المكتب السياسيالمكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمصطفى المحمدمقالات

قطر ودورها في سورية قراءة ثالثة

تتعدد القراءات حول دور دولة قطر في سورية بين مقدِّسٍ لذاك الدور، وبين مُعادٍ له، على أنه يمكن اعتبار بعض التيارات السورية المعارضة صاحبةً للقراءة الأولى، بينما النظام السوري هو صاحب القراءة الثانية!

ويبدو أن الحاجة لقراءة ثالثةٍ بات أمراً ملحاً بالنسبة لنا كسوريين، حتى لا تضيع الحقيقة بين طرفين متناقضين، وهذا هدف هذه الدراسة.

العلاقات السورية القطرية:
كانت العلاقات السورية القطرية تتطور باستمرار وبوتيرة متصاعدة على كافة الأصعدة، وأهمها الصعيد الاقتصادي وذلك قبل اندلاع شرارة الثورة السورية، حيث بدأت العلاقات قبل عام 2003 والتي كانت تحكمها بعض الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، إذ وبعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الدوحة في عام 2003م، تحققت نقلةٌ كبيرةٌ في العلاقات البينية، تمخض عنها توقيع أكثر من (13) اتفاقية، شملت مجمل أوجه النشاطات في البلدين ولمختلف القطاعات العامة والخاصة، لتشهد سنة 2007م، علاقات اقتصادية متنوعة تمخض عنها إنشاء المصرف الإسلامي الدولي برأس مال 5 مليارات ليرة سورية، وإنشاء البنك القطري السوري الدولي برأس مال بلغ 100 مليون دولار، إضافة لمشاريع متنوعة مثل مشروع شركة الديار القطرية السياحي في الساحل السوري، والذي تجاوزت كلفته الـ 200 مليون دولار، واتفاقية الشركة القابضة السورية القطرية، وغيرها من شركات واتفاقيات عززت التعاون والتنسيق بين البلدين.
كما دعمت قطر مواقف سورية من دعم المقاومة اللبنانية، وبالمقابل دعمت سورية موقف دولة قطر من مناطق النزاع مع إمارة البحرين قبل ذلك.
تلك العلاقة الجيدة أهّلت قطر لتلعب دوراً وسيطاً بين الجامعة العربية والنظام السوري في بداية الثورة السورية، بعد أن صدرت المبادرة العربية الأولى في 28 أغسطس/آب2011م، (والتي نصت على الوقف الفوري لإطلاق النار، والإفراج عن المعتقلين في السجون السورية، وفتح حوار بين كافة الأطراف، وإجراء إصلاحات سياسية تتضمن إجراء تعديلات دستورية)، حيث كان لدولة قطر دورٌ محوريٌّ في إصدارها مع المملكة العربية السعودية، وذلك بعد 5 اجتماعات وزارية لمجلس جامعة الدول العربية، ثم لتستلم قطر بعدها رئاسة اللجنة الوزارية العربية في 16 تشرين الأول 2011م، بغية إيجاد حلٍّ عبر الاتصال مع النظام السوري وأطراف المعارضة السورية، ليتجلى الدور القطري واضحاً في جهود رئيس وزراء قطر حينها الشيخ حمد بن جاسم، وبعد تعنت النظام السوري رغم الاجتماع مع وليد المعلم وزير الخارجية السوري حينها، فقد تم تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية في 12 تشرين الثاني 2011م، ليخص النظام السوري السفارة القطرية والسعودية بالاعتداء في دمشق، في إشارة لتصعيد سياسي كبير، وكان قبلها تدخل رسمي من أمير قطر يوم 30 مارس/آذار 2011م، باتصال هاتفي مع بشار الأسد، وحثِّه على تغيير سياسته بمقاربته للحراك السلمي للشعب السوري، لتشهد هذه المرحلة نقلة نوعية في المواقف؛ وهو ما تجسد في طرح المبادرة العربية الثانية، والتي أطلقها المجلس الوزاري للجامعة يوم 22 يناير/كانون الثاني 2012م، والتي دعت إلى تنازل بشار الأسد عن سلطاته لنائبه، والتحضير للمرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
وبعد تطور الوضع السوري عبر تدخل دولي تمثل بإرسال مبعوث دولي هو كوفي عنان، عقدت دولة قطر الاجتماع الرابع للجنة الوزارية العربية في الدوحة يوم 17 إبريل/نيسان 2012 بحضور كوفي أنان لبحث نتائج اتصالاته مع الحكومة السورية والمعارضة السورية لوقف إطلاق النار واستمرارًا في أداء دورها، ليؤكد لاحقاً الشيخ حمد بن جاسم على ضرورة تحديد سقف زمني لمهمة أنان، ويطالب مجلس الأمن باعتماد تدابير غير عسكرية في حدود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ويُذكر هنا أن وزارة الخارجية القطرية وجهت دعوة آنذاك لشخصيات سورية معارضة لزيارة قطر وبحث العديد من الملفات الاستراتيجية بغية الوصول إلى رؤية مشتركة وكان من بينهم السيد رئيس تيار المستقبل السوري الدكتور زاهر بعدراني والذي التقى برئيس مجلس الوزراء القطري وشخصيات أخرى قطرية.
ثم ليرتفع الموقف القطري بتأكيد قطر أمام مجلس حقوق الإنسان في الأول من يونيو/حزيران 2012م أن عمليات القتل والترويع في سورية باتت ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

انتقلت العلاقة القطرية في سورية مرحلة جديدة بدعم مؤتمر أصدقاء سورية مع مجلس التعاون الخليجي، والذ عُقد في 24 شباط 2012م، لتطلب قطر رسمياً بضرورة تقديم المساعدة للمعارضة السورية بما فيها الدعم العسكري، وعلى الهامش يُذكر لوزير خارجية السعودية حينها سعود الفيصل انسحابه من المؤتمر كونه لم يتوصل لغير تقديم المساعدات الإنسانية، ليظهر في المؤتمر الثاني لأصدقاء سورية الذي عُقد في اسطنبول في 1 آذار 2012م، دعم السعودية عبر لسان سعود الفيصل لموقف قطر بتسليح المعارضة السورية واعتباره واجباً.
في تلك المرحلة تعتبر دولة قطر أهمّ دولةٍ دعمت المعارضة السورية وبضوء أخضر أمريكي، حيث كشفت صحيفة الفاينانشال تايمز في 2013، أن قطر أنفقت نحو ثلاثة مليارات دولار في عامين لدعم الإنتفاضة الشعبية في سورية، وهو ما يفوق بكثير ما قدمته أي حكومة أخرى، مشيرةً إلى أن السعودية إنما تنافسها في تصدر الجهات التي تمدُّ المعارضة السورية بالسلاح، ووفقاً لمعهد أبحاث السلام في ستوكهولم، والذي يتابع إمدادات السلاح إلى المعارضة السورية، فإن قطر كانت أكبر مصدر لإرسال السلاح إلى سورية، حيث مولت أكثر من 70 شحنة جوية للسلاح إلى تركيا المجاورة ما بين أبريل/نيسان 2012 حتى مارس/آذار 2013.
وكان من جملة الدعم العسكري لقطر إقامتها لمعسكرات تدريب لمقاتلي المعارضة السورية على أراضيها بالتعاون مع الجيش الأمريكي، والذي كان يشرف على التدريب، حيث كان يتخرج منه أكثر من 1200 مقاتل سنوياً.

ولقد لعبت دولة قطر دوراً كبيراً في دعم غرفة الموم (الموك) (المركز العسكري للعمليات) هي غرفة عسكرية خارجية، ومقر قيادة وتنسيق وإصدار أوامر تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والأردن وبعض دول الخليج، بما فيها قطر، وتضم فصائل عدة من الجيش الحر في درعا والقنيطرة وريف دمشق وريف حلب الشمالي، حيث تم تشكيلها عام 2013م، ثم ليتطور دورها عام 2014م.
ولقد بقي الدعم القطري للمعارضة السورية مستمراً سواء في الجانب الإنساني وتقديم المساعدات والخدمات، أو السياسي عبر فتح سفارة للائتلاف السوري المعارض على أراضيها بدل سفارة النظام السوري، أو الجانب العسكري، حتى موقفها التاريخي الرافض صراحةً عودة النظام السوري للجامعة العربية في شهر أيار من هذا العام 2023م.

على أنه يؤخذ على الدور القطري دعمه للجماعات المتطرفة، مثل جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وقد تجلى ذلك بما كشفته الواشنطن بوست الأميركية، من صفقة تحرير قطريين كانوا محتجزين في العراق، والإفراج عن جنود إيرانيين في سورية، وصفقة تهجير سكان بين بلدات (كفريا والفوعة ومضايا والزبداني)، بهدف التغيير الديمغرافي بالتعاون مع حزب الله اللبناني وجبهة النصرة، ليتم استغلال ذلك لاحقا ضد قطر في خلافات البيت الخليجي، واتهامها بتمويل ودعم الإرهاب، الأمر الذي جعل صوت الشيخ حمد بن جاسم يصف ماجرى بتغيير للسياسة العربية تجاه (الصيدة) والتي كانت قطر تمثل دوراً عربيا في صيدها.

لاشك أن الحالة السورية أصبحت مستنقعاً دولياً قبل أن يكون مستنقعاً سورياً، وأن حالة دعم جبهة النصرة مثلاً كان مبنياً على قراءة دعم دولي للمعارضة السورية، والتي احتضنت جبهة النصرة في بدايتها، تمثل ذلك حينها بدفاع رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض “معاذ الخطيب” عنها أمام المحافل الدولية، إضافة إلى تلاعب النصرة بغرفة الموك عبر إدخالها فصائل وهمية محسوبة عليها (باسم الجيش السوري الحر)، لاستلام سلاح منها.

أما اليوم فسورية أمام منعطفٍ تاريخيٍّ مع معركة طوفان الأقصى، وحراك السويداء، ومعركة الاردن مع إيران والنظام السوري بسلاح الكبتاغون، إضافة إلى محاولة قسد فرض رؤيتها التقسيمية عبر العقد الاجتماعي الذي أطلقته قبل أيام، خصوصاً في مرحلة ضعف واضح لهيئة تحرير الشام، وانقسامتها الداخلية بين الجولاني وجناح الشرقية بقيادة أبو ماريا القحطاني وأحمد زكور، وفي الملف الإنساني تزداد المخاوف من إيقاف المساعدات الدولية الإنسانية للعام الجديد، كل ذلك يظهر بوضوح الحاجة السورية لمزيد دعم عربي، خصوصاً القطري منه، حتى لا تتمكن الدول المختلفة في سورية من الاستفراد بتحديد مصير الشعب السوري.

وبذلك فإننا نوصي المعارضة السورية إيلاءَ الدور القطري أهميةً كبيرةً لأسباب عدّة:
1- الموقف القطري الثّابت في الوقوف ضد النظام السوري.
2- وجود سفارة رسمية يتيمة للمعارضة السورية في قطر.
3- علاقة قطر الجيدة مع جلِّ ومختلف الفصائل والجماعات السورية، من الإخوان المسلمون إلى هيئة تحرير الشام إلى الجيش الوطني وغيرهم.
4- علاقة قطر الجيدة مع أمريكا من جانب وتركيا من جانب آخر، والذي يفيد في استجلاب دعم قطر لاقتراحنا حول “تجربة ألمانيا الغربية” وتطبيقه في سورية بين المناطق خارج سيطرة النظام السوري.
حيث يمكن للدور القطري أن يكون فاعلاً في المشهد السوري، وإخراجها من المستنقع الذي يكاد أن يُغرق الجميع، ويمكن ذلك عبر محورين فاعلين:
1- تبني قطر لخيار تجربة ألمانيا الغربية.
2- استلام قطر ملفّ المساعدات الإنسانية بالشمال السوري.

المراجع

  • دول الخليج والأزمة السورية: مستويات التحرك وحصيلة المواقف | مركز الجزيرة للدراسات (aljazeera.net)
  • سجال بين وزيري خارجيتي قطر وروسيا حول سوريا – DW – 2012/3/10
  • http://www.arabic.euronews.com141/
  • نحو تقييم واقعي لاستقبال دول الخليج للسوريين | The Washington Institute
  • المعارضة السورية تحث أمريكا على مراعة تصنيف جبهة النصرة | رويترز (reuters.com)
  • الدعم القطري للمعارضة السورية تجاوز 3 مليار دولار | Zamn Press | زمن برس
  • دور قطر في شرذمة المعارضة السورية (aawsat.com)
  • بشار الأسد يلخص دور قطر وما جرى بسوريا بـ5 سنوات.. ويؤكد: الحرب بدأت منذ 3 عقود مع ظهور الأقمار الصناعية – CNN Arabic
  • السياسة القطرية في الثورة السورية – مركز أبحاث مينا (mena-researchcenter.org)
  • الأسباب الذاتية لتعثر الربيع العربي (mena-researchcenter.org)
  • مشروع قطريّ جديد لـ«توحيد» المعارضة السورية – وكالة أوقات الشام الإخبارية (shaamtimes.com)
  • الوساطات القطرية: الغايات والأهداف والتكاليف – BBC News عربي
  • “النصرة”.. أداة قطرية في خدمة الأجندة الإيرانية بسوريا | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com)
  • قطر تواصل دعم الجماعات الإرهابية فى العالم.. تقارير غربية: الدوحة تمول التنظيمات المسلحة بالمال والسلاح كداعش وجبهة النصرة والإخوان.. ومنظمات حقوقية: النظام القطرى يمعن فى انتهاكات حقوق الإنسان دون حسيب أو رقيب – اليوم السابع (youm7.com)
  • بعد 12 عاما.. سوريا تستعيد مقعدها في جامعة الدول العربية | سكاي نيوز عربية (skynewsarabia.com)

مصطفى المحمد
باحث في قسم البحوث والدراسات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى