الشيخ الدكتور إحسان بعدرانيالمكتب الدينيبحوث ودراساتدراساتسلسلة القراءة المطلوبة (6)

التجديد وفقه التجديد (3) د. إحسان بعدراني

التجديد قد يكون عبرَ فردٍ أو أفراد، وقد يكون عبر جماعةٍ أو مؤسساتٍ ذات روحٍ جماعية، وهذا الأخير هو الأفضل والأرجح عندنا وفي عصرنا، لأن غياب روح الجماعة والاعتماد على الشخص الفرد له سلبياته، وهذا ما حدث!
فقد سيطر على روح التجديد والإصلاح والنهضة في ماضي التّراثِ رجالٌ لُقِّبَ بعضهم بالشّيخ أو الإمام أو المرجع أو الحجة وما إلى ذلك، حتى إذا مات أو غاب أو سقط وقعت الواقعة، وأزفت الآزفة، وإذا جَمَد أو تقوقَعَ، أو تَحجَّر وقفت القافلة وتأخرت المسيرة، وإذا تقدم ومضى وتألق فأصابَ نجحت القضية، وهذا كلّه من المراهنات التي أصبح لا مجال لها في عصرنا اليوم، وهو من المجازفات التي لا طاقة لهذه الأمة على احتمالها، فقد ضاق الوقت، وقَلَّتْ الفرص، وذهب الشهود لهذه الأمة على الناس، بعد أن جعلها الله بصريح كتابه العظيم أمّةً وسطاً لتكون شاهدةً عليهم، وليكون الرسول عليهم شهيداً.
قال تعالى : {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً}. [البقرة 143] .
لقد أضحت الجامعات – على سبيل المثال – والتي تعتبر مراكز إشعاع لتنوير عقول الناشئة من أجل التجديد والإصلاح، لا تمنح إلا شهاداتٍ، هي حبرٌ على ورق! لقاء دراسات قد أكل الدهر عليها وشرب، ليس فيها إلا الاجترار لمضامين مكرورةٍ، لا تُسمنُ ولا تغني من جوع، شهاداتٍ هدفها أو لنقل هدفُ صاحبها الحصول على وظيفةٍ أو شغلٍ من أجل الرغيف، أو الوصول لِسُمعةٍ وشهرةٍ وظهورٍ أو ما شاكل ذلك.
وفي الوقت الذي أصبحنا بين فكّي كماشة، فَكِّ سِحْرِنا بالقديم من التراث حتى صار التراث حُكماً مُبرَماً، وتجاوزُه محظورٌ شرعاً، وفَكِّ سِحْرِنا بالحديث من الماديّة الغربيّة، حتى صار نوراً مُبهِراً، وتقليده واتباعه مطلوبٌ عُرفاً وسياسةً! كان لا بدّ من التجديد والإصلاح.
ونتساءل: ما التجديد؟ ما المراد بتجديده؟ ما مدى الحاجة إليه؟ ما مُسَوِّغَاتُه؟ ما أهدافُهُ؟ هل التجديد محاربة كل قديم؟ هل التجديد هو إيجاد الحلول للمستجدّات؟ هل هو إحياء لما غاب عنه المسلمون من الكتاب والسنة فقط ؟ هل التجديد روحيٌّ أم ماديٌّ أم كليٌّ للمادة والروح؟ هل التجديد وَصْلُ القديمِ النافعِ بالجديد الصّالح ؟ هل هو إصلاحُ القولِ والفكرِ والعملِ مِنْ خلال مناهج فقهِ الأولويات والترجيح والموازنات؟ هل التجديد باللجوء إلى المؤسسات الاجتهادية الجماعية التي تضمُّ حقاً الفقهاءَ والخبراء والعلماء؟ هل التجديد قراءة النصّ القرآنيّ والنبويّ من خلال فقه الواقع والمستقبل في فضاء الفقه الواسع المطلوب من أجل إنقاذ هذه الأمة؟
ثمّ أين نحن من جواب الرجل الكَهْلِ الصّينيّ لأميرٍ مرّ به وهو يعملُ في حقله، ينزِلُ بنفسه إلى البئر ويستخرج الماء بوعاء ليفرغه على الأقنية، فاقترح عليه الأمير طريقة للرّيّ توفر عليه كثيراً من الجهد، فغضب الكهل وقال : ( إن الذي يستخدم آلاتٍ ويُنفّذ آلياً كل أعماله، يجعلُ قلبَه آلة، أنا لا أجهل هذه الطريقة، ولكنني أخجل من استعمالها ).
هل المسألة بالنسبة للرجل الصيني مسألة مبدأ لا يقبل التجديد؟ سؤال يحتاج إلى جواب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى