في الأيام الأخيرة، تناقلت وسائل إعلام عربية واسعة الانتشار، منها جريدة القدس العربي، أن مجلس الأمن الدولي اعتمد قرارا جديدا “تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة” يقضي برفع العقوبات عن الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطاب.
وقد قُدّم الخبر على أنه يحتوي نصًا صريحًا يحتوي عبارة “Acting under Chapter VII”والتي تعني “يُنفذ تحت البند السابع“، مما أعطاه طابعًا يوحي بصدور تفويض دولي شامل أو بمرحلة جديدة من التدخل الأممي في سورية.
لكن التحقق من المصادر الرسمية والبحث في أرشيف مجلس الأمن ومراكز الأبحاث المستقلة يظهر صورة مختلفة تمامًا.
القرار صدر فعلاً… لكن نصّه الكامل لم يُنشر بعد
حتى تاريخ كتابة هذا المقال، لم تصدر الأمم المتحدة النص الرسمي الكامل للقرار رقم S/RES/2799 (2025) عبر موقعها الخاص بالوثائق الرسمية (undocs.org).
المتاح حتى الآن هو بيان صحفي من مقر الأمم المتحدة في نيويورك (SC/16214) يعلن اعتماد القرار بأغلبية 14 صوتًا وامتناع الصين، ويؤكد أن المجلس قرر شطب اسمَي الشرع وخطّاب من قائمة العقوبات المرتبطة بتنظيمَي داعش والقاعدة (قرارات 1267 و1989 و2253). أي أن القرار في جوهره تعديل إداري على قائمة الأفراد المدرجين في نظام العقوبات الخاصة بالإرهاب، وليس قرارًا سياسيًا جديدًا موجَّهًا ضد الدولة السورية أو لصالحها.
من أين جاء الحديث عن “الفصل السابع”؟
النظام العقابي المشار إليه (1267/1989/2253) أُنشئ أصلًا عام 1999 بموجب الفصل السابع من الميثاق، أي أن جميع تعديلاته – بما فيها القرار 2799 – تندرج تلقائيًا ضمن الإطار القانوني للفصل السابع، حتى إن لم يُذكر ذلك نصًا في الديباجة.
لكن هذا لا يعني أن القرار نفسه تضمن صيغة “يتصرف بموجب الفصل السابع”، ولا أنه منح المجلس تفويضًا جديدًا لاتخاذ تدابير قسرية أو فرض حظر أو استخدام للقوة. الفصل السابع هنا مرجعية قانونية عامة وليس أداة تنفيذية ضد دولة معينة.
الفصل السابع لا يطال الدولة السورية:
تمديد العمل بآلية العقوبات الأممية “تحت الفصل السابع” لا يعني أن الدولة السورية باتت خاضعة للفصل السابع، بل المقصود أن اللجنة المعنية بتنفيذ العقوبات على تنظيمَي داعش والقاعدة تواصل عملها بموجب هذا الإطار القانوني.
أي أن الالتزامات الدولية المترتبة لا تقع على الدولة السورية ككيان سياسي، بل على الأفراد والكيانات المدرجة أسماؤهم تحديدًا، ومنها – سابقًا – أحمد الشرع وأنس خطاب، اللذان أُزيل اسماهما الآن من القائمة.
الموقف الصيني، إزالة اللبس حول نطاق الفصل السابع:
خلال النقاشات التي سبقت التصويت، أبدت الصين تحفظات جوهرية على بعض فقرات المسودة الأولى، خاصة تلك التي قد تُفهم بأنها تمدّ مظلة الفصل السابع لتشمل الدولة السورية نفسها. وطلب الوفد الصيني تعديل الصياغة لتوضيح أن القرار يتعلق حصريًا بالمنظمات والأفراد المدرجين ضمن قوائم الإرهاب، وأن أحكام الفصل السابع لا تنطبق على الحكومة السورية أو على الدولة ككل.
وبعد اعتماد هذه التعديلات التوضيحية، امتنعت الصين عن التصويت بدلاً من استخدام الفيتو، في إشارة إلى قبولها الإطار العام مع استمرار تحفظها على بعض التفاصيل الفنية، وتحفظها على إزالة اسميّ الشرع، وخطاب. فالصين أراد بشكل أساسي ضمان ألا يُستخدم الفصل السابع ضد سورية كدولة.
الموقف الإماراتي، التركيز على المساءلة والرقابة:
أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد دعمت الاتجاه العام للقرار، لكنها طالبت بحسب ما ورد في What’s In Blue (أي المسودة الزرقاء) بإضافة إشارات صريحة إلى أهمية احترام القانون الدولي، وضمان الشفافية والمساءلة في أي تحويلات مالية أو مساعدات تقنية تُقدَّم ضمن الاستثناءات الخاصة بإعادة الإعمار أو إزالة الألغام.
كما شددت على ضرورة وجود آليات رقابة واضحة لمنع تحويل هذه الاستثناءات إلى قنوات غير مشروعة. وقد أُخذت هذه الملاحظات بعين الاعتبار في الصياغة الثانية للمسودة الزرقاء.
ماذا تضمنت المسودات فعليًا؟
بحسب موقع Security Council Report – What’s In Blue، جرى تعديل المسودة الأمريكية الأصلية مرتين قبل التصويت، بعد اعتراض عدد من الأعضاء على فقرات وردت في النسخة الأولى كانت تنص على استثناءات (Carve-outs) من نظام العقوبات، منها السماح بتمويل مشاريع إعادة الإعمار أو تقديم معدات لإزالة الألغام دون اعتبارها خرقًا للحظر المفروض على الجماعات الإرهابية. تم لاحقًا تضييق هذه الفقرات وتوضيحها حتى لا توحي بأن الدولة السورية نفسها خاضعة لذلك النظام أو أنها مُستهدفة به.
النسخة النهائية اكتفت بفقرتين عمليتين: شطب الاسمين، وتحديث القوائم من قبل اللجنة المختصة.
هل فرض القرار أي إجراءات على الشرع أو خطاب؟
الجواب وفق المسودة الزرقاء “لا”.
المسودة الزرقاء النهائية – كما ورد في تقارير What’s In Blue وReuters – لا تتضمن أي التزامات أو تدابير متابعة تخص أحمد الشرع أو أنس خطاب بعد شطبهما من القائمة. أي لا توجد شروط مالية أو سياسية أو تقارير متابعة مفروضة عليهما شخصيًا، بل يُعتبران ببساطة خارج نطاق نظام العقوبات الدولي اعتبارًا من تاريخ اعتماد القرار.
بين التضخيم الإعلامي والواقع القانوني
الحديث المتكرر في بعض الصحف عن “قرار أممي تحت الفصل السابع يغيّر مكانة سورية” هو تضخيم مبني على خلطٍ بين الإطار القانوني العام للنظام العقابي وبين مضمون القرار نفسه. فالقرار 2799 لا يفرض ولا يرفع عقوبات على الدولة السورية ككيان سياسي، بل يُعنى حصريًا بشطب اسمَي شخصين من قائمة مرتبطة بتنظيمات إرهابية. وحتى الآن، لم يصدر النص الرسمي الكامل ليُعرف ما إذا كان يتضمن أي فقرات أخرى.
الخلاصة
ما نعرفه رسميًا حتى الآن هو التالي:
القرار 2799 معتمد فعلًا من مجلس الأمن.
لم يُنشر نصّه الكامل حتى تاريخ اعداد هذا التقرير 08 نوفمبر 2025 على موقع الأمم المتحدة.
لا يوجد مصدر مستقل يثبت أن ديباجته تحتوي عبارة “تحت الفصل السابع”.
محتواه المعلن يقتصر على شطب اسمي أحمد الشرع وأنس خطاب من قائمة الإرهاب الأممية.
وبناءً على ذلك، فإنّ ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام عن “تفويض دولي جديد تحت الفصل السابع” لا يستند إلى وثائق منشورة أو مصادر معتمدة، بل إلى تفسير موسّع لعبارة قانونية وردت في سياق مختلف. وإلى أن تُنشر الوثيقة الرسمية، تبقى هذه التأويلات مجرد اجتهادات إعلامية غير مثبتة.
خاتمة:
المرحلة الحالية تتطلّب قراءة هادئة للقرارات الدولية بعيدًا عن العناوين المثيرة. ففي النظام الأممي، الفرق كبير بين “الإشارة إلى الفصل السابع” كإطار قانوني، وبين “العمل بموجبه” كأداة تنفيذية. والقرار 2799 حتى الآن، وفق كل ما هو متاح من مصادر موثوقة، ينتمي إلى الحالة الأولى لا الثانية.
المراجعظك
- United Nations Press Release SC/16214 (6 Nov 2025)
- Security Council Report – What’s In Blue (6 Nov 2025)
- Reuters – UN Security Council removes sanctions on Syria’s president and interior minister (6 Nov 2025)
- UN Security Council – Resolutions 2025 (Official Archive)
المكتب السياسي
قسم الباحثين المستقلين
علاء الدين الخطيب