د. زاهر بعدرانيرئيس التيارمقال / تصريحمكتب الرئاسة

المُنظّرون والمفكّرون، دورٌ وأهمية

استهلال:

المفكرون والمنظرون عمادُ أي مجتمع، وليس حالهم كما اعتاد بعض الفكاهييّن وصف كل من يُتقن الكلام دون الفعل بأنه من “المُنظّرين”، بل المنظرون هم القوة الدافعة وراء التغيير والتطور! هم أولئك الذين يطرحون الأسئلة الكبرى، ويستكشفون الأفكار الجديدة، ويقدمون رؤى مبتكرة حول العالم من حولنا، يجولون في الواقع المقّعد والمُركب ويبحثون عن حلول لتحدياته وصعوباته.

بين المُفكرين والمُنظرين:

إذا كان المُفكّر هو ذاك الشخص الذي يُخصص وقتًا وجهدًا للتفكير العميق في القضايا المختلفة التي تواجه المجتمع، فهو يسعى لفهم العالم بشكل أعمق، ويكشف عن العلاقات المعقدة بين الظواهر المختلفة.

ولهذا من الخصائص الأساسية للمفكر:

  1. الفضول، إذ يتميز المُفكر بفضوله الدائم ورغبته في اكتشاف الجديد.
  2. لا يقبل المفكر الأفكار الجاهزة، بل يحاول نقدها وتحليلها.
  3. يمتلك المُفكر القدرة على توليد أفكار جديدة وحلول مبتكرة للمشاكل.
  4. يسعى المُفكر إلى تصور المستقبل، وتحديد التحديات والفرص التي قد تواجه المجتمع.

فإن المُنظر فهو الشخص الذي يقوم بتنظيم الأفكار وتشكيلها في نظريات متكاملة، فهو يبني على الأفكار التي طرحها المفكرون، ويحولها إلى أُطر تفكيرية يمكن استخدامها لتحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية.

ومن هنا يكون دور المنظر:

  1. بناء النظريات: كيث يقوم المنظر ببناء نظريات تشرح الظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية.
  2. تطوير المفاهيم: حيث يطور المنظر مفاهيم جديدة تساعد في فهم العالم بشكل أفضل.
  3. توجيه البحث العلمي: حيث يوجه المنظر البحث العلمي نحو أسئلة محددة.

أهمية المفكرين والمنظرين للمجتمع:

يلعب المفكرون والمنظرون دورًا حاسمًا في توجيه المجتمع نحو مستقبل أفضل. وإضافة لذاك التوجيه، فإننا نرى أهمية للمفكرين والمنظرين في:

  1. المساهمة في توسيع آفاق المعرفة البشرية.
  2. تقديم حلول مبتكرة للمشاكل التي تواجه المجتمع.
  3. إشعال شرارة الإبداع والابتكار لدى الآخرين.

ومن الأمثلة الواضحة غير المختلف فيها على المفكرين والمنظرين الذين يمكن الاستفادة منهم:

  1. الفلاسفة: مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو.
  2. العلماء: مثل نيوتن وأينشتاين.
  3. الكُتّاب: مثل تولستوي ودوستويفسكي.
  4. الاقتصاديون: مثل آدم سميث وكينز.
  5. السياسيون: مثل مارتن لوثر كينج، وجان جاك روسو.

سلبيات ومساوئ:

رغم أهمية دور المفكرين والمنظرين في المجتمع، إلا أنه من الضروري الاعتراف بوجود بعض السلبيات المحتملة التي قد تنشأ عن أفكارهم ونظرياتهم. من هذه السلبيات:

  1. التطرف في الأفكار، إذ يؤدي أحيانا تعمق المُفكر في فكرة معينة إلى التطرف وعدم تقبل الآراء المخالفة، مما قد يؤدي إلى الانقسامات والصراعات المجتمعية.
  2. قد تكون بعض الأفكار النظرية صعبة التطبيق في الواقع، أو قد تتجاهل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تؤثر على المجتمع.
  3. يمكن أيضا أن تؤدي بعض الأفكار المتطرفة أو الثورية إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
  4. استغلال بعض الأشخاص الأفكار النظرية لأغراض شخصية أو سياسية، مما يؤدي إلى تشويه هذه الأفكار وتوظيفها لتحقيق مصالح ضيقة.
  5. بعض الأفكار النظرية معقدة للغاية، مما يجعل من الصعب على عامة الناس فهمها وتطبيقها.
  6. يُركز بعض المفكرين بشكل كبير على الجانب النظري، ويتجاهلون الجانب العملي لتطبيق أفكارهم.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذه السلبيات ليست حتمية، وهي تعتمد على العديد من العوامل، مثل:

  1. شخصية المفكر، هل هو منفتح على الحوار والنقد؟ هل يدرك حدود أفكاره؟
  2. الظروف الاجتماعية والسياسية، هل يسود جو من الحرية الفكرية والتسامح؟ أم أن هناك قيودًا على التعبير عن الأفكار؟
  3. طريقة تقديم الأفكار، هل يتم تقديم الأفكار بشكل واضح وبسيط؟ أم أنها معقدة ومليئة بالمصطلحات الفنية؟

وإننا نرى للتقليل من هذه السلبيات، أنه يجب على المفكرين والمنظرين أن يكونوا منفتحين على النقد والحوار، وأن

يستمعوا إلى آراء الآخرين، وأن يربطوا أفكارهم بالواقع ليأخذوا في الاعتبار العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وأن يكونوا مسؤولين عن تأثير أفكارهم فيتحملوا مسؤولية أي آثار سلبية قد تنتج عن أفكارهم، وأن يقدموا أفكارهم بلغة واضحة وبسيطة بحيث يفهمها أكبر عدد ممكن من الناس.

حاجةٌ سوريَّة:
إن دور المفكرين والمنظرين في حل معضلات سورية قضية بالغة الأهمية بل ومصيرية، حيث يمتلك المفكرون والمنظرون السوريون أدوات قوية يمكن أن تساهم بشكل كبير في حل المعضلات المتراكمة في بلادهم، ومن الطرق التي يمكنهم من خلالها لعب هذا الدور برأينا:

  1. ١تقديم رؤى جديدة مبتكرة حول المشاكل التي تواجه سورية، كالأزمة الاقتصادية، واللاجئين، والفساد، والانقسامات الطائفية. تلك الرؤى يمكن أن تساعد في كسر جمود التفكير التقليدي وتفتح آفاقًا جديدة للحلول.
  2. أيضاً يمكنهم بناء جسور التواصل بين مختلف الأطراف المتنازعة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو طائفية، من خلال الحوار والنقاش البناء.
  3. يمكن للمفكرين والمنظرين المساهمة في تطوير خطط عمل واقعية قابلة للتطبيق لحل المشاكل المعقدة التي تواجه سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحلية والإقليمية.
  4. يستطيعون تعزيز الوعي المجتمعي بالقضايا المختلفة، وتشجيع المواطنين على المشاركة في عملية صنع القرار.
  5. يمكنهم الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والعمل على بناء مجتمع ديمقراطي عادل.
  6. التأثير على صناع القرار من خلال تقديم المشورة والنصائح حول السياسات العامة التي من شأنها أن تساهم في حل المشاكل.

التحديات التي تواجه المفكرين في سورية:

  1. الظروف الأمنية الصعبة تجعل من الصعب على المفكرين العمل بحرية وتبادل الأفكار.
  2. قد يتعرض المفكرون والمنظرون للرقابة والتضييق من قبل السلطات.
  3. من الصعب التوصل إلى توافق في الآراء حول الحلول المقترحة بسبب الانقسامات المجتمعية.
  4. قد يواجهون نقصًا في الموارد اللازمة لأبحاثهم ودراساتهم.

ولتجاوز هذه التحديات نرى ضرورة توفير بيئة آمنة لعمل المفكرين، وتشجيع الحوار والنقد البناء. مع توفير الدعم المادي اللازم لأبحاثهم ودراساتهم، وبناء شبكات تعاون بين المفكرين السوريين والمؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية، إضافة إلى نشر أفكار المفكرين السوريين على نطاق واسع، سواء كانت من خلال وسائل الإعلام أو من خلال المنشورات العلمية.

خاتمة:
يلعب المفكرون والمنظرون دورًا حاسمًا في بناء مستقبل أفضل لسورية من خلال دعمهم وتشجيعهم، حيث يمكنهم المساهمة في حل أو رسم تصورات للعديد من المعضلات التي تواجه سورية، وبالمقابل لابد أن نكون حذرين من بعض سلبيات أفكارهم، وأن نقوم بتقييمها بشكل نقدي.
إن المفكرين والمنظرين ركيزة أساسية لأي مجتمع متقدم، وقوة دافعة وراء التغيير والتطور، وهم عصب رئيسي لتحديد مسارات مستقبلنا كشعب ووطن.

د. زاهر إحسان بعدراني
مكتب الرئاسة
مقال
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى