المكتب الدينيالمكتب العلميجمعة محمد لهيبقسم البحوث و الدراساتمقالاتمقالات دينية

‏الإسلام والتكفير والسياسة

في قضية العلاقة العقائدية والسياسية تظهر قضية التكفير! فالدين الإسلامي لا توجد لديه وفيه مرجعية دينية قاطعة، بالمعنى الكهنوتي، حتى لدى الشيعة الذين يؤمنون بالأئمة المعصومين، لكن آخرهم غائب غير موجود، وبالتالي كان غياب تلك المرجعية إيجابياً بقضية الحرية البشرية في فهم النص الديني، وسلبياً بقضية سيولة الأفكار، لعدم وجود مركزية كهنوتية لها إلا مركزية الإقناع الفردي.

من هنا برزت قضية التكفير مرتبطة بخيارات بشرية غير مقدسة، ومن هنا أيضا كان التوسع بالتكفير من قبل علماء الكلام بالخصوص، ومَن رد عليهم كابن تيمية والغزالي..
وتبقى قضية التكفير ذات وجه سياسي أممي، هدفها الأساس وحدة الأمة ومنع كل من يشتت شملها، لهذا نجد مثلاً حكم من ينكر الصلاة في كتب القوم: يُستتاب وإلا قُتل كفرا، وغيرها من الأحكام التي يتمظهر فيها الجانب السياسي (حفظ بيضة الأمة) أكثر منه الديني.
على أن التكفير كمنهج موجود ولاشك، ولا يمكن نكرانه، لهذا نجد من كَفّر القائلين بأقدمية القرآن والعكس، بينما بمراجعة كتب علوم القرآن القديمة نجد مثلاً السيوطي وهو ينقل عن علماء أهل سنة أن القرآن نزل بالمعنى وصاغه النبي بلغته، وهنا لا يكون القرآن محرفاً فقط، بل وقاصراً عن حمل المعنى الإلهي لقصور اللغة ذاتها عن حمله، وفي ذلك حديث طويل.
وبالمثل يُقال عن شتم وتكفير الصحابة، وهم من بدؤوا ذلك، بل وصل الحال بهم لرفع سيوفهم وسفك دماء بعضهم، والنبي يقول (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، لهذا وجدنا من المذاهب من كفّر كل الصحابة الذين رفعوا السيوف على بعضهم!.
وقبل علي، كان عثمان الذي قُتل بتحريض غيرِ واحدٍ، مِن صحابة مشهود لهم بالإيمان، وقبل معاوية كانت حرب بين علي وعائشة سعى فيها جيش علي لسبي أم المؤمنين عائشة لولا تدخل علي!، ولكم أن تتخيلوا صراعاتنا اليوم كيف يتحدث السوقة والعامة بلغة الدعس والمعس فما بالكم بالسابقين؟.
ومن يغار على عرض الصحابة ويتفاخر بأنه نسل بني أمية، ها هم بعدما قُتل علي كما ينقل السيوطي وغيره في كتابه (تاريخ الخلفاء) فيقول: “كان بنو أمية يسبون علي بن أبي طالب فى الخطبة فلما ولى عمر بن عبد العزيز أبطله، وكتب الى نوابه بإبطاله وقرأ مكانه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) فاستمرت قراءتها فى الخطبة الى الان”.
وأما نكاح المتعة فهو مما كان معمولا به زمن النبي يأمر به وينهى، ثم يأمر به وينهى، حتى قيل نهى عنه دون رجعة، ولكن ترجمان القرآن عبدالله بن عباس فهم من عمل النبي أن نكاح المتعة للضرورة، إذ كان النبي يأمر به بالغزوات لما كان الشباب بعيدون عن عوائلهم، وكان معروفا لدى العرب، ولكنه لاحقا وبعد وفاة الرسول أعلن بن عباس رفضه لما يفعله شباب المدينة زمن عمر من احتجاجهم بفتواه للترخيص بزواج المتعة بشكل عريض!.
حتى إذا دخلت الفلسفة ووجدنا الفارابي وغيره وهم يتحدثون عن الفيض الإلهي ونظرية الصدور لابن سينا والحديث عن السر المعقد (القدر) وما تصدعت به رؤوس العلماء من الجبر والتخيير حتى غاصت مع نظرية (الكسب) لدى الأشاعرة وتعمق غوصها!، ثم تداخل كل ذلك مع موروثات الأديان السابقة بنظرية وحدة الوجود الصوفية من جانب، والتجسيم الحنبلي من جانب آخر، حتى اختلفت تصورات المسلمين عن الله بين من يراه عقلا أو روحا أو طاقة متجسدة بالكون كله، فالخير والشر والبشر والحجر كلها منه وإليه، ومن يراه شابا أمردا يقوم وينزل وله يد ورجل بتأويلات طويلة ليس مكان ذكرها هنا..
إذاً، كانت وستكون القضية مدارها على أمرين:

  1. الفهم المتشظي للنص الديني.
  2. حمولة السياق التاريخي.

فكان أن رأينا نتيجته من يُكفر ومن يشتم ومن يلعن رغم دخولنا عصر ما بعد الحداثة وتطور نظرية المعرفة والفلسفات المتعددة؛ التي يتمظهر بها عمق العقل البشري من جهة، وقصوره عن إدراك الحقيقة من جهة ثانية.
وبالعودة للتكفير، ليست القضية مخصوصة بالسنة والشيعة، بل هي أكثر قسوة مع الحداثيين والقرآنيين والمتنورين والليبراليين والعلمانيين والحضاريين وبل المقاصديين والقيميين الذين لا يهتمون بالجزئيات الدينية ويهتمون بالقيم الحضارية (الاسلام الحضاري بماليزيا مثالا).
سيكون من الجيد أن يبقى الصراع الديني التكفيري في الكتب ومدارس المختصين، ولكن إقحام الناس به يلزم منه (إلجام العوام)، والالتفات لما ينفع الفرد والمجتمع من قضايا تتجاوز البعد الديني لترسم علاقة قائمة على أربعة ركائز:

  1. الأمة الواحدة رغم كل خلافاتها.
  2. ترسيخ العدالة مفهوما وتطبيقا.
  3. رسم العلاقة بين الأفراد بشكل تعاقدي، من الأسرة وحتى الوطن وحتى الأمة وحتى العالم كله.
  4. النظرة الإنسانية الواسعة.

نعم، لا يمكن فصل الدين عن الحياة، ولكن يمكن ضبط التشظي الديني في بوتقة الواقع الجديد القائم على عصر متجاوز لكل سرديات التاريخ ولو أُثقل بحمولتها.

المكتب الديني
قسم البحوث والدراسات
مقالات
جمعة محمد لهيب
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى