الصناعات الصغيرة والمتوسطة في سورية: الواقع وآفاق التطوير

المقدمة:

تعاظم الدور الذي تؤديه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على مستوى الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة، فهي باتت تمثل ما يقارب (80–90%) من إجمالي المنشآت العاملة في معظم دول العالم. وقد توضحت المساهمات التي يمكن أن تتولد من هذا القطاع على المستويين الاقتصادي والاجتماعي على السواء.
وفي سورية، تشكل الصناعات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للقطاع الصناعي، وهي أحد الأدوات الهامة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويعود ذلك مبدئياً لكونها تمثل النشاط الاقتصادي التقليدي، إضافة إلى مردودها الإيجابي ضمن الاقتصاد الوطني من حيث دورها الرائد في توفير فرص عمل جديدة، وقدرتها على تحقيق الربط بين الأنشطة الاقتصادية، وذلك بمتطلبات متواضعة بالمقارنة مع غيرها من أنواع المشاريع التنموية.

أولاً، الإطار التشريعي والتنظيمي للصناعات الصغيرة والمتوسطة في سورية:

  • ينظم إحداث المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة في سورية أحكام القانون رقم 21 لعام 1958 والقانون رقم 47 لعام 1954.
  • تخضع هذه المنشآت في المسائل التنظيمية لقانوني التجارة والشركات، مما يضعها ضمن الإطار القانوني العام للأنشطة الاقتصادية الخاصة.

ثانيًا، واقع الصناعات الصغيرة والمتوسطة في سورية:

نظرًا لإشراف وزارة الاقتصاد والصناعة على قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، نستعرض فيما يلي واقع هذه الصناعات في سورية، وقد استخدمنا هذا المصطلح للتمييز عن مصطلح "المنشآت الصغيرة والمتوسطة" الشامل، وذلك لأغراض إحصائية وتحليلية ضمن بعض أجزاء هذه الورقة.

  • تعمل هذه الصناعات ضمن مجالات الصناعة الأساسية: غذائية، نسيجية، كيميائية، هندسية.
  • تشكل الصناعات الصغيرة والمتوسطة نسبة 82% من عدد المنشآت الصناعية الخاصة.
  • يشكل رأسمال هذه الصناعات نسبة 83% من إجمالي رأس المال المستثمر في القطاع الصناعي الخاص.
  • تقدر العمالة التي يشغلها هذا القطاع بـ94% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص الصناعي.
  • تساهم الصناعات الصغيرة والمتوسطة بحوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي.

ثالثًا، تحليل واقع الصناعات الصغيرة والمتوسطة:

  • تشكل المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة أحد المكونات الأساسية في تركيب قطاعات الاقتصاد الوطني في سورية.
  • تساهم هذه المؤسسات في تشغيل نسبة كبيرة من قوة العمل في الاقتصاد الوطني.
  • تمارس معظم هذه المنشآت نشاطاتها الإنتاجية وفقًا لطرق العمل التقليدية المتعارف عليها، وتجد صعوبة في تطوير طريقة عملها بما يتوافق مع متطلبات الاندماج في الاقتصاد العالمي.
  • تواجه منتجات هذا القطاع منافسة شرسة من المنتجات المستوردة ذات الجودة الأقل والسعر الأرخص، في ظل ضعف البيئة التمكينية لعمل هذا القطاع.
  • تفتقر هذه المنشآت إلى بيئة توفر لها المتطلبات الأساسية الداعمة لأدائها الاقتصادي، مثل التدريب والتأهيل المهني.
  • تعاني من ضعف في البنية الأساسية اللازمة لدعم وتنمية هذه المنشآت، خاصة في مجالات الإنتاج والتسويق.

رابعًا، الإمكانيات الكامنة لتطوير هذا القطاع:

  • إتاحة فرص عمل برؤوس أموال أقل.
  • إعادة استثمار المدخرات في الميادين الإنتاجية بدلاً من توجيهها نحو الاستهلاك.
  • استثمار المواد الأولية المتاحة محليًا.
  • دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة كمغذيات لصناعات أخرى، مما يوسع قاعدة الإنتاج المحلي.
  • انخفاض الحاجة إلى مستويات عالية من التدريب.
  • توفير جزء هام من احتياجات السوق المحلي، مما يقلل من الاستيراد.
  • القدرة على التكيف السريع مع تغييرات السوق.
  • إمكانية الاعتماد على الرقمنة للتسويق الداخلي والخارجي.
  • الاعتماد على اقتصاد التجميع لتخفيض كلف الإنتاج.

خامسًا، السياسات الحكومية لتطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة:

تقتضي المرحلة الراهنة أن تعمل السياسات الحكومية ضمن الخطة التنموية على تطوير بيئة عمل داعمة ومتكاملة لهذا القطاع، باعتبار أن دعمه ليس خيارًا بل ضرورة استراتيجية لإنعاش الاقتصاد السوري. ويتطلب ذلك إرادة سياسية واجتماعية حقيقية لتبني هذا النهج، لما له من أثر في تخفيض البطالة وزيادة الناتج المحلي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.

1.تطوير البيئة التشريعية والتنظيمية

  • إصدار قانون خاص بالصناعات الصغيرة والمتوسطة ينظم آليات التسجيل والترخيص ومنح السجلات.
  • إحداث مركز للتحديث الصناعي لتقديم الدعم الفني اللازم.
  • تبسيط الإجراءات ومنح مزايا إضافية مثل الإعفاءات الجمركية وتخفيض الضرائب.

2. تطوير القطاع المصرفي

  • إنشاء صندوق وطني لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة برأسمال حكومي ودولي.
  • منح البنوك مزايا لتشجيعها على تخصيص جزء من محفظتها الائتمانية لهذا القطاع.

3. تطوير قطاع التعليم والتدريب

  • إنشاء مراكز متخصصة للدعم الفني.
  • وضع خطة مستدامة لتطوير المهارات المهنية والتركيز على المهن الجديدة.
  • تقديم منح لتبني التقنيات الموفرة للطاقة.
  • إنشاء حاضنات تكنولوجية للصناعات الناشئة.

4. تطوير آليات التسويق

  • إنشاء منصة إلكترونية وطنية لعرض المنتجات داخليًا وخارجيًا.
  • اعتماد الملحق التجاري في السفارات كمزود بيانات للأسواق وربطه بصناع السياسات.
  • إنشاء مجمعات صناعية صغيرة مزودة بالبنى التحتية لتخفيض كلف الإنتاج.

الخاتمة:

تُعد الصناعات الصغيرة والمتوسطة في سورية ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، لما لها من دور في التشغيل، الإنتاج، والتكامل الصناعي. ورغم التحديات التي تواجهها، فإن الإمكانيات الكامنة فيها كبيرة، ويمكن تفعيلها عبر سياسات حكومية متكاملة تركز على التشريع، التمويل، التدريب، والتسويق. إن تبني هذه السياسات من شأنه أن يحقق نقلة نوعية في أداء هذا القطاع، ويعزز من مساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق، نشر تيار المستقبل السوري دراسة سابقة معنونة بـ "المشاريع الصغيرة: حاجةٌ متروكة" (15 أيار 2024)، واستناداً لكل ماسبق، فإن تيار المستقبل السوري يوصي بعدد من الإجراءات التي تتكامل مع ما ورد في هذه الورقة، أبرزها:

  • توجيه الزكوات والصدقات نحو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بدلًا من الاقتصار على المساعدات الاستهلاكية، لما لذلك من أثر مستدام في تحريك العجلة الاقتصادية.
  • إنشاء صندوق اقتصادي وطني بإشراف لجنة مجتمعية بالتعاون مع رجال أعمال سوريين، يهدف إلى تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن إطار شفاف وخاضع للرقابة.
  • إعادة توجيه الدعم الدولي نحو تعزيز ثقافة المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها أداة فعالة لمكافحة البطالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
    إن دمج هذه التوصيات ضمن السياسات التنموية المقترحة يعزز من فرص نجاح هذا القطاع، ويحول الصناعات الصغيرة والمتوسطة من هامش اقتصادي إلى محور استراتيجي في إعادة بناء الاقتصاد السوري، خاصة فيما لو تم الاخذ بعين الاعتبار ان الكلفة الاستثمارية لفرصة العمل في سورية في الصناعات المتوسطة والصغيرة قد تصل إلى ١٠٠ الف دولار.

شاركها على:

اقرأ أيضا

إعادة تكوين الإنسان العربي: من التهميش إلى الولادة الجديدة

التحديات التي تواجه الإنسان العربي وكيف يمكن إعادة تكوينه من التهميش إلى التحول الإيجابي.

4 ديسمبر 2025

أنس قاسم المرفوع

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية في مرحلتي ما قبل وبعد سقوط نظام الأسد

واقع تجارة المخدرات وتعاطيها في سورية قبل وبعد سقوط نظام الأسد وتأثيرها على الاقتصاد والمجتمع.

4 ديسمبر 2025

إدارة الموقع