إلياس عبد المسيحالمكتب السياسيالمكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالاتمقالات سياسية

مجلس الشيوخ في سورية

تحديد:
في السعي لايجاد حلول لحالة الركود السياسي في سورية، يسعى بعض الحقوقيين السوريين لخطوات يرونها منقذة لسورية، منها اختراع بدعة مجلس الشيوخ الذي يتم التمثيل به من كل الأطياف السورية بمختلف توجهاتها القومية والمذهبية، ونحاول في قسم البحوث والدراسات في المكتب السياسي لِـ تيار المستقبل السوري وضع تصور لعله يكون معيناً للفاعلين والمؤثرين.

حول مجلس الشيوخ:
مجلس الشيوخ هو أحد مجلسي التشريع في العديد من الدول المتقدمة، ويُعتبر الغرفة العليا في البرلمان، كما تختلف صلاحيات ومهام مجلس الشيوخ من دولة لأخرى، ولكن بشكل عام، يمكن تلخيص أهم مهام مجلس الشيوخ في النقاط التالية:

  1. المراجعة التشريعية: حيث يقوم مجلس الشيوخ بمراجعة القوانين التي يقرها المجلس الأدنى (مثل مجلس النواب) قبل إقرارها نهائياً، حيث يهدف هذا إلى التأكد من دستورية القوانين وتوافقها مع المصالح الوطنية طويلة الأجل.
  2. تمثيل الجماعات: ففي بعض الدول، يمثل مجلس الشيوخ الجماعات الإقليمية أو الفئات الاجتماعية المختلفة، ما يضمن تمثيلًا أوسع للأصوات المختلفة في عملية صنع القرار.
  3. الموافقة على التعيينات: حيث غالبًا ما يكون لمجلس الشيوخ صلاحيات في الموافقة على تعيينات المسؤولين الحكوميين الكبار، مثل الوزراء والسفراء والقضاة.
  4. إقرار المعاهدات الدولية: يتطلب أيضا موافقة مجلس الشيوخ.
  5. إجراء محاكمات العزل: حيث يكون لمجلس الشيوخ دور في محاكمة المسؤولين الحكوميين الذين تتم إحالتهم إليه من قبل المجلس الأدنى.

ويمكن القول إن مجلس الشيوخ يلعب دورًا هامًا في تحقيق التوازن بين السلطات، وحماية الحقوق والحريات، وضمان تمثيل مختلف شرائح المجتمع في عملية صنع القرار، وقد تختلف صلاحيات ومهام مجلس الشيوخ بشكل طفيف من دولة لأخرى، لذا فإن هذا الشرح يقدم نظرة عامة على وظائفه الأساسية.

سلبيات إنشاء مجلس شيوخ نظرة نقدية:
على الرغم من الفوائد العديدة التي يمكن أن يجلبها إنشاء مجلس شيوخ، إلا أنه يحمل معه أيضًا بعض السلبيات المحتملة التي يجب أخذها بعين الاعتبار! تلك السلبيات تختلف باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية لكل دولة، ولكن يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:

  1. تعطيل عملية صنع القرار:
    يمكن أن يؤدي وجود مجلسين تشريعيين إلى زيادة البيروقراطية وتباطؤ عملية صنع القرار، خاصة في الأوقات التي تتطلب فيها الدولة اتخاذ قرارات سريعة، كما قد تنشأ خلافات بين مجلسي النواب والشيوخ حول العديد من القضايا، مما يؤدي إلى شلل في العملية التشريعية.
  2. تكلفة مالية إضافية:
    إن إنشاء مجلس شيوخ جديد يتطلب ميزانية كبيرة لتغطية رواتب الأعضاء والموظفين، وتكاليف التشغيل والإدارة.
    ما يجعله عبئاً على الموارد في الدول النامية، إذ قد تكون تلك التكاليف الإضافية عبئًا على الموارد المالية المحدودة.
  3. تعقيد النظام السياسي:
    قد يؤدي إنشاء مجلس شيوخ إلى زيادة عدد الطبقات السياسية، مما يزيد من التعقيد ويصعب من عملية الإصلاح، كما يصعب تحقيق التوافق بين مختلف الأطراف السياسية حول تشكيل مجلس الشيوخ وصلاحياته.
  4. عدم فعاليته في بعض الأحيان:
    فقد يُستخدم مجلس الشيوخ من قبل الأحزاب السياسية لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة، بدلاً من المصلحة العامة. وقد يتقاعس أعضاء مجلس الشيوخ عن أداء مهامهم، مما يؤدي إلى تراجع أداء المجلس برمته.
  5. تعميق الانقسامات:
    يؤدي وجود مجلسين تشريعيين إلى تعميق الانقسامات السياسية الموجودة، ما يجعل من الصعب تحقيق التوافق الوطني، وقد يؤدي نظام الانتخابات إلى تمثيل غير متوازن لمختلف الفئات الاجتماعية، مما يضعف شرعية المجلس.

إن إنشاء مجلس شيوخ ليس حلاً سحريًا لجميع المشاكل السياسية، بل هو أداة يمكن أن تساهم في تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد إذا تم تصميمه وتطبيقه بشكل صحيح!
لهذا يجب أن يتم تقييم فوائد وسلبيات إنشاء مجلس شيوخ بعناية قبل اتخاذ مثل هكذا قرار.
ومما يجب ملاحظته:

  1. الظروف المحلية: إذ تختلف سلبيات وإيجابيات مجلس الشيوخ باختلاف الظروف السياسية والاجتماعية لكل دولة.
  2. التصميم المؤسسي: فيمكن التخفيف من بعض السلبيات من خلال تصميم مؤسسي جيد لمجلس الشيوخ.
  3. الاستفادة من تجارب الدول الأخرى: التي لديها مجلس شيوخ في تصميم نظام مناسب.

مجلس شيوخ للساحة السورية:
إن إضافة مجلس شيوخ إلى النظام السياسي السوري يمكن أن يساهم في تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد، وتقديم العديد من الفوائد، من بينها:

  1. التوازن في عملية صنع القرار:
    وذلك عبر التدقيق والتمحيص، حيث يقوم مجلس الشيوخ بمراجعة القوانين والمقترحات التي يصدرها المجلس النيابي، مما يضمن جودتها وتوافقها مع الدستور والمصالح الوطنية.
    كما يمكن لمجلس الشيوخ أن يمثل شرائح اجتماعية وجغرافية أوسع، مما يساهم في اتخاذ قرارات أكثر شمولية وتلبية لاحتياجات مختلف الفئات.
    إضافة إلى الحد من الاستعجال، فوجود مجلسين تشريعيين يمكن أن يبطئ عملية صنع القرار، ما يمنح صناع القرار الوقت الكافي لدراسة القضايا بشكل أعمق.
  2. تعزيز الرقابة على السلطة التنفيذية:
    يكون ذلك عبر مساءلة الحكومة، إذ لمجلس الشيوخ حق مساءلة الحكومة حول سياساتها وأفعالها، ما يساهم في زيادة الشفافية والمساءلة، ويضمن حماية الحقوق والحريات، فلمجلس الشيوخ أن يلعب دورًا هامًا في حماية حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية.
  3. تحسين صورة النظام السياسي:
    عبر اسباغ الشرعية الديمقراطية، فيكون وجود مجلس شيوخ تعزيزا للشرعية الديمقراطية ضمن النظام السياسي، ويُظهر التزام الدولة بمبادئ الحوكمة الرشيدة.
    كما يمكن أن يساهم في تخليق نظام سياسي أكثر ديمقراطية وشفافية، وفي جذب الاستثمارات الأجنبية.
  4. تطوير المجتمع المدني:
    ويكون عبر تفعيل دور الأحزاب، إذ لمجلس الشيوخ أن يوفر منصةً لأحزاب المعارضة للمشاركة في عملية صنع القرار.
    إضافة إلى تعزيز المشاركة السياسية، حيث يشجع وجود مجلس شيوخ المواطنين على المشاركة السياسية والانتخابية.

تحديات إنشاء مجلس شيوخ في سورية:
لعل الوضع الأمني هو أول التحديات! فالحرب الدائرة في سورية تشكل تحديًا كبيرًا لإنشاء مؤسسات ديمقراطية فعالة.
إضافة إلى حالة الاستقطاب السياسي الحاد الذي يعيق التوافق على شكل مجلس شيوخ، وصلاحياته.
مع ما يفتقر إليه النظام السياسي السوري من الخبرة اللازمة لإدارة نظام برلماني ثنائي.
كما أن إنشاء مجلس شيوخ يتطلب موارد مالية كبيرة.
ولكن يبقى إضافة مجلس شيوخ إلى النظام السياسي السوري خطوة مهمة نحو بناء دولة ديمقراطية ومستقرة، ويتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية وتجاوز التحديات التي تواجه البلاد.
ومما يجدر ملاحظته:

  1. طبيعة مجلس الشيوخ: إذ يجب تحديد طبيعة مجلس الشيوخ، هل سيكون منتخباً بشكل مباشر أم غير مباشر، وما هي آلية اختيار أعضائه.
  2. صلاحيات مجلس الشيوخ: إذ يجب تحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بدقة، مع مراعاة التوازن بين السلطات.
  3. الوضع الحالي في سورية: حيث يجب مراعاة الوضع الأمني والسياسي المعقد في سورية عند النهوض بتصميم أي نظام سياسي جديد.

خاتمة:
إن غايتنا هي جوهر الديمقراطية التمثيلية، ولكي يكون مجلس الشيوخ ممثلًا عادلًا للمكونات الوطنية في أي بلد، بما في ذلك سورية، يجب أن يتضمن النظام الانتخابي والتشريعي مجموعة من الضمانات والإجراءات التي تضمن هذا التمثيل العادل.

ونحن في المكتب السياسي لِـ تيار المستقبل السوري نوصي ببعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في تحقيق هذا الهدف:

  1. العمل على نظام انتخابي عادل:
    • إن اعتماد نظام انتخابي قائم على التمثيل النسبي حاجة ملحة في سورية، حيث تحصل الأحزاب والقوائم على مقاعد تتناسب مع نسبة الأصوات التي حصلت عليها، هذا النظام يضمن تمثيلًا أوسع للشرائح الاجتماعية المختلفة.
    • مع ضرورة أن يتم تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية متجانسة من حيث التعداد السكاني والتركيبة الاجتماعية، بحيث تمثل كل دائرة فئة معينة من المجتمع.
    • مع تخصيص عدد معين من المقاعد لتمثيل المكونات الوطنية الرئيسية، مثل الأقليات الدينية والعرقية.
  2. ضمانات دستورية:
    • نوصي أيضا بضرورة أن ينص الدستور على المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب.
    • وأن يكفل الدستور الحريات العامة، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع وتكوين الأحزاب.
  3. رقابة قضائية على الانتخابات:
    • عبر إنشاء محكمة دستورية قوية ومستقلة تتولى النظر في الطعون الانتخابية، وضمان نزاهة العملية الانتخابية.
  4. توعية الناخبين:
    • نوصي بتنفيذ برامج توعية واسعة النطاق لتعريف الناخبين بأهمية المشاركة السياسية وحقوقهم.
    • مع تسهيل عملية التسجيل الانتخابي وتشجيع المواطنين على المشاركة في الانتخابات.
  5. تمثيل المرأة والشباب:
    • نرى ضرورة تخصيص نسبة معينة من المقاعد في مجلس الشيوخ للمرأة، مع واجب تفعيل دور الشباب وتشجيع مشاركتهم في الحياة السياسية وتخصيص نسبة معينة من المقاعد لهم.

أخيراً، إن انتشار الفساد والمحسوبية قد يؤثر على نزاهة العملية الانتخابية، ولهذا يجب خنق الفساد ومحاصرته بكل الوسائل الممكنة.
إن تحقيق تمثيل عادل للمكونات الوطنية في مجلس الشيوخ يتطلب إرادة سياسية قوية والتزامًا بمبادئ الديمقراطية، ولهذا يجب أن يكون هذا التمثيل جزءًا من مشروع وطني شامل يهدف إلى بناء دولة ديمقراطية وقوية ومستقرة.

إلياس عبد المسيح
المكتب السياسي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى