التربية الجنسية للطلاب ضرورة قيمية
ليس في سورية فقط يغدو طرح تدريس التربية الجنسية في المدارس العربية أيضا أمر له حساسيته وحقل ألغام اجتماعية ودينية معقدة، وبحسب إحصائيات قمنا بها في مكتب شؤون الأسرة التابع لتيار المستقبل السوري فإنه لايوجد في المناطق المحررة بالشمال السوري تدريسٌ للتربية الجنسية بشكل علمي ممنهج ومدروس من المدارس الابتدائية وحتى المدارس الثانوية.
كما وإن 60% فقط من المدارس الابتدائية والإعدادية تدرّس فيه التربية الجنسية ولكن بشكل غير مُخصص، ضمن حلقات التعليم الديني أو العلوم أو حتى أسئلة الطلاب مع بعض الأساتذة المخضرمين في ساعة صفا.
والغريب أن أكثر من ٨٠٪ من الأساتذة الذين شملهم الاحصاء في المناطق المحررة كانوا مع تدريس التربية الجنسية بشكل مدروس وخاضع للمعايير الدينية والاجتماعية.
وبالنسبة لأهالي الطلاب كان التحفظ غريبا لدى ٣٠٪ منهم.
بينما كان ٤٥٪ موافقون على تدريس التربية الجنسية.
لم يكتمل عملنا الذي كان من المفترض أن يشمل طلاب الاعدادية والثانوية وهو لازال مستمرا حتى نشر المقال.
حول التربية الجنسية دراسيا:
عن أهمية إدخال موضوع التربية الجنسية ضمن المنهاج الدراسي في المدارس، يجب أن يُلاحظ تأثر مجتمعنا والعالم من حولنا بوسائل الإعلام وبالثقافة والحضارة الغربية، حيث كان قبل عقدين من الآن يقتصر اكتشاف الطالب لمعلومات جنسية من رفاقه بالدرجة الأولى، لكن الفضاء المفتوح اليوم جعل الانترنت عامل جذب وتعليم لايمكن منعه ولا منع وصوله للطلاب.
وهذا التاثير أدى إلى وجود بلبلة كبيرة في مجتمعنا، من ناحية المفاهيم والخطوط الحمراء، والمسموح والممنوع، وجعلت الطالب يعيش في تناقض صارخ بين تقاليد المجتمع ومايراه على وسائل التواصل الاجتماعي دون فتح باب الدراسة لهذه الظاهرة والعمل على وضع مناهج دراسية تمتص سلبيات الواقع الحالي.
وعليه، نرى أنه يجب الاعتراف بأن هُناك حاجة وضرورة مُلحة، للتربية الجنسية في داخل المدارس، بشكل علمي سيكولوجي وقانوني وديني مدروس بعناية متجددة، خصوصا وأولادنا مثل كل الأولاد يمرون بتطورات جنسية جسمية مع سهولة الوصول للمعلومة الخاطئة غير المدروسة والتي تؤثر سلبا
كما ومن المهم جداً أن تكون مرشد/ة نفسي/ة مهني/ة من قبل مختصين تربويين مع التلاميذ والأولاد، كي نتمكن من إيصال المفاهيم والقيّم الصحيحة من الجانب الأخلاقي والديني والثقافي.
كما يلزم الاهتمام بجوانب أربعة للتربية الجنسية للطلاب:
الجانب الأول:
وهو الجانب الطبي، والتي تؤخذ من المصادر العلمية لناحية التطورات الجسدية والفسيولوجية، والحاجات الجسدية عند كل طالب في المدرسة.
الجانب الثاني:
وهو الجانب النفسي، من خلال النظرة الذاتية للفرد نفسه، وتكوين جسده ( ذكر أو أُنثى)، ومعرفة الفروقات بين الجنسين بشكل علمي غير مغلوط، بالإضافة إلى الأمور المتعلقة في الأدوار الحقيقية التي يقوم بها اليوم الطلاب والطالبات، فمع تقدم الحياة لم تعد حياة الأنثى والذكر رتيبة كما كانت سابقا.
لهذا يجب دعم شخصية الطلاب، كيف يتقبل ذاته مع تغيرات جسمه، ومساعدته ليرى نفسه مقبولاً من الآخرين ضمن الحدود المجتمعية.
التربية الجنسية لايجوز أن تخضع للصراعات الأيدلوجية، ولا أن تكون سببا للدعوة إلى ثورة اجتماعية، بل الهدف من وراء التربية الجنسية يلزم اتفاق العقلاء على أن يكون انتماء الطلاب والطالبات لمجتمعهم،
الجانب الثالث:
وهو الاجتماعي، ويكون من خلال توضيح علاقة الطالب مع محيطه، من أصدقاء وعائلة وأقرباء وجنس آخر، خصوصا في مرحلة المراهقة.
الجانب الرابع:
وهو الجانب الأخلاقي باعتبار هذا الجانب هو المسؤول عن دراسة ورسم حدود واضحة، بين المسموح والممنوع، في السلوكيات، وتقبُل المشاعر والأحاسيس والتطورات الجسدية، إذ ليس كل سلوك هو مسموح، وهنا يبدأ دور التربية والأخلاق، من خلال ماتحمله من قيود وجلاء في المفاهيم.
يبدأ تدريس التربية الجنسية من مرحلة الطفولة المبكرة، وبمفاهيم بسيطة غير معقدة تُعطي إشارات علمية فقط وتكون ملائمة لاستيعاب الطفل ومفهومه، ويكون المدخل لذلك مادة العلوم من خلال دراسة الجسد والفرق بين جسم الذكر والأُنثى، وكيفية التمييز بين الجنسين، وكيفية حماية الطفل لذاته وجسمه، ومعرفة خصوصية جسده، وأنه ملك له، وعدم السماح لأحد المسّ بخصوصية الطفل هذه، ويتم الاستمرار بشكل تطوري من الصف الأول وصولاً للثانوية، وفي كل مرحلة دراسية تختلف طريقة تمرير المعلومات للتلاميذ، التي تكون ملائمة لجيلهم ومدى قدرتهم الاستيعابية،
وفي سورية يوصى دائماً -مجتمعيا وعرفيا- أن يكون هناك فصل بين الطلاب والطالبات، خاصة عند الصفوف الصغير فيما خص التربية الجنسية، التي تبدأ من الصف الخامس حتى الاعدادية، باعتبارها مرحلة حرجة يمر بها الطلاب بتغيرات جسمانية جديدة، وينتابهم في هذه الفترة شعور وكأن أنظار العالم حولهم تلقى عليهم، ومن هُنا احتراماً لخصوصياتهم يكون فصل بين الجنسين، كي يرتاح الطلاب من بطرح الاستفسارات، دون تقييد على الرغم من عدم وجود اختلاط في مدارس الشمال ولكن وجب التنويه لهذا فقط.
التربية الجنسية في المدارس، عبارة عن برنامج يُقدم خلال العام الدراسي كاملا، بخصص هي بين 10 الى 12 حصة، والتي تساعد في منح الطالب الإحساس أن هذه التغيرات لديه طبيعية، حصلت لزملائه وأصدقائه وأهله سابقا أيضاً، إذ الكثير من الطلاب والطالبات يكون لديهم رفض لهذه التغيرات الحاصلة في أجسامهم، دور المستشارين التربويين، يكمن في تقوية شخصية الطالب ومساعدته في تقبل كل هذه التغيرات، وحق كل فرد بالتميز بشكله، وأفكاره وشخصيته.
والتشدد ضروري بتحسين الأخلاق والسلوك، وايجاد الانسان الصالح لنفسه ولمجتمعه.
ولكسر حاجز الخجل المانع من التربية الجنسية يجب تقديم المحاضرات العلمية، من خلال أخصائيين ومهنيين استشاريين في هذا المجال، فالمحاضرات الخاصة بالثقافة الجنسية يجب أن تُمرر مع مربي من نفس الجنس، حتى نمنحهم الشعور بالراحة والأمان”، ويمكن الاستعانة بالمادة الدينية لتمرير التربية الجنسية إن لزم الأمر من خلال تشريعات النظافة ورفع الحدث الأكبر، وخلال المحاضرات نقوم بتوزيع أوراق على الطلاب، بشكل سري، ليقوم الطالب بتسجيل الاستفسار الذي يريده، وعند نهاية المحاضرة يتم جمع الأوراق والرد عليها دون ذكر الاسم بشكل علني.
وغيرها من الطرق المعروفة، إذ من المهم جداً بناء علاقة ثقة بين الطلاب والمعلمين.
توصية:
كما دور المدرسة مهم جداً ولاشك، لكن دور البيت أهم، لهذا من الضروري التوجه للمختصين لتوجيه الآباء على مايجهلونه ومايعتقدونه صوابا في تربية أبنائهم جنسيا، من الضروري أن يكون الأهل مصدر ثقة للأبناء، حتى لا يصلوا إلى أماكن صعبة وينحرفوا عن مسارهم، ومن الضرورة ان يكون الأهل يقظين لكل التغيرات التي يمر بها أبناءهم، ويكونوا مصدر المعلومات الرئيسي لأولادهم حتى لا يلجئوا لإيجاد بديلا أخرا عنهم.
وأخيرا، فإننا في مكتب شؤون الأسرة لتيار المستقبل السوري نوصي بوضع مادة التربية الجنسية لدى المدارس منذ الطفولة المبكرة والاهتمام بمرحلة الصف الخامس حتى الصف التاسع بشكل مركز، كما ونوصي بالتعاون مع مختصين بعلم النفس والتربية الجنسية بكتابة البرنامج والمنهاج وكيفية تدريسه.
كما ونوصي بالاستفادة من تجارب اليونيسكو واليونيسيف والمنظمات العالمية المختصة في هذا المجال.
كما ونوصي أن يكون هناك رابط ثقة كبير بين الأهالي والمدارس وعمل لقاءات توعوية لإيجاد حو نظيف يعطي المعلومة الصحيحة ويمنع استغلالها من قبل السيئين في المجتمع من رفاق السوء.
وهيبة المصري
مكتب شؤون الأسرة
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري