المكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالاتمكتب شؤون الأسرةوهيبة المصري

حول “العذرية” المتوهمة

موضوع العذرية وغشاء البكارة في سورية هو كما في العديد من المجتمعات الأخرى، محاط بالكثير من الأساطير والمفاهيم الخاطئة التي تؤثر على حياة النساء بشكل كبير.
فغشاء البكارة الذي نحتاج لتعريفه علميا بكل أسف للخروج من رهبته العرفية: هو نسيج رقيق يغطي جزئياً فتحة المهبل. ولكنه ليس دليلًا قاطعًا على العذرية، إذ يمكن أن يتمزق غشاء البكارة لأسباب عديدة غير ممارسة الجنس، مثل ممارسة الرياضة أو استخدام السدادات القطنية أو حدوث عارض جسدي حاد مثل سقوط من مكان مرتفع أو غير ذلك.

توصيف واقعي:
في سورية كما في العديد من الدول العربية، يُعتبر غشاء البكارة رمزًا للعذرية والشرف، مما يضع ضغطًا كبيرًا على النساء للحفاظ عليه حتى الزواج، هذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى فحوصات العذرية، وهي ممارسة أدانتها منظمة الصحة العالمية باعتبارها انتهاكًا لحقوق الإنسان، كما أن تلك الفحوصات يمكن أن تكون مؤلمة وتسبب أضرارًا نفسية وجسدية للنساء.
ومن شدة الاهتمام بغشاء البكارة صار هناك مايسمى بـ (عمليات ترميم غشاء البكارة) والتي تُجرى لإعادة بناء الغشاء قبل الزواج.
هذه العمليات تُعتبر تجميلية مع أنه لا يوجد لها أي أساس علمي يثبت فعاليتها في إثبات العذرية.

وبحسب متابعتنا في مكتب شؤون الأسرة لعدد من الطبيبات النسائيات بلغن 20 طبيبة في الشمال الغربي لسورية، 7 منهن قمن بعمليات ترميم أو تخييط غشاء بكارة لأسباب إنسانية ودينية خشية على سمعة الفتاة وعائلتها، وإن كان ذلك جيد لحفظ السلم الأهلي، لكنه يساهم في بناء الحياة الزوجية على الخداع وعدم المصداقية.
من المهم التوعية بأن العذرية مفهوم اجتماعي وليس مفهوماً بيولوجيًا، وإنه لا يوجد اختبار يمكنه تحديد ما إذا كانت المرأة قد مارست الجنس أم لا بشكل قاطع.

جهود توعوية:
هناك جهود متزايدة في سورية لتوعية الناس حول مفهوم العذرية والصحة التناسلية.
فبعض المنظمات والمبادرات تعمل على نشر المعلومات الصحيحة وتفكيك الأساطير المتعلقة بالعذرية وغشاء البكارة، (الباحثون السوريون)، على سبيل المثال، نشروا مقالات توعوية تشرح بنية غشاء البكارة وتوضح أنه ليس دليلًا قاطعًا على العذرية، كما يسلطون الضوء على الأهمية الحقيقية للصحة التناسلية وكيفية الحفاظ عليها.
واللوبي النسوي السوري أيضًا يعمل على مكافحة فحوص العذرية التي تُعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان، ويؤكدون على أن هذه الفحوصات غير علمية وتسبب أضرارًا نفسية وجسدية للنساء.

إن هذه الجهود وغيرها تهدف إلى تغيير المفاهيم الخاطئة وتعزيز الفهم الصحيح للصحة التناسلية والعذرية، مما يساعد في تقليل الضغط الاجتماعي على النساء.
في سورية كما في العديد من الدول الأخرى، تعليم مفهوم العذرية والصحة التناسلية في المدارس قد يكون محدودًا ويعتمد بشكل كبير على المناهج الدراسية والسياسات التعليمية المتبعة.

فالتعليم الرسمي والمتوفر بسورية في بعض المدارس، يتم تضمين مواضيع الصحة التناسلية في مناهج العلوم أو التربية الصحية، حيث يتم تعليم الطلاب عن الجهاز التناسلي ووظائفه، ولكن قد لا يتم التطرق بشكل مباشر إلى موضوع العذرية وغشاء البكارة بسبب الحساسيات الثقافية والاجتماعية.
وهناك بعض المبادرات التي تقوم بها منظمات غير حكومية ومجموعات توعية تهدف إلى نشر المعلومات الصحيحة حول العذرية والصحة التناسلية، هذه المبادرات غالبًا ما تكون أكثر شمولية وتتناول المفاهيم الخاطئة والأساطير المتعلقة بالعذرية، بالإضافة إلى تقديم معلومات حول الصحة الجنسية والإنجابية بشكل عام.

التحديات بلغة الارقام:
يظل التعليم حول هذه المواضيع يواجه تحديات كبيرة بسبب التقاليد والعادات الاجتماعية التي قد تعتبر مناقشة هذه المواضيع من المحرمات.
هذا يمكن أن يؤدي إلى نقص في المعلومات الصحيحة بين الشباب والشابات، مما يزيد من انتشار المفاهيم الخاطئة والضغوط الاجتماعية المتعلقة بالعذرية.

وبحسب احصاء قام به فريقنا في مكتب شؤون الأسرة لِـ تيار المستقبل السوري في الشمال السوري على 400 مستهدف/ة، كانت نتيجته مايلي:

  • 65٪ خضعوا وعائلاتهم يوم الزفاف لحضور الأهل ليتاكدوا من دم البكارة وتحقيق العذرية.
  • 77٪ يرون أن غشاء البكارة دليل عذرية الفتاة وطهارتها.
  • 95٪ يرفضون فكرة ترميم غشاء البكارة.
  • 85٪ يجهلون أن غشاء البكارة يمكن أن يتمزق دون ممارسة جنسية.
    وبحسب هذا الاستبيان يظهر ضرورة التوعية الجنسية وأهميتها، وضرورة التفريق بين العادات والتقاليد وبين الدين الذي يرفض اجراءات فحص العذرية ومراقبة الأهل للعروسين ليلة زفافهما.
    وبحسب بحثنا لم نجد حالة فراق أو طلاق بسبب فقدان العذرية، فالظاهر أنه لايمكن بحالة الكتمان الشعبي أن يعترف أحد بسبب طلاقه للعلن، بسبب العرف والعادات بالدرجة الأولى.

خاتمة:
لاشك أن مُنطلق اعتبار العذرية ضرورياً للشرف والعفة سببه أخلاقي قيمي، وهو اهتمام شعبنا السوري بقيمة العفة، وهذه إيجابية يجب ذكرها ومدحها، ولكن لاينبغي التطبيع مع عمليات إسقاطها الواقعية، إذ مع تطور الطب ووجود أدوات خادعة للتعامل مع هذه الحالة، إضافة لكون الممارسة الجنسية غير الشرعية لا تعني بالضرورة فض غشاء البكارة، كل ذلك وغيره يجعل دليل غشاء البكارة على العذرية غير صحيح، فلابقاء الغشاء يعني عذرية أخلاقية، ولا فضه يعني عدم القدرة على إعادته، ومن هنا يمكن أن نوصي بما يلي:

  1. ضرورة استنهاض المثقفين والمثقفات ورجال الدين للتوعية بحقوق النساء النفسية والجسدية، عدم المغالاة بقضية قد تكون مهددة لحياة النساء.
  2. ضرورة التفريق بين أهمية نشر العفة والقيم الأخلاقية من جهة، وبين ربط العذرية بها.
  3. إيلاء أهمية للنساء اللواتي تعرضن لحالات فض بكارة دون ممارسة جنسية غير شرعية، ضرورة إيلائهن معاملة نفسية وثقافية خاصة.

وهيبة المصري
مكتب شؤون الأسرة
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى