إلياس عبد المسيحالمكتب السياسيالمكتب العلميقسم البحوث و الدراساتكاتبوا التيارمقالات

الشخصيات الرمزية، قطباً جامعاً

للرموز الوطنية خصوصية لدى كلّ شعب ينتمي لبلد معين، فرموز الدولة تملك مكانتها من المثل والقيم التي تُمثّلها، مما يعني أن أي رمز وطني سيفقد مكانته جراء أي انتهاك منه لتلك القيم!، مما يدفع الناس إلى البحث عن رموز جديدة تجسد تلك القيم التي يحترمونها، أو يعودون إلى رموز سابقة في التاريخ أجمعوا عليها، أو قد يكفروا برموزهم جميعهم.
المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربيَّة يُعرّف الرمز بكونه: «علامة يُتَّفق عليها للدلالة على شيء، أو فكرة ما».
يتحدث “موراي إيدلمان” وهو أبرز من خاض في الكشف عن تأثير الرمز في المجال السياسي، في كتابه: “الاستخدامات الرمزية للسياسة” (1964) عن كيفية حصول الناس على ما يريدون من خلال الحكومة. أما في “واقع السياسة” فيكشف عن دور الرمز وفاعليته، إذ تُستخدم الرمزية السياسية للتأثير على مواطني الدولة من خلال استرضائهم، أو جمعهم على تصرف وهدف ما.

ومن المهم أن نؤكد على أن الإنسان يمتاز عن غيره من الكائنات والمخلوقات بسمات كثيرة، فهو كائن مدني واجتماعي وعاطفي وثقافي.. ونحو ذلك.
إلا أن خصوصيته عن باقي الكائنات تكمن في ميزة “العقل”، فهو وحده قادر على “عَقْلِ” الأشياء و فَهِمَهُا، وإدْرَاكهُا عَلَى حَقِيقَتِها وكُنهِها، وعلى بناء عوالم كاملة من خلال الرموز واللغات وشبكات المعاني، فالإنسان كائن “رمزيٌّ” بقدر ما هو عقلي، يعيش بالرموز ويوظفها في مفاصل الحياة المختلفة، ويُرسي عبرها منظومة علاقاته مع الآخرين.
كما أن الرموز لا تأتي من فراغ، بل تتعلق بسيكولوجيا الأفراد وسلوكهم وبمنظومة تصوراتهم وقيمهم، وكذلك بسياقات جماعة من الجماعات، أو دولة من الدول، أو أمة من الأمم، كما وأن الرموز لا تنفصل عن مجموعات أخرى من العناصر، فإذا ارتبطت بالقيم والعادات والتقاليد شكلت الموروث الشعبي، وإذا ارتبطت بالشعائر والعقائد شكلت الطقوس الدينية، وإذا ارتبطت بالتاريخ والعمل السياسي للدولة ورجالاتها وأهم أحداثها شكلت ثقافتها السياسية.

إذاً فالرموز الوطنية تمثل المجموع ككل، وليس فقط الأفراد العاديين! ونجد أن أسباب متعددة تجعل الاهتمام بالرموز الوطنية أمراً مهمًا، منها:

  1. تمثيل الأمة بما في ذلك تاريخها، ثقافتها، وقيمها، فالشخصيات الرمزية تُعبر عن الهوية الجماعية، وليس فقط الهوية الفردية.
  2. الوحدة والانتماء من خلال تعزيز الشعور بالوحدة والانتماء بين الناس، لتعمل كرابط يجمع الناس معًا، بغض النظر عن خلفياتهم الفردية.
  3. التراث والتقاليد: الشخصيات الرمزية تحمل في طياتها التراث والتقاليد الوطنية.
  4. الاحترام والفخر لأنها تُمثل الأمة وتاريخها، بينما الأفراد العاديين هم جزء مهم من الأمة، وبذلك تكون الرموز الوطنية ممثلة للمجموع ككل.

شعبٌ لا يملك شخصياتٍ رمزية له، هو شعب تائه:
يسعى المحتل الخارجي، وكذا المستبد الداخلي، إلى كسر كلّ شخصية رمزية للشعوب التي يحتلها، ليَسهُل عليه تفتيته وتمزيقه ثم السيطرة عليه! أما مايصنعه المستبد فهو القضاء على كلِّ شخصية رمزية تُوحّد صف الشعب حوله، أو يجعله الشعب محور حراكه، ويعمل على صناعة شخصه كرمزٍ وقدوة وملهِم.
وهذا ما فعله حافظ الأسد زمن حكمه حين طمس تاريخ سورية بما فيها من عراقة وتجذرٍ وحضارة، وأطلق على فترته (باني سورية الحديثة)، وتغوّلَ الأنا لديه حتى ما عاد يرى سوى نفسه، ونذكر جوابه عندما سُئل: أين ترى سورية دون حافظ الأسد؟! فقال: لا أرى سورية!.

لهذا كان وسيكون من واجب النخب الثقافية والسياسية أن تُعلي من شأن رموزها الحقيقيين، وتهتم بجعلهم شخصيات رمزية (لا أصنام تُعبَد ولا شخصياتَ تُقدّس)، بل رموزاً تُمثل المجموع الحقيقي الذي ينتهي من خلاله مخطط كل مستعمر أو مستبد.
ولعل من المُفيد أن يتم القيام بخطوات عملية نحو تحقيق هذا الواجب مثل:

  1. احترام الرموز الوطنية وعدم السماح بإهانتها.
  2. تعليم الأجيال الجديدة عن أهمية الرموز الوطنية وما تمثله من قيم، إضافة لنشر الروايات والأفلام والمسرحيات والبرامج الوثائقية حول شخصيات يقبلها الناس رموزاً وطنية.
  3. العمل والمشاركة في الاحتفالات التي تختص بالشخصيات الوطنية لتعزيز الوحدة والهوية الوطنية.
  4. في حالة الهجمات أو الانتقادات غير العادلة ضد الرموز الوطنية، يجب الدفاع عنها واعتبار ذلك واجباً وطنياً.
  5. السعي لتكريمهم في حياتهم لا بعد موتهم، لتنتقل الراية من جيل لجيل ويكونوا شاهدين على العصر بآنٍ معاً.

ولعل أهمية تكريم الرموز الوطنية يكمن فيما تركه هؤلاء من إرث ثقافي ونضالي أو سياسي أو فني، وفي العمل العام الاجتماعي والإنساني. وبذلك يُقدّمون للأجيال المقبلة مثالاً حياً ويكونوا قيمةً عليا، وأنموذجاً يحتذى.

إن الرموز الوطنية جزء من هويتنا وتاريخنا، ويجب علينا جميعًا العمل معًا لحمايتها والحفاظ عليها، والالتفاف حولها.

فالشخصيات التي تعتبر رموزاً وطنية، تلعب دوراً هاماً في تعزيز الهوية الوطنية وتوحيد الشعب، وكيف لا وقد أسهمت بشكل ما في كتابة تاريخ الوطن، وقدمت مساهمات هامة للشعوب والمجتمعات، وبذلك غدت جزءًا من تشكيل الفكر السياسي العام وتوجيه السياسات الوطنية.

وانطلاقاً من كل ذلك، فإننا في تيار المستقبل السوري نوصي بأن يتم التعامل مع الشخصيات الرمزية عبر مسارين اثنين:
المسار الأول: السياسي والنخبوي، فيجب أن يتم الاتفاق على شخصيات موحِّدَة تُمثّل النظرة المستقبلية لخلاص سورية، وبعدها تأتي مهمة الإعلام والسوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي لتحتفي بتلك الشخصيات الرمزية وتسلط الضوء عليهم بشكل دائم ومستمر.

المسار الثاني: شعبياً، عبر تمسك الناس برموز تُمثلهم، وعدم السماح بفرض رموز ما هم إلا دُمى في حقيقة الأمر والواقع!

إلياس عبد المسيح
المكتب السياسي
قسم البحوث والدراسات
مقالات
تيار المستقبل السوري

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى