إيناس نصر الدينالمكتب الاقتصاديالمكتب العلميدراساتقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيار

التمكين الاقتصادي للمرأة السورية

التمكين الاقتصادي للمرأة يشير إلى العملية التي تمكّن المرأة من الانتقال من موقع قوة اقتصادية أدنى في المجتمع إلى موقع قوة اقتصادية أعلى، يتم ذلك من خلال زيادة سيطرتها وتحكمها بالموارد الاقتصادية والمالية الأساسية، مثل الأجور ورأس المال والملكيات العينية، حيث أن ذلك يمنحها استقلالية مادية مباشرة.

في سورية، أصبح التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمرأة أولوية وطنية، خصوصاً بعد حراك الشعب السوري السلمي ثم العسكري ثم التفتت الإقليمي بالبلد لأربعة مناطق ذات مداخيل اقتصادية متنوعة.
يجدر الإشارة إلى أنه قد تم إطلاق العديد من المبادرات الوطنية المتواضعة لتمكين المرأة السورية بعموم المناطق السورية، حيث تهدف إلى توسيع خيارات العمل أمامها، وتحقيق تكافؤ الفرص في التوظيف في مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع الخاص، وزيادة مشاركتها في الأعمال، ونشر ثقافة ريادة الأعمال بين النساء، من باب أن التمكين الاقتصادي للمرأة حق إنساني أساسي، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز دور المرأة في المجتمع.
وانطلاقًا من أهمية دور المرأة في بناء المجتمع، وإيمانًا بقدرتها على المشاركة بفاعلية والابتكار في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، تم إجراء دراسات حول التمكين الاقتصادي للمرأة في سورية، هذه الدراسات تهدف إلى معرفة واقع المرأة في الحياة الاقتصادية والفرص المتاحة لدخول سوق العمل، وتسليط الضوء على الصعوبات والتحديات التي تواجهها، ولكنها لم تمنع ما تعانيه المرأة في سورية من التهميش والتمييز على مختلف الأصعدة، وما تواجهه من صعوبات في الحصول على فرص العمل والتدريب وبناء قدراتها، لذلك، يُعَدُّ تمكينها اقتصاديًا أمرًا بالغ الأهمية من خلال توفير فرص العمل اللائق وتعزيز مشاركتها في الحياة الاقتصادية، والتي يُمكّن من تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز دور المرأة في المجتمع.

تحديات تمكين المرأة:
تواجه المرأة في سورية تحديات كبيرة نتيجة الظروف السياسية والإنسانية الصعبةعلى رأسها الحرب والنزوح، فالنساء تعاني من تهجير قسري وفقدان أحبائهن، وتعيش في مخيمات إيواء مؤقتة.
إضافة إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر تحديات مرتبطة بالعنف الأسري والجنسي، والتمييز والتهميش حيث تعاني النساء من قلة فرص العمل والتعليم، وتحديات في الوصول إلى الخدمات الأساسية. كما أن المشاركة السياسية المحدودة والتي على الرغم من جهودهن، لم تحقق النساء السوريات تمثيلًا حقيقيًا في القرارات السياسية، إلا في المناطق الشرقية بشكل قسري يجل فرد دراسة اجتماعية خاصة له.
ورغم هذه التحديات، تستمر النساء السوريات في العمل والمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتسعى لتحقيق التغيير والتمكين، ولهذا يجب مساعدة المرأة بتخطي هذه الصعوبات وتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي لها في سورية، عبر عدة خطوات منها:

  1. تعزيز التعليم والتدريب عبر توفير فرص تعليمية عالية الجودة للنساء، وتشجيعهن على تطوير مهاراتهن وتعلم مهارات جديدة.
  2. تمكين النساء اقتصاديًا من خلال توفير فرص العمل والتدريب المناسبة، وتشجيع المشاركة في القطاع الخاص وريادة الأعمال.
  3. مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر تعزيز الوعي حول حقوق المرأة والتصدي للعنف الأسري والجنسي.
  4. تعزيز المشاركة السياسية ويكون بدعم مشاركة النساء في القرارات السياسية وتمثيلهن في المؤسسات الحكومية والمجتمعية.
  5. تعزيز الوعي الثقافي والاجتماعي وتشجيع الحوار حول قضايا المساواة وتغيير النمط الثقافي الذي يحد من تقدم المرأة.
    إن هذه الخطوات تساهم في تحقيق التمكين الشامل للمرأة وتعزيز دورها في المجتمع.

كيفية تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة:
لتحقيق التمكين الاقتصادي للنساء في ظروف صعبة مثل الحروب، يمكن اتباع بعض الممارسات الفعّالة، مثل تعزيز قدرات المؤسسات الوطنية وتوفير خدمات مراعية للنوع الاجتماعي تركز على التمكين الاقتصادي، إضافة إلى تعزيز فرص العمل اللائق ومعالجة الأسباب الهيكلية لعدم المساواة وتوفير فرص عمل للنساء، وتعزيز روح ريادة الأعمال عبر تخفيف الحواجز البنيوية وتهيئة بنيات داعمة للمرأة.
ومن الأمثلة على تطبيق الممارسات لتحقيق التمكين الاقتصادي للنساء في دول متشابهة بالموقع الاجتماعي للمرأة المملكة العربية السعودية حيث قامت بإصلاحات لإزالة العوائق التي تحول دون عمل المرأة ومشاركتها في الاقتصاد، تضمنت هذه الإصلاحات مساواة الأجور وتحسين قدرة المرأة على التنقل، مما أدى إلى زيادة مشاركتها في القوى العاملة، فالمرأة في السعودية كانت تعاني ولازالت من تقوقع أكبر منه في سورية، ويمكن دراسة تجربتها في خرق هذا المانع لتمكين المرأة.
وفي لبنان هناك تعاون واضح وكبير مع “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” بين التدريبات المهنية والمهارات الشخصية وفرص العمل لدعم قابلية المرأة للتوظيف. تشمل هذه الجهود الإدماج المهني ودعم ريادة الأعمال، ويمكن الاستفادة أيضا من التجربة اللبنانية في استقدام الدعم الأممي.
كما هناك العديد من التجارب والأبحاث التي تسلط الضوء على دور المرأة في مختلف القطاعات مثل ما يُظهِره تقرير من البنك الدولي أن زيادة مشاركة النساء في قوة العمل إلى حد المساواة مع الرجال يمكن أن تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي في العديد من البلدان, والتركيز على نوعية الوظائف المتاحة للنساء يلعب دورًا مؤثرًا في تمكينهن، ووظائف مستقرة ولائقة وآمنة تسهم في تحقيق المساواة بين الجنسين.
وهناك تقرير McKinsey عن المرأة في بيئة العمل لعام 2023 والذي يستعرض تحديات النساء في الحصول على التمثيل المناسب والعادل في مختلف الوظائف، ويسلط الضوء على الفروق بين الجنسين في السلم الوظيفي, إضافة لتقرير McKinsey عن المرأة في العمل في الشرق الأوسط الذي يؤكد على أهمية زيادة مشاركة المرأة في الوظائف المهنية والتقنية لتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة.
وبخصوص تمكين المرأة اقتصاديًا في شمال سورية يمكن اعتباره أمرًا حاسمًا لتحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمع يسوده الاستقرار. حيث يواجه النساء في هذه المنطقة تحديات عديدة نتيجة المعايير الثقافية والتقليدية، إضافة إلى الصراع المستمر والفرص الاقتصادية المحدودة، ولتحقيق تمكين المرأة، يمكن تنفيذ استراتيجيات واعية مثل توفير التعليم للفتيات والنساء الذي يُعد أساسًا لتمكين المرأة ويحسن فرص العمل ويمكّنها من المشاركة في الاقتصاد والحد من الفقر.
كما من المهم ضمان وصول المرأة إلى الفرص الاقتصادية فإن ذلك يساهم في زيادة مشاركة المرأة في صنع القرار وتحسين استقلاليتها المالية، ويقلل من العنف القائم على النوع الاجتماعي ويساهم في تحسين حياة الأسر.
ومن الضروري أيضا تشجيع مشاركة المرأة في السياسة حيث يؤدي دور المرأة في صنع القرار إلى سياسات أكثر شمولًا تعالج احتياجاتها ويسمح بالتعبير عن موقفها ورأيها, كما يمكن أن تتحدى المشاركة السياسية للمرأة الأدوار التقليدية وتلهم الجيل القادم من القيادات النسائية.

خاتمة:
التمكين الاقتصادي للمرأة يعد أساسًا لتمكينها سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا. يُظهِر الدخل المستقل للمرأة أهمية كبيرة، حيث يمنحها استقلالية مادية ويقلل من تأثير الموروث والعنف الجسدي واللفظي، لهذا فإننا في المكتب الاقتصادي لِـ تيار المستقبل السوري نؤمن بوجوب تعزيز البنية التشريعية وتوفير فرص العمل، وتعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة لتحقيق التمكين الشامل، ونؤمن أن تمكين المرأة اقتصاديًا يساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز دورها في المجتمع، ولهذا فإننا نوصي بالمساهمة في تمكين المرأة اقتصاديا خطوة أولى نحو التمكين الكامل لكل النواحي الاجتماعية والسياسية.

إيناس نصر الدين
المكتب الاقتصادي
قسم البحوث والدراسات
تيار المستقبل السوري

المراجع:

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى