عام على مأساة الزالزل.. ماذا فعلنا؟
شهدت مناطق شمال غربي سورية وجنوبي تركيا، فجر الإثنين 6 شباط 2023، زلزالين بقوة (7.6 و7.8) على مقياس ريختر، هما الأعنف تقريباً في تاريخ المنطقة، أدت هذه الكارثة الطبيعية إلى خسارة مأساوية لـ 48 ألف عائلة (311,662 نسمة يشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة 67% منهم)، وبحسب إحصائية محدثة لـ”فريق منسقو استجابة سوريا”.
ولا يزال أكثر من 51,931 نسمة من المتضررين من الزلزال داخل مراكز الإيواء والمخيمات، وبحسب قسم تدقيق المخططات والتدعيم الإنشائي في وزارة الإدارة المحلية، بلغ عدد المباني المدمرة بالكامل في إدلب 487 مبنى وعدد المباني غير الصالحة للسكن 1457 مبنى.
وكان الزلزال قد أودى بحياة أكثر من 59 ألف شخص، بسحب وكالة الأسوشيتد برس. وكان ما لا يقل عن 537 طفلاً فقدوا أحد والديهم بسبب الزلزال، على الرغم من أن 61 طفلاً فقط تم تسجيلهم على أنهم فقدوا أمهاتهم وآباءهم، ويبقى الواقع أكبر من الاحصاءات! بنفس السياق صرّحت “إيفا هيندز” المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف، أنه قد تم العثور على نحو 542 طفلاً “غير مصحوبين ومنفصلين” بعد الزلزال في جميع أنحاء سورية، هذا غير الإصابات الجسدية المؤلمة إضافة لوجود حالات لم يتم احصاءها لحرجى فقدوا بعضاً من أعضاءهم, فضلاً عن الحالات النفسية التي تحتاج علاجات طويلة وغير متوفرة بالعموم في المنطقة.
إحصائية أضرار الزلزال في شمال غربي سوريا بحسب فريق منسقو استجابة سورية
المباني السكنية الخاصة
· عدد المباني المهدمة أثناء الزلزال بشكل فوري : 2,171
· عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم وبحاجة لهدم بشكل عاجل: 5,344
· عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة: 14,844
· عدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة: 23,738
· عدد المباني الآيلة للسقوط التي تم هدمها بعد الزلزال: 214
المنشآت والبنى التحتية
· المنشآت التعليمية: 433 مدرسة (أضرار جزئية وتهدم جزئي وأضرار متوسطة).
· منشآت القطاع الصحي: 73 منشأة (أضرار جزئية وأضرار متوسطة).
· المخيمات: 136 وحدة سكنية، وتراوحت الأضرار بين الخفيف والمتوسط
· دور العبادة: 83
· خزانات المياه العالية: 13
· أضرار ضمن منشآت أخرى: 94
لاشك أن الزلزال يعد من فواجع الدهر في سورية، ولهذا نستذكر في تيار المستقبل السوري هذه الذكرى وندرس جهود المعارضة السورية المختلفة بعد عام على الزلزال.
الجهود المبذولة
ما تزال مراكز الإيواء الخمسة قرب جنديرس على صورتها الأولى عندما تم إنشاؤها عقب الزلزال، لا تغيير فيها إلا من نقل بعض العائلات إلى مساكن إسمنتية في إدلب أو اعزاز، حيث تغيب مشاريع إعمار الوحدات السكنية عن منطقة جنديرس رغم أنها الأكثر تضرراً بالزلزال في سورية، في حين أطلقت المنظمات عدداً من مشاريع التعافي المبكر وترميم مئات الأبنية وبعض المنشآت التعليمية والخدمية.
وقد ذكر تقرير لـ “تلفزيون سوريا” حول مرور عام على المأساة إفادة لمديرية شؤون المخيمات في وزارة التنمية بـ “حكومة الإنقاذ”، بأن عدد الشقق السكنية المنفذة لمتضرري الزلزال في إدلب بلغت 1792 شقة، وهذا العدد يغطي 5- 6% فقط من متضرري الزلزال، وقد تم نقل قرابة 10 آلاف عائلة من متضرري الزلزال إلى مساكن إسمنتية ومسبقة الصنع، بالتعاون مع المنظمات والجمعيات الإنسانية العاملة في المنطقة، حيث بدأت عمليات نقل العائلات القاطنة في مراكز الإيواء المؤقتة التي أنشأت عقب الزلزال والتي بلغ عددها 113 مركزاً، ما عدا مركز الإيواء في مدينة حارم التي من المتوقع نقل العائلات فيها إلى مدينة فريق ملهم التطوعي السكنية عندما تنتهي أعمال البناء فيه.
ذكر التقرير أن ملف إعمار الشقق والوحدات السكنية بحاجة لتدخل أممي، لأن جهود المنظمات القائمة على التبرعات لن تغطي بأحسن الأحوال أكثر من 10%.
في وقت سابق أطلقت منظمات إنسانية وفرق تطوعية مشاريع سكنية لإيواء متضرري الزلزال ومن أبرزها: فريق ملهم التطوعي وHuman appeal وPeople in need وIHH، حيث ونفذت هذه المنظمات العديد من القرى السكنية لمتضرري الزلزال في عدة مواقع كان أبرزها: (قرية الزهور) في جبل كللي تنفيذ Human appeal، و(هلال حارم) في مدينة حارم وشقق سكنية في أرمناز تنفيذ فريق ملهم التطوعي.
جهود تيار المستقبل السوري
كان لـِ تيار المستقبل السوري دورٌ مشاركٌ وفاعلٌ في تقديم ما أمكنه منذ اليوم الأول للزلزال، حيث ساهم بما يلي:
- بدأ اليوم الأول من حملة (توادّ1) الإنسانية التي تستهدف ضحايا الزلزال في مدن وبلدات الشمال السوري المحرر. بتاريخ 8 شباط 2023 ليصل عدد المستفيدين والمستهدفين إلى ١٠٠ طفل وطفلة، وهي موثقة على صفحات السوشال ميديا لـِ تيار المستقبل السوري.
- قام المكتب الإغاثي لِـ تيار المستقبل السوري بتقديم المساعدات لأهلنا المتضررين من الزلزال وخاصة النساء، حيث تم تقديم مبالغ مالية بالليرة التركية، وهي موثقة على صفحات السوشال ميديا لـِ تيار المستقبل السوري.
كان تيار المستقبل السوري من أوائل الفرق المتواجدة على أرض الحدث في الداخل السوري، وخاصة في جنديرس، حيث تم توزيع الوجبات الغذائية والطعام على فرق رفع الأنقاض والخيام المحيطة بهم، واستمر تيار المستقبل السوري بالتواجد هناك طيلة أسبوع الاستنفار الأول بعد الزالزال - استمر المكتب الإغاثي لـِ تيار المستقبل السوري تقديمه المساعدات خلال شهر رمضان المبارك بعد شهرين من الزلزال لأهلنا المتضررين وخاصة النساء في الداخل السوري وفي تركيا، حيث تم تقديم مبالغ بالليرة التركية وبالدولار الأمريكي، وهي موثقة على صفحات السوشال ميديا لـِ تيار المستقبل السوري.
- كان للمكتب الإغاثي لـِ تيار المستقبل السوري (ضمن حملة توادّ الإنسانية) مساهمات حقيقية في نقل بعض متضرري الزلزال إلى اسطنبول، ثم استئجار بيوت لهم فيها، والمبالغ المالية موثقة على صفحات السوشال ميديا لـِ تيار المستقبل السوري.
- شارك رئيس تيار المستقبل السوري الدكتور زاهر بعدراني وجمع غفير من الشخصيات الرسمية، في اليوم الثالث لمجلس العزاء العام بضحايا الزلزال والذي أقيم في اسطنبول قاعة مجلس التجار العرب، وألقى كلمة مصورة، وهي موثقة على صفحات السوشال ميديا لـِ تيار المستقبل السوري.
فوضى وفشل
تعاملت تركيا مع تبعات الزلزال الذي ضرب سورية بطرق عدة أهمها:
- الإيواء: تم نصب 645 ألف خيمة في تركيا ضمن 350 منطقة متضررة من الزلزال، بينما تم بناء 215 ألفًا و224 منزلًا مسبق الصنع للغرض نفسه.
- البحث والإنقاذ: وصل إلى المناطق المنكوبة حوالى 30000 من فرق الإنقاذ ما بين محترفين ومتطوعين بالإضافة إلى فرق إنقاذ من دول أخرى.
- المسؤولية القانونية: اشتبهت السلطات التركية في وجود ما مجموعه 957 شخصا يقال إنهم مسؤولون بشكل مشترك عن ارتفاع عدد الضحايا والأضرار الكبيرة.
- إعادة الإعمار: أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الحكومة ستشرع في بناء بيوت لـ270 ألف أسرة بالمدن والأرياف في 11 ولاية متضررة من الزلازل.
- التكلفة: تقدر التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار بحوالي 100 مليار دولار.
- المساعدة الإنسانية: تم تقديم المساعدة الإنسانية للأشخاص الذين تضرروا من الزلزال، بما في ذلك الأغذية والماء والرعاية الطبية.
- العمل: تم توفير فرص عمل مؤقتة للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب الزلزال، مثل إزالة الأنقاض وإعادة البناء.
هذا فيما يتعلق بتركيا، الجار الأكثر تضرراً من الزلزال، بينما في (سورية) يقول أحمد القاسم رئيس دائرة الإسكان المركزي في وزارة التنمية والشؤون الإنسانية في “حكومة الإنقاذ”: إن المساكن التي جرى نقل العائلات إليها تنقسم إلى نوعين:
الأولى: المساكن الإسمنتية وعددها الأكبر، وتتكون من غرفتين ومنافع وفسحة سماوية
والثاني: بيوت مسبقة الصنع (كرفانات)، ومساحتها نحو 45 متراً، حيث تتوفر في هذه المساكن خدمات الصرف الصحي وشبكة الطرق، بالإضافة إلى المياه والخبز والسلل الغذائية في بعض القرى السكنية.
وأما المهندس محمد ياسر غزال مدير الخدمات الفنية في وزارة الإدارة المحلية والخدمات فإنه يُصرح لـ “موقع تلفزيون سوريا” أن أبرز المشكلات التي تسببت في انهيار المنازل بفعل الزلزال كانت في المجمل مرتبطة بالعوامل الإنشائية للأبنية، وإن عدم وجود عناصر إنشائية كافية لمقاومة البناء للزلزال، كغياب الجدران القصية اللازمة لمقاومة الزلازل، وانعدام الدراسات المتعلقة بالعوامل الزلزالية للأبنية قبل تشييدها، كانت عوامل مساهمة في انهيار المنازل, ويُضيف بأن هذه المشكلات ما زالت قائمة في كثير من الأبنية التي شيدت في الفترة الماضية في مختلف المناطق، وذلك بسبب البناء من دون ترخيص “أي من دون مخططات إنشائية أو معمارية”، ومخالفة هذا البناء وجملته الإنشائية لجميع المواصفات الفنية والهندسية للبناء فضلاً عن مخالفاته المعمارية والتنظيمية بما يتعلق بالمخطط التنظيمي ونظام ضابطة البناء والبناء في المناطق غير المسموح البناء عليها كالشوارع والحدائق والمراكز الخدمية والإدارية، بالإضافة إلى البناء في الأراضي الزراعية.
وذلك فضلاً عن محاولة المقاولين أو “تجار الأبنية” حسب وصفه، مخالفة المخططات الإنشائية ومخططات التسليح الخاصة بالبناء، لتوفير الكلفة المالية عليهم، وتنفيذ البناء بأقل التكاليف الممكنة، بالإضافة إلى محاولاتهم تنفيذ عمليات الصب للجمل الإنشائية من دون وجود البلدية أو من دون منحهم إذن الصبّ اللازم للكشف على الجمل الإنشائية ومراقبة حديد التسليح ومدى مطابقته للشروط وللمخططات الهندسية المعتمدة.
إذاً نحن أمام فشل ذريع في التعامل مع تبعات الزلزال، يٌحيل إلى ضرورة المحاسبة الحقيقية للقائمين على ملف إعادة الإعمار بالجملة!!
خاتمة
يظهر من تعامل الحكومتين خارج سيطرة النظام السوري عدم وجود ضبط وإحصاء للأضرار من جهة، وانعدام التنظيم من جهة ثانية في مسألة إعادة الإعمار، ولعل حالة الفوضى هذه تُحيل إلى مخاطر مستقبلية في حال تكرر حدوث الزلزال!
لهذا فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بمايلي:
- ضرورة محاسبة القائمين على ملف إعادة الإعمار لجهة فشلهم في ضبط الإعمار وتنظيمه.
- ضرورة الشروع في الاستفادة من الجهود التركية في تعاملها مع ملف إعادة الإعمار.
- ضرورة أن يكون البناء الجديد مُنظماً، ومدروساً بطريقة علمية تقي من خطر الزلالزل، والاستعانة بمكاتب هندسية سورية ودولية بخصوص هذا الشأن.
- ضرورة الاستفادة من قطاع رفع الأنقاض، خصوصاً في منطقة جنديرس، وإعادة تدوير البنى المدمرة والاستفادة منها في بناء الطرق والشوارع.
- العمل على استجلاب الدعم الدولي الخاص بإعادة الإعمار بهذه المسألة، والتعاون مع الأمم المتحدة إشرافاً وتنفيذاً له.
- تشكيل جهة رسمية في المحرر السوري دورها رصد هذه المخاطر الطبيعية ونحوها، والتوجيه العلمي حسب الحالات للتعامل معها والتحذير منها والتوجيه لضرورة وطريقة تلافيها.
- تشكيل هيئة وطنية مخصصة بجمع المال لإعادة الإعمار والتواصل مع الدول المعنية لتوقيع اتفاقيات مشتركة مع الحكومات القائمة في الشمال السوري بغية تعزيز خطة الإعمار والتسريع في نقل المتضررين من الخيام المتناثرة والعشوائية إلى بيوت منظمة ومناسبة.
- العمل مع المنظمات الدولية وغيرها على تأهيل المتضررين من الزلزال مادياً ومعنوياً ونفسياً ليكونوا فاعلين ومؤثرين في بلدهم ووطنهم.
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري