الشر الوظيفي شر مطلق… حزب الله والفاعل الديني الشيعي!
يصف أستاذنا الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن الكيان الإسرائيلي بأنّه الشر المطلق، وفي حقيقة الأمر إنّ الفكرة الأدق هي أن الشر المطلق هو الشر الوظيفي بغض النظر عن ماهيته، يهودياً كان أم شيعياً أم إسلامياً أم مسيحياً؛ لأن خطورة الشر الوظيفي هو أنّه يعرقل ولادة الرشد الاجتماعي وحركات التحرر الشعبي والسياسي من خلال دوره في إشغال واختطاف مكانتها داخل الحضارة الاجتماعية، فإنّ توظيف الدين والمقاومة لمصلحة الفاعل السياسي النقيض ثقافياً واجتماعياً مثلا هو تعطيل لهم واختطاف لمكانتهم الاجتماعية وفاعليتهم الحضارية! ولا يتوقف الأمر عند التعطيل؛ بل يتم تحويل هذا الشر الوظيفي لأداة لدى الشر المطلق وأذرعته، يقتلع بواسطتها حركات التحرر الاجتماعي والشعبي الساعية لإسقاط الشر المطلق وأدواته وأذرعه الوكيلة! فإن الشر الوظيفي من الطبيعي أن يقبل أو يتحالف أو ينسّق مع الشر المطلق لكن بالوقت ذاته لا يمكنه البتة أن يقبل التحالف مع الحق وحركات التحرر الوطنية؛ لأنها تنافسه اجتماعياً وتهدد وجوده! لذا نرى أن الشر الوظيفي قابل لأن يتحالف مع الشر المطلق بغية اجتثاث حركات التحرر؛ لأنها تؤثر على شرعية وجوده شعبياً ووظيفياً! وهذا ما فعله حزب الله والفاعل الديني الشيعي في إيران أثناء ارتزاقه عند الأنظمة، في سبيل مكافحة التدافع الاجتماعي والحراك الشعبي العربي وحركات التحرر الوطني!
إنّ خطورة الشر الوظيفي الأساسية تنبثق من أن وجوده يستند إلى إرضاء الفاعل السياسي الآخر، وليس إلى إرضاء ذاته العقلانية، والتفكّر والتدافع الإنساني والحضاري لدى الشريحة الاجتماعية التي ينبثق منها! أي يتعلق وجود هذا الشر الوظيفي بنوعية التخادم أو الخدمة الحضارية التي يقدّمها إلى المستبد السياسي أو المحتل الأجنبي، لذلك نرى أن الشر الوظيفي على استعداد مطلق بأن يقدّم إلى المحتل والمستبد السياسي والشر المطلق كل ما يريده من قرابين لكي يحافظ على وجوده الوظيفي! وسواء كان الشر الوظيفي يقدم الخدمات انطلاقا من عَمالة مباشرة أو عَمالة مُغفلة أو عَمالة مصلحية تستند لتنفيذ المصالح المشتركة بين الشر الوظيفي والفاعل السياسي، فإنّ هذا لا يغير من حقيقة وخطورة الأمر شيئاً لأن النتائج الحضارية السلبية على الواقع الاجتماعي واقعة بصرف النظر عن النية أو نوعية العمالة!
وعليه فإنّ التعاطي الشعبي التحرري والحضاري مع الشر الوظيفي يجب أن يكون كحد أدنى بذات مستوى التعاطي مع الشر المطلق، لأنّ هذا الشر الوظيفي أصلاً تحول لجزء من آلية الشر المطلق، بل إنّ الشر الوظيفي أشد خطراً على الأمة العربية والإسلامية من الشر المطلق (الكيان الإسرائيلي) بل إنّه هو الشر المطلق بعينه! لأنّ هذا الشر الوظيفي —وحزب الله أنموذجا— على استعداد أن يحافظ على الشر المطلق إذا ما تم تخييره بينه وبين حركات التحرر والإرادة الشعبية والتدافع الاجتماعي العربي الإسلامي، لأن ذلك هو الطريق الوحيد أمامه ليبقى فاعلاً وموجوداً داخل البيئة الاجتماعية العربية والإسلامية التي يعتبر غريباً عنها ثقافياً وسياسياً وأيديولوجياً! لتتحوّل الوسيلة لدى الشر الوظيفي إلى غاية بحد ذاتها! وبهذا يسعى هذا الشر الوظيفي للدفاع عن وجوده كجسم وأداة وظيفية لدى الشر المطلق، صارفاً كلّ النظر عن خصائص مشروعه الخاص الذي كان ربما يحمل بعضاً من مبادئ معينة تختلف عن مبادئ الفاعل السياسي والمحتل الأجنبي والشر المطلق (الكيان الإسرائيلي)!
ما يعني أنّ القول بأن الكيان أخطر على المنطقة العربية والإسلامية من الحزب، فكرة مغلوطة لأن العلاقة بين الكيانين علاقة ارتباطية وظيفية خدمية ولم ترتق لمستوى التخادم حتى! لأنّ التخادم المصلحي ربما يكون على الصعيد الوظيفي الأعلى لحدٍّ ما، بين الكيان الإسرائيلي والنظام الإيراني، أما الحزب على الصعيد الحضاري والاجتماعي والسياسي فهو أداة متعددة الوظائف لدى عدّة مستويات سياسية، ويعتبر المستوى الأول هو الفاعل الإيراني ويليه الفاعل الإسرائيلي بشكل غير مباشر!
وعليه فإن الفاعل الديني الشيعي والحزب وأدواتهم أشد خطرا على الأمة والحضارة من الشر المطلق (الكيان الإسرائيلي) ذاته، فإنّ الشر الوظيفي لدى الشر المطلق أخطر من الشر المطلق ذاته، لأن وجوده ببساطة يستند إلى مدى إرضاء الشر المطلق، وعليه فإنّ الشر الوظيفي هو الشر اللامحدود والأكثر إطلاقا! لأنّه يضلل الرؤية لدى الرأي العام العربي والإسلامي ويخلق استنزافا واضطرابا في البوصلة لدى النخب والشرائح الاجتماعية، لعدم وضوح العدو ولتعقيد المشهد السياسي والاجتماعي، لأنه بطبيعة الحال لا يمكن لعامة الناس تحليل وتفنيد تفاصيل وجزئيات المشهد بدقة، مما يؤدي بالواقع الاجتماعي لحالة عدم استقرار واضطراب في الرؤية الحضارية والتنظيم الوجودي فكرياً واجتماعياً وسياسياً! ما يضع الواقع العربي الإسلامي نخباً وعامةً أمام حالة تخبط وعدم فاعلية وتشرذم وعطب حضاري!
خلاصة القول: إن الفاعل الديني الشيعي في إيران والحزب في لبنان هما شر وظيفي عابر للحدود، تحولا لشر لا محدود، يستجدي وجوده عن طريق الارتزاق الحضاري، واستئصاله لحركات التحرر الوطني والاجتماعي العربي والإسلامي، والتعاقد مع الأنظمة الاستبدادية التي تسعى لمقاومة التدافع الحضاري، واقتلاع الإرادة الشعبية التي تشكل خطراً استراتيجياً ثقافياً واجتماعياً وسياسياً على وجود الكيان الإسرائيلي ووكلائه في المشرق العربي! وإنّ سلوك الحزب الوظيفي في المنطقة العربية لا بدّ أنّه يفسّر لكل عاقل الهدف من إبقاء الاحتلال لهذا الشر الوظيفي طيلة الفترة الماضية، لأنّه ببساطة يحترف تفكيك الشرائح الاجتماعية العربية والإسلامية ببراعة لا يمكن للاحتلال ذاته أن يقوم بها! فهو الذي يمهد الطريق الاجتماعي لهذا التمكين الصهيوني الذي نلحظه اليوم! وكان ذلك من خلال استعانة هذا الحزب الوظيفي بكل أدوات البطش والقتل والتهجير والإرهاب والتفكيك الحضاري.
في المقابل وانطلاقاً من التخادم الوظيفي بين الطرفين كان هذا المحتل الصهيوني يوفّر لهذا الفاعل الديني الشيعي والحزب وأدواتهم الغطاء السياسي والقانوني من خلال غض الطرف عنهم على المستوى الدولي.
واستناداً لما سبق؛ لا شكّ أنّ الحل الأولي اليوم يبدأ من تفكيك ميكانيكية هذا التوظيف والتحالف والتخادم ما بين الشر الوظيفي والمطلق؛ لأن الشر الوظيفي هو جزء تكتيكي من الشر المطلق وكل جزء وظيفي في منظومة الشر المطلق يعتبر هو الشر اللامحدود والأكثر إطلاقا وخطورة على الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية! وبهذا التفكيك بين الشرين شرط الإعداد للتواجد الحضاري يصبح التحرير والتحرر ممكنا ولو طال الطريق لكن كلّ منظور قريب!
المكتب العلمي
قسم البحوث والدراسات
باحثون مستقلون
د. علاء رجب تباب
تيار المستقبل السوري