هل تُشرق الشّمس من الصّين على سورية؟
تيار المستقبل السوري
المكتب العلمي
قسم البحوث والدراسات
دراسة رقم (01-09-23)
صدرت بتاريخ: 21/09/2023
كانت العلاقات السوريَّة الصينيَّة متوترةً بسبب مواقف الصِّين المُتحفِّظة تُجاه النِّزاع العربيِّ الإسرائيليِّ، ومع ذلك، فقد شهدت تحسُّناً ملحوظاً مع بداية الثَّورة السوريَّة عام 2011، حيث أبدت الصِّين دعمها للنِّظام السوريِّ، ومعارضتها أيَّ تدخُّلٍ خارجيٍّ في شؤون سوريّة.
تعتبرُ الصِّين واحدةً من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، وتحتلُّ المرتبة الثَّانية في مجال النَّاتج المحليِّ الإجماليِّ، والأولى في مجال التِّجارة الدوليَّة، كما أنَّ لديها اهتماماتٍ استراتيجيَّةً في منطقة الشَّرق الأوسط، حيث أنها تستورد منه معظم احتياجاتها من النَّفط والغاز.
كما تسعى الصِّينُ لتوسيع نفوذها، ونشر مبادرة “الحزام والطريق”، وهي خطَّةٌ طموحةٌ لبناء شبكةٍ من التِّجارة والبنية التحتيَّة تربطُ بين آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وبالمقابل فإنَّ موقع سوريَّة الجيوستراتيجي كدولةٍ عربيَّةٍ تقع غرب آسيا، وتحدًّها تركيا والعراق والأردن وإسرائيل ولبنان، ولها حجم أعمالٍ كبيرٍ في سورية، خصوصاً في مجالات الطاقة والاتصالات والإنشاءات، حيث كانت تستثمر حوالي 2.1 مليار دولار فيها قبل اندلاع الثورة السوريَّة، إضافةً لوجودِ 300 شركةٍ صينيَّةٍ كانت تعمل فيها، إلاَّ أنَّ ظروف الحرب اضطرَّها لإخلاء موظفيها منها، وبقيت تحافظُ على دعم النِّظام السوريِّ عبر قنواتٍ متعدِّدة ليس آخرها استخدامها المتكرِّرَ لحقّ النَّقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضدَّ أيِّ قرارٍ يُدينها أو يفرض عقوباتٍ عليها! كما قدَّمت الصِّينُ مساعداتٍ إنسانيَّة وطبيَّة للسُّوريِّين القاطنين في مناطق سيطرة النظام، وشاركت في محادثاتِ السَّلام الدوليَّة حول الملف السوريّ.
أسباب الموقف الصيني:
يبدو الموقف الصينيُّ من الثَّورة السوريَّة معقداً ومتعدِّد الأبعاد، ولعلّهُ يتأثَّر بعدَّة عواملَ سياسيَّةٍ واقتصاديَّةً واستراتيجيَّة، فمن جهةً ترفض الصِّين أيَّ تدخُّلُ خارجيًّ في شؤون سورية، وتدعو إلى حلٍّ سياسيًّ شاملً وموضوعيًّ للأزمة، يحترم سيادة ووحدة واستقلال سوريّة، ويشارك فيه جميع الأطراف المعنية، وهي تعارض أيَّ تغييرٍ للنِّظام بالقوَّة أو تقسيم سورية، وبالمقابلِ تؤكِّدُ على دورها كوسيطٍ محايدٍ وصديقٍ للشَّعب السوريِّ، وكما تُعبِّرُ عن استعدادها للمُساهمة في إعادة الإعمار والتَّنمية في سورية.
بعض أسباب تشكُّلِ الموقف الصينيِّ ضدَّ الثّورة السوريَّة:
الصِّين تحترم مبدأ عدم التَّدخلِ في الشَّأن الدَّاخلي للدُّول الأخرى، وتخشى من أن يُشكِّل ذلك مثالاً سيئاً لبعض الحركات الانفصاليَّة أو المعارضة داخلها.
