إعلان الطوارئ الاقتصادية في سورية
وفقًا لجميع التقارير، تواجه سورية تحديات اقتصادية كبيرة، فالبلاد تعاني من ضعف كبير في القوة الشرائية وتضخم واضح وشديد، بالإضافة لارتفاع في الأسعار إلى أعلى من مستوى التضخم، وقلة في العرض والإنتاج، ووفقًا لتقرير البنك الدولي، فإن الاقتصاد السوري يعاني من تأثيرات الصراع وارتفاع تكاليف المدخلات وشح المياه، والذي يحد من إنتاج المحاصيل، إضافة إلى أنه قد يؤدي نقص الوقود إلى إضعاف التصنيع وتعطيل النقل والخدمات, ماحدا بـ آدم عبد المولى المنسق الأممي للشؤون الإنسانية المقيم في سوريا، يوم الجمعة الماضي أن يناشد بتوفير أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من 10 ملايين سوري، قائلًا: إن الأزمة المنسية إلى حد كبير في البلاد لا تزال “واحدة من أكثر الأزمات فتكًا بالمدنيين في العالم”.
وتبقى المخاطر على توقعات النمو كبيرة، وتميل إلى الاتجاه سلبياً، كما يمكن أن تؤثر الصدمات المناخية المتكررة بشدة على المحاصيل وسبل العيش الزراعية، إضافة إلى أن استمرار الحرب على أوكرانيا لفترة طويلة قد أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما أثّر سلباً على وضع سورية كبلد مستورد للغذاء والطاقة.
واقع مأساوي:
وفقًا لأحدث البيانات والتقارير، يواجه الاقتصاد السوري تحديات كبيرة في عام 2024 من ذلك:
• الموازنة: فقد تم تقدير موازنة سورية لعام 2024 بقيمة 35.5 تريليون ليرة سورية، هذا يمثل زيادة كبيرة في القيمة الإسمية مقارنة بموازنة 2023م، والتي كانت 16.5 تريليون ليرة سورية، ومع ذلك، فإن القيمة الحقيقية (بالدولار الأميركي) لموازنة 2024 قد تراجعت من 5.52 مليارات دولار أميركي في سنة 2023 إلى 3.1 مليارات دولار أميركي في سنة 2024.
• التضخم: بلغ معدل التضخم 156% وقد أدى هذا التضخم إلى تدهور القوة الشرائية لليرة السورية .
• الفقر: تقدر الإحصائيات أن 96% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر .
• البطالة: حيث بلغ معدلها 13.5% .
• الإنفاق الحكومي: بلغ الإنفاق الحكومي للنظام السوري 283360 مليون ليرة سورية
• الإنفاق الاستثماري: بلغ الإنفاق الاستثماري 9000 مليار ليرة سورية.
وفي دراسة سابقة لمكتبنا الاقتصادي ذكرنا أن أول المشاكل التي تعاني منها المنطقة هي انعدام الأمن الغذائي، والذي يعني عدم الكفاية من المواد الغذائية الضرورية، وقد كبرت هذه المشكلة بعد تخفيض المساعدات الغذائية من قبل البرنامج العالمي للغذاء للنصف، لتطال أكثر من مليوني سوري في المنطقة، بالمقابل فقد أسفر تضخم أسعار المواد الغذائية مضافاً لها انهيار العملة التركية والسورية، وانتشار كبيرٍ للبطالة، وقلة فرص العمل، لتراجع القدرة الشرائية للسوريين، وليعيش السوريون (خصوصاً سكان المخيمات) أسوأ الظروف الاقتصادية، حيث ذكر منسقو الاستجابة العاملة في مناطق شمال غرب سورية في تقرير لهم: “منذ بداية 2023م، ونسب الاستجابة الإنسانية في سورية في تناقص مستمر، بنسب عجز تجاوزت 70%، ولذا فإن العام القادم سيشهد نسب عجز مرتفعة للغاية، مما يفتح المجال أمام مستويات عالية من الفقر والجوع في المنطقة، بالتزامن مع ارتفاع متزايد في نسب البطالة، لعدم وجود فرص عمل حقيقية أمام المدنيين”.
يأتي في المرحلة الثانية من المشاكل التي يعاني منها الشمال السوري، الاعتماد الكبير على الاستيراد وتراجع إنتاج المواد الغذائية، حيث أن 79 في المائة من العائلات تعتمد على المساعدات الإنسانية لتأمين الاحتياجات، في حين يوجد لدى باقي العائلات شخص واحد يعمل ضمن الحدود الدنيا للأجور، الأمر الذي أثر على الاقتصاد المحلي وخصوصاً الزراعة التي تعاني جراء تبعات المواد المستوردة كما تعاني من تبعات الحرب.
المشكلة الثالثة تكمن في اللامساواة في المناطق التي تخضع لحكومة الانقاذ والمناطق التي تخضع للحكومة المؤقتة، مضافاً إليها اللامساواة بين المدن والأرياف، ما استتبع ذلك تحيزاً حضرياً واهمالاً للقطاع الزراعي في المناطق الريفية، مما أدى إلى تقليص المساحات المزروعة.
إذا يمكن القول أن التقارير التي تحدثت عن الواقع السوري مثل تقرير البنك الدولي الذي تحدث عن انكماش في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3.2 بالمائة في العام 2023، بعد انخفاضه بنسبة 3.5 بالمائة في العام 2022, وتقرير من DW الذي أشار إلى أن الاقتصاد السوري خلال عشر سنوات من الأزمة فقد ثلثي مقدراته.
كل ذلك يجعلنا نحتاج في سورية إلى إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية من قبل المجتمع الدولي بسبب وجود مناطق متعددة وحكومات أربعة في الخريطة السورية، هذا الإعلام يتطلب تنسيقًا وتعاونًا دوليًا عبر الخطوات الآتية:
- التقييم للوضع الاقتصادي في سورية بشكل دقيق، بحيث يتضمن جمع البيانات والمعلومات من مصادر موثوقة وإجراء تحليلات اقتصادية
- التنسيق بين الدول المعنية والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
- يجب أن يتخذ المجتمع الدولي قرارًا بشأن إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية، حيث يمكن أن يتضمن تحديد الإجراءات والسياسات التي يجب فعلها.
- تنفيذ الإجراءات والسياسات المحددة بما يتضمن تقديم المساعدة الاقتصادية أو فرض العقوبات أو تنظيم الأسواق بشكل أكثر مهنية.
- المراقبة والتقييم بعد التنفيذ للوضع الاقتصادي في سورية وتقييم فعالية الإجراءات والسياسات المتخذة.
خاتمة:
من الجدير بالذكر أن إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد والمجتمع في سورية، ولذا يجب أن يتم بعناية وبناءً على تقييم دقيق للوضع، ومن هنا فإننا نوصي في تيار المستقبل السوري أن يتم إيلاء الوضع الإقتصادي في سورية أولوية لدى المجتمع الدولي، تتجاوز مشروع التعافي المبكر والذين قدمنا تصوراً حوله في قسم البحوث والدراسات التابع للمكتب السياسي بالأمس، واعتبار النافذة الاقتصادية مساعدة في تطبيق مثال ألمانيا الغربية عبر الحل السياسي من الجانب الاقتصادي، لعل ذلك يساعد السوريين في الوصول إلى الحل السياسي الذي يعرقله النظام السوري، ويمنع السوريين من مغادرة بلدهم والبحث عن فرص في دول الجوار أو الدول الغربية، إضافة إلى مساعدة المجتمع المضيف الذي تحمل مشاق اللجوء السوري في إعادة حقيقية طوعية آمنة بضمانة دولية للاجئين إلى بلدهم بعد تحقيق استقرارٍ اقتصاديٍّ نسبي.
جاكلين ك الشامي
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري
المراجع:
الأمم المتحدة تناشد الحصول على مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار لأجل سوريا (syria.tv)
تحليل: حالة الاقتصاد السوري بعد عشر سنوات على الأزمة – DW – 2021/3/14
مرصد الاقتصاد السوري، شتاء 2022 / 2023 (albankaldawli.org)
توقعات حول مؤشرات الاقتصاد السوري خلال عام 2024 (syria.tv)
في 2024 .. الاقتصاد السوري بلا رؤى وملامح ضبابية | مجلس سوريا الديمقراطية (m-syria-d.com)
موازنة سوريا للعام 2024: «زيادة غير حقيقية و إرتفاع ظاهري بنسبة 115% مقابل تراجع فعلي إلى 3.1 مليار دولار» | B2B-SY
سوريا: موازنة 2024 تعكس عمق الأزمة الاقتصادية | مجلة المجلة (majalla.com)
سوريا – المؤشرات الاقتصادية (tradingeconomics.com)
اقتصاد سوريا بعد عقد من الحرب.. الحلول لا تزال غائبة | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com)
مرصد الاقتصاد السوري، شتاء 2022 / 2023 (albankaldawli.org)
ضعف البنية الاقتصادية في الشمال السوري (واقع وحلول) – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org)