إصلاحات نظام الأسد لمن؟
خرجت المظاهرات الشعبية السورية 2011م بمطالبات الإصلاح لنظام الأسد، ووصلت مطالب الإصلاح لمجلس الشعب السوري ذاته، حيث نقلت وكالة الانباء الفرنسية أواخر الشهر الثالث سنة 2011م، عن النائب في المجلس وقتها د.محمد حبش قوله: “إن النواب طالبوا ليلة الاحد 27/3/2011،
بأن يوضح الرئيس الإجراءات الجديدة التي أعلنت عنها السلطات السورية، وحثّوه على شرح طبيعة تلك الاجراءات في كلمة يلقيها أمام مجلس الشعب.”
طبعاً لم يكن ليخطر على بال أحد من الجمهور السوري (يومها) بمن فيهم رأس النظام، أن ترتقي المطالب من دعوات للإصلاح لتصل إلى دعوات صريحة بإسقاط النظام السوري!! فما بعد جمعة العشائر في العاشر من شهر ٦ عام ٢٠١١ ليس كما قبله، حيث بدأت تظهر بوادر الطلاق بين الحراك السوري السلمي من جانب والنظام السوري الدموي من جانب آخر، وكل ذلك بسبب تعنت الأخير، حتى وصلنا إلى ماوصلنا إليه اليوم من تقسيم الخريطة السورية إلى أربعة مناطق نفوذ، كل منطقة فيها محميّة بحدود أشبه ماتكون بحدود الدول.
جاءت المبادرة العربية التي أسميناها في المكتب العلمي لتيار المستقبل السوري بـ “طائف سوري” جديد، لتصبح طلبات الإصلاح خارجية، بعد أن كانت داخلية.
ولترتفع بعدها الأصوات ضمن حاضنة نظام الأسد نفسه مطالبةً ببضع إصلاحات تحت سقف الأسد “الوطن”، من تأمين طبابة، أو رغيف عيش، أو منع سرقات الحواجز وبطشها وغيرها …
كل هذه المطالب يمكن جمعها افتراضياً في حاضنتين:
الحاضن الداخلي، المُمثَّل بأصوات الشعب السوري منذ 2011، وحتى 2023.
والحاضن الخارجي، والذي يمكن اعتبار المبادرة العربية (خطوة بخطوة)، وما صدر عنها من متابعة للجنة الوزراية العربية المشتركة.
تأتي خطوة النظام السوري اليوم بتغيير قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي مؤشراً لرغبة النظام السوري بإجراء بعض الإصلاحات، حيث أن اجتماع اللجنة المركزية للحزب، والمقرر يوم السبت المقبل سيشهد إقرار القواعد التنظيمية الخاصة بالمرحلة المقبلة، وإعطاء التوجيهات لاختيار قيادات جديدة عبر ما سماها أمين سر حزب البعث في سورية د. هيثم سطايحي بـ: “الانتخابات”.
سبق هذه الحركات الإصلاحية عدة خطوات إصلاحية لعل أهمها خطوات ثلاثة:
1- إلغاء قانون الطوارئ: حيث أقر النظام السوري في 19 نيسان/أبريل 2011م مشروع مرسوم تشريعي يقضي بإنهاء حالة الطوارئ المفروضة في جميع أنحاء البلاد منذ عام 1963.
2- قانون تجريم التعذيب: هو القانون رقم 16 لعام 2022م، الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد، إذ يتضمن القانون العديد من البنود التي تتوافق مع الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، حيث وفقاً للقانون، يعتبر التعذيب كل عمل أو امتناع عن عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً أو عقلياً يلحق بشخص ما قصداً للحصول منه أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو تخويفه أو إكراهه على القيام بعمل ما.
3- مراسيم العفو والتي بلغت ثلاثاً وعشرين مرسوم عفوٍ، منذ بداية الحراك الشعبي في آذار/ 2011 حتى 20/ تشرين الثاني/ 2023م.
ولكن رغم كل هذه الاصلاحات لم تتقدم سورية بأي خطوة نحو إنهاء حالة التأزم التي تعيشها، سواء في المناطق الخاضعة للنظام السوري، أو سورية ككل، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن حقيقة هذه الاصلاحات!!
هل كان النظام السوري بالفعل جاداً في الوصول إلى حلول لحالة التأزم التي يعيشها الوطن والمواطن معاً؟!!
يمكننا النظر إلى الإصلاحات الحقيقية التي تحتاجها سورية عبر اتجاهات ثلاثة:
1- الاتجاه السياسي: على اعتبار أن سورية تمر بمرحلة دقيقة نراها تنتظر قراراً دولياً ما ليتم الاعتراف بمناطق النفوذ وحدودها التي تقسم الخريطة السورية، إذ باعتبار نظام الأسد هو الممثل الشرعي أمام المجتمع الدولي للدولة السورية، فعلى كاهله وحده تقع قرارات الإصلاح السياسي، والتي يمكن اجمالها بما يلي:
أ. تطبيق قرار الأمم المتحدة (2254)، والقاضي بتشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة تتدرج بسورية نحو دولة ديمقراطية حقيقية تنهي العنف والحرب، وتُخرج الدول المتدخلة بالصراع من مربع الصراع إلى خانةٍ أخرى.
ب. انفتاح النظام السوري على المعارضة السورية الحقيقية، وفتح صفحة جديدة لبحث الانتقال السياسي في سورية، وإيقاف اتهام المعارضين بقضايا الارهاب، ومصادرة الممتلكات، وغيرها.
2- الاتجاه الأمني: إذ كل قرارات العفو، ومراسيم منع التعذيب، ستكون مضحكة أمام تغول الأفرع الأمنية ومسالخها البشرية، والتي مازالت ترصد وتهيمن على نَفَس الشعب السوري، سواء بالداخل أو بالخارج، ولذا فسيكون أس الإصلاحات الداخلية وأهمها هو كف يد الأجهزة الأمنية عن الشعب ومؤسساته، وخاصة في القضاء، بل يجب حلُّها بالمطلق وإعادة بنائها وهيكلتها لتكون خاضعة للقانون وتحت سقفه.
3- الواقع الاقتصادي: لاشك أن الشأن الاقتصادي مرتبط بالإصلاح السياسي، ولكن سورية اليوم بحاجة ملحة إلى إعادة الاعمار وجلب الاستثمارات، والسعي لرفع العقوبات، وفتح السوق الاقتصادية أمام الشعب السوري، إضافة لتحكم أسرة الأسد وشبكة كل واحد منهم على حدا بمعابر ومنافذ لاحتكار الصادر والوارد من وإلى سورية.
عبر هذه الاتجاهات والمحددات التي تحتاجها سورية، فإن الظاهر هو غياب قرارات الاصلاحات التي يطلقها بشار الأسد باعتباره رأس نظام ديكتاتوري مستبد بيده كل الصلاحيات، مع غياب دراسة مقاربة حقيقية للوضع السوري، الأمر الذي يجعلنا نتساءل، هل كانت هذه الاصلاحات نزولا تحت رغبة الشعب السوري، أم محاولة كسابقاتها لذر الرماد بالعيون أمام الطلبات العربية والدولية؟.
لاشك أنها لم تبلغ حتى الآن مرحلة اعتراف النظام السوري بضرورة النزول على رغبة الشعب السوري، الأمر الذي سيجعلنا كسوريين بعيدين عن الحل من طرف النظام، ما يجعل الحاجة ملحة يوما بعد يوم للبحث عن حلول خارجه.
من هنا فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بشدة أن تتولى المعارضة السورية حمل فكرة مشروع “ألمانيا الغربية”، والذي كان لنا دور مؤيد له كمشروع واقعي حقيقي أمام حالة الاستعصاء التي يقودها النظام السوري برئاسة بشار الأسد.
………….
المراجع:
- انظر الدراسة رقم (1): قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023 والاتجاه نحو طائف سوري
في (الدراسة رقم (1): قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023 والاتجاه نحو طائف سوري – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org)). - تيار المستقبل السوري| في يوم العيد الوطني الألماني | ألمانيا جَدّة سورية. – تيار المستقبل السوري (sfuturem.org)
- لجنة وزارية عربية تبحث الحل السياسي في سوريا | أخبار | الجزيرة نت (aljazeera.net)
أهمية إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري؟ | الميادين (almayadeen.net) - مرسوم العفو 36 لعام 2023 يستثني مجمل المعتقلين على خلفية سياسية | الشبكة السورية لحقوق الإنسان (snhr.org)
- مرسوم العفو العام في سوريا 2023/2024 – فاصل نيوز (faselnews.com)
- سوريا- الأسد يصدر مرسوما بمنح عفو عام عن “الجرائم الإرهابية” – DW – 2022/4/30
- القانون رقم /16/ لعام 2022 القاضي بتجريم التعذيب (pministry.gov.sy)
- سوريا تُلغي قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة وتقر قانوناً لتنظيم التظاهر (alarabiya.net)
بلال محيي الدين
باحث في قسم البحوث والدراسات
المكتب العلمي
تيار المستقبل السوري