ تُسيطر على محافظة ادلب وريفها، وتحاول التمدد نحو مناطق نفوذ الجيش الوطني في المنافذ بينه وبين قسد، لتستفيد من عوائد المعابر، كما حصل من هيئة تحرير الشام في الآونة الأخيرة حين رسخت من سيطرتها على سوق المحروقات في مناطق نفوذ الجيش الوطني في ريف حلب، عبر أذرعها المتمثلة بـ “أحرار عولان”، وشخصيات أمنية واقتصادية أخرى، وذلك بعد أن احتكرت قطاع المحروقات في مناطق نفوذها في محافظة إدلب، وكسبت أرباحاً ضخمة عبر بيع المحروقات في إدلب بأسعار أعلى من مناطق سيطرة الجيش الوطني. وتُعتبر حكومة الانقاذ حكومة تنفيذية لفصيل “هيئة تحرير الشام”، كما أنه في مناطق هيئة تحرير الشام يتم التحكم في الاقتصاد بشكل أساسي من خلالها ومن خلال الأشخاص المقربين منها، حيث تستحوذ حكومة الإنقاذ على كل المشاريع الاقتصادية، كما وتسيطر هيئة تحرير الشام على معبر باب الهوى منذ منتصف 2017م، حيث تحتكر المنافع من الرسوم، إضافة لاحتكار استيراد المنتجات والسلع.
كما وافقت الحكومة المؤقتة خلال السنوات الماضية، على إنشاء العديد من المشاريع الاستثمارية “الضخمة” في عدة مجالات، منها الصناعية أو التجارية أو الخدمية، إضافة لخلق صيغة اقتصادية قائمة على الاستثمارات المتعددة، واحتكار الاستثمار في مناطقها، وتشجيع رؤوس الأموال باقتراح أي مشروع اقتصادي بشرط مشاركة حكومة الانقاذ فيه.
وفي نهاية عام 2021، بدأ العمل بشكل رسمي على إنشاء مدينة صناعية في منطقة باب الهوى التابعة لمحافظة إدلب على الحدود مع تركيا، لتعتبر بذلك أول مدينة صناعية في مناطق نفوذ حكومة “الإنقاذ”.
ووسط مدينة إدلب وحولها، برزت العديد من المشاريع الاستثمارية، منها المتاجر الطابقية (المولات)، والأسواق التجارية بدلًا من الأسواق العشوائية، كما سهّلت “الإنقاذ” وصول الكهرباء إلى إدلب في أيار 2021، بعد عدة سنوات من الانقطاع، عبر موافقتها على عمل شركة “Green Energy“،
وتشهد مناطق حكومة “الإنقاذ” خلال هذه الفترة نشاطًا عمرانيًا في مجالات عدة، شملت مختلف أنواع المباني، سواء السكنية أو التجارية أو الخدمية أو الاستثمارية أو الصناعية.
وتعد الاستثمارات، الرافعة الاقتصادية الأكثر فاعلية في دعم مؤشرات الاقتصاد الكلي والجزئي، الأمر الذي ينسحب بشكل مباشر على حكومة “الإنقاذ”.
إن وجود استثمارات حقيقية في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ”، من شأنه دعمها اقتصاديًا، الأمر الذي سينعكس عليها دعمًا سياسيًا.
وبعد السيطرة على منطقة إدلب وما حولها، عمدت “الهيئة” إلى تمكين دور “حكومة الإنقاذ” التي شكلتها عام 2017، والعمل على تأمين اقتصاد محلي منعزل عن بقية المناطق في سورية، منه ما هو مرتبط بمؤسسات ووزارات تابعة للإنقاذ، أو من خلال ما يمكن تسميته الدائرة الاقتصادية لتحرير الشام، وهي شبكة تضم أشخاص وشركات على صلة مباشرة بزعيم التنظيم وأبرز قياداته، أو شركات تدار من قبلهم مباشرةً، حيث بدأت خلال الفترة الممتدة بين 2018 و2020 بتأسيس شركات ومؤسسات تجارية في إدلب، ومهدت لها الطريق لاحتكار تجارة واستيراد البضائع التركية الواردة من معبر باب الهوى بريف إدلب الشمالي، كما عملت على مأسسة عمل المعابر الواصلة مع مناطق النظام السوري وفصائل المعارضة.
وعملت المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك التابعة لحكومة الإنقاذ على وضع أسس للسيطرة على سوق العملات والصرافة في إدلب، من خلال إلزام مكاتب الصرافين والحوالات المالية بترخيص مكاتبهم ودفع مبالغ مالية تحت مسمى «بدال»، يوضع في البنك المخصص للمؤسسة، وتقدّره المؤسسة تبعاً لانتشار الشركة المُرخصة، ما جعل سعر صرف (سورية) كله يتأثر بصرّافي محافظة ادلب!.
ويمكن اعتبار نوعية الاقتصاد في مناطق هيئة تحرير الشام “حكومة الانقاذ”، شبيه بالاقتصاد في مناطق سيطرة النظام السوري، أي من خلال تدخل السلطة بالاقتصاد والاستحواذ عليه، مما يعني هيمنة كاملة تُغذي التواجد السياسي والعسكري!
إن مشروع ” هيئة تحرير الشام” لا يعتمد على إنعاش المناطق المحررة، بقدر ما يهدف إلى إنجاح أهدافها، كما يبدو ذلك واضحا في قرار منع التصدير الذي أصدرته الهيئة، والذي يؤثر سلباً على الفلاحين في مناطق سيطرتها، باعتبار أن الإنتاج في غالبيته زراعي، وهو يقلل من منافذ التسويق المتاحة لتصريف الإنتاج، كما ينعكس سلباً على مناطق الشمال السوري عموماً، كونه يؤدي إلى نقص في الإمدادات الزراعية والغذائية، ويقود لتشكيل قطاعات اقتصادية منفصلة، ويعرقل أي نمو اقتصادي مستقبلي محتمل.
الواقع الاقتصادي في مناطق الحكومة السورية المؤقتة:
الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية تحت الوصاية التركية المباشرة، لديها ميزة عن باقي المناطق السورية بكونها غير مشمولة بنطاق العقوبات الأميركية، وبالتالي يمكنها الاستيراد والتصدير، ما يجعل المستثمر مرتاحا من هذه الناحية، لكن المنطقة تحتاج إلى مؤسسة مالية رسمية، وبالتالي فإن زيادة الاستثمار ينقصه فتح فرع لبنك عالمي أو إقليمي!
وقد أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن مؤتمر للاستثمار في الشمال السوري، وبدأت وزارة الاقتصاد فيه مع شركاء التحضير للمؤتمر الذي سيعقد في 20 و21 ديسمبر/ كانون الأول القادم.
وبحسب الوزارة واللجنة المنظمة، فإن المؤتمر يهدف إلى تنمية المناطق المحررة اقتصادياً، والإسهام في تحسين مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل، وذلك من خلال خلق بيئة استثمارية جاذبة، وتقييم واقع الاستثمار في الشمال السوري وتحديد متطلباته، وإنشاء حاضنات الأعمال لتنمية المشاريع الصغيرة وتحفيز الطاقات الشابة للمبادرة في ريادة الأعمال، والوصول إلى شراكات استراتيجية على المستويين الداخلي والخارجي في قطاع الاستثمار، بالإضافة إلى وضع خريطة للاستثمار من منظور التنمية المستدامة.
وأما الاستثمار الصناعي في الشمال السوري، فإنه ينشط بشكل واسع مع ارتفاع نسبة المستثمرين السوريين والأجانب، وقيام العديد من المشاريع الاستثمارية والصناعية والحِرَفية، لا سيما بعد إنشاء المدن الصناعية (في أعزاز والباب والراعي وجرابلس) والتي تقدّم خدمات عديدة للمجتمعات المحلية والحرفيين والعمال.
الواقع الاقتصادي في مناطق قسد:
الوضع الاقتصادي في مناطق قوات سورية الديمقراطية قائمٌ على سياسة السوق المفتوح، وعدم تدخل قسد بالاقتصاد بشكل مباشر، الأمر الذي جعله مع الحصار شبه الرسمي من قبل العراق وتركيا وسورية ومناطق المعارضة متأثراً بحالة التصعيد الحربي، وبالتالي فالمؤشرات الاقتصادية ليست جيدة، والفقر في مستويات تتجاوز 90%، والموارد شحيحة بسبب ضعف الاستيراد، لهذا تعتمد قسد على رافعتين:
الرافعة الأولى: الدعم الأمريكي والخليجي بدخول المساعدات والأموال التي يتم استثمارها بالغالب في قضايا أمنية وعسكرية، وبالتالي يرتبط الاقتصاد لدى قسد بالعسكرة الذي يتفرع عنه دعم الموارد الأخرى.
الرافعة الثانية: النفط، الذي يُعتبر مصدراً كبيراً من مصادر الدخل، فإنتاج النفط الذي يتجاوز 100 ألف برميل يومياً، يتم بيع غالبه للنظام السوري، وللمعارضة جزء يسير منه، نتيجة الحصار التركي والعراقي على قسد، لهذا تسعى قسد لضبط الإنفاق وتوجيهه، ضمن خطط تضبط السوق وتهيمن عليه، وبالتالي جعلت الاقتصاد مرتبطاً بتواجدها العسكري في المنطقة.
خاتمة:
من خلال هذه العجالة يتبين ورغم حالة التدهور الاقتصادي العام في كل سورية، فإن هناك حالة استقلالية اقتصادية لكل منطقة على حده، هذه الاستقلالية التي سيتم ترسيخها مع مرور الوقت، والتي ستمكّن كل طرف سياسياً وربما عسكرياً، ويكون سبباً بتوسع قاعدته الجماهيرية والشعبية كذلك! ما قد يؤسس لحالة تقسيمية تترسخ أكثر وأكثر في سورية، ويعيشها السوريون ويتطبّعون عليها! خصوصا الجيل الجديد الذي سينشئ ويتربى على هذا الحال لسنواتٍ وربما عقوداً. والذي (أي التقسيم) نحسبه في تيار المستقبل السوري سيبقى ويتمدد مع غياب الحل السياسي الشامل – ولكن بشكل غير معلن -.
من هنا يظهر الحل الواقعي الذي أسماه تيار المستقبل السوري بحلِّ “جَدَّة سورية” أي ألمانيا الشرقية، بتوجيه الخطط والمشاريع السياسية لهذا المشروع، باعتبارها خطوة أولى لتطبيق القرار الأممي 2254، والقاضي بتوحيد مناطق نفوذ الحكومات الثلاث دون حكومة النظام السوري، (الحكومة المؤقتة، الادارة الذاتية، حكومة الانقاذ).
من هنا فإننا في المكتب الاقتصادي لِ تيار المستقبل السوري، نرى أن يكون الحل بداية من الزاوية الاقتصادية، بإقامة استثمارات ومشاريع تربط هذه المناطق الثلاث، كترويسةٍ لإقامة علاقات سياسية حقيقية ومستدامة.
عمار العموري
باحث في المكتب العلمي
قسم البحوث والدراسات
تيار المستقبل السوري
المراجع
بعد 11 عاما على انطلاق الثورة.. هل انتصر النظام السوري؟ وعلى من؟ | أخبار سياسة | الجزيرة نت (aljazeera.net)
ما الواقع الاقتصادي لمناطق سيطرة النظام؟ – (trendsstudies.com)
الأزمة الاقتصادية في سورية: أسبابها وتداعياتها واتجاهاتها (dohainstitute.org)
الاقتصاد السوري: بين العقوبات الغربية وفشل النظام في إدارة الأزمة (dohainstitute.org)
هيئة تحرير الشام تتحكم بسوق المحروقات في مناطق سيطرة الجيش الوطني (syria.tv)
هيئة تحرير الشام – Sawab Center
مرصد الاقتصاد السوري، شتاء 2022 / 2023 (albankaldawli.org)
محاسيب الجولاني في الشمال السوري الجمهورية. نت (aljumhuriya.net)
إدلب.. الاستثمار تحت عباءة “الإنقاذ” – عنب بلدي (enabbaladi.net)
الحكومة السورية المؤقتة تحضر لأول مؤتمر استثمار في مناطق المعارضة (alaraby.co.uk)
اقتصاد الشمال السوري.. تحدٍّ جاد أمام مشروع “المنطقة الآمنة” • نون بوست (noonpost.com)
استهداف الموارد الاقتصادية لـ “قسد” بين الهدف العسكري والاستراتيجي – يحيى السيد عمر (yahyaomar.com)