المقدمة:
شكلت محافظة السويداء بعد التحرير بيئة سياسية واجتماعية معقدة نتيجة تداخل عوامل محلية ودينية وسياسية وأمنية. بعد الإعلان عن خارطة الطريق في سبتمبر 2025، ثم ما كشفته وسائل بعض وسائل الإعلام السورية بتاريخ 16/11/2025م، عن تنسيق عربي ـ أردني "كبير" لحل الأزمة في محافظة السويداء جنوبي سورية، وفق خارطة الطريق، وبما يضمن وحدة البلاد. ظهرت الحاجة إلى دراسة تطبيقها بشكل عملي وتحليل العقبات المحتملة أمام التنفيذ. تهدف هذه الورقة إلى تقديم تحليل شامل لتاريخ الأحداث، وتقييم السيناريوهات المستقبلية، وتقديم توصيات استراتيجية قائمة على الأدلة والبيانات الحديثة من المصادر الإعلامية والتحليلية الموثوقة.
- الإطار التاريخي والسياسي لمحافظة السويداء بعد التحرير:
1.1 الأحداث الرئيسية بعد التحرير:
بعد تحرير سورية من النظام الأسدي البائد، بادرت الحكومة السورية بدعم رسمي لتعزيز الأمن وإعادة الخدمات الأساسية، إلا أن أحداثا مأساوية كانت بدايتها خلاف معهود بين الدروز والبدو تطور ليكون مأساة على السويداء بمختلف مكوناتها وفخا اعترفت بها الحكومة على لسان وزير خارجيتها، أودى بضحايا ومآسي، وسبب دعوات للانفصال من قبل أتباع الشيخ الهجري.
شكلت اللجنة العليا الدرزية برئاسة الشيخ حكمت الهجري قوة محلية نافذة تتحكم بالموارد والخدمات، مما خلق توازنا دقيقا بين النفوذ المحلي والمركز، رغم دعوات الانفصال والاستقواء بالطيران الاسرائيلي الذي قصف مبنى الأركان والقصر الجمهوري بدمشق.
واجهت المحافظة تحديات كبيرة في استعادة البنية التحتية الأساسية (الكهرباء، المياه، الطرق) بسبب الأضرار الحربية السابقة وتأخر التمويل الدولي والإقليمي.
1.2 طبيعة المجتمع الدرزي:
يهيمن على المجتمع الدرزي في السويداء تنظيم قبلي وروحي مركزي، مع نفوذ واضح للجنة الهجري.
تسود المحافظة روح استقلالية محلية قوية، مما يزيد التعقيدات أمام أي مسار تسوية أو مصالحة، خصوصاً عندما يتعلق النفوذ الإداري أو الموارد المالية.
1.3 التدخلات الإقليمية والدولية:
رحبت كل من الأردن والولايات المتحدة بخارطة الطريق، مؤكدة دعمها للحل السلمي واستقرار المنطقة.
التمويل الدولي والإقليمي يقتصر على مراقبة الإجراءات وتقديم مساعدات محدودة، دون تدخل مباشر في مسار الإصلاح الكامل.
- تقييم خارطة الطريق، التنفيذ الحالي والتحديات:
2.1 التنفيذ الفعلي:
تطبيق بعض البنود الأمنية: نشر قوات محلية لتأمين الطرق الرئيسية، خصوصا طريق دمشق–السويداء.
تقديم مساعدات محدودة للمتضررين، لكنها غير كافية لتلبية احتياجات السكان بالكامل.
ترميم محدود للبنية التحتية، دون تحقيق تغطية شاملة لجميع القرى والمناطق.
2.2 التحديات:
مقاومة محلية: اللجنة الدرزية تمارس سيطرة قوية على مؤسسات أساسية، مما يبطئ تنفيذ البنود الإدارية والاقتصادية.
قصور التمويل الدولي والإقليمي: التمويل محدود وموجه لخطوات قصيرة المدى، مما يحد من القدرة على تنفيذ مشاريع شاملة للإعمار.
فقدان الثقة المجتمعية: بطء تنفيذ التعويضات والخدمات يثير استياء السكان ويزيد من مخاطر التوتر الاجتماعي. - السيناريوهات المستقبلية المحتملة:
تم تصنيف السيناريوهات المستقبلية إلى ثلاثة مسارات رئيسية، مع تقدير احتمالية كل منها استنادا إلى العوامل المحلية والإقليمية والدولية:
3.1 السيناريو أ: التنفيذ الجزئي المتباطئ (احتمال 45%)
تنفيذ محدود لبنود الخارطة على الورق، مع بطء وصول التعويضات والخدمات.
مشاركة محدودة من اللجنة الدرزية، مع استمرار نفوذها في السيطرة على الموارد المحلية.
توصيات تيار المستقبل السوري:
- متابعة التنفيذ بشكل شفاف وموثق.
- دعم مشاريع إعادة الإعمار عبر المجتمع المدني.
- تعزيز شبكة علاقات مع الناشطين المحليين لضمان مشاركة حقيقية في المصالحة.
3.2 السيناريو ب: الفشل الكامل للخارطة (احتمال 25%)
رفض اللجنة الدرزية أي تنفيذ فعلي، مع توقف التمويل الدولي والإقليمي.
عودة التوترات العشائرية والدرزية، وفقدان الثقة بالدولة المركزية.
توصيات تيار المستقبل السوري:
- تطوير مبادرات بديلة للمصالحة المحلية.
- تعزيز الرقابة الدولية المستقلة على تنفيذ أي خطوات مستقبلية.
- بناء تحالفات إقليمية لدعم حل وسط يحفظ حقوق السكان مع وحدة الدولة.
3.3 السيناريو ج: النجاح الجزئي المشروط (احتمال 30%)
تنفيذ جزئي متوازن مع موافقة محدودة من اللجنة الدرزية.
تأسيس نموذج إدارة مختلطة يشارك فيه المجتمع المحلي والدولة.
توصيات تيار المستقبل السوري:
- دعم النموذج المختلط ومراقبته بدقة.
- إنشاء «منتدى السويداء للاستقرار والمصالحة» بمشاركة محلية وإقليمية.
- توجيه التمويل الدولي لمشاريع تنموية مستدامة تعزز الثقة.
- استخدام خطاب إعلامي يركز على الوحدة الوطنية مع احترام الخصوصية المحلية.
- خريطة زمنية مقترحة للتنفيذ (نوفمبر 2025 – يونيو 2026):
مرحلة التمهيد والتقييم (نوفمبر – ديسمبر 2025): تقييم الأضرار، التواصل مع اللجنة الدرزية، وإطلاق المساعدات العاجلة.
مرحلة المصالحة والخدمات (يناير – فبراير 2026): تنفيذ التعويضات، ترميم البنية التحتية الأساسية، ونشر القوات المحلية.
مرحلة الإدارة المختلطة وتقييم منتصف الطريق (مارس – أبريل 2026): إنشاء منتدى محلي للتنسيق، مراجعة توزيع التعويضات، وتعزيز المشاركة المجتمعية.
مرحلة الاستدامة والمراقبة (مايو – يونيو 2026): ضمان استدامة المشاريع والخدمات، تقييم النتائج النهائية، وتعزيز سيادة الدولة مع مشاركة المجتمع المحلي.
الخاتمة:
تشير التحليلات إلى أن خارطة الطريق في السويداء تواجه تحديات كبيرة بسبب المقاومة المحلية، ونقص التمويل، وبطء التنفيذ. ومع ذلك، فإن السيناريو الثالث (نجاح جزئي مشروط) يظل الأكثر جدوى لتحقيق استقرار نسبي، إذا تم دمج الرقابة المحلية والدعم الدولي والإقليمي بشكل فعال.
هذا، ويمكن لتيار المستقبل السوري لعب دور محوري في دعم النموذج المختلط، وتعزيز المشاركة المدنية، وضمان أن تكون أي مصالحة عملية وشاملة، مع الحفاظ على وحدة الدولة السورية.
المراجع:
- Al Jazeera، «مسار سوري من 7 خطوات لتجاوز أحداث السويداء بدعم أردني أميركي»، 16 سبتمبر 2025. (aljazeera.net)
- الأناضول، «الإعلان عن خريطة طريق من 7 خطوات للحل في السويداء»، 16 سبتمبر 2025. (aa.com.tr)
- Jordan Times، “Jordan, Syria, US ink roadmap to end crisis in Suwayda, stabilise southern Syria,” 16 سبتمبر 2025. (jordantimes.com)
- Rudaw، “Druze leadership rejects Syria‑Jordan‑US roadmap,” 17 سبتمبر 2025. (rudaw.net)
- FDD’s Long War Journal، Ahmad Sharawi، Suwayda Military Council: A New Druze Coalition Emerges in Syria, 24 فبراير 2025. (fdd.org)
- Alma Research and Education Center، Tal Beeri، As Suwayda Governorate Clashes – July 2025, أغسطس 2025. (israel-alma.org)
- Small Wars Journal، Jeremy Hodge & Hussein Nasser، Syria’s Crime Den: Trafficking, Extremism and Instability in Suwayda, 11 أغسطس 2025. (smallwarsjournal.com)