مقدمة:
المخدرات هي مواد كيميائية أو نباتية تؤثر على الجهاز العصبي المركزي، مُسببة تغييرات في الإدراك، والمزاج، والسلوك. تُصنف إلى أنواع مثل المُنبِّهات (كالكوكايين)، والمُهبِّطات (كالهيروين)، والمُهلوسات (كالحشيش أحيانًا). وعلى الرغم من اختلاف أنواعها، تشترك جميعها في تهديدها الصحي والاجتماعي، وهو ما يتطلب فهمًا عميقًا لآثارها المدمرة.
واقع الخطر على الفرد والمجتمع:
أما واقع الخطر على الفرد فتكمن بالجانب الصحي، حيث تُسبب المخدرات تلفًا في الأعضاء الحيوية كالكبد والقلب، وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان. كما تُضعف الجهاز المناعي، وتؤدي إلى اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب.
كما يكون الخطر ذهنياً حيث تؤثر على الوظائف الإدراكية، مثل الذاكرة والتركيز، وقد تُسبب ذهانًا أو هلاوس في الحالات المتقدمة.
ومن أخطر المخاطر هو الإدمان، حيث يُغيّر تعاطي المخدرات كيمياء الدماغ، مما يُحدث اعتمادًا جسديًا ونفسيًا، يصعب التخلص منه دون مساعدة متخصصة. وأخيرا، يفقد المُتعاطي علاقاته الأسرية والوظيفية، وينعزل عن المجتمع، مما يُعزز دوامة التدمير الذاتي.
وأما الخطر على المجتمع فتكمن بزيادة الجريمة حيث يرتبط إدمان المخدرات بالسرقة والعنف لتمويل التعاطي، مما يُهدد الأمن العام. وأيضا، العبء الاقتصادي حيث تُكلف الحكومات مليارات الدولارات في الرعاية الصحية وبرامج التأهيل ومكافحة الاتجار.
عدا عن تفكك الأسر، إذ بحسب الدراسات يؤدي الإدمان إلى ارتفاع معدلات الطلاق، وإهمال الأطفال، مما يُنذر بجيلٍ مُعرَّضٍ للتشرد أو الانحراف.
وأيضا من المخاطر على المجتمع هو تهديد الأمن القومي، حيث تُستخدم عائدات تجارة المخدرات لتمويل الجماعات الإرهابية والمافيات العالمية.
واقع المخدرات في سورية:
أدت الحرب الأخيرة إلى تحوُّل البلاد بسبب سياسة الأسد إلى بؤرة لانتشار المخدرات، لا سيما عقار الكبتاغون، الذي أصبح مصدر تمويل رئيسي للميليشيات والنظام السوري وفق تقارير دولية.
ونرى أن العوامل المُغذية للأزمة هي:
- الانهيار الاقتصادي، مع انخفاض قيمة الليرة السورية بنسبة 90%، تحوَّل بعض المدنيين إلى تهريب المخدرات كوسيلة للبقاء.
- غياب الرقابة الأمنية، سيطرت فصائل متعددة على مناطق مختلفة، مما سهّل إنشاء مختبرات لإنتاج الكبتاغون، خاصة في محافظات الساحل والسويداء قبل التحرير.
- الدور الإقليمي، تُستخدم سورية كممر لتهريب الكبتاغون إلى دول الخليج وأوروبا عبر لبنان والأردن، وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) لعام 2022.
هذا وقد وصلت قيمة صادرات الكبتاغون السوري إلى 5.7 مليار دولار عام 2021، وفق دراسة نُشرت في مجلة "جيه إس بي" الأكاديمية. وكما أشارت منظمة الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن 30% من الشباب في مناطق سيطرة النظام البائد يتعاطون المخدرات بسبب البطالة والفقر. وفي 2023، ضبطت الأردن 85 مليون حبة كبتاغون قادمة من سورية، وهو رقم قياسي يكشف حجم الكارثة.
تُمثل المخدرات تهديدًا وجوديًا للإنسان والمجتمع، وفي سورية، تحوّلت الأزمة إلى جزء من تداعيات الحرب التي استنزفت الموارد وخلقت جيلًا ضائعًا. إن مواجهة هذه الآفة تتطلب إستراتيجيات شاملة تعالج الأسباب الجذرية كالفقر والصراع، إلى جانب تعزيز التوعية والتعافي المجتمعي.
معالجة أزمة المخدرات في سورية بين مكافحة التصنيع والعلاج المجتمعي:
أزمة المخدرات في سورية ليست ظاهرة منعزلة، بل نتيجة تراكمية لسنوات من الصراع والانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
ولهذا تتطلب المواجهة من قبل الإدارة السورية الجديدة خطة متكاملة تشمل محاربة التصنيع والتهريب، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وإعادة تأهيل المدمنين لاستعادة النسيج المجتمعي، وعبر خطوات مدروسة:
أولا، محاربة تصنيع المخدرات وتهريبها:
وتكون عبر استمرار تعزيز الرقابة الأمنية داخل سورية وتدمير المختبرات السرية، عبر تنفيذ حملات أمنية مكثفة تستهدف مراكز إنتاج الكبتاغون في المناطق المشبوهة (مثل ريف دمشق والساحل)، بدعم من تقنيات الاستخبارات الحديثة مثل التصوير الحراري والمراقبة الجوية، إضافة إلى تفعيل آليات محاسبة صارمة ضد المسؤولين المتورطين في تغطية شبكات التهريب، عبر تشكيل لجان تحقيق مستقلة بالشراكة مع منظمات دولية، ونشر نقاط تفتيش متطورة على الحدود مع لبنان والأردن، مع تدريب القوات على كشف أساليب التهريب المبتكرة (مثل إخفاء الحبوب داخل شحنات زراعية).
ثانيا، التعاون الإقليمي والدولي:
ويكون من خلال إنشاء قوة إقليمية مشتركة بالشراكة مع دول الجوار (الأردن، لبنان، العراق)، لتبادل المعلومات وتنسيق العمليات العابرة للحدود، كما حدث في "عملية النسور" الأردنية-السورية عام 2023 التي أسفرت عن مصادرة 14 طنًا من الكبتاغون، ولولا تلاعب امراء الحرب لدى النظام البائد لكانت النتيجة أكثر فاعلية واستدامة.
وأيضاً، تجفيف التمويل، عبر تعقب التحويلات المالية المشبوهة عبر بنوك دول الجوار، بالتعاون مع المنظمة الدولية لمكافحة غسل الأموال. إضافة للضغط السياسي، مثل فرض عقوبات دولية على الكيانات والأفراد المورطين في التجارة، كما أوصت لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدوليد في تقريرها لعام 2023.
ثالثا، استخدام التكنولوجيا والبدائل الاقتصادية:
بكلمة واحدة: المراقبة الذكية، والتي يحصل فيها استخدام الطائرات المسيّرة (الدرونز) وبرامج الذكاء الاصطناعي لرصد تحركات الشاحنات المشبوهة في المناطق النائية، إضافة لبرامج تنموية، تهدف إلى توفير دعم مالي ومهني للمجتمعات الريفية التي تعتمد على زراعة المواد الخام للمخدرات، مثل مشاريع تحويل محاصيل القمح إلى مصدر دخل بديل.
علاج المدمنين وإعادة دمجهم في المجتمع:
إن بناء بنية تحتية للرعاية الصحية مثل "مراكز إزالة السموم" خطوة أولى مهمة، حيث يمكن إنشاء عيادات متخصصة مجهزة بأطباء نفسيين واختصاصيي علاج إدمان، بدعم من منظمات مثل منظمة الصحة العالمية (WHO).
ويمكن الاستعانة بالوحدات المتنقلة، ليتم توفير فرق طبية تصل إلى المناطق النائية والمحرومة، حيث تُقدّم خدمات الفحص السريع والاستشارات الأولية.
هذا ومن الضروري وجود برامج للتوعية والدعم النفسي، عبر حملات إعلامية مكثفة، كما من المهم استخدام منصات التواصل الاجتماعي والإذاعات المحلية لتوعية الشباب بمخاطر الإدمان، مع مشاركة ناجين من التعاطي لرواية تجاربهم، ولعل من المهم أيضا تدريب الأهالي على اكتشاف علامات الإدمان المبكرة عبر ورش عمل بالتعاون مع منظمات محلية مثل الجمعية السورية للصحة النفسية.
كما لان العلاج يبدأ بإعادة الدمج الاقتصادي والاجتماعي، عبر التأهيل المهني، وتوفير دورات في المهن الحرفية (كالنجارة والزراعة) لتمكين المدمنين المتعافين من تحقيق استقلال مادي، بدعم من برامج البنك الدولي لتمويل المشاريع الصغيرة، إضافة لمكافحة الوصمة المجتمعية، وتشجيع المؤسسات الدينية والتعليمية على تبني خطاب داعم للمتعافين، وإبراز قصص النجاح في وسائل الإعلام.
رغم أهمية هذه الإجراءات، تظل العقبات جسيمة، مثل:
- استمرار الخلاف السياسي الذي يُعيق وصول المساعدات.
- نقص التمويل المخصص لبرامج العلاج، مقارنةً بموازنات مكافحة التهريب.
- صعوبة تغيير الثقافة المجتمعية التي تنظر للمدمن كـ"منحرف" بدلًا من مريض.
لذا، يجب ربط جهود المكافحة بحل سياسي شامل في سورية، يعيد بناء المؤسسات ويُعيد الاستقرار، وهو ما تؤكده تقارير معهد السلام الدولي (USIP).
خاتمة:
إن معالجة أزمة المخدرات في سورية مهمة معقدة، لكنها ليست مستحيلة، والجمع بين الضربات الأمنية الاستباقية، والتعافي المجتمعي عبر تمكين الأفراد، سيمنع تحول البلاد إلى دولة فاشلة تتحكم بها المافيات.
صحيحٌ أن النجاح يتطلب وقتًا، وإرادة دولية، وإيمانًا بأن الإنسان السوري قادر على تجاوز الحرب بكل أشكالها، لكن هذه الأزمة تحوَّلت إلى اقتصادٍ موازٍ يُموِّل الصراعات ويُعمِّق الأزمات الإنسانية، حيث باتت المخدرات سلاحًا يفتك بالأفراد والمجتمعات على حد سواء، ومما تبين، فإن مواجهة هذه الآفة لا تقتصر على جهود أمنية أو طبية منعزلة، بل تحتاج إلى رؤية شاملة تعالج جذور الأزمة المتمثلة في الفقر، والصراع، وانهيار المؤسسات! فكما حوَّلت الحرب سورية إلى ساحة لتصنيع الكبتاغون وتهريبه، فإنه يمكن تحويلها أيضًا إلى نموذج للتعافي عبر تضافر الإرادة المحلية والدولية.
إن النجاح في هذه المعركة ليس خيارًا، بل هو ضرورة لإنقاذ جيلٍ بكامله من براثن الإدمان، وإعادة بناء مجتمع قادر على النهوض من جديد.
وعليه، فإننا نوصي في المكتب العلمي لـِ تيار المستقبل السوري بما يأتي:
١. على الإدارة السورية الجديدة تعزيز الحملات الأمنية لفلول النظام البائد والمرتبطة بهذا الملف تحديداً، وتدمير المختبرات السرية لتصنيع المخدرات، وتكثيف عمليات ضبط الحدود باستخدام تقنيات حديثة مثل أنظمة التصوير الحراري والطائرات المسيّرة، ومحاسبة المسؤولين المتورطين في شبكات التهريب عبر تشكيل هيئات رقابية مستقلة بدعم أممي، إضافة لدعم البدائل الاقتصادية عبر تمويل مشاريع تنموية في المناطق الريفية لاستبدال زراعة المواد الخام للمخدرات بمحاصيل مُربحة، وأخيراً بناء مراكز علاجية عبر توفير بنية تحتية صحية مجهزة لعلاج الإدمان، وبالشراكة مع منظمات مثل منظمة الصحة العالمية.
2. على المجتمع الدولي العمل لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد، مما يؤمن بيئة مناسبة لمكافحة الاقتصاد غير القانوني، إضافة لتجفيف منابع التمويل، وفرض عقوبات مالية على الكيانات والأفراد المُتورطين في تجارة المخدرات، وتعقب تحركات الأموال، كما نوصي بدعم المنظمات المحلية عبر تمويل برامج التوعية وعلاج الإدمان التي تنفذها الجمعيات السورية، وتقديم مساعدات تقنية لتعزيز الرقابة الحدودية.
وإخيراً، فإنه من الضروري تعزيز التعاون الإقليمي من خلال إنشاء آلية تنسيق بين دول الجوار (الأردن، لبنان، العراق) لمراقبة طرق التهريب وتبادل المعلومات.
٣. على المجتمع السوري أن يقوم بحملات توعية مكثفة، واستخدام دور العبادة، المدارس، ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بمخاطر الإدمان، مع إشراك الناجين من التعاطي في رواية تجاربهم، بالإضافة لدعم الأسر المتضررة، وتشكيل شبكات مجتمعية لتقديم الدعم النفسي والمادي لأهالي المدمنين، وتدريبهم على التعامل مع حالات الانتكاس، ومكافحة الوصمة الاجتماعية عبر تشجيع قبول المتعافين عبر حملات إعلامية تُظهر نجاحاتهم في إعادة الاندماج، وإشراكهم في مبادرات تطوعية، كما من الضروري حماية الشباب عبر إنشاء مراكز شبابية تُقدِّم أنشطة تعليمية وترفيهية كبديل عن الفراغ الذي يُغذي الانحراف.
المكتب العلمي
فريق البحث
قسم البحوث والدراسات
دراسات
تيار المستقبل السوري
المراجع:
United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC). (2023). Synthetic Drugs In the Middle East: Trends and Challenges.
World Health Organization (WHO). (2022). Mental Health and Substance Abuse in Conflict Zones.
U.S. Institute of Peace (USIP). (2023). Syria’s Drug Crisis: Pathways to Recovery.
Syrian Association for Mental Health. (2023). Community-Based Approaches to Addiction Treatment.
Reuters. (2023). Captagon Trade and Regional Security in the Middle East.
Jordanian Anti-Narcotics Department. (2023). Annual Report on Cross-Border Drug Seizures.
Syrian Association for Mental Health. (2023). *Awareness Programs for Families