الصِّين ترى في سورية نقطة ارتكازٍ استراتيجيَّةٍ في المنطقة، وبوابةً لتوسيع نفوذها، ونشر مبادرة “الحزام والطّريق”.
الصِّين تُشكِّل مع روسيا نوعاً من التَّحالف المُناهض للغرب، والذي يسعى إلى مواجهة النُّفوذ الدوليِّ للولايات المتّحدة الأمريكيَّة وحلفائها. كما أنَّها تستفيد من علاقاتها مع إيران التي تدعم النِّظام السوريّ.
الصِّين تخشى من ارتفاع أسعار النَّفط أو انقطاع إمداداته بسبب التَّوترات في المنطقة، حيث تستورد منها مُعظم احتياجاتها من النَّفط والغاز.
الصِّينُ لا تمتلك قدرةً عسكريَّةً كافيةً لخوض معاركَ حربيَّةٍ خارج حدودها، كما تفعلُ الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وحلفاؤها. كما أنَّها تُفضِّل التَّركيز على قضايا أخرى أكثر أولويّة بالنسبة لها، مثل التّحديات التجاريَّة أو المشكلات في بحر الصِّين.
تأثير موقف الدَّعم الرُّوسي والإيراني:
شهدت العلاقات الرُّوسيَّة الصينيَّة تحسُّناً عبر عقد اتفاقياتٍ على مستويات الدِّفاع والاقتصاد؛ وخصوصاً في مجال الطَّاقة، ليبرز تحالفٌ روسيُّ صينيُّ موجَّهٌ ضدَّ الولايات المتّحدة الأميركيَّة، عبر التَّنسيق على عدَّة مستوياتٍ منها:
1- أمن الطَّاقة: تُزوِّد روسيا الصِّين منذ عام 2018 بـ 38 مليار مترٍ مكعبٍ من الغاز سنويّاً، وذلك عبر الأنابيب من الشَّرق الأقصى الروسيِّ، وكانت روسيا والصين قد اتفقتا في مارس/آذار 2013، على أن تتعهَّد شركة روسنفت بزيادة صادراتها من النَّفط إلى الصين من 300 ألف برميل يوميًّا إلى حوالي 800 ألفٍ، وتضَمَّنَ الاتفاق مساهمة الشَّركة الوطنيَّة الصينيَّة للبترول في تطوير ثلاثةِ حقولٍ بحريَّةٍ في بحر بارنتس، وثمانيةَ حقولٍ نفطيَّةٍ في شرق سيبيريا.
تتوجَّهُ الصِّين إلى توفير إمداداتٍ لا تمرُّ عبر مضيق ملقا؛ حيث يمرُّ عبر ذاك المضيق حوالي 80% من واردات النَّفط الصينيَّة، وبذلك يكون نقطة ضعفٍ استراتيجيٍّ للصِّين؛ بسبب الانتشار الأمريكيِّ عبر كلِّ مسالك الملاحة البحريَّة عبر العالم، كما تُدرك الصِّين أنَّ إغلاق المضيق أو حصاره سيحول دون وصول حاجيَّاتها من الإمدادات؛ لذا تُحَاول الصِّين توفير مصادرَ بديلةً لا تمرُّ عبر الخطوط البحريَّة، وترى في روسيا المصدرَ الذي سيُوفِّر لها إمدادات الطَّاقة عبر البرِّ، ممَّا يُتيح لها تجاوز أيَّ حصارٍ بحريٍّ مُحتمل.
2- تُشكِّل روسيا أهمَّ مزوِّدٍ للصِّين بالسِّلاح منذُ أن فرضت الدُّول الغربيَّة حظراً على مبيعات الأسلحة إلى الصِّين سنة 1989، وتشمل المبيعات: الطّائرات المتطوِّرة، والغوَّاصات، والمدمِّرات، وصواريخَ أرض-جو، والصَّواريخ المضادَّة للسُّفن، ونقل التّكنولوجيا العسكريَّة والإنتاج المشترك لبعضٍ مِن هذه الأسلحة.
3- مِن أهمِّ الأهداف الاستراتيجيَّة للصِّين حالياً هو إنشاءُ نظامٍ اقتصاديٍّ وسياسيٍّ عالميٍّ متعدِّدِ الأقطاب، والابتعادُ تدريجيَّاً عن النِّظام الحاليِّ. ويظهر هذا جليَّاً من خلال تعاون البلدين على مستوى المؤسَّسات الدوليَّة والإقليميَّة؛ حيث ينسِّقُ البلدان جهودهما في إطار مجموعة دول البريكس؛ وفي سياقٍ آسيويٍّ أنشأت الصِّين “منظَّمة شنغهاي للتَّعاون” لتوفير آلية للتَّعاون المشترك بين روسيا والصين (وباقي الدُّول الأعضاء في هذه المنظَّمة) في منطقة آسيا الوسطى.
وتنشط الصِّين بتعاونٍ مع روسيا في إطار “مؤتمر التَّفاعل وإجراءات بناء الثِّقة في آسيا” (CICA)؛ ويهدفُ إلى بناء نظامٍ أمنيٍّ قاريٍّ لمواجهة التَّحالفات الأميركيَّة واليابانيَّة في آسيا.
أما العلاقات الصينيَّة الإيرانيَّة، فإنَّ الصِّين تخشى على مكانة إيــرانَ الإقليميَّة في حال سقوط نظام الأسد! حيث تحتلُّ إيران موقعاً مركزيَّاً في سُلَّم الأولويَّات الصينيَّة، بسبب تضافر الجيوبوليتيك مع تأمين الواردات من الطَّاقة. والعامل الأخير يحتلُّ رأس أولويات الأمن القوميِّ الصينيِّ منذ عام 1993، كما أنَّ إيران مُنتجٌ ضخمٌ للطّاقة، وسوقٌ كبيرةٌ لتصريف المنتجات الصينيَّة.
ويمكن القول أنَّ إيرانَ اليوم هي الحليفُ الحقيقيُّ الوحيدُ للصِّين في المنطقة، أمَّا باقي دول المنطقة فمرتبطٌ بشكلٍ أو بآخر مع المصالح الأمريكيَّة، فإيران تُعتبر المَطَلَّ المائيَّ المحتمل في الخليج العربيِّ للأسطول الصينيِّ الضَّخم. وتتعزَّز هذه الفرضيَّة بملاحظة أفضليَّة القرب الجغرافيِّ للصِّين – مقارنةً مع أميركا مثلاً – من القوس الجغرافيِّ الحاوي حوالي 71 في المئة من احتياطات النَّفط عالمياً، وحوالي 69 في المئة من احتياطاتِ الغاز الطبيعيِّ.
ويشملُ هذا القوس الجغرافيُّ روسيا، وآسيا الوسطى، وإيران والعراق، والسعوديَّة، ودول الخليج العربيَّة. ويسمح هذا القرب الجغرافيُّ للصِّين بإحراز الأفضليَّة في التَّسابق مع واشنطن مستقبلاً على موارد الطَّاقة، شريطة أن يكون لها موطئ قدمٍ توفِّره إيرانُ بموقعها الجغرافيِّ في قلب القوس المذكور.
لهذا سيكون لحقول الجنوب الإيرانيِّ المطلَّة على الخليج العربي أن تُؤمِّن جزءً جيداً من نفط الشَّرق الأوسط، أمّا الشَّمال الإيرانيُّ فيمنح إطلالةً ممتازةً على بحر قزوين الغنيِّ بالطَّاقة هو الآخر.
إضافةً إلى مشاركتهما -الصِّين وإيران- معاً في استراتيجيَّة إحياءِ طريق الحرير.
ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ مكانة إيران تتعزَّز في استراتيجيَّة الصِّين الدوليَّة، لتصبح الصِّين الغطاء الدوليَّ المحتملَ لإيران في مجلس الأمن منذ احتدام الأزمة النوويَّة (عبر مصلحةٍ وجوديَّةٍ متبادلة)، والتي ترافقت مع إبرام الصَّفقات الضَّخمة في قطَّاع الطَّاقة بين بكّين وطهران.
نظامٌ شموليٌّ غير ديمقراطي لا يدعم الثّورات:
يلعبُ الفكر الشموليُّ دوراً مهماً في توجيه السِّياسات الخارجيَّة للدُّول، وهذا ينطبق بشكلٍ خاصٍّ على العلاقات الثنائيَّة بين الصِّين وسوريّة منذ 1956م، ويمكن القول أنَّها علاقةٌ قائمةٌ على نتاج ترابطٍ فكريٍّ قويٍّ مبنيٍّ على السياسة الشموليَّة، ورفض الأفكار الغربيَّة الديمقراطيَّة _ ولو أنَّ الصِّين استطاعت المزاوجة بين الرأسماليَّة المتوحِّشة من جهةٍ والشموليَّة السلطويَّة من جهةٍ أخرى، ما يجعلها نظاماً عالميَّاً فريداً لا شبيه له في العالم.
أما الحال في سوريَّة فقد شكّلَ استخدم نظام الأسد شكلَ نظامٍ شموليٍّ هجينٍ وناقصٍ سبباً لخلقِ خللٍ بنيويٍّ في تركيبة المجتمع السوري أدَّت بمجملها لتمهيد انتفاضة الشَّعب وثورته عام 2011، ممَّا رسم خطوط التقاءٍ عَقَديِّ وبُنيويٍّ بين الحزبين الشموليَّين الحاكمَين في الصِّين “الحزب الشيوعي الصِّيني” وسوريَّة “حزب البعث العربي الاشتراكي”.
دخول مناطق الأسد ضمن المبادرة الصينية “الحزام والطريق”:
يعتبر البعض أنَّ اقتراح بشَار الأسد 2002م ما أسماه مشروع “البحار الخمسة” يصبُّ في فكرة مشروع “طريق الحرير الجديد” والذي أطلقته الصِّين 2013م، والذي أُعتبر نُكتةً مستحيلةَ التحقُّق في المحافل الأمريكيَّة لاستحالة تطبيقه، ولقيامه على خيالٍ تاريخيٍّ غيرَ واقعي، وقد انضمَّت سوريَة إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينيَّة في يناير 2022, حيث تُعتبر سوريَّة نهاية طريق الحرير في آسيا وبداية انطلاقته باتِّجاه أوروبا وإفريقيا.
وبموجب المذكرة، فستساعد هذه الخطوة سوريَّة على فتح آفاقٍ واسعةٍ من التَّعاون مع جمهورية الصِّين الشعبيَّة في عدَّةٍ مجالاتٍ تتضمَّن تبادل السِّلع والتّكنولوجيا، ورؤوس الأموال، وتنشيط حركة الأفراد، إضافةً إلى التَّبادل الثقافيِّ في سورية، فكما كانت تُمثِّل مدينة حلب وتَدمُر جزءًا من طريق الحرير القديم، فسورية اليوم تُمثِّل ممرًا إلى البحر الأبيض المتوسط يتجاوز قناة السويس ويعيد إحياء طرق التجارة القديمة التي تربط الصين بالقارتين الأفريقية والأوروبية.
ولهذا يعمل النظام السوري على استغلال هذا المشروع لدمج ساحل طرطوس، والعاصمة دمشق، في مبادرة “الحزام والطريق” ويربطها بتعزيز مكانة بكّين الاقتصادية في بلاد الشام والبحر الأبيض المتوسط.
حجمُ الدّور الصيني في سورية
إنَّ الاستراتيجيَّة الصينيَّة في سوريَّة تسعى للانتقال من الجيو – اقتصاد إلى الجيوبولتيك، حيث أنَّ فهم ثنائيَّة القوى الاستراتيجيَّة المؤثِّرة في العالم، أي الصِّين بوصفها قوّة صاعدة، والولايات المتحدة الأميركية بوصفها قوّة مهيمنة، لا يُحقِّقُ للصِّينِ دورها الذي تأمل! فصانع القرار الصينيّ يدرك أنَّ وجود الأمريكيَّ في المنطقة ككلٍّ وسوريَّة خصوصاً سيعرقل تنفيذ مخططاته ومصالحه، مما يجعل نجاح مشاريع (الصّين) مرتبطاً بمدى تحالفاته وقوَّتها.
طريق الصِّين سورياً، إلى أين؟
تأتي زيارة بشار الأسد اليوم الخميس 21-9-2023م، إلى الصِّين لتجعل الصُّورة أكثر وضوحاً، فالصِّين تريدُ تثبيت موطئ قدمٍ لها في سوريّة، مستغلَّةً ضعف وعجز النظام السوري الحالي وتهالكَه من جانبٍ، ودفعه نحو دفعَ فاتورةِ الدّعم الصينيِّ اللامحدود من خلال استخدامهم حقّ النّقض مراراً (خدمةً لنظام الأسد)!
كما يبدو أيضاً وكأنَّ الصِّين وجدت فرصةً سانحةً لملئ الشّغور الروسيِّ في سورية والغارق في المستنقع الأوكراني، ليتسنّى لها تهيئة المبادرة الصينيَّة “الطريق والحزام” كما يحلو ويناسب رؤيتها، خصوصاً بعد إشهار طريق الهند الأخير، والذي يُعتبر مُهدِّداً لطريق الحرير الصينيِّ “الحزام والطريق”.
خاتمة:
لابدَّ أنَّ صانع القرار الصينيَّ يقرأ جيداً الملفَّ السوريَّ ويعلم مدى قوّة وضعفِ أوراق النّظام السوريِّ المتبقِّية، لذا فإنه إذا نجح في استغلال ضعف النّظام لأخذ ما يُمكِّنه من تمرير مشروعه، واستطاع ربط عربة النِّظام بقطاره العابر للقارّات، فإنه ربما يكون حبل نجاة الأسد الأخير، وبوّابة خلاصه.
الأمر الذي بدا واضحاً وجليّاً من خلال ضغط الصِّين باتجاه تأجيل تجميد العمل بمبادرة الجامعة العربية لحين انتهاء زيارة بشار الأسد لها، وليُبنى على الشّيء مقتضاه.
كما وتستطيع الصين عبر علاقاتها مع تركيا والتي ترفض إقصاء الصين عن طريق الهند أوروبا، استغلال حالة الضياع التركي في الملف السوري، بأن تكون ضامناً للنِّظام ولنجاح فكرة التَّطبيع بينه وبين تركيا.
كلُّ ذلك يجعلنا ننتظر أمرين اثنين:
الأول: الموقف الأمريكيَّ المستمر بإدارةِ الأزمةِ في سورية على حالها الحالي فقط، ودون الضَّرب على الطاولةِ لإنهائها، في محاولةٍ لتشتيت القوى الإيرانية والرّوسية وإضعافهما.
الثاني: كيفية تحديد الصِّين للإطار النّاظم بين النّظام السوريِّ والمعارضة، مع وجود شمالٍ سوريٍّ خارجٍ عن سلطة النّظام، وتتواجد فيه جميع الفصائل العسكريّة “عدوة الأسد”، والتي بدأت بالفعل تتململ من القبضة التركيّة، وتحاول بناء كيانٍ لها تكون فيه رقماً صعباً في أيِّ تسويةٍ حقيقيَّةٍ، وأيضاً مع خروج مظاهرات “السويداء” والتي قطعت شعرة “معاوية الأموي” مع “بشار العلَوي” كما يُقال، ممَّا يوحي بفقد الأسد حاضناته من الأقلّيات، مع توقّع انفجار الحال في السَاحل السوريِّ بأيِّ لحظة.
إنَّنا في تيار المستقبل السوري إذ نراقبُ ونرقُبُ زيارة بشار الأسد للصٍّين، فإنَّنا نضع احتماليَّة نجاح العقل الصينيِّ لكسر جمود الحالة السوريَّة بعد التَّطورات الأخيرة على الأرض، من خلال إقناع النِّظام السوري ضرورة خلق صيغةِ توافقٍ (سوريٍّ سوريٍّ) يجعلُ من سوريَّة ككلّ مستفيدةً من منافع المبادرة الصينيَّة “الحزام والطريق” إن نجحت وتمّت! ومقابل دعم نظام الأسد للتَّعافي الحكوميِّ والإداريِّ عبر خبراء صينيين يتولون هذه القضايا حسبَ التجربة الصَّينيَّة، خصوصاً مع تقارب العقليَّة الشموليَّة بين النِّظامين كما أسلفنا، ووعدهم بالمساهمة في اعمار ما دمّرته الحرب عبر عقدٍ ونيّف.
إننا في تيار المستقبل السوري وبناءً على مخرجات زيارة بشار الأسد للصّين (اليوم) فإننا نوصي المعارضة السورية إعادة تقدير الموقف حيال علاقة مؤسساتها مع الصّين، ومحاولة فتح قنوات مباشرة للتواصل معها، وتقديمها (أي المعارضة السورية) مشروعاً طموحاً يتجاوز النّظام الحالي (والذي قد يضيع الفرصة مع الصينيين بسبب تعنُّتهِ وضيقِ أفقه) وبذلك يؤسس لنا لمرحلة ما بعد الأسد، بما يخدم مصالحنا ويُحقِّق استفادتنا على مستوى الدولة والشعب معاً.
إنّ تجاربنا خلال سنوات الحرب علّمتنا ألا نراهن على الظنون، وأن نتجهّز ونُقدِّر الاحتمالات، ولكن على افتراض كلِّ ما تمَّ ذكره، فهل يمكن للدّور الصينيِّ أن يكون عاملاً مرجحاً أو مساعداً في الانتقال إلى مرحلة سورية جديدة! تقوم على دعم فكرتنا في تيار المستقبل السوري بِالدّعوة لِ “طائفٍ سوريٍّ” مُحتملٍ على غرار الطبخة اللبنانية (ولكن بنسخةٍ مُنقَّحةٍ ومَزيدة)، ولتجعل من سورية طريقاً آمناً تتقاطع فيه مصلحة السوريين الحاليّة ولو بشكل جزئيٍ مع المصلحة الصينية الاستراتيجيّة!
أو بعبارة أخرى، هل يمكن أن تُشرق الشّمس من الصّين على سورية؟
المراجع:
1- العلاقات العربية – الصينية (بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع معهد دراسات الشرق الأوسط، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية – الصين (مركز دراسات الوحدة العربية, 2017م.
2- العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة، مجموعة مؤلفين، المركز العربي للأبحاث, 2019, انظر: الفصل الثاني عشر: السياسة الصينية في الأزمة السورية، آي وي جينفر
4- استشراف موقف: أفق العلاقات الصينية – السورية – tabnak.ir | تابناک
6- في نتائج الشمولية على المجتمع والفرد – مركز حرمون للدراسات المعاصرة (harmoon.org)
8- السياسات الصينية الدبلوماسية والعلاقات الصينية السورية في العصر الجديد – صحيفة الوطن (alwatan.sy)
الباحث جمعة محمد لهيب
باحث في قسم البحوث والدراسات
المكتب العلمي
تيار المستقبل السوري