الأخبارالمكتب العلميباحثون مستقلون

في يوم حقوق الانسان: سورية بوابة دخول التوحش البشري عصره الجديد

بدأت مبادئ حقوق الإنسان الحديثة بالظهور خلال عصر النهضة الإنسانية في أوائل العصر الحديث، حيث أدت الحروب الدينية الأوروبية، والحروب الأهلية في إنجلترا في القرن السابع عشر، إلى استحداث الفلسفة الليبرالية، وأصبح الإيمان بالحقوق الطبيعية مصدرًا رئيسيًا للاهتمام في الثقافة الفكرية الأوروبية خلال عصر التنوير في القرن الثامن عشر.
ظهرت هذه الأفكار في صميم الثورات الأمريكية والفرنسية التي قامت قرب نهاية ذلك القرن، وقد مهد التطور الديمقراطي خلال القرن التاسع عشر لظهور حق الاقتراع العام في القرن العشرين، وأدت الحربان العالميتان إلى وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولقد شهدت فترة ما بعد الحروب العالمية إلى نشوء حركات ناشئة عن مجموعات محددة تعاني نقصًا في حقوقهم، مثل حركة حقوق المرأة، والحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة، كما ظهرت الحركات الخاصة بحقوق الإنسان التابعة لأعضاء الكتلة الشرقية في السبعينيات إلى جانب حركات حقوق العمال في الغرب.

ميثاق حقوق الإنسان العالمي:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان، صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، اعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948، وهو يحدد و للمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا.
بحلول القرن الحادي والعشرين، تطورت حركات حقوق الإنسان لتشمل جوانب متعددة تتضمن التنمية الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في العالم النامي.
إن تاريخ حقوق الإنسان يتسم بالتعقيد، كما هو حال عصرنا الحاضر أيضا، إذ رغم تطور العقل البشري نحو الاعتراف بحقوق البشر، فإنه وللأسف منذ اعتماد ميثاق حقوق الإنسان العالمي في عام 1948، تم خرقه في العديد من الأحداث والنزاعات حول العالم، من ذلك:

  1. الحرب الكورية (1950-1953) حيث وقعت فيها انتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع خلال الحرب، بما في ذلك قتل المدنيين والأسرى من قبل كلا الجانبين.
  2. الحرب الفيتنامية (1955-1975) حيث تم توثيق انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب والقتل الجماعي للمدنيين.
  3. الأزمة الرواندية (1994) حيث وقعت إبادة جماعية في رواندا أدت إلى مقتل حوالي 800,000 شخص، في غالبيتهم من الطوائف التوتسي.
  4. الحرب في البوسنة والهرسك (1992-1995) حيث شهدت الحرب انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والتطهير العرقي.
    يمكن القول أن هذه الخروقات قد تمت دون انتشار لوسائل الاتصالات الحديثة، وبالتالي قد تستمر الجريمة لسنوات حتى يتم كشفها، أما بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي, فقد بات العالم يشاهد الخروقات لحقوق الانسان مباشرة أو بشكل سريع، الأمر الذي يجعل لهذه الخروقات وقعاً شعبياً أقسى، كما ويجعل الحاجة لدور ميثاق حقوق الانسان أكثر من أي وقتٍ مضى.

إن ماجرى من انتهاكات لحقوق الانسان من قبل النظام السوري دفع العالم المتوحش ليزداد وحشية، فنجاح تجربة النظام السوري في تصفية شعبه تجاوز كل تصور، وعلى مرأى ومسمع من العالم عبر نقل وسائل التواصل الاجتماعي أعداد الضحايا والمجازر المروّعة هنا وهناك، وبدل أن يكون امتلاك المعلومة عاملاً في تفعيل دور المساءلة القانونية والجنائية، صرنا نرى تأويلها واللعب بالحقائق، وضخ الدولة لمعلومات متناقضة تجرّد حدث إبادة الشعب على يد نظام حكمه وزنه وقيمته وخطورته.
لعله يمكننا القول أن التجربة السورية الأخيرة منذ عام ٢٠١١ تعد البوابة التي دخل منها التوحش البشري، عصره الجديد والذي لم يعد يهتم لقضايا حقوق الانسان، حتى رأينا التفرعن الروسي في أوكرانيا، الأمر الذي امتد إلى حرب اسرائيل وحماس، حيث صار قتل أكثر من عشرين ألف مدني وعشرات الآلاف من المصابين الأبرياء يجري أمام عيون المجتمع الدولي وبفيتو أمريكي!! وليتم من جديد تضليل الرأي العام العالمي عن أسباب سقوط كل هذه الضحايا من المدنيين بحجج الدفاع عن النفس.

نعود للقول أن التساهل الحقوقي من قبل المجتمع الدولي في سورية، كان السبب لتفشي سرطان الاعتداء غير المبرر على بلادٍ وعبادٍ كما في أوكرانيا وغزة، الأمر الذي يجعلنا نحذر من تمدده إلى مناطق أخرى إن لم يقم عقلاء العالم (ونشك بوجودهم أو وجود صوتٍ مسموعٍ لهم) بالأخذ على يد الفاشيين والمجرمين، وبشكل حقيقي.

يمكن للحقوق الانسانية أن تتجاوز في لحظة انتقالية تداعيات حرب بين عسكريين، رغم وجود قررات جنيف وغيرها من قوانين الحرب وأسراها، ولكن لايمكن أبدا التساهل في: التغيير الديمغرافي، الحرب ضد المدنيين، الاعتقالات التعسفية، خطف الآمنين، انعدام الأمن للمدنيين.

لعل أهل الإيمان يجدون في كتبهم المقدسة انتقام الرب من التساهل ضد الظلم، ولكن العقلاء يجدون أن تساهل ما مرت به سورية وما تزال، يعد مرحلة جديدة دخلتها البشرية نحو مزيد انهيار لقيم حقوق الإنسان، ما قد يجعل مستقبل البشرية أجمع معرضاً للفناء والانهيار.

إدمون عيد سمعان.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى