عقد المكتب العلمي لـِ تيار المستقبل السوري ورشة حوارية افتراضية محدودة مع عدد من الحقوقيين السوريين، وذلك على خلفية تصريح عضو مجلس النقابة، سليمان القرفان، بتاريخ 05/10/2025م بأن نقابة المحامين في سورية قد أعادت إلى قيودها نحو 5 آلاف محامٍ كان النظام البائد قد فصلهم تعسفياً.
وفي هذه الإحاطة، نقدم تصوراً عاماً مع توصيات كانت نتيجة عمل تلك الورشة.
أولاً، الخلفية القانونية والسياسية:
شهدت سورية خلال سنوات حكم النظام البائد حالات فصل تعسفي طالت آلاف المحامين، معظمهم بسبب مواقفهم السياسية أو مشاركتهم في الحراك الشعبي.
هذا الإجراء شكّل انتهاكًا صارخًا لمبدأ استقلالية المهنة وحرية التعبير المكفولة في المواثيق الدولية، ومنها:
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 19)
- المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين الصادرة عن الأمم المتحدة (1990)
ومع سقوط النظام وتشكيل سلطة انتقالية تمثل الثورة، برزت الحاجة إلى معالجة هذه الانتهاكات ضمن إطار العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات.
ثانيًا، الأساس القانوني لإعادة المفصولين:
تستند عملية إعادة المحامين إلى عدة مبادئ قانونية:
- مبدأ الإنصاف ورد الاعتبار
يُعد رد الاعتبار إجراءً قانونيًا يهدف إلى إزالة الآثار السلبية الناتجة عن قرارات تعسفية، ويستند إلى:
- قانون تنظيم مهنة المحاماة السوري رقم /30/ لعام 2010.
- القواعد العامة في القانون الإداري التي تمنع التعسف في استخدام السلطة.
- مبدأ عدم رجعية العقوبات الإدارية
لا يجوز فرض عقوبات على أساس مواقف سياسية أو تعبير عن الرأي، خاصة إذا لم تكن تلك الأفعال مجرّمة قانونًا في حينها. - مبدأ استقلالية النقابات المهنية
النقابة، في ظل السلطة الانتقالية، مطالبة بإعادة هيكلة نفسها لتكون مستقلة عن أي سلطة تنفيذية، وتعمل وفقًا لمعايير مهنية بحتة.
ثالثًا، الأبعاد القانونية للقرار:
أ. الآثار القانونية لإعادة المحامين:
- استعادة الحقوق المهنية والمالية للمفصولين.
- إمكانية المطالبة بتعويضات عن الضرر المعنوي والمادي.
- إعادة تسجيلهم في النقابة دون شروط سياسية أو أمنية.
ب. الطعن في قرارات الفصل السابقة:
يمكن للمفصولين سابقًا، بموجب القانون، الطعن في قرارات فصلهم أمام القضاء الإداري، حتى بعد إعادة الاعتبار، لضمان محاسبة الجهات التي أصدرت تلك القرارات.
رابعًا، التحديات القانونية المحتملة:
- التمييز بين المفصولين لأسباب سياسية ومهنية
يجب على النقابة تشكيل لجنة قانونية مستقلة لفحص ملفات الفصل، لضمان عدم إعادة من ارتكبوا مخالفات مهنية جسيمة. - إشكالية المحامين المتعاونين مع النظام السابق،
هل يحق لمن دعم النظام أو شارك في انتهاكات قانونية العودة؟
هذا يتطلب وضع معايير واضحة ضمن إطار العدالة الانتقالية، وليس الانتقام. - ضمان عدم تكرار الانتهاكات:
يجب تعديل النظام الداخلي للنقابة لضمان حماية المحامين من الفصل التعسفي مستقبلاً، وتكريس مبدأ حرية الرأي.
خامسًا، التوصيات القانونية لـِ المكتب العلمي في تيار المستقبل السوري:
- تشكيل لجنة وطنية مستقلة لإعادة الاعتبار المهني
تضم قضاة ومحامين مستقلين، وتعمل وفق معايير العدالة الانتقالية. - إصدار قانون خاص بالعدالة المهنية الانتقالية
ينظم إعادة المفصولين، ويحدد آليات التعويض والمساءلة. - إدماج المفصولين في برامج تدريب وتأهيل
لضمان جاهزيتهم المهنية بعد سنوات من الانقطاع. - تعديل قانون المحاماة بما يضمن استقلالية النقابة
وإلغاء أي مواد تسمح بتدخل السلطة التنفيذية في شؤونها.
خاتمة:
يمثل قرار إعادة المحامين المفصولين خطوة قانونية وسياسية مهمة في مسار بناء سورية الجديدة، ويعكس التزام السلطة الانتقالية بمبادئ العدالة والإنصاف، لكن نجاح هذه الخطوة يتوقف على مدى جديّة الإصلاحات القانونية والمؤسساتية التي تليها، وعلى قدرة النقابة على حماية استقلالها وضمان عدم تكرار الماضي